لونك المفضل

المنتديات الثقافية - Powered by vBulletin
 

صفحة 4 من 5 الأولىالأولى ... 2345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 61 إلى 80 من 97

الموضوع: يوميات من كتاب ؟

  1. #61
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية إبن عبد ربه
    مشرف سابق
    تاريخ التسجيل
    08 2003
    المشاركات
    3,774
    فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في سفره وعبادته فيه




    كانت أسفاره صلى الله عليه وسلم دائرة بين أربعة أسفار سفره لهجرته وسفره للجهاد وهو أكثرها وسفره للعمرة وسفره للحج .

    وكان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها سافر بها معه ولما حج سافر بهن جميعا .

    وكان إذا سافر خرج من أول النهار وكان يستحب الخروج يوم الخميس ودعا الله تبارك وتعالى أن يبارك لأمته في بكورها

    وكان إذا بعث سرية أو جيشا بعثهم من أول النهار وأمر المسافرين إذا كانوا ثلاثة أن يؤمروا أحدهم

    ونهى أن يسافر الرجل وحده وأخبر أن الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب

    وذكر عنه أنه كان يقول حين ينهض للسفر اللهم إليك توجهت وبك اعتصمت اللهم اكفني ما أهمني وما لا أهتم به اللهم زودني التقوى واغفر لي ذنبي ووجهني للخير أينما توجهت

    وكان إذا قدمت إليه دابته ليركبها يقول بسم الله حين يضع رجله في الركاب وإذا استوى على ظهرها قال الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ثم يقول الحمد لله الحمد لله الحمد لله ثم يقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثم يقول سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت

    وكان يقول ( اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال وإذا رجع قالهن وزاد فيهن آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون

    وكان هو وأصحابه إذا علوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا الأودية سبحوا .

    وكان إذا أشرف على قرية يريد دخولها يقول اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما ذرين أسألك خير هذه القرية وخير أهلها وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها .

    وذكر عنه أنه كان يقول اللهم إني أسألك من خير هذه القرية . وخير ما جمعت فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما جمعت فيها اللهم ارزقنا جناها وأعذنا من وباها وحببنا إلى أهلها وحبب صالحي أهلها إلينا

    [ مبحث في قصر الصلاة ]
    وكان يقصر الرباعية فيصليها ركعتين من حين يخرج مسافرا إلى أن يرجع إلى المدينة ولم يثبت عنه أنه أتم الرباعية في سفره ألبتة وأما حديث عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم فلا يصح . وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول هو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وقد روي كان يقصر وتتم الأول بالياء آخر الحروف والثاني بالتاء المثناة من فوق وكذلك يفطر وتصوم أي تأخذ هي بالعزيمة في الموضعين قال شيخنا ابن تيمية : وهذا باطل ما كانت أم المؤمنين لتخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع أصحابه فتصلي خلاف صلاتهم كيف والصحيح عنها أنها قالت إن الله فرض الصلاة ركعتين ركعتين فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة زيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر فكيف يظن بها مع ذلك أن تصلي بخلاف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه . قلت : وقد أتمت عائشة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس وغيره إنها تأولت كما تأول عثمان وإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر دائما فركب بعض الرواة من الحديثين حديثا وقال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصر وتتم هي فغلط بعض الرواة فقال كان يقصر ويتم أي هو . والتأويل الذي تأولته قد اختلف فيه فقيل ظنت أن القصر مشروط بالخوف في السفر فإذا زال الخوف زال سبب القصر وهذا التأويل غير صحيح فإن النبي صلى الله عليه وسلم سافر آمنا وكان يقصر الصلاة والآية قد أشكلت على عمر وعلى غيره فسأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابه بالشفاء وأن هذا صدقة من الله وشرع شرعه للأمة وكان هذا بيان أن حكم المفهوم غير مراد وأن الجناح مرتفع في قصر الصلاة عن الآمن والخائف وغايته أنه نوع تخصيص للمفهوم أو رفع له وقد يقال إن الآية اقتضت قصرا يتناول قصر الأركان بالتخفيف وقصر العدد بنقصان ركعتين وقيد ذلك بأمرين الضرب في الأرض والخوف فإذا وجد الأمران أبيح القصران فيصلون صلاة الخوف مقصورة عددها وأركانها وإن انتفى الأمران فكانوا آمنين مقيمين انتفى القصران فيصلون صلاة تامة كاملة وإن وجد أحد السببين ترتب عليه قصره وحده فإذا وجد الخوف والإقامة قصرت الأركان واستوفي العدد وهذا نوع قصر وليس بالقصر المطلق في الآية فإن وجد السفر والأمن قصر العدد واستوفي الأركان وسميت صلاة أمن وهذا نوع قصر وليس بالقصر المطلق وقد تسمى هذه الصلاة مقصورة باعتبار نقصان العدد وقد تسمى تامة باعتبار إتمام أركانها وأنها لم تدخل في قصر الآية والأول اصطلاح كثير من الفقهاء المتأخرين والثاني يدل عليه كلام الصحابة كعائشة وابن عباس وغيرهما قالت عائشة : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة زيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر فهذا يدل على أن صلاة السفر عندها غير مقصورة من أربع وإنما هي مفروضة كذلك وأن فرض المسافر ركعتان .

    وقال ابن عباس : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة متفق على حديث عائشة وانفرد مسلم بحديث ابن عباس .

    وقال عمر رضي الله عنه صلاة السفر ركعتان والجمعة ركعتان والعيد ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وقد خاب من افترى وهذا ثابت عن عمر رضي الله عنه وهو الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما بالنا نقصر وقد أمنا ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة تصدق بها الله عليكم فاقبلوا صدقته

    ولا تناقض بين حديثيه فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجابه بأن هذه صدقة الله عليكم ودينه اليسر السمح علم عمر أنه ليس المراد من الآية قصر العدد كما فهمه كثير من الناس فقال صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر . وعلى هذا فلا دلالة في الآية على أن قصر العدد مباح منفي عنه الجناح فإن شاء المصلي فعله وإن شاء أتم .

    وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواظب في أسفاره على ركعتين ركعتين ولم يربع قط إلا شيئا فعله في بعض صلاة الخوف كما سنذكره هناك ونبين ما فيه إن شاء الله تعالى .

    وقال أنس خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة متفق عليه .

    ولما بلغ عبد الله بن مسعود أن عثمان بن عفان صلى بمنى أربع ركعات قال إنا لله وإنا إليه راجعون صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين وصليت مع أبي بكر بمنى ركعتين وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان متفق عليه . ولم يكن ابن مسعود ليسترجع من فعل عثمان أحد الجائزين المخير بينهما بل الأولى على قول وإنما استرجع لما شاهده من مداومة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه على صلاة ركعتين في السفر . وفي " صحيح البخاري " عن ابن عمر رضي الله عنه قال صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان في السفر لا يزيد على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان . يعني في صدر خلافة عثمان وإلا فعثمان قد أتم في آخر خلافته وكان ذلك أحد الأسباب التي أنكرت عليه . وقد خرج لفعله تأويلات

    أحدها : أن الأعراب كانوا قد حجوا تلك السنة فأراد أن يعلمهم أن فرض الصلاة أربع لئلا يتوهموا أنها ركعتان في الحضر والسفر ورد هذا التأويل بأنهم كانوا أحرى بذلك في حج النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا حديثي عهد بالإسلام والعهد بالصلاة قريب ومع هذا فلم يربع بهم النبي صلى الله عليه وسلم .

    التأويل الثاني : أنه كان إماما للناس والإمام حيث نزل فهو عمله ومحل ولايته فكأنه وطنه ورد هذا التأويل بأن إمام الخلائق على الإطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو أولى بذلك وكان هو الإمام المطلق ولم يربع .

    التأويل الثالث أن منى كانت قد بنيت وصارت قرية كثر فيها المساكن في عهده ولم يكن ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كانت فضاء ولهذا قيل له يا رسول الله ألا نبني لك بمنى بيتا يظلك من الحر ؟ فقال لا . منى مناخ من سبق فتأول عثمان أن القصر إنما يكون في حال السفر . ورد هذا التأويل بأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة عشرا يقصر الصلاة .

    التأويل الرابع أنه أقام بها ثلاثا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا فسماه مقيما والمقيم غير مسافر ورد هذا التأويل بأن هذه إقامة مقيدة في أثناء السفر ليست بالإقامة التي هي قسيم السفر وقد أقام صلى الله عليه وسلم بمكة عشرا يقصر الصلاة وأقام بمنى بعد نسكه أيام الجمار الثلاث يقصر الصلاة .

    التأويل الخامس أنه كان قد عزم على الإقامة والاستيطان بمنى واتخاذها دار الخلافة فلهذا أتم ثم بدا له أن يرجع إلى المدينة وهذا التأويل أيضا مما لا يقوى فإن عثمان رضي الله عنه من المهاجرين الأولين وقد منع صلى الله عليه وسلم المهاجرين من الإقامة بمكة بعد نسكهم ورخص لهم فيها ثلاثة أيام فقط فلم يكن عثمان ليقيم بها وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك وإنما رخص فيها ثلاثا وذلك لأنهم تركوها لله وما ترك لله فإنه لا يعاد فيه ولا يسترجع ولهذا منع النبي صلى الله عليه وسلم من شراء المتصدق لصدقته وقال لعمر : لا تشترها ولا تعد في صدقتك فجعله عائدا في صدقته مع أخذها بالثمن .

    التأويل السادس أنه كان قد تأهل بمنى والمسافر إذا أقام في موضع وتزوج فيه أو كان له به زوجة أتم ويروى في ذلك حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم . فروى عكرمة بن إبراهيم الأزدي عن ابن أبي ذباب عن أبيه قال صلى عثمان بأهل منى أربعا وقال يا أيها الناس لما قدمت تأهلت بها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا تأهل الرجل ببلدة فإنه يصلي بها صلاة مقيم رواه الإمام أحمد رحمه الله في " مسنده " وعبد الله بن الزبير الحميدي في " مسنده " أيضا وقد أعله البيهقي بانقطاعه وتضعيفه عكرمة بن إبراهيم . قال أبو البركات بن تيمية : ويمكن المطالبة بسبب الضعف فإن البخاري ذكره في " تاريخه " ولم يطعن فيه وعادته ذكر الجرح والمجروحين وقد نص أحمد وابن عباس قبله أن المسافر إذا تزوج لزمه الإتمام وهذا قول أبي حنيفة ومالك وأصحابهما وهذا أحسن ما اعتذر به عن عثمان .

    وقد اعتذر عن عائشة أنها كانت أم المؤمنين فحيث نزلت كان وطنها وهو أيضا اعتذار ضعيف فإن النبي صلى الله عليه وسلم أبو المؤمنين أيضا وأمومة أزواجه فرع عن أبوته ولم يكن يتم لهذا السبب . وقد روى هشام بن عروة عن أبيه أنها كانت تصلي في السفر أربعا فقلت لها : لو صليت ركعتين فقالت يا ابن أختي إنه لا يشق علي

    قال الشافعي رحمه الله لو كان فرض المسافر ركعتين لما أتمها عثمان ولا عائشة ولا ابن مسعود ولم يجز أن يتمها مسافر مع مقيم وقد قالت عائشة : كل ذلك قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم وقصر ثم روي عن إبراهيم بن محمد عن طلحة بن عمرو عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة قالت كل ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة في السفر وأتم .

    قال البيهقي : وكذلك رواه المغيرة بن زياد عن عطاء وأصح إسناد فيه ما أخبرنا أبو بكر الحارثي عن الدارقطني عن المحاملي حدثنا سعيد بن محمد بن ثواب حدثنا أبو عاصم حدثنا عمر بن سعيد عن عطاء عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في الصلاة ويتم ويفطر ويصوم

    قال الدارقطني : وهذا إسناد صحيح . ثم ساق من طريق أبي بكر النيسابوري عن عباس الدوري أنبأنا أبو نعيم حدثنا العلاء بن زهير حدثني عبد الرحمن بن الأسود عن عائشة أنها اعتمرت مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت يا رسول الله بأبي أنت وأمي قصرت وأتممت وصمت وأفطرت . قال أحسنت يا عائشة

    وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول هذا الحديث كذب على عائشة ولم تكن عائشة لتصلي بخلاف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الصحابة وهي تشاهدهم يقصرون ثم تتم هي وحدها بلا موجب . كيف وهي القائلة فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر فكيف يظن أنها تزيد على ما فرض الله وتخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .

    قال الزهري لعروة لما حدثه عنها بذلك فما شأنها كانت تتم الصلاة ؟ فقال تأولت كما تأول عثمان . فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حسن فعلها وأقرها عليه فما للتأويل حينئذ وجه ولا يصح أن يضاف إتمامها إلى التأويل على هذا التقدير وقد أخبر ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يزيد في السفر على ركعتين ولا أبو بكر ولا عمر . أفيظن بعائشة أم المؤمنين مخالفتهم وهي تراهم يقصرون ؟ وأما بعد موته صلى الله عليه وسلم فإنها أتمت كما أتم عثمان وكلاهما تأول تأويلا والحجة في روايتهم لا في تأويل الواحد منهم مع مخالفة غيره له والله أعلم .

    وقد قال أمية بن خالد لعبد الله بن عمر إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن ولا نجد صلاة السفر في القرآن ؟ فقال له ابن عمر يا أخي إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئا فإنما نفعل كما رأينا محمدا صلى الله عليه وسلم يفعل

    وقد قال أنس خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة

    وقال ابن عمر : صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد في السفر على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وهذه كلها أحاديث صحيحة .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #62
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية إبن عبد ربه
    مشرف سابق
    تاريخ التسجيل
    08 2003
    المشاركات
    3,774
    فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن واستماعه





    وخشوعه وبكائه عند قراءته واستماعه وتحسين صوته به وتوابع ذلك

    كان له صلى الله عليه وسلم حزب يقرؤه ولا يخل به وكانت قراءته ترتيلا لا هذا ولا عجلة بل قراءة مفسرة حرفا حرفا . وكان يقطع قراءته آية آية وكان يمد عند حروف المد فيمد الرحمن ويمد الرحيم وكان يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم في أول قراءته فيقول " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " وربما كان يقول اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه وكان تعوذه قبل القراءة .

    وكان يحب أن يسمع القرآن من غيره وأمر عبد الله بن مسعود فقرأ عليه وهو يسمع . وخشع صلى الله عليه وسلم لسماع القرآن منه حتى ذرفت عيناه .

    وكان يقرأ القرآن قائما وقاعدا ومضطجعا ومتوضئا ومحدثا ولم يكن يمنعه من قراءته إلا الجنابة .

    وكان صلى الله عليه وسلم يتغنى به ويرجع صوته به أحيانا كما رجع يوم الفتح في قراءته إنا فتحنا لك فتحا مبينا وحكى عبد الله بن مغفل ترجيعه آ آ آ ثلاث مرات ذكره البخاري .

    وإذا جمعت هذه الأحاديث إلى قوله زينوا القرآن بأصواتكم وقوله ليس منا من لم يتغن بالقرآن وقوله ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن علمت أن هذا الترجيع منه صلى الله عليه وسلم كان اختيارا لا اضطرارا لهز الناقة له فإن هذا لو كان لأجل هز الناقة لما كان داخلا تحت الاختيار فلم يكن عبد الله بن مغفل يحكيه ويفعله اختيارا ليؤتسى به وهو يرى هز الراحلة له حتى ينقطع صوته ثم يقول كان يرجع في قراءته فنسب الترجيع إلى فعله . ولو كان من هز الراحلة لم يكن منه فعل يسمى ترجيعا .

    وقد استمع ليلة لقراءة أبي موسى الأشعري فلما أخبره بذلك قال لو كنت أعلم أنك تسمعه لحبرته لك تحبيرا أي حسنته وزينته بصوتي تزيينا وروى أبو داود في " سننه " عن عبد الجبار بن الورد قال سمعت ابن أبي مليكة يقول قال عبد الله بن أبي يزيد : مر بنا أبو لبابة فاتبعناه حتى دخل بيته فإذا رجل رث الهيئة فسمعته يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس منا من لم يتغن بالقرآن . قال فقلت لابن أبي مليكة يا أبا محمد أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت قال يحسنه ما استطاع
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #63
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية إبن عبد ربه
    مشرف سابق
    تاريخ التسجيل
    08 2003
    المشاركات
    3,774
    فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في عيادة المرضى
    كان صلى الله عليه وسلم يعود من مرض من أصحابه وعاد غلاما كان يخدمه من أهل الكتاب وعاد عمه وهو مشرك وعرض عليهما الإسلام فأسلم اليهودي ولم يسلم عمه .

    وكان يدنو من المريض ويجلس عند رأسه ويسأله عن حاله فيقول كيف تجدك ؟

    وذكر أنه كان يسأل المريض عما يشتهيه فيقول هل تشتهي شيئا ؟ فإن اشتهى شيئا وعلم أنه لا يضره أمر له به .

    وكان يمسح بيده اليمنى على المريض ويقول اللهم رب الناس أذهب البأس واشفه أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما

    وكان يقول امسح البأس رب الناس بيدك الشفاء لا كاشف له إلا أنت وكان يدعو للمريض ثلاثا كما قاله لسعد : اللهم اشف سعدا اللهم اشف سعدا اللهم اشف سعدا

    وكان إذا دخل على المريض يقول له لا بأس طهور إن شاء الله

    [ الرقية والاسترقاء ]
    وربما كان يقول كفارة وطهور وكان يرقي من به قرحة أو جرح أو شكوى فيضع سبابته بالأرض ثم يرفعها ويقول بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا هذا في " الصحيحين " وهو يبطل اللفظة التي جاءت في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب وأنهم لا يرقون ولا يسترقون . فقوله في الحديث " لا يرقون " غلط من الراوي سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول ذلك . قال وإنما الحديث " هم الذين لا يسترقون " . قلت : وذلك لأن هؤلاء دخلوا الجنة بغير حساب لكمال توحيدهم ولهذا نفى عنهم الاسترقاء وهو سؤال الناس أن يرقوهم . ولهذا قال وعلى ربهم يتوكلون فلكمال توكلهم على ربهم وسكونهم إليه وثقتهم به ورضاهم عنه وإنزال حوائجهم به لا يسألون الناس شيئا لا رقية ولا غيرها ولا يحصل لهم طيرة تصدهم عما يقصدونه فإن الطيرة تنقص التوحيد وتضعفه .

    قال والراقي متصدق محسن والمسترقي سائل والنبي صلى الله عليه وسلم رقى ولم يسترق وقال من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه

    فإن قيل فما تصنعون بالحديث الذي في " الصحيحين " عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ قل هو الله أحد و قل أعوذ برب الفلق و قل أعوذ برب الناس ويمسح بهما ما استطاع من جسده ويبدأ بهما على رأسه ووجهه ما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات قالت عائشة : فلما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرني أن أفعل ذلك به

    فالجواب أن هذا الحديث قد روي بثلاثة ألفاظ . أحدها : هذا .
    والثاني : أنه كان ينفث على نفسه .
    والثالث قالت كنت أنفث عليه بهن وأمسح بيد نفسه لبركتها وفي لفظ رابع كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث وهذه الألفاظ يفسر بعضها بعضا . وكان صلى الله عليه وسلم ينفث على نفسه وضعفه ووجعه يمنعه من إمرار يده على جسده كله . فكان يأمر عائشة أن تمر يده على جسده بعد نفثه هو وليس ذلك من الاسترقاء في شيء وهي لم تقل كان يأمرني أن أرقيه وإنما ذكرت المسح بيده بعد النفث على جسده ثم قالت كان يأمرني أن أفعل ذلك به أي أن أمسح جسده بيده كما كان هو يفعل .

    ولم يكن من هديه عليه الصلاة والسلام أن يخص يوما من الأيام بعيادة المريض ولا وقتا من الأوقات بل شرع لأمته عيادة المرضى ليلا ونهارا وفي سائر الأوقات . وفي " المسند " عنه إذا عاد الرجل أخاه المسلم مشى في خرفة الجنة حتى يجلس فإذا جلس غمرته الرحمة فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن كان مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وفي لفظ ما من مسلم يعود مسلما إلا بعث الله له سبعين ألف ملك يصلون عليه أي ساعة من النهار كانت حتى يمسي وأي ساعة من الليل كانت حتى يصبح

    وكان يعود من الرمد وغيره وكان أحيانا يضع يده على جبهة المريض ثم يمسح صدره وبطنه ويقول اللهم اشفه وكان يمسح وجهه أيضا . وكان إذا يئس من المريض قال إنا لله وإنا إليه راجعون
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #64
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية إبن عبد ربه
    مشرف سابق
    تاريخ التسجيل
    08 2003
    المشاركات
    3,774
    فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الجنائز والصلاة عليها واتباعها ودفنها
    وما كان يدعو به للميت في صلاة الجنازة وبعد الدفن وتوابع ذلك








    كان هديه صلى الله عليه وسلم في الجنائز أكمل الهدي مخالفا لهدي سائر الأمم مشتملا على الإحسان إلى الميت ومعاملته بما ينفعه في قبره ويوم معاده وعلى الإحسان إلى أهله وأقاربه وعلى إقامة عبودية الحي لله وحده فيما يعامل به الميت . وكان من هديه في الجنائز إقامة العبودية للرب تبارك وتعالى على أكمل الأحوال والإحسان إلى الميت وتجهيزه إلى الله على أحسن أحواله وأفضلها ووقوفه ووقوف أصحابه صفوفا يحمدون الله ويستغفرون له ويسألون له المغفرة والرحمة والتجاوز عنه ثم المشي بين يديه إلى أن يودعوه حفرته ثم يقوم هو وأصحابه بين يديه على قبره سائلين له التثبيت أحوج ما كان إليه ثم يتعاهده بالزيارة له في قبره والسلام عليه والدعاء له كما يتعاهد الحي صاحبه في دار الدنيا .

    فأول ذلك تعاهده في مرضه وتذكيره الآخرة وأمره بالوصية والتوبة وأمر من حضره بتلقينه شهادة أن لا إله إلا الله لتكون آخر كلامه ثم النهي عن عادة الأمم التي لا تؤمن بالبعث والنشور من لطم الخدود وشق الثياب وحلق الرءوس ورفع الصوت بالندب والنياحة وتوابع ذلك .

    وسن الخشوع للميت والبكاء الذي لا صوت معه وحزن القلب وكان يفعل ذلك ويقول تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب

    وسن لأمته الحمد والاسترجاع والرضى عن الله ولم يكن ذلك منافيا لدمع العين وحزن القلب ولذلك كان أرضى الخلق عن الله في قضائه وأعظمهم له حمدا وبكى مع ذلك يوم موت ابنه إبراهيم رأفة منه ورحمة للولد ورقة عليه والقلب ممتلئ بالرضى عن الله عز وجل وشكره واللسان مشتغل بذكره وحمده .

    ولما ضاق هذا المشهد والجمع بين الأمرين على بعض العارفين يوم مات ولده جعل يضحك فقيل له أتضحك في هذه الحالة ؟ قال إن الله تعالى قضى بقضاء فأحببت أن أرضى بقضائه فأشكل هذا على جماعة من أهل العلم فقالوا : كيف يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم وهو أرضى الخلق عن الله ويبلغ الرضى بهذا العارف إلى أن يضحك فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول هدي نبينا صلى الله عليه وسلم كان أكمل من هدي هذا العارف فإنه أعطى العبودية حقها فاتسع قلبه للرضى عن الله ولرحمة الولد والرقة عليه فحمد الله ورضي عنه في قضائه وبكى رحمة ورأفة فحملته الرأفة على البكاء وعبوديته لله ومحبته له على الرضى والحمد وهذا العارف ضاق قلبه عن اجتماع الأمرين ولم يتسع باطنه لشهودهما والقيام بهما فشغلته عبودية الرضى عن عبودية الرحمة والرأفة
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #65
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية إبن عبد ربه
    مشرف سابق
    تاريخ التسجيل
    08 2003
    المشاركات
    3,774
    فصل صلاة الخوف





    وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف أن أباح الله سبحانه وتعالى قصر أركان الصلاة وعددها إذا اجتمع الخوف والسفر وقصر العدد وحده إذا كان سفر لا خوف معه وقصر الأركان وحدها إذا كان خوف لا سفر معه وهذا كان من هديه صلى الله عليه وسلم وبه تعلم الحكمة في تقييد القصر في الآية بالضرب في الأرض والخوف .

    وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف إذا كان العدو بينه وبين القبلة أن يصف المسلمين كلهم خلفه ويكبر ويكبرون جميعا ثم يركع فيركعون جميعا ثم يرفع ويرفعون جميعا معه ثم ينحدر بالسجود والصف الذي يليه خاصة ويقوم الصف المؤخر مواجه العدو فإذا فرغ من الركعة الأولى ونهض إلى الثانية سجد الصف المؤخر بعد قيامه سجدتين ثم قاموا فتقدموا إلى مكان الصف الأول وتأخر الصف الأول مكانهم لتحصل فضيلة الصف الأول للطائفتين وليدرك الصف الثاني مع النبي صلى الله عليه وسلم السجدتين في الركعة الثانية كما أدرك الأول معه السجدتين في الأولى فتستوي الطائفتان فيما أدركوا معه وفيما قضوا لأنفسهم وذلك غاية العدل فإذا ركع صنع الطائفتان كما صنعوا أول مرة فإذا جلس للتشهد سجد الصف المؤخر سجدتين ولحقوه في التشهد فيسلم بهم جميعا .

    وإن كان العدو في غير جهة القبلة فإنه كان تارة يجعلهم فرقتين فرقة بإزاء العدو وفرقة تصلي معه فتصلي معه إحدى الفرقتين ركعة ثم تنصرف في صلاتها إلى مكان الفرقة الأخرى وتجيء الأخرى إلى مكان هذه فتصلي معه الركعة الثانية ثم تسلم وتقضي كل طائفة ركعة ركعة بعد سلام الإمام .

    وتارة كان يصلي بإحدى الطائفتين ركعة ثم يقوم إلى الثانية وتقضي هي ركعة وهو واقف وتسلم قبل ركوعه وتأتي الطائفة الأخرى فتصلي معه الركعة الثانية فإذا جلس في التشهد قامت فقضت ركعة وهو ينتظرها في التشهد فإذا تشهدت يسلم بهم .

    وتارة كان يصلي بإحدى الطائفتين ركعتين فتسلم قبله وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم الركعتين الأخيرتين ويسلم بهم فتكون له أربعا ولهم ركعتين ركعتين .

    وتارة كان يصلي بإحدى الطائفتين ركعتين ويسلم بهم وتأتي الأخرى فيصلي بهم ركعتين ويسلم فيكون قد صلى بهم بكل طائفة صلاة .

    وتارة كان يصلي بإحدى الطائفتين ركعة فتذهب ولا تقضي شيئا وتجيء الأخرى فيصلي بهم ركعة ولا تقضي شيئا فيكون له ركعتان ولهم ركعة ركعة وهذه الأوجه كلها تجوز الصلاة بها . قال الإمام أحمد كل حديث يروى في أبواب صلاة الخوف فالعمل به جائز .

    وقال ستة أوجه أو سبعة تروى فيها كلها جائزة وقال الأثرم : قلت لأبي عبد الله تقول بالأحاديث كلها كل حديث في موضعه أو تختار واحدا منها ؟ قال أنا أقول من ذهب إليها كلها فحسن .

    وظاهر هذا أنه جوز أن تصلي كل طائفة معه ركعة ركعة ولا تقضي شيئا وهذا مذهب ابن عباس وجابر بن عبد الله وطاووس ومجاهد والحسن وقتادة والحكم وإسحاق بن راهويه .

    قال صاحب " المغني " : وعموم كلام أحمد يقتضي جواز ذلك وأصحابنا ينكرونه . وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف صفات أخر ترجع كلها إلى هذه وهذه أصولها وربما اختلف بعض ألفاظها وقد ذكرها بعضهم عشر صفات وذكرها أبو محمد بن حزم نحو خمس عشرة صفة

    والصحيح ما ذكرناه أولا وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجوها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من اختلاف الرواة . والله أعلم .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #66
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية ولد السعوديه
    عـضـو مـمـيز
    تاريخ التسجيل
    10 2003
    المشاركات
    354
    جزلك الله خير اخوي

    اسال الله ان يجعلها في موازين جسناتك

    تحياتي ،،،

  7. #67
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية إبن عبد ربه
    مشرف سابق
    تاريخ التسجيل
    08 2003
    المشاركات
    3,774
    شكراً لمرورك اخوي ولد السعودية . وجزاك الله خير
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  8. #68
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية إبن عبد ربه
    مشرف سابق
    تاريخ التسجيل
    08 2003
    المشاركات
    3,774


    الجزء الثاني

    فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الصدقة والزكاة
    .................................................. ...................
    هديه في الزكاة أكمل هدي في وقتها وقدرها ونصابها ومن تجب عليه ومصرفها . وقد راعى فيها مصلحة أرباب الأموال ومصلحة المساكين وجعلها الله سبحانه وتعالى طهرة للمال ولصاحبه وقيد النعمة بها على الأغنياء فما زالت النعمة بالمال على من أدى زكاته بل يحفظه عليه وينميه له ويدفع عنه بها الآفات ويجعلها سورا عليه وحصنا له وحارسا له .

    [ الأصناف التي تجب فيها الزكاة ]
    ثم إنه جعلها في أربعة أصناف من المال وهي أكثر الأموال دورانا بين الخلق وحاجتهم إليها ضرورية .

    أحدها : الزرع والثمار .

    الثاني : بهيمة الأنعام الإبل والبقر والغنم .

    الثالث الجوهران اللذان بهما قوام العالم وهما الذهب والفضة .

    الرابع أموال التجارة على اختلاف أنواعها .

    [ وقت وجوبها ]

    ثم إنه أوجبها مرة كل عام وجعل حول الزروع والثمار عند كمالها واستوائها وهذا أعدل ما يكون إذ وجوبها كل شهر أو كل جمعة يضر بأرباب الأموال ووجوبها في العمر مرة مما يضر بالمساكين فلم يكن أعدل من وجوبها كل عام مرة .

    [ نصاب الزكاة ]
    ثم إنه فاوت بين مقادير الواجب بحسب سعي أرباب الأموال في تحصيلها وسهولة ذلك ومشقته فأوجب الخمس فيما صادفه الإنسان مجموعا محصلا من الأموال وهو الركاز . ولم يعتبر له حولا بل أوجب فيه الخمس متى ظفر به .

    وأوجب نصفه وهو العشر فيما كانت مشقة تحصيله وتعبه وكلفته فوق ذلك وذلك في الثمار والزروع التي يباشر حرث أرضها وسقيها وبذرها ويتولى الله سقيها من عنده بلا كلفة من العبد ولا شراء ماء ولا إثارة بئر ودولاب .

    وأوجب نصف العشر فيما تولى العبد سقيه بالكلفة والدوالي والنواضح وغيرها . وأوجب نصف ذلك وهو ربع العشر فيما كان النماء فيه موقوفا على عمل متصل من رب المال بالضرب في الأرض تارة وبالإدارة تارة وبالتربص تارة ولا ريب أن كلفة هذا أعظم من كلفة الزرع والثمار وأيضا فإن نمو الزرع والثمار أظهر وأكثر من نمو التجارة فكان واجبها أكثر من واجب التجارة وظهور النمو فيما يسقى بالسماء والأنهار أكثر مما يسقى بالدوالي والنواضح وظهوره فيما وجد محصلا مجموعا كالكنز أكثر وأظهر من الجميع .

    ثم إنه لما كان لا يحتمل المواساة كل مال وإن قل جعل للمال الذي تحتمله المواساة نصبا مقدرة المواساة فيها لا تجحف بأرباب الأموال وتقع موقعها من المساكين فجعل للورق مائتي درهم وللذهب عشرين مثقالا وللحبوب والثمار خمسة أوسق وهي خمسة أحمال من أحمال إبل العرب وللغنم أربعين شاة وللبقر ثلاثين بقرة وللإبل خمسا لكن لما كان نصابها لا يحتمل المواساة من جنسها أوجب فيها شاة . فإذا تكررت الخمس خمس مرات وصارت خمسا وعشرين احتمل نصابها واحدا منها فكان هو الواجب .

    ثم إنه لما قدر سن هذا الواجب في الزيادة والنقصان بحسب كثرة الإبل وقلتها من ابن مخاض وبنت مخاض وفوقه ابن لبون وبنت لبون وفوقه الحق والحقة وفوقه الجذع والجذعة وكلما كثرت الإبل زاد السن إلى أن يصل السن إلى منتهاه فحينئذ جعل زيادة عدد الواجب في مقابلة زيادة عدد المال .

    [ أصناف من يأخذ الزكاة ]

    فاقتضت حكمته أن جعل في الأموال قدرا يحتمل المواساة ولا يجحف بها ويكفي المساكين ولا يحتاجون معه إلى شيء ففرض في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء فوقع الظلم من الطائفتين الغني يمنع ما وجب عليه والآخذ يأخذ ما لا يستحقه فتولد من بين الطائفتين ضرر عظيم على المساكين وفاقة شديدة أوجبت لهم أنواع الحيل والإلحاف في المسألة والرب سبحانه تولى قسم الصدقة بنفسه وجزأها ثمانية أجزاء يجمعها صنفان من الناس
    أحدهما : من يأخذ لحاجة فيأخذ بحسب شدة الحاجة وضعفها وكثرتها وقلتها وهم الفقراء والمساكين وفي الرقاب وابن السبيل .
    والثاني : من يأخذ لمنفعته وهم العاملون عليها والمؤلفة قلوبهم والغارمون لإصلاح ذات البين والغزاة في سبيل الله فإن لم يكن الآخذ محتاجا ولا فيه منفعة للمسلمين فلا سهم له في الزكاة

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  9. #69
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية إبن عبد ربه
    مشرف سابق
    تاريخ التسجيل
    08 2003
    المشاركات
    3,774
    فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الصيام

    [ المقصود من الصيام وفوائده ]


    لما كان المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن المألوفات وتعديل قوتها الشهوانية لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وسورتها ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين .

    وتضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماحه وتلجم بلجامه فهو لجام المتقين وجنة المحاربين ورياضة الأبرار والمقربين وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال فإن الصائم لا يفعل شيئا وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثارا لمحبة الله ومرضاته وهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه سواه والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده فهو أمر لا يطلع عليه بشر وذلك حقيقة الصوم .

    وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات فهو من أكبر العون على التقوى كما قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون [ البقرة 185 ] .

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم الصوم جنة .

    وأمر من اشتدت عليه شهوة النكاح ولا قدرة له عليه بالصيام وجعله وجاء هذه الشهوة .

    والمقصود أن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة والفطر المستقيمة شرعه الله لعباده رحمة بهم وإحسانا إليهم وحمية لهم وجنة . وكان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أكمل الهدي وأعظم تحصيل للمقصود وأسهله على النفوس .

    ولما كان فطم النفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشق الأمور وأصعبها تأخر فرضه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة لما توطنت النفوس على التوحيد والصلاة وألفت أوامر القرآن فنقلت إليه بالتدريج
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  10. #70
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية إبن عبد ربه
    مشرف سابق
    تاريخ التسجيل
    08 2003
    المشاركات
    3,774
    فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في حجه وعمره
    [ العمرات التي اعتمرها صلى الله عليه وسلم وأنها كانت في ذي القعدة ]

    اعتمر صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة أربع عمر كلهن في ذي القعدة .

    الأولى : عمرة الحديبية ، وهي أولاهن سنة ست فصده المشركون عن البيت فنحر البدن حيث صد بالحديبية وحلق هو وأصحابه رءوسهم وحلوا من إحرامهم ورجع من عامه إلى المدينة .

    الثانية عمرة القضية في العام المقبل دخل مكة فأقام بها ثلاثا ، ثم خرج بعد إكمال عمرته واختلف هل كانت قضاء للعمرة التي صد عنها في العام الماضي ، أم عمرة مستأنفة ؟ على قولين للعلماء وهما روايتان عن الإمام أحمد إحداهما : أنها قضاء وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله . والثانية ليست بقضاء وهو قول مالك رحمه الله والذين قالوا : كانت قضاء احتجوا بأنها سميت عمرة القضاء وهذا الاسم تابع للحكم . وقال آخرون القضاء هنا من المقاضاة لأنه قاضى أهل مكة عليها ، لا أنه من قضى قضاء . قالوا : ولهذا سميت عمرة القضية . قالوا : والذين صدوا عن البيت ، كانوا ألفا وأربعمائة ، وهؤلاء كلهم لم يكونوا معه في عمرة القضية ، ولو كانت قضاء لم يتخلف منهم أحد ، وهذا القول أصح ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر من كان معه بالقضاء .

    - 87 - الثالثة عمرته التي قرنها مع حجته فإنه كان قارنا لبضعة عشر دليلا ، سنذكرها عن قريب إن شاء الله .

    الرابعة عمرته من الجعرانة ، لما خرج إلى حنين ، ثم رجع إلى مكة ، فاعتمر من الجعرانة داخلا إليها . ففي " الصحيحين " : عن أنس بن مالك قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي كانت مع حجته عمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة وعمرة مع حجته

    ولم يناقض هذا ما في " الصحيحين " عن البراء بن عازب قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة قبل أن يحج مرتين لأنه أراد العمرة المفردة المستقلة ولا ريب أنهما اثنتان فإن عمرة القران لم تكن مستقلة وعمرة الحديبية صد عنها ، وحيل بينه وبين إتمامها ، ولذلك قال ابن عباس : اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر . عمرة الحديبية وعمرة القضاء من قابل والثالثة من الجعرانة ، والرابعة مع حجته ذكره الإمام أحمد .

    ولا تناقض بين حديث أنس : أنهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته وبين قول عائشة ، وابن عباس : لم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في ذي القعدة لأن مبدأ عمرة القران كان في ذي القعدة ونهايتها كان في ذي الحجة مع انقضاء الحج فعائشة وابن عباس أخبرا عن ابتدائها ، وأنس أخبر عن انقضائها .

    فأما قول عبد الله بن عمر : إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربعا ، إحداهن في رجب ، فوهم منه رضي الله عنه . قالت عائشة لما بلغها ذلك عنه يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة قط إلا وهو شاهد وما اعتمر في رجب قط .

    وأما ما رواه الدارقطني ، عن عائشة قالت خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة في رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت فقلت بأبي وأمي ، أفطرت وصمت ، وقصرت وأتممت ، فقال : أحسنت يا عائشة فهذا الحديث غلط فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رمضان قط ، وعمره مضبوطة العدد والزمان ونحن نقول يرحم الله أم المؤمنين ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان قط ، وقد قالت عائشة رضي الله عنها : لم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في ذي القعدة رواه ابن ماجه وغيره .

    ولا خلاف أن عمره لم تزد على أربع فلو كان قد اعتمر في رجب لكانت خمسا ، ولو كان قد اعتمر في رمضان لكانت ستا ، إلا أن يقال بعضهن في رجب وبعضهن في رمضان وبعضهن في ذي القعدة وهذا لم يقع وإنما الواقع اعتماره في ذي القعدة كما قال أنس رضي الله عنه ، وابن عباس رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها . وقد روى أبو داود في " سننه " عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في شوال وهذا إذا كان محفوظا ، فلعله في عمرة الجعرانة حين خرج في شوال ولكن إنما أحرم بها في ذي القعدة .

    فصل [ العمرة للداخل إلى مكة ]
    ولم يكن في عمره عمرة واحدة خارجا من مكة كما يفعل كثير من الناس اليوم وإنما كانت عمره كلها داخلا إلى مكة ، وقد أقام بعد الوحي بمكة ثلاث عشرة سنة لم ينقل عنه أنه اعتمر خارجا من مكة في تلك المدة أصلا .

    فالعمرة التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعها ، هي عمرة الداخل إلى مكة ، لا عمرة من كان بها فيخرج إلى الحل ليعتمر ولم يفعل هذا على عهده أحد قط إلا عائشة وحدها بين سائر من كان معه لأنها كانت قد أهلت بالعمرة فحاضت فأمرها ، فأدخلت الحج على العمرة وصارت قارنة وأخبرها أن طوافها بالبيت وبين الصفا والمروة قد وقع عن حجتها وعمرتها ، فوجدت في نفسها أن يرجع صواحباتها بحج وعمرة مستقلين فإنهن كن متمتعات ولم يحضن ولم يقرن وترجع هي بعمرة في ضمن حجتها ، فأمر أخاها أن يعمرها من التنعيم تطييبا لقلبها ، ولم يعتمر هو من التنعيم في تلك الحجة ولا أحد ممن كان معه وسيأتي مزيد تقرير لهذا وبسط له عن قريب إن شاء الله تعالى .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  11. #71
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية إبن عبد ربه
    مشرف سابق
    تاريخ التسجيل
    08 2003
    المشاركات
    3,774
    فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الهدايا والضحايا والعقيقة
    وهي مختصة بالأزواج الثمانية المذكورة في سورة ( الأنعام ) ولم يعرف عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة هدي ولا أضحية ولا عقيقة من غيرها ، وهذا مأخوذ من القرآن من مجموع أربع آيات .

    إحداها : قوله تعالى : أحلت لكم بهيمة الأنعام [ المائدة 1 ] .

    والثانية قوله تعالى : ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام [ الحج : 28 ] .

    والثالثة قوله تعالى : ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ثمانية أزواج [ الأنعام 142 ، 143 ] ثم ذكرها .

    الرابعة قوله تعالى : هديا بالغ الكعبة [ المائدة 95 ] .

    فدل على أن الذي يبلغ الكعبة من الهدي هو هذه الأزواج الثمانية وهذا استنباط علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

    والذبائح التي هي قربة إلى الله وعبادة هي ثلاثة الهدي والأضحية والعقيقة .

    فأهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنم وأهدى الإبل وأهدى عن نسائه البقر وأهدى في مقامه وفي عمرته وفي حجته وكانت سنته تقليد الغنم دون إشعارها .

    وكان إذا بعث بهديه وهو مقيم لم يحرم عليه شيء كان منه حلالا .

    وكان إذا أهدى الإبل قلدها وأشعرها ، فيشق صفحة سنامها الأيمن يسيرا حتى يسيل الدم . قال الشافعي : والإشعار في الصفحة اليمنى ، كذلك أشعر النبي صلى الله عليه وسلم .

    وكان إذا بعث بهديه أمر رسوله إذا أشرف على عطب شيء منه أن ينحره ثم يصبغ نعله في دمه ثم يجعله على صفحته ولا يأكل منه هو ولا أحد من أهل رفقته ثم يقسم لحمه ومنعه من هذا الأكل سدا للذريعة فإنه لعله ربما قصر في حفظه ليشارف العطب فينحره ويأكل منه فإذا علم أنه لا يأكل منه شيئا ، اجتهد في حفظه .

    وشرك بين أصحابه في الهدي كما تقدم البدنة عن سبعة والبقرة كذلك .

    وأباح لسائق الهدي ركوبه بالمعروف إذا احتاج إليه حتى يجد ظهرا غيره وقال علي رضي الله عنه يشرب من لبنها ما فضل عن ولدها

    وكان هديه صلى الله عليه وسلم نحر الإبل قياما ، مقيدة معقولة اليسرى ، على ثلاث وكان يسمي الله عند نحره ويكبر وكان يذبح نسكه بيده وربما وكل في بعضه كما أمر عليا رضي الله عنه أن يذبح ما بقي من المائة .

    وكان إذا ذبح الغنم وضع قدمه على صفاحها ثم سمى ، وكبر وذبح وقد تقدم أنه نحر بمنى وقال إن فجاج مكة كلها منحر وقال ابن عباس : مناحر البدن بمكة ، ولكنها نزهت عن الدماء ومنى من مكة ، وكان ابن عباس ينحر بمكة .

    وأباح صلى الله عليه وسلم لأمته أن يأكلوا من هداياهم وضحاياهم ويتزودوا منها ، ونهاهم مرة أن يدخروا منها بعد ثلاث لدافة دفت عليهم ذلك العام من الناس فأحب أن يوسعوا عليهم وذكر أبو داود من حديث جبير بن نفير عن ثوبان قال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال يا ثوبان أصلح لنا لحم هذه الشاة قال فما زلت أطعمه منها حتى قدم المدينة .

    وروى مسلم هذه القصة ولفظه فيها : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع أصلح هذا اللحم " قال فأصلحته فلم يزل يأكل منه حتى بلغ المدينة

    وكان ربما قسم لحوم الهدي وربما قال من شاء اقتطع فعل هذا ، وفعل هذا ، واستدل بهذا على جواز النهبة في النثار في العرس ونحوه وفرق بينهما بما لا يتبين .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  12. #72
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية إبن عبد ربه
    مشرف سابق
    تاريخ التسجيل
    08 2003
    المشاركات
    3,774
    فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الأسماء والكنى
    ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك لا ملك إلا الله

    وثبت عنه أنه قال أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة

    وثبت عنه أنه قال لا تسمين غلامك يسارا ولا رباحا ولا نجيحا ولا أفلح فإنك تقول أثمت هو ؟ فلا يكون فيقال لا

    وثبت عنه أنه غير اسم عاصية وقال أنت جميلة وكان اسم جويرية برة فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم جويرية . وقالت زينب بنت أم سلمة : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمى بهذا الاسم فقال لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم .

    وغير اسم أصرم بزرعة وغير اسم أبي الحكم بأبي شريح وغير اسم حزن جد سعيد بن المسيب وجعله سهلا فأبى ، وقال " السهل يوطأ ويمتهن " .

    قال أبو داود : وغير النبي صلى الله عليه وسلم اسم العاص وعزيز وعتلة وشيطان والحكم وغراب وحباب وشهاب ، فسماه هشاما ، وسمى حربا سلما ، وسمى المضطجع المنبعث وأرضا عفرة سماها خضرة ، وشعب الضلالة سماه شعب الهدى ، وبنو الزنية سماهم بني الرشدة ، وسمى بني مغوية بني رشدة
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  13. #73
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية إبن عبد ربه
    مشرف سابق
    تاريخ التسجيل
    08 2003
    المشاركات
    3,774
    فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ المنطق واختيار الألفاظ



    كان يتخير في خطابه ويختار لأمته أحسن الألفاظ وأجملها ، وألطفها ، وأبعدها من ألفاظ أهل الجفاء والغلظة والفحش فلم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا ولا فظا .

    وكان يكره أن يستعمل اللفظ الشريف المصون في حق من ليس كذلك وأن يستعمل اللفظ المهين المكروه في حق من ليس من أهله .

    [ كراهة استعمال اللفظ الشريف في حق من ليس كذلك ]

    فمن الأول منعه أن يقال للمنافق " يا سيدنا " وقال فإنه إن يك سيدا فقد أسخطتم ربكم عز وجل ومنعه أن تسمى شجرة العنب كرما ، ومنعه تسمية أبي جهل بأبي الحكم وكذلك تغييره لاسم أبي الحكم من الصحابة بأبي شريح وقال إن الله هو الحكم وإليه الحكم

    ومن ذلك نهيه للمملوك أن يقول لسيده أو لسيدته ربي وربتي ، وللسيد أن يقول لمملوكه عبدي ، ولكن يقول المالك فتاي وفتاتي ، ويقول المملوك سيدي وسيدتي ، وقال لمن ادعى أنه طبيب أنت رجل رفيق ، وطبيبها الذي خلقها والجاهلون يسمون الكافر الذي له علم بشيء من الطبيعة حكيما ، وهو من أسفه الخلق .

    ومن هذا قوله للخطيب الذي قال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى بئس الخطيب أنت

    ومن ذلك قوله لا تقولوا : ما شاء الله وشاء فلان ، ولكن قولوا : ما شاء الله ثم ما شاء فلان وقال له رجل ما شاء الله وشئت فقال : أجعلتني لله ندا ؟ قل ما شاء الله وحده

    وفي معنى هذا الشرك المنهي عنه قول من لا يتوقى الشرك أنا بالله وبك وأنا في حسب الله وحسبك وما لي إلا الله وأنت وأنا متوكل على الله وعليك ، وهذا من الله ومنك ، والله لي في السماء وأنت لي في الأرض ووالله وحياتك ، وأمثال هذا من الألفاظ التي يجعل فيها قائلها المخلوق ندا للخالق وهي أشد منعا وقبحا من قوله ما شاء الله وشئت .

    فأما إذا قال أنا بالله ثم بك ، وما شاء الله ثم شئت ، فلا بأس بذلك كما في حديث الثلاثة لا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك وكما في الحديث المتقدم الإذن أن يقال ما شاء الله ثم شاء فلان .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  14. #74
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية إبن عبد ربه
    مشرف سابق
    تاريخ التسجيل
    08 2003
    المشاركات
    3,774
    فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الذكر




    كان النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق ذكرا لله عز وجل بل كان كلامه كله في ذكر الله وما والاه وكان أمره ونهيه وتشريعه للأمة ذكرا منه لله وإخباره عن أسماء الرب وصفاته وأحكامه وأفعاله ووعده ووعيده ذكرا منه له وثناؤه عليه بآلائه وتمجيده وحمده وتسبيحه ذكرا منه له وسؤاله ودعاؤه إياه ورغبته ورهبته ذكرا منه له وسكوته وصمته ذكرا منه له بقلبه فكان ذاكرا لله في كل أحيانه وعلى جميع أحواله وكان ذكره لله يجري مع أنفاسه قائما وقاعدا وعلى جنبه وفي مشيه وركوبه ومسيره ونزوله وظعنه وإقامته .

    وكان إذا استيقظ قال الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور

    [ الذكر عند الاستيقاظ من الليل ]

    وقالت عائشة كان إذا هب من الليل كبر الله عشرا ، وحمد الله عشرا ، وقال سبحان الله وبحمده عشرا ، سبحان الملك القدوس عشرا ، واستغفر الله عشرا ، وهلل عشرا ثم قال اللهم إني أعوذ بك من ضيق الدنيا ، وضيق يوم القيامة عشرا ، ثم يستفتح الصلاة .

    وقالت أيضا : كان إذا استيقظ من الليل قال لا إله إلا أنت سبحانك اللهم أستغفرك لذنبي ، وأسألك رحمتك اللهم زدني علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ذكرهما أبو داود .

    وأخبر أن من استيقظ من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله [ العلي العظيم ] ثم قال " اللهم اغفر لي أو دعا بدعاء آخر استجيب له فإن توضأ وصلى ، قبلت صلاته ذكره البخاري .

    وقال ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم ليلة مبيته عنده إنه لما استيقظ رفع رأسه إلى السماء وقرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة ( آل عمران ) إن في خلق السماوات والأرض . .. إلى آخرها . ثم قال اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق ، ووعدك الحق ، وقولك الحق ، ولقاؤك حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والنبيون حق ، ومحمد حق ، والساعة حق ، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي ، لا إله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

    وقد قالت عائشة كان إذا قام من الليل قال ا للهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ربما قالت كان يفتتح صلاته بذلك .

    وكان إذا أوتر ختم وتره بعد فراغه بقوله سبحان الملك القدوس ثلاثا ، ويمد بالثالثة صوته .

    [ الذكر عند الخروج من البيت ]

    وكان إذا خرج من بيته يقول بسم الله توكلت على الله ، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي حديث صحيح .

    وقال صلى الله عليه وسلم من قال إذا خرج من بيته : بسم الله توكلت على الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله يقال له هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان حديث حسن .

    وقال ابن عباس عنه ليلة مبيته عنده إنه خرج إلى صلاة الفجر وهو يقول اللهم اجعل في قلبي نورا ، واجعل في لساني نورا ، واجعل في سمعي نورا ، واجعل في بصري نورا ، واجعل من خلفي نورا ، ومن أمامي نورا ، واجعل من فوقي نورا ، واجعل من تحتي نورا ، اللهم أعظم لي نورا

    وقال فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما خرج رجل من بيته إلى الصلاة فقال : اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا إليك فإني لم أخرج بطرا ولا أشرا ، ولا رياء ولا سمعة وإنما خرجت اتقاء سخطك ، وابتغاء مرضاتك أسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت إلا وكل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له وأقبل الله عليه بوجهه حتى يقضي صلاته

    [ دعاء دخول المسجد]

    وذكر أبو داود عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد قال أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم ، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم فإذا قال ذلك قال الشيطان حفظ مني سائر اليوم

    وقال صلى الله عليه وسلم إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك فإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك ذكر عنه أنه كان إذا دخل المسجد صلى على محمد وآله وسلم ثم يقول اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك ، فإذا خرج صلى على محمد وآله وسلم ثم يقول اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك

    وكان إذا صلى الصبح جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس يذكر الله عز وجل .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  15. #75
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية إبن عبد ربه
    مشرف سابق
    تاريخ التسجيل
    08 2003
    المشاركات
    3,774
    [c]الجزء الثالث [/c]



    فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الجهاد والمغازي والسرايا والبعوث






    لما كان الجهاد ذروة سنام الإسلام وقبته ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة كما لهم الرفعة في الدنيا فهم الأعلون في الدنيا والآخرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذروة العليا منه واستولى على أنواعه كلها فجاهد في الله حق جهاده بالقلب والجنان والدعوة والبيان والسيف والسنان وكانت ساعاته موقوفة على الجهاد بقلبه ولسانه ويده . ولهذا كان أرفع العالمين ذكرا وأعظمهم عند الله قدرا .

    [ كان الجهاد في أول الإسلام بتبليغ الحجة ]

    وأمره الله تعالى بالجهاد من حين بعثه وقال ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا [ الفرقان : 52 ] فهذه سورة مكية أمر فيها بجهاد الكفار بالحجة والبيان وتبليغ القرآن وكذلك جهاد المنافقين إنما هو بتبليغ الحجة وإلا فهم تحت قهر أهل الإسلام قال تعالى : يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير [ التوبة 73 ] فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار وهو جهاد خواص الأمة وورثة الرسل والقائمون به أفراد في العالم والمشاركون فيه والمعاونون عليه وإن كانوا هم الأقلين عددا فهم الأعظمون عند الله قدرا .

    ولما كان من أفضل الجهاد قول الحق مع شدة المعارض مثل أن تتكلم به عند من تخاف سطوته وأذاه كان للرسل - صلوات الله عليهم وسلامه - من ذلك الحظ الأوفر وكان لنبينا - صلوات الله وسلامه عليه - من ذلك أكمل الجهاد وأتمه .

    [ جهاد أعداء الله فرع على جهاد النفس ]

    ولما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعا على جهاد العبد نفسه في ذات الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه كان جهاد النفس مقدما على جهاد العدو في الخارج وأصلا له فإنه ما لم يجاهد نفسه أولا لتفعل ما أمرت به وتترك ما نهيت عنه ويحاربها في الله لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج فكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه وعدوه الذي بين جنبيه قاهر له متسلط عليه لم يجاهده ولم يحاربه في الله بل لا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج .

    [ هناك جهاد ثالث هو جهاد الشيطان ]

    فهذان عدوان قد امتحن العبد بجهادهما وبينهما عدو ثالث لا يمكنه جهادهما إلا بجهاده وهو واقف بينهما يثبط العبد عن جهادهما ويخذله ويرجف به ولا يزال يخيل له ما في جهادهما من المشاق وترك الحظوظ وفوت اللذات والمشتهيات ولا يمكنه أن يجاهد ذينك العدوين إلا بجهاده فكان جهاده هو الأصل لجهادهما وهو الشيطان قال تعالى : إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا [ فاطر 6 ] والأمر باتخاذه عدوا تنبيه على استفراغ الوسع في محاربته ومجاهدته كأنه عدو لا يفتر ولا يقصر عن محاربة العبد على عدد الأنفاس .

    [ جهاد هؤلاء الأعداء الثلاثة ليمتحن من يتولاه ]

    فهذه ثلاثة أعداء أمر العبد بمحاربتها وجهادها وقد بلي بمحاربتها في هذه الدار وسلطت عليه امتحانا من الله له وابتلاء فأعطى الله العبد مددا وعدة وأعوانا وسلاحا لهذا الجهاد وأعطى أعداءه مددا وعدة وأعوانا وسلاحا وبلا أحد الفريقين بالآخر وجعل بعضهم لبعض فتنة ليبلو أخبارهم ويمتحن من يتولاه ويتولى رسله ممن يتولى الشيطان وحزبه كما قال تعالى : وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا [ الفرقان : 20 ]

    وقال تعالى ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض [ محمد 4 ] وقال تعالى : ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم [ محمد 31 ] فأعطى عباده الأسماع والأبصار والعقول والقوى وأنزل عليهم كتبه وأرسل إليهم رسله وأمدهم بملائكته وقال لهم أني معكم فثبتوا الذين آمنوا [ الأنفال 12 ] وأمرهم من أمره بما هو من أعظم العون لهم على حرب عدوهم وأخبرهم أنهم إن امتثلوا ما أمرهم به لم يزالوا منصورين على عدوه وعدوهم وأنه إن سلطه عليهم فلتركهم بعض ما أمروا به ولمعصيتهم له ثم لم يؤيسهم ولم يقنطهم بل أمرهم أن يستقبلوا أمرهم ويداووا جراحهم ويعودوا إلى مناهضة عدوهم فينصرهم عليه ويظفرهم بهم فأخبرهم أنه مع المتقين منهم ومع المحسنين ومع الصابرين ومع المؤمنين وأنه يدافع عن عباده المؤمنين ما لا يدافعون عن أنفسهم بل بدفاعه عنهم انتصروا على عدوهم ولولا دفاعه عنهم لتخطفهم عدوهم واجتاحهم .

    وهذه المدافعة عنهم بحسب إيمانهم وعلى قدره فإن قوي الإيمان قويت المدافعة فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه .

    [ معنى وجاهدوا في الله حق جهاده ]

    وأمرهم أن يجاهدوا فيه حق جهاده كما أمرهم أن يتقوه حق تقاته وكما أن حق تقاته أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر فحق جهاده أن يجاهد العبد نفسه ليسلم قلبه ولسانه وجوارحه لله فيكون كله لله وبالله لا لنفسه ولا بنفسه ويجاهد شيطانه بتكذيب وعده ومعصية أمره وارتكاب نهيه فإنه يعد الأماني ويمني الغرور ويعد الفقر ويأمر بالفحشاء وينهى عن التقى والهدى والعفة والصبر وأخلاق الإيمان كلها فجاهده بتكذيب وعده ومعصية أمره فينشأ له من هذين الجهادين قوة وسلطان وعدة يجاهد بها أعداء الله في الخارج بقلبه ولسانه ويده وماله لتكون كلمة الله هي العليا .

    واختلفت عبارات السلف في حق الجهاد فقال ابن عباس : هو استفراغ الطاقة فيه وألا يخاف في الله لومة لائم . وقال مقاتل : اعملوا لله حق عمله واعبدوه حق عبادته . وقال عبد الله بن المبارك : هو مجاهدة النفس والهوى . ولم يصب من قال إن الآيتين منسوختان لظنه أنهما تضمنتا الأمر بما لا يطاق وحق تقاته وحق جهاده هو ما يطيقه كل عبد في نفسه وذلك يختلف باختلاف أحوال المكلفين في القدرة والعجز والعلم والجهل . فحق التقوى وحق الجهاد بالنسبة إلى القادر المتمكن العالم شيء وبالنسبة إلى العاجز الجاهل الضعيف شيء وتأمل كيف عقب الأمر بذلك بقوله هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج [ الحج 78 ] والحرج الضيق بل جعله واسعا يسع كل أحد كما جعل رزقه يسع كل حي وكلف العبد بما يسعه العبد ورزق العبد ما يسع العبد فهو يسع تكليفه ويسعه رزقه وما جعل على عبده في الدين من حرج بوجه ما قال النبي صلى الله عليه وسلم بعثت بالحنيفية السمحة أي بالملة فهي حنيفية في التوحيد سمحة في العمل .

    وقد وسع الله سبحانه وتعالى على عباده غاية التوسعة في دينه ورزقه وعفوه ومغفرته وبسط عليهم التوبة ما دامت الروح في الجسد وفتح لهم بابا لها لا يغلقه عنهم إلى أن تطلع الشمس من مغربها وجعل لكل سيئة كفارة تكفرها من توبة أو صدقة أو حسنة ماحية أو مصيبة مكفرة وجعل بكل ما حرم عليهم عوضا من الحلال أنفع لهم منه وأطيب وألذ فيقوم مقامه ليستغني العبد عن الحرام ويسعه الحلال فلا يضيق عنه وجعل لكل عسر يمتحنهم به يسرا قبله ويسرا بعده " فلن يغلب عسر يسرين " فإذا كان هذا شأنه سبحانه مع عباده فكيف يكلفهم ما لا يسعهم فضلا عما لا يطيقونه ولا يقدرون عليه .

    فصل [ مراتب الجهاد ]
    إذا عرف هذا فالجهاد أربع مراتب جهاد النفس وجهاد الشيطان وجهاد الكفار وجهاد المنافقين .

    مراتب جهاد النفس فجهاد النفس أربع مراتب أيضا :

    إحداها : أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين .

    الثانية أن يجاهدها على العمل به بعد علمه وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها .

    الثالثة أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله .

    الرابعة أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله . فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه فمن علم وعمل وعلم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  16. #76
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية إبن عبد ربه
    مشرف سابق
    تاريخ التسجيل
    08 2003
    المشاركات
    3,774
    فصل [ أكمل الخلق من كمل مراتب الجهاد وأكملهم محمد صلى الله عليه وسلم ]




    وأكمل الخلق عند الله من كمل مراتب الجهاد كلها والخلق متفاوتون في منازلهم عند الله تفاوتهم في مراتب الجهاد ولهذا كان أكمل الخلق وأكرمهم على الله خاتم أنبيائه ورسله فإنه كمل مراتب الجهاد وجاهد في الله حق جهاده وشرع في الجهاد من حين بعث إلى أن توفاه الله عز وجل فإنه لما نزل عليه يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر [ المدثر ا - 4 ] شمر عن ساق الدعوة وقام في ذات الله أتم قيام ودعا إلى الله ليلا ونهارا وسرا وجهارا ولما نزل عليه فاصدع بما تؤمر [ الحجر : 94 ] فصدع بأمر الله لا تأخذه فيه لومة لائم فدعا إلى الله الصغير والكبير والحر والعبد والذكر والأنثى والأحمر والأسود والجن والإنس .

    ولما صدع بأمر الله وصرح لقومه بالدعوة وناداهم بسب آلهتهم وعيب دينهم اشتد أذاهم له ولمن استجاب له من أصحابه ونالوه ونالوهم بأنواع الأذى وهذه سنة الله عز وجل في خلقه كما قال تعالى : ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك [ فصلت 43 ] وقال وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن [ الأنعام 112 ] وقال كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون [ الذاريات 52- 53 ]

    فعزى سبحانه نبيه بذلك وأن له أسوة بمن تقدمه من المرسلين وعزى أتباعه بقوله أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب [ البقرة 214 ]

    وقوله الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين [ العنكبوت 1 - 11 ]

    [ ذكر الابتلاء في أول الدعوة ]
    فليتأمل العبد سياق هذه الآيات وما تضمنته من العبر وكنوز الحكم فإن الناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرين إما أن يقول أحدهم آمنا وإما ألا يقول ذلك بل يستمر على السيئات والكفر فمن قال آمنا امتحنه ربه وابتلاه وفتنه والفتنة الابتلاء والاختبار ليتبين الصادق من الكاذب ومن لم يقل آمنا فلا يحسب أنه يعجز الله ويفوته ويسبقه فإنه إنما يطوي المراحل في يديه .

    وكيف يفر المرء عنه بذنبه

    إذا كان تطوى في يديه المراحل


    فمن آمن بالرسل وأطاعهم عاداه أعداؤهم وآذوه فابتلي بما يؤلمه وإن لم يؤمن بهم ولم يطعهم عوقب في الدنيا والآخرة فحصل له ما يؤلمه وكان هذا المؤلم له أعظم ألما وأدوم من ألم اتباعهم فلا بد من حصول الألم لكل نفس آمنت أو رغبت عن الإيمان لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداء ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة والمعرض عن الإيمان تحصل له اللذة ابتداء ثم يصير إلى الألم الدائم . وسئل الشافعي رحمه الله أيما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى ؟ فقال لا يمكن حتى يبتلى والله تعالى ابتلى أولي العزم من الرسل فلما صبروا مكنهم فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم البتة وإنما يتفاوت أهل الآلام في العقول فأعقلهم من باع ألما مستمرا عظيما بألم منقطع يسير وأشقاهم من باع الألم المنقطع اليسير بالألم العظيم المستمر .

    فإن قيل كيف يختار العاقل هذا ؟ قيل الحامل له على هذا النقد والنسيئة .

    و النفس موكلة بحب العاجل


    [ من أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا ]

    كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة [ القيامة 20 ] إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا [ الدهر 27 ] وهذا يحصل لكل أحد فإن الإنسان مدني بالطبع لا بد له أن يعيش مع الناس والناس لهم إرادات وتصورات فيطلبون منه أن يوافقهم عليها فإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه وإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب تارة منهم وتارة من غيرهم كمن عنده دين وتقى حل بين قوم فجار ظلمة ولا يتمكنون من فجورهم وظلمهم إلا بموافقته لهم أو سكوته عنهم فإن وافقهم أو سكت عنهم سلم من شرهم في الابتداء ثم يتسلطون عليه بالإهانة والأذى أضعاف ما كان يخافه ابتداء لو أنكر عليهم وخالفهم وإن سلم منهم فلا بد أن يهان ويعاقب على يد غيرهم فالحزم كل الحزم في الأخذ بما قالت عائشة أم المؤمنين لمعاوية : من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس ومن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا

    ومن تأمل أحوال العالم رأى هذا كثيرا فيمن يعين الرؤساء على أغراضهم الفاسدة وفيمن يعين أهل البدع على بدعهم هربا من عقوبتهم فمن هداه الله وألهمه رشده ووقاه شر نفسه امتنع من الموافقة على فعل المحرم وصبر على عدوانهم ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة كما كانت للرسل وأتباعهم كالمهاجرين والأنصار ومن ابتلي من العلماء والعباد وصالحي الولاة والتجار وغيرهم .

    [ تعزية الله عباده المؤمنين بأن الحياة الدنيا قصيرة ]

    ولما كان الألم لا محيص منه البتة عزى الله - سبحانه - من اختار الألم اليسير المنقطع على الألم العظيم المستمر بقوله من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم [ العنكبوت 5 ] فضرب لمدة هذا الألم أجلا لا بد أن يأتي وهو يوم لقائه فيلتذ العبد أعظم اللذة بما تحمل من الألم من أجله وفي مرضاته وتكون لذته وسروره وابتهاجه بقدر ما تحمل من الألم في الله ولله وأكد هذا العزاء والتسلية برجاء لقائه ليحمل العبد اشتياقه إلى لقاء ربه ووليه على تحمل مشقة الألم العاجل بل ربما غيبه الشوق إلى لقائه عن شهود الألم والإحساس به ولهذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه الشوق إلى لقائه فقال في الدعاء الذي رواه أحمد وابن حبان : اللهم إني أسألك بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني إذا كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضى وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيما لا ينفد وأسألك قرة عين لا تنقطع وأسألك الرضى بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك وأسألك الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين

    فالشوق يحمل المشتاق على الجد في السير إلى محبوبه ويقرب عليه الطريق ويطوي له البعيد ويهون عليه الآلام والمشاق وهو من أعظم نعمة أنعم الله بها على عبده ولكن لهذه النعمة أقوال وأعمال هما السبب الذي تنال به والله سبحانه سميع لتلك الأقوال عليم بتلك الأفعال وهو عليم بمن يصلح لهذه النعمة ويشكرها ويعرف قدرها ويحب المنعم عليه فتصلح عنده هذه النعمة ويصلح بها كما قال تعالى : وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين [ الأنعام 53 ] فإذا فاتت العبد نعمة من نعم ربه فليقرأ على نفسه
    أليس الله بأعلم بالشاكرين

    [ من جاهد فإنما يجاهد لنفسه ]

    ثم عزاهم تعالى بعزاء آخر وهو أن جهادهم فيه إنما هو لأنفسهم وثمرته عائدة عليهم وأنه غني عن العالمين ومصلحة هذا الجهاد ترجع إليهم لا إليه سبحانه ثم أخبر أنه يدخلهم بجهادهم وإيمانهم في زمرة الصالحين .

    [ معنى فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ]

    ثم أخبر عن حال الداخل في الإيمان بلا بصيرة وأنه إذا أوذي في الله جعل فتنة الناس له كعذاب الله وهي أذاهم له ونيلهم إياه بالمكروه والألم الذي لا بد أن يناله الرسل وأتباعهم ممن خالفهم جعل ذلك في فراره منهم وتركه السبب الذي ناله كعذاب الله الذي فر منه المؤمنون بالإيمان فالمؤمنون لكمال بصيرتهم فروا من ألم عذاب الله إلى الإيمان وتحملوا ما فيه من الألم الزائل المفارق عن قريب وهذا لضعف بصيرته فر من ألم عذاب أعداء الرسل إلى موافقتهم ومتابعتهم ففر من ألم عذابهم إلى ألم عذاب الله فجعل ألم فتنة الناس في الفرار منه بمنزلة ألم عذاب الله وغبن كل الغبن إذ استجار من الرمضاء بالنار وفر من ألم ساعة إلى ألم الأبد وإذا نصر الله جنده وأولياءه قال إني كنت معكم والله عليم بما انطوى عليه صدره من النفاق .

    والمقصود أن الله سبحانه اقتضت حكمته أنه لا بد أن يمتحن النفوس ويبتليها فيظهر بالامتحان طيبها من خبيثها ومن يصلح لموالاته وكراماته ومن لا يصلح وليمحص النفوس التي تصلح له ويخلصها بكير الامتحان كالذهب الذي لا يخلص ولا يصفو من غشه إلا بالامتحان إذ النفس في الأصل جاهلة ظالمة وقد حصل لها بالجهل والظلم من الخبث ما يحتاج خروجه إلى السبك والتصفية فإن خرج في هذه الدار وإلا ففي كير جهنم فإذا هذب العبد ونقي أذن له في دخول الجنة .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  17. #77
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية إبن عبد ربه
    مشرف سابق
    تاريخ التسجيل
    08 2003
    المشاركات
    3,774
    فصل

    ولما اشتد أذى المشركين على من أسلم وفتن منهم من فتن حتى يقولوا لأحدهم اللات والعزى إلهك من دون الله ؟ فيقول نعم وحتى إن الجعل ليمر بهم فيقولون وهذا إلهك من دون الله فيقول نعم ومر عدو الله أبو جهل بسمية أم عمار بن ياسر وهي تعذب وزوجها وابنها فطعنها بحربة في فرجها حتى قتلها .

    [ شراء الصديق للعبيد المعذبين ]

    كان الصديق إذا مر بأحد من العبيد يعذب اشتراه منهم وأعتقه منهم بلال وعامر بن فهيرة وأم عبيس وزنيرة والنهدية وابنتها وجارية لبني عدي كان عمر يعذبها على الإسلام قبل إسلامه وقال له أبوه يا بني أراك تعتق رقابا ضعافا فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت قوما جلدا يمنعونك فقال له أبو بكر إني أريد ما أريد

    [ الهجرة الأولى إلى الحبشة ]
    [ هل قدم ابن مسعود مكة من الهجرة الأولى إلى الحبشة ]

    فلما اشتد البلاء أذن الله سبحانه لهم بالهجرة الأولى إلى أرض الحبشة وكان أول من هاجر إليها عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أهل هذه الهجرة الأولى اثني عشر رجلا وأربع نسوة عثمان وامرأته وأبو حذيفة وامرأته سهلة بنت سهيل وأبو سلمة وامرأته أم سلمة هند بنت أبي أمية والزبير بن العوام ومصعب بن عمير وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة وامرأته ليلى بنت أبي حثمة وأبو سبرة بن أبي رهم وحاطب بن عمرو وسهيل بن وهب وعبد الله بن مسعود .

    وخرجوا متسللين سرا فوفق الله لهم ساعة وصولهم إلى الساحل سفينتين للتجار فحملوهم فيهما إلى أرض الحبشة وكان مخرجهم في رجب في السنة الخامسة من المبعث وخرجت قريش في آثارهم حتى جاءوا البحر فلم يدركوا منهم أحدا ثم بلغهم أن قريشا قد كفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم فرجعوا فلما كانوا دون مكة بساعة من نهار بلغهم أن قريشا أشد ما كانوا عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل من دخل بجوار وفي تلك المرة دخل ابن مسعود فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فلم يرد عليه فتعاظم ذلك على ابن مسعود حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم ؟ : إن الله قد أحدث من أمره أن لا تكلموا في الصلاة هذا هو الصواب وزعم ابن سعد وجماعة أن ابن مسعود لم يدخل وأنه رجع إلى الحبشة حتى قدم في المرة الثانية إلى المدينة مع من قدم ورد هذا بأن ابن مسعود شهد بدرا وأجهز على أبي جهل وأصحاب هذه الهجرة إنما قدموا المدينة مع جعفر بن أبي طالب وأصحابه بعد بدر بأربع سنين أو خمس .

    قالوا : فإن قيل بل هذا الذي ذكره ابن سعد يوافق قول زيد بن أرقم : كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت وقوموا لله قانتين [ البقرة 238 ] فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام وزيد بن أرقم من الأنصار والسورة مدنية وحينئذ فابن مسعود سلم عليه لما قدم وهو في الصلاة فلم يرد عليه حتى سلم وأعلمه بتحريم الكلام فاتفق حديثه وحديث ابن أرقم .

    قيل يبطل هذا شهود ابن مسعود بدرا وأهل الهجرة الثانية إنما قدموا عام خيبر مع جعفر وأصحابه ولو كان ابن مسعود ممن قدم قبل بدر لكان لقدومه ذكر ولم يذكر أحد قدوم مهاجري الحبشة إلا في القدمة الأولى بمكة والثانية عام خيبر مع جعفر فمتى قدم ابن مسعود في غير هاتين المرتين ومع من ؟ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال ابن إسحاق قال وبلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خرجوا إلى الحبشة إسلام أهل مكة فأقبلوا لما بلغهم من ذلك حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن إسلام أهل مكة كان باطلا فلم يدخل منهم أحد إلا بجوار أو مستخفيا . فكان ممن قدم منهم فأقام بها حتى هاجر إلى المدينة فشهد بدرا وأحدا فذكر منهم عبد الله بن مسعود .

    فإن قيل فما تصنعون بحديث زيد بن أرقم ؟ قيل قد أجيب عنه بجوابين

    أحدهما : أن يكون النهي عنه قد ثبت بمكة ثم أذن فيه بالمدينة ثم نهي عنه .

    والثاني : أن زيد بن أرقم كان من صغار الصحابة وكان هو وجماعة يتكلمون في الصلاة على عادتهم ولم يبلغهم النهي فلما بلغهم انتهوا وزيد لم يخبر عن جماعة المسلمين كلهم بأنهم كانوا يتكلمون في الصلاة إلى حين نزول هذه الآية ولو قدر أنه أخبر بذلك لكان وهما منه .

    [ الهجرة الثانية إلى الحبشة ]
    ثم اشتد البلاء من قريش على من قدم من مهاجري الحبشة وغيرهم وسطت بهم عشائرهم ولقوا منهم أذى شديدا فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى أرض الحبشة مرة ثانية وكان خروجهم الثاني أشق عليهم وأصعب ولقوا من قريش تعنيفا شديدا ونالوهم بالأذى وصعب عليهم ما بلغهم عن النجاشي من حسن جواره لهم وكان عدة من خرج في هذه المرة ثلاثة وثمانين رجلا إن كان فيهم عمار بن ياسر فإنه يشك فيه قاله ابن إسحاق ومن النساء تسع عشرة امرأة .

    قلت قد ذكر في هذه الهجرة الثانية عثمان بن عفان وجماعة ممن شهد بدرا فإما أن يكون هذا وهما وإما أن يكون لهم قدمة أخرى قبل بدر فيكون لهم ثلاث قدمات قدمة قبل الهجرة وقدمة قبل بدر وقدمة عام خيبر ولذلك قال ابن سعد وغيره إنهم لما سمعوا مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلا ومن النساء ثمان نسوة فمات منهم رجلان بمكة وحبس بمكة سبعة وشهد بدرا منهم أربعة وعشرون رجلا .

    فلما كان شهر ربيع الأول سنة سبع من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام وبعث به مع عمرو بن أمية الضمري فلما قرئ عليه الكتاب أسلم وقال لئن قدرت أن آتيه لآتينه .

    وكتب إليه أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان وكانت فيمن هاجر إلى أرض الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش فتنصر هناك ومات فزوجه النجاشي إياها وأصدقها عنه أربعمائة دينار وكان الذي ولي تزويجها خالد بن سعيد بن العاص .

    وكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه من بقي عنده من أصحابه ويحملهم ففعل وحملهم في سفينتين مع عمرو بن أمية الضمري فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فوجدوه قد فتحها فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يدخلوهم في سهامهم ففعلوا .

    وعلى هذا فيزول الإشكال الذي بين حديث ابن مسعود وزيد بن أرقم ويكون ابن مسعود قدم في المرة الوسطى بعد الهجرة قبل بدر إلى المدينة وسلم عليه حينئذ فلم يرد عليه وكان العهد حديثا بتحريم الكلام كما قال زيد بن أرقم ويكون تحريم الكلام بالمدينة لا بمكة وهذا أنسب بالنسخ الذي وقع في الصلاة والتغيير بعد الهجرة كجعلها أربعا بعد أن كانت ركعتين ووجوب الاجتماع لها .

    فإن قيل ما أحسنه من جمع وأثبته لولا أن محمد بن إسحاق قد قال ما حكيتم عنه أن ابن مسعود أقام بمكة بعد رجوعه من الحبشة حتى هاجر إلى المدينة وشهد بدرا وهذا يدفع ما ذكر .

    قيل إن كان محمد بن إسحاق قد قال هذا فقد قال محمد بن سعد في " طبقاته " : إن ابن مسعود مكث يسيرا بعد مقدمه ثم رجع إلى أرض الحبشة وهذا هو الأظهر لأن ابن مسعود لم يكن له بمكة من يحميه وما حكاه ابن سعد قد تضمن زيادة أمر خفي على ابن إسحاق وابن إسحاق لم يذكر من حدثه ومحمد بن سعد أسند ما حكاه إلى المطلب بن عبد الله بن حنطب فاتفقت الأحاديث وصدق بعضها بعضا وزال عنها الإشكال و لله الحمد والمنة .

    وقد ذكر ابن إسحاق في هذه الهجرة إلى الحبشة أبا موسى الأشعري عبد الله بن قيس وقد أنكر عليه ذلك أهل السير منهم محمد بن عمر الواقدي وغيره وقالوا : كيف يخفى ذلك على ابن إسحاق أو على من دونه ؟

    قلت وليس ذلك مما يخفى على من دون محمد بن إسحاق فضلا عنه وإنما نشأ الوهم أن أبا موسى هاجر من اليمن إلى أرض الحبشة إلى عند جعفر وأصحابه لما سمع بهم ثم قدم معهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر كما جاء مصرحا به في " الصحيح " فعد ذلك ابن إسحاق لأبي موسى هجرة ولم يقل إنه هاجر من مكة إلى أرض الحبشة لينكر عليه .

    فصل [ محاولة المشركين رد النجاشي المهاجرين ]
    فانحاز المهاجرون إلى مملكة أصحمة النجاشي آمنين فلما علمت قريش بذلك بعثت في أثرهم عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص بهدايا وتحف من بلدهم إلى النجاشي ليردهم عليهم فأبى ذلك عليهم وشفعوا إليه بعظماء بطارقته فلم يجبهم إلى ما طلبوا فوشوا إليه إن هؤلاء يقولون في عيسى قولا عظيما يقولون إنه عبد الله فاستدعى المهاجرين إلى مجلسه ومقدمهم جعفر بن أبي طالب فلما أرادوا الدخول عليه قال جعفر يستأذن عليك حزب الله فقال للآذن قل له يعيد استئذانه فأعاده عليه فلما دخلوا عليه قال ما تقولون في عيسى ؟ فتلا عليه جعفر صدرا من سورة " كهيعص " فأخذ النجاشي عودا من الأرض فقال ما زاد عيسى على هذا ولا هذا العود فتناخرت بطارقته عنده فقال وإن نخرتم قال اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي من سبكم غرم والسيوم الآمنون في لسانهم ثم قال للرسولين لو أعطيتموني دبرا من ذهب يقول جبلا من ذهب ما أسلمتهم إليكما ثم أمر فردت عليهما هداياهما ورجعا مقبوحين .

    فصل [ مقاطعة قريش لبني هاشم وبني المطلب ]
    ثم أسلم حمزة عمه وجماعة كثيرون وفشا الإسلام فلما رأت قريش أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلو والأمور تتزايد أجمعوا على أن يتعاقدوا على بني هاشم وبني المطلب وبني عبد مناف أن لا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة يقال كتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم ويقال النضر بن الحارث والصحيح أنه بغيض بن عامر بن هاشم فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فشلت يده فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم إلا أبا لهب فإنه ظاهر قريشا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبني هاشم وبني المطلب وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه في الشعب شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة وعلقت الصحيفة في جوف الكعبة وبقوا محبوسين ومحصورين مضيقا عليهم جدا مقطوعا عنهم الميرة والمادة نحو ثلاث سنين حتى بلغهم الجهد وسمع أصوات صبيانهم بالبكاء من وراء الشعب وهناك عمل أبو طالب قصيدته اللامية المشهورة أولها :

    جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا

    عقوبة شر عاجلا غير آجل


    [ نقض الصحيفة ]
    وكانت قريش في ذلك بين راض وكاره فسعى في نقض الصحيفة من كان كارها لها وكان القائم بذلك هشام بن عمرو بن الحارث بن حبيب بن نصر بن مالك مشى في ذلك إلى المطعم بن عدي وجماعة من قريش فأجابوه إلى ذلك ثم أطلع الله رسوله على أمر صحيفتهم وأنه أرسل عليها الأرضة فأكلت جميع ما فيها من جور وقطيعة وظلم إلا ذكر الله عز وجل فأخبر بذلك عمه فخرج إلى قريش فأخبرهم أن ابن أخيه قد قال كذا وكذا فإن كان كاذبا خلينا بينكم وبينه وإن كان صادقا رجعتم عن قطيعتنا وظلمنا قالوا : قد أنصفت فأنزلوا الصحيفة فلما رأوا الأمر كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ازدادوا كفرا إلى كفرهم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الشعب .

    قال ابن عبد البر : بعد عشرة أعوام من المبعث ومات أبو طالب بعد ذلك بستة أشهر وماتت خديجة بعده بثلاثة أيام وقيل غير ذلك .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  18. #78
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية إبن عبد ربه
    مشرف سابق
    تاريخ التسجيل
    08 2003
    المشاركات
    3,774
    فصل [ الخروج إلى الطائف ]


    فلما نقضت الصحيفة وافق موت أبي طالب وموت خديجة وبينهما يسير فاشتد البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفهاء قومه وتجرءوا عليه فكاشفوه بالأذى فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف رجاء أن يؤووه وينصروه على قومه ويمنعوه منهم ودعاهم إلى الله عز وجل فلم ير من يؤوي ولم ير ناصرا وآذوه مع ذلك أشد الأذى ونالوا منه ما لم ينله قومه وكان معه زيد بن حارثة مولاه فأقام بينهم عشرة أيام لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه فقالوا : اخرج من بلدنا وأغروا به سفهاءهم فوقفوا له سماطين وجعلوا يرمونه بالحجارة حتى دميت قدماه وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شجاج في رأسه فانصرف راجعا من الطائف إلى مكة محزونا وفي مرجعه ذلك دعا بالدعاء المشهور دعاء الطائف : اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني ؟ أو إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي غير أن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علي غضبك أو أن ينزل بي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك .

    فأرسل ربه تبارك وتعالى إليه ملك الجبال يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة وهما جبلاها اللذان هي بينهما فقال لا بل أستأني بهم لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئا

    [ استماع الجن لقراءته صلى الله عليه وسلم]

    فلما نزل بنخلة مرجعه قام يصلي من الليل فصرف إليه نفر من الجن فاستمعوا قراءته ولم يشعر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل عليه وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين [ الأحقاف 29 - 32 ] .

    وأقام بنخلة أياما فقال له زيد بن حارثة : كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك ؟ يعني قريشا فقال يا زيد إن الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا وإن الله ناصر دينه ومظهر نبيه

    [ دخوله صلى الله عليه وسلم مكة بجوار المطعم ]

    ثم انتهى إلى مكة فأرسل رجلا من خزاعة إلى مطعم بن عدي أدخل في جوارك ؟ فقال نعم ودعا بنيه وقومه فقال البسوا السلاح وكونوا عند أركان البيت فإني قد أجرت محمدا فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام فقام المطعم بن عدي على راحلته فنادى : يا معشر قريش إني قد أجرت محمدا فلا يهجه أحد منكم فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الركن فاستلمه وصلى ركعتين وانصرف إلى بيته والمطعم بن عدي وولده محدقون به بالسلاح حتى دخل بيته .

    فصل [ الإسراء ]
    ثم أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده على الصحيح من المسجد الحرام إلى بيت المقدس راكبا على البراق صحبة جبريل عليهما الصلاة والسلام فنزل هناك وصلى بالأنبياء إماما وربط البراق بحلقة باب المسجد .

    وقد قيل إنه نزل ببيت لحم وصلى فيه ولم يصح ذلك عنه البتة .

    [المعراج ]

    ثم عرج به تلك الليلة من بيت المقدس إلى السماء الدنيا فاستفتح له جبريل ففتح له فرأى هنالك آدم أبا البشر فسلم عليه فرد عليه السلام ورحب به وأقر بنبوته وأراه الله أرواح السعداء عن يمينه وأرواح الأشقياء عن يساره ثم عرج به إلى السماء الثانية فاستفتح له فرأى فيها يحيى بن زكريا وعيسى ابن مريم فلقيهما وسلم عليهما فردا عليه ورحبا به وأقرا بنبوته ثم عرج به إلى السماء الثالثة فرأى فيها يوسف فسلم عليه فرد عليه ورحب به وأقر بنبوته ثم عرج به إلى السماء الرابعة فرأى فيها إدريس فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته ثم عرج به إلى السماء الخامسة فرأى فيها هارون بن عمران فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته ثم عرج به إلى السماء السادسة فلقي فيها موسى بن عمران فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته فلما جاوزه بكى موسى فقيل له ما يبكيك ؟ فقال أبكي لأن غلاما بعث من بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي ثم عرج به إلى السماء السابعة فلقي فيها إبراهيم فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته ثم رفع إلى سدرة المنتهى ثم رفع له البيت المعمور ثم عرج به إلى الجبار جل جلاله فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى وفرض عليه خمسين صلاة . فرجع حتى مر على موسى فقال له بم أمرت ؟ قال بخمسين صلاة قال إن أمتك لا تطيق ذلك ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فالتفت إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك فأشار أن نعم إن شئت فعلا به جبريل حتى أتى به الجبار تبارك وتعالى وهو في مكانه . هذا لفظ البخاري في بعض الطرق فوضع عنه عشرا ثم أنزل حتى مر بموسى فأخبره فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فلم يزل يتردد بين موسى وبين الله عز وجل حتى جعلها خمسا فأمره موسى بالرجوع وسؤال التخفيف فقال قد استحييت من ربي ولكن أرضى وأسلم فلما بعد نادى مناد قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  19. #79
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية إبن عبد ربه
    مشرف سابق
    تاريخ التسجيل
    08 2003
    المشاركات
    3,774
    فصل في مبدأ الهجرة التي فرق الله فيها بين أوليائه وأعدائه


    وجعلها مبدأ لإعزاز دينه ونصر عبده ورسوله


    [ دعوته صلى الله عليه وسلم القبائل ]


    قال الواقدي : حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة ويزيد بن رومان وغيرهما قالوا : أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث سنين من أول نبوته مستخفيا ثم أعلن في الرابعة فدعا الناس إلى الإسلام عشر سنين يوافي الموسم كل عام يتبع الحاج في منازلهم وفي المواسم بعكاظ ومجنة وذي المجاز يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه ولهم الجنة فلا يجد أحدا ينصره ولا يجيبه حتى إنه ليسأل عن القبائل ومنازلها قبيلة قبيلة ويقول يا أيها الناس قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا وتملكوا بها العرب وتذل لكم بها العجم فإذا آمنتم كنتم ملوكا في الجنة وأبو لهب وراءه يقول لا تطيعوه فإنه صابئ كذاب فيردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبح الرد ويؤذونه ويقولون أسرتك وعشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك وهو يدعوهم إلى الله ويقول اللهم لو شئت لم يكونوا هكذا قال وكان ممن يسمى لنا من القبائل الذين أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم وعرض نفسه عليهم بنو عامر بن صعصعة ومحارب بن حصفة وفزارة وغسان ومرة وحنيفة وسليم وعبس وبنو النضر وبنو البكاء وكندة وكلب والحارث بن كعب وعذرة والحضارمة فلم يستجب منهم أحد

    فصل [ لقياه صلى الله عليه وسلم لمن قدم من الأوس والخزرج ]
    وكان مما صنع الله لرسوله أن الأوس والخزرج كانوا يسمعون من حلفائهم من يهود المدينة أن نبيا من الأنبياء مبعوث في هذا الزمان سيخرج فنتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم وكانت الأنصار يحجون البيت كما كانت العرب تحجه دون اليهود فلما رأى الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الله عز وجل وتأملوا أحواله قال بعضهم لبعض تعلمون والله يا قوم أن هذا الذي توعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه . وكان سويد بن الصامت من الأوس قد قدم مكة فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبعد ولم يجب حتى قدم أنس بن رافع أبو الحيسر في فتية من قومه من بني عبد الأشهل يطلبون الحلف فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فقال إياس بن معاذ وكان شابا حدثا : يا قوم هذا والله خير مما جئنا له فضربه أبو الحيسر وانتهره فسكت ثم لم يتم لهم الحلف فانصرفوا إلى المدينة

    [ فصل لقي النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر من الخزرج ]

    ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي عند العقبة في الموسم ستة نفر من الأنصار كلهم من الخزرج وهم أبو أمامة أسعد بن زرارة وعوف بن الحارث ورافع بن مالك وقطبة بن عامر وعقبة بن عامر وجابر بن عبد الله بن رئاب فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأسلموا

    [ بيعة العقبة الأولى ]

    ثم رجعوا إلى المدينة فدعوهم إلى الإسلام ففشا الإسلام فيها حتى لم يبق دار إلا وقد دخلها الإسلام فلما كان العام المقبل جاء منهم اثنا عشر رجلا الستة الأول خلا جابر بن عبد الله ومعهم معاذ بن الحارث بن رفاعة أخو عوف المتقدم وذكوان بن عبد القيس وقد أقام ذكوان بمكة حتى هاجر إلى المدينة فيقال إنه مهاجري أنصاري وعبادة بن الصامت ويزيد بن ثعلبة وأبو الهيثم بن التيهان وعويمر بن مالك هم اثنا عشر .

    وقال أبو الزبير عن جابر إن النبي صلى الله عليه وسلم لبث بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في المواسم ومجنة وعكاظ يقول من يؤويني ؟ من ينصرني ؟ حتى أبلغ رسالات ربي وله الجنة فلا يجد أحدا ينصره ولا يؤويه حتى إن الرجل ليرحل من مضر أو اليمن إلى ذي رحمه فيأتيه قومه فيقولون له احذر غلام قريش لا يفتنك ويمشي بين رجالهم يدعوهم إلى الله عز وجل وهم يشيرون إليه بالأصابع حتى بعثنا الله من يثرب فيأتيه الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام وبعثنا الله إليه فائتمرنا واجتمعنا وقلنا : حتى متى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم فواعدنا بيعة العقبة فقال له عمه العباس يا ابن أخي ما أدري ما هؤلاء القوم الذين جاءوك إني ذو معرفة بأهل يثرب فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين فلما نظر العباس في وجوهنا قال هؤلاء قوم لا نعرفهم هؤلاء أحداث فقلنا : يا رسول الله علام نبايعك ؟ قال " تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة فقمنا نبايعه فأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو أصغر السبعين فقال رويدا يا أهل يثرب إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله فقالوا : يا أسعد أمط عنا يدك فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها فقمنا إليه رجلا رجلا فأخذ علينا وشرط يعطينا بذلك الجنة ثم انصرفوا إلى المدينة وبعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أم مكتوم ومصعب بن عمير يعلمان من أسلم منهم القرآن ويدعوان إلى الله عز وجل فنزلا على أبي أمامة أسعد بن زرارة وكان مصعب بن عمير يؤمهم وجمع بهم لما بلغوا أربعين فأسلم على يديهما بشر كثير منهم أسيد بن الحضير وسعد بن معاذ وأسلم بإسلامهما يومئذ جميع بني عبد الأشهل الرجال والنساء إلا أصيرم عمرو بن ثابت بن وقش فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد وأسلم حينئذ وقاتل فقتل قبل أن يسجد لله سجدة فأخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمل قليلا وأجر كثيرا

    [ بيعة العقبة الثانية ]

    وكثر الإسلام بالمدينة وظهر ثم رجع مصعب إلى مكة ووافى الموسم ذلك العام خلق كثير من الأنصار من المسلمين والمشركين وزعيم القوم البراء بن معرور فلما كانت ليلة العقبة الثلث الأول من الليل تسلل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم خفية من قومهم ومن كفار مكة على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم وأزرهم فكان أول من بايعه ليلتئذ البراء بن معرور وكانت له اليد البيضاء إذ أكد العقد وبادر إليه وحضر العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤكدا لبيعته كما تقدم وكان إذ ذاك على دين قومه واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم تلك الليلة اثني عشر نقيبا وهم أسعد بن زرارة وسعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة ورافع بن مالك والبراء بن معرور
    وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر وكان إسلامه تلك الليلة وسعد بن عبادة والمنذر بن عمرو وعبادة بن الصامت فهؤلاء تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس : أسيد بن الحضير وسعد بن خيثمة ورفاعة بن عبد المنذر . وقيل بل أبو الهيثم بن التيهان مكانه .

    وأما المرأتان فأم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو وهي التي قتل مسيلمة ابنها حبيب بن زيد وأسماء بنت عمرو بن عدي . فلما تمت هذه البيعة استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يميلوا على أهل العقبة بأسيافهم فلم يأذن لهم في ذلك وصرخ الشيطان على العقبة بأنفذ صوت سمع يا أهل الجباجب هل لكم في مذمم والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أزب العقبة هذا ابن أزيب أما والله يا عدو الله لأتفرغن لك ثم أمرهم أن ينفضوا إلى رحالهم فلما أصبح القوم غدت عليهم جلة قريش وأشرافهم حتى دخلوا شعب الأنصار فقالوا : يا معشر الخزرج إنه بلغنا أنكم لقيتم صاحبنا البارحة وواعدتموه أن تبايعوه على حربنا وايم الله ما حي من العرب أبغض إلينا من أن ينشب بيننا وبينه الحرب منكم فانبعث من كان هناك من الخزرج من المشركين يحلفون لهم بالله ما كان هذا وما علمنا وجعل عبد الله بن أبي ابن سلول يقول هذا باطل وما كان هذا وما كان قومي ليفتاتوا علي مثل هذا لو كنت بيثرب ما صنع قومي هذا حتى يؤامروني فرجعت قريش من عندهم ورحل البراء بن معرور فتقدم إلى بطن يأجج وتلاحق أصحابه من المسلمين وتطلبتهم قريش فأدركوا سعد بن عبادة فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله وجعلوا يضربونه ويجرونه ويجذبونه بجمته حتى أدخلوه مكة فجاء مطعم بن عدي والحارث بن حرب بن أمية فخلصاه من أيديهم وتشاورت الأنصار حين فقدوه أن يكروا إليه فإذا سعد قد طلع عليهم فوصل القوم جميعا إلى المدينة .

    [ بدء الهجرة إلى المدينة ]
    فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى المدينة فبادر الناس إلى ذلك فكان أول من خرج إلى المدينة أبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة ولكنها احتبست دونه ومنعت من اللحاق به سنة وحيل بينها وبين ولدها سلمة ثم خرجت بعد السنة بولدها إلى المدينة وشيعها عثمان بن أبي طلحة . ثم خرج الناس أرسالا يتبع بعضهم بعضا ولم يبق بمكة من المسلمين إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعلي أقاما بأمره لهما وإلا من احتبسه المشركون كرها وقد أعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جهازه ينتظر متى يؤمر بالخروج وأعد أبو بكر جهازه .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  20. #80
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية إبن عبد ربه
    مشرف سابق
    تاريخ التسجيل
    08 2003
    المشاركات
    3,774
    فصل [ تحويل القبلة ]


    وكان يصلي إلى قبلة بيت المقدس ويحب أن يصرف إلى الكعبة وقال لجبريل وددت أن يصرف الله وجهي عن قبلة اليهود فقال إنما أنا عبد فادع ربك واسأله س فجعل يقلب وجهه في السماء يرجو ذلك حتى أنزل الله عليه قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام [ البقرة 144 ] وذلك بعد ستة عشر شهرا من مقدمه المدينة قبل وقعة بدر بشهرين .

    قال محمد بن سعد أخبرنا هاشم بن القاسم قال أنبأنا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي قال ما خالف نبي نبيا قط في قبلة ولا في سنة إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل بيت المقدس حين قدم المدينة ستة عشر شهرا ثم قرأ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك [ الشورى : 13 ]

    وكان لله في جعل القبلة إلى بيت المقدس ثم تحويلها إلى الكعبة حكم عظيمة ومحنة للمسلمين والمشركين واليهود والمنافقين . فأما المسلمون فقالوا : سمعنا وأطعنا وقالوا : آمنا به كل من عند ربنا [ آل عمران 7 ] وهم الذين هدى الله ولم تكن كبيرة عليهم . وأما المشركون فقالوا : كما رجع إلى قبلتنا يوشك أن يرجع إلى ديننا وما رجع إليها إلا أنه الحق .

    وأما اليهود فقالوا : خالف قبلة الأنبياء قبله ولو كان نبيا لكان يصلي إلى قبلة الأنبياء . وأما المنافقون فقالوا : ما يدري محمد أين يتوجه إن كانت الأولى حقا فقد تركها وإن كانت الثانية هي الحق فقد كان على باطل وكثرت أقاويل السفهاء من الناس وكانت كما قال الله تعالى : وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله [ البقرة 143 ] وكانت محنة من الله امتحن بها عباده ليرى من يتبع الرسول منهم ممن ينقلب على عقبيه .

    ولما كان أمر القبلة وشأنها عظيما وطأ - سبحانه - قبلها أمر النسخ وقدرته عليه وأنه يأتي بخير من المنسوخ أو مثله ثم عقب ذلك بالتوبيخ لمن تعنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينقد له ثم ذكر بعده اختلاف اليهود والنصارى وشهادة بعضهم على بعض بأنهم ليسوا على شيء وحذر عباده المؤمنين من موافقتهم واتباع أهوائهم ثم ذكر كفرهم وشركهم به وقولهم إن له ولدا سبحانه وتعالى عما يقولون علوا ثم أخبر أن له المشرق والمغرب وأينما يولي عباده وجوههم فثم وجهه وهو الواسع العليم فلعظمته وسعته وإحاطته أينما يوجه العبد فثم وجه الله . ثم أخبر أنه لا يسأل رسوله عن أصحاب الجحيم الذين لا يتابعونه ولا يصدقونه ثم أعلمه أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم وأنه إن فعل وقد أعاذه الله من ذلك فما له من الله من ولي ولا نصير ثم ذكر أهل الكتاب بنعمته عليهم وخوفهم من بأسه يوم القيامة ثم ذكر خليله باني بيته الحرام وأثنى عليه ومدحه وأخبر أنه جعله إماما للناس يأتم به أهل الأرض ثم ذكر بيته الحرام وبناء خليله له وفي ضمن هذا أن باني البيت كما هو إمام للناس فكذلك البيت الذي بناه إمام لهم ثم أخبر أنه لا يرغب عن ملة هذا الإمام إلا أسفه الناس ثم أمر عباده أن يأتموا برسوله الخاتم ويؤمنوا بما أنزل إليه وإلى إبراهيم وإلى سائر النبيين ثم رد على من قال إن إبراهيم وأهل بيته كانوا هودا أو نصارى وجعل هذا كله توطئة ومقدمة بين يدي تحويل القبلة ومع هذا كله فقد كبر ذلك على الناس إلا من هدى الله منهم وأكد سبحانه هذا الأمر مرة بعد مرة بعد ثالثة وأمر به رسوله حيثما كان ومن حيث خرج وأخبر أن الذي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم هو الذي هداهم إلى هذه القبلة وأنها هي القبلة التي تليق بهم وهم أهلها لأنها أوسط القبل وأفضلها وهم أوسط الأمم وخيارهم فاختار أفضل القبل لأفضل الأمم كما اختار لهم أفضل الرسل وأفضل الكتب وأخرجهم في خير القرون وخصهم بأفضل الشرائع ومنحهم خير الأخلاق وأسكنهم خير الأرض وجعل منازلهم في الجنة خير المنازل وموقفهم في القيامة خير المواقف فهم على تل عال والناس تحتهم فسبحان من يختص برحمته من يشاء وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .

    وأخبر سبحانه أنه فعل ذلك لئلا يكون للناس عليهم حجة ولكن الظالمون الباغون يحتجون عليهم بتلك الحجج التي ذكرت ولا يعارض الملحدون الرسل إلا بها وبأمثالها من الحجج الداحضة وكل من قدم على أقوال الرسول سواها فحجته من جنس حجج هؤلاء .

    وأخبر سبحانه أنه فعل ذلك ليتم نعمته عليهم وليهديهم ثم ذكرهم نعمه عليهم بإرسال رسوله إليهم وإنزال كتابه عليهم ليزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون ثم أمرهم بذكره وبشكره إذ بهذين الأمرين يستوجبون إتمام نعمه والمزيد من كرامته ويستجلبون ذكره لهم ومحبته لهم ثم أمرهم بما لا يتم لهم ذلك إلا بالاستعانة به وهو الصبر والصلاة وأخبرهم أنه مع الصابرين .

    فصل [ الأذان وزيادة الصلاة إلى رباعية ]

    وأتم نعمته عليهم مع القبلة بأن شرع لهم الأذان في اليوم والليلة خمس مرات وزادهم في الظهر والعصر والعشاء ركعتين أخريين بعد أن كانت ثنائية فكل هذا كان بعد مقدمه المدينة .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

صفحة 4 من 5 الأولىالأولى ... 2345 الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •