عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه،
وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله تعالى" . متفق عليه.
(ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين) سواء كان هذان الأمران من الأمور الدينية أو الدنيوية
(قط إلا أخذ) أي تناول أو اختار
(أيسرهما) إرشادًا للأمة ولأن دينه بني على اليسر
يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ
(ما لم يكن) أي الأيسر
(إثمًا) أي معصية لأنها سببه، فإن كان الأيسر معصية فلا يخيره الله تعالى بينه وبين مقابله، وإن كان المخير غيره فهو صلى الله عليه وسلم لا يختاره بل يبعد عنه كما قال
(فإن كان) أي الأيسر الذي خيره بعض الناس بينه وبين مقابله
(إثمًا كان أبعد الناس منه) أما المكروه فقال المصنف: إنه كالمعصية لا يختاره صلى الله عليه وسلم ، وإن كان يجب عليه فعل ذلك تشريعًا وبيان أن النهي ليس للتحريم بل للتنزيه
(وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط) يتعلق بحقه من نفس أو مال أو عرض، مع كون المتعرض للنبي صلى الله عليه وسلم قد باء بإثم عظيم، إلا لأن هذا الحق حق آدمي فيسقط بإسقاطه بخلاف حقه سبحانه
(إلا أن تنتهك حرمة الله) وانتهاكها يكون بارتكاب المحرمات، ويحتمل أن يكون بإيذائه صلى الله عليه وسلم بما فيه غضاضة في الدين فذاك انتهاك حرمات الله تعالى
(فينتقم لله تعالى) أي فإن انتهكت حرمة الله فهو ينتقم لله من مرتكب ذلك كما هو شأن أكابر المسلمين.
وفي الحديث الأخذ باليسر والرفق في الأمور وترك التكلف والمشاق، وفيه الميل إلى الأخذ يرخص الله تعالى ورخص نبيه صلى الله عليه وسلم ورخص العلماء ما لم يكن ذلك القول خطأ بينًا، وفيه ما كلن عليه صلى الله عليه وسلم من الحلم والصبر والقيام بالحق والصلابة في الدين، وهذا هو الخلق الحسن؛ فإنه لو ترك كل حق كان ضعفًا وخورًا ومهانة، ولو انتقم لنفسه لم يكن ثم صبر ولا حلم ولا احتمال بل بطشًا وانتقامًا فانتفى عنه الطرفان المذمومان وخير الأمور أوساطها.