لونك المفضل

المنتديات الثقافية - Powered by vBulletin
 

النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: مع المصطفى صلى الله عليه وسلم ارحم اليتيم

  1. #1
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية أبوواسم

    فل وياسمين
    تاريخ التسجيل
    03 2005
    العمر
    47
    المشاركات
    2,459

    Post مع المصطفى صلى الله عليه وسلم ارحم اليتيم

    مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
    ارحم اليتيم

    د/ خالد سعد النجار

    عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه فقال صلى الله عليه وسلم ( أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك ) [1]


    شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن تُوَجَّه أنظار المسلمين ومشاعرهم إلى شرائح المجتمع الضعيفة، والتي لا تقوى على القيام بدورها الطبيعي في المجتمع إلا بدعم مساند من جهات أخرى، ولعلَّ على رأس هذه الفئات ( شريحة الأيتام ) ، والتي فيها من الضعف والحاجة إلى العطف والحنان والمساعدة المادية والإنسانية الشيء الكثير، ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم من أوائل الذين لمسوا آلام اليتيم وأحزانه؛ ولذلك سجَّل في حديثه الشريف: " أَنَا وَكافِلُ اليَتِيْمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُما" [2]

    ومما يلفت النظر أيضا أن الله سبحانه وتعالى ذكر لفظ اليتيم في القرآن الكريم ثلاثًا وعشرين مرة، وفي ذلك إشارة واضحة للمسلمين للانتباه والوقوف وقفة جادة أمام هذه الفئة وأمام احتياجاتها، والمشاكل التي قد تواجهها سواءً أكانت معنوية أم مادية أم اجتماعية أم غير ذلك، وبالنظر في نصوص القرآن العديدة في شأن اليتيم ، فإنه يمكن تصنيفها إلى خمسة أقسام رئيسة،كلها تدور حول:دفع المضار عنه، وجلب المصالح له في ماله، وفي نفسه، وفي الحالة الزواجية، والحث على الإحسان إليه ومراعاة الجانب النفسي لديه.

    قال تعالى ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ) النساء36 فالإحسان إلى اليتيم متعين كما هو للوالدين ولذي القربى ، وليس هذا فحسب بل وقرنه رب العزة والجلال بالإيمان به وجعله من أعظم أعمال البر , فقال جل من قائل ( لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ ) [البقرة 177 ]

    ولقد تنزلت في حق اليتيم الآيات في أوائل ما تنزل من القرآن المكي كقوله تعالى ( أَرَأيتَ الّذِي يُكَذّبُ بالدّينِ * فَذَلِكَ الّذِي يَدُعُ اليتيمَ * ولا يحُضُّ عَلَى طَعَامِ المِسكِينِ ) [ الماعون 1-3 ] ومفهوم الآيتين المباركتين، أنّ الذي يطرد اليتيم، ويحرم اليتيم حقه، هذا هو الذي يكذب بالدين. تعبيراً عن الترابط العميق بين الدين، وبين الاهتمام بشؤون الأيتام، وبين الإيمان وبين الاهتمام بشؤون المتعبين . فلا يمكن أن يبقى الإنسان متديناً ويطرد اليتيم . وقوله تعالى ( فَأمَّا اليَتِيم فَلاَ تَقهَر ) [الضحى 9 ] . قال ابن كثير : فلا تقهر اليتيم : أي لا تذله وتنهره وتهنه ، ولكن أحسن إليه وتلطف به ، وكن لليتيم كالأب الرحيم [3] وقوله تعالى ( فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة ) البلد 11-15

    وقال تعالى ممتدحا حال الصالحين ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) الإنسان 8 قال القرطبي : أي يطعمون الطعام على قلته وحبهم إياه وشهوتهم له , وكان الربيع بن خثيم إذا جاءه السائل قال : أطعموه سكرا فإن الربيع يحب السكر . وروى منصور عن الحسن أن يتيما كان يحضر طعام ابن عمر , فدعا ذات يوم بطعامه ,وطلب اليتيم فلم يجده , وجاءه بعد ما فرغ ابن عمر من طعامه فلم يجد الطعام , فدعا له بسويق وعسل فقال : دونك هذا فوالله ما غبنت [4]
    وعلى العكس قال تعالى موبخا كفار قريش ومن على شاكلتهم ( كلا بل لا تكرمون اليتيم ) الفجر 17 يقول سيد قطب رحمه الله تعالى : وقد كان الإسلام يواجه في مكة حالة من التكالب على جمع المال بكافة الطرق , تورث القلوب كزازة وقساوة , وكان ضعف اليتامى مغريا بانتهاب أموالهم وبخاصة الإناث منهم في صور شتى وبخاصة فيما يتعلق بالميراث , كما كان حب المال وجمعه بالربا وغيره ظاهرة بارزة في المجتمع المكي قبل الإسلام , وهي سمة الجاهليات في كل زمان ومكان ! حتى الآن , وفي هذه الآيات فوق الكشف عن واقع نفوسهم , تنديد بهذا الواقع , وردع عنه , يتمثل في تكرار كلمة ( كلا ) كما يتمثل في بناء التعبير وإيقاعه , وهو يرسم بجرسه شدة التكالب وعنفه ( وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما ) الفجر 19-20 [5]

    كما أمر عز وجل بحفظ أموال الأيتام ، وعدم التعرض لها بسوء ، وعدَّ ذلك من كبائر الذنوب وعظائم الأمور ، ورتب عليه أشد العقاب ، قال تعالى ( إنّ الذِينَ يَأكُلُونَ أَمَوالَ اليَتَامى ظُلماً إنّما يَأكُلُون في بُطُونِهِم ناراً وسَيصلَونَ سَعِيراً ) النساء10، وقال تعالى ( ولا تَقربُوا مَالَ اليَتِيمِ إلا بِالتِي هِيَ أحسَنُ حَتّى يَبلُغَ أَشُدَّهُ وأوفُوا بِالعَهدِ إنّ العَهدَ كَانَ مَسئُولا ) الإسراء 34 وقال تعالى ( وأن تقوموا لليتامى بالقسط ) النساء 127 وعدَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أكل مال اليتيم من السبع الموبقات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : يا رسول الله ، وما هن ؟، قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ) ) [6]

    بل لقد أحاط النظام الإسلامي أوصياء اليتامى بقيود ثقيلة حتى لا تستمرئ نفوسهم العدوان على أموالهم دون رابط ولا وازع فقال تعالى مرشدا لهم قوله تعالى  ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير  القرة 220 والأصل أن من تصرف لغيره سواء كان وكيلاً ، أو ولياً ، أو ناظر وقف أو غير ذلك أن تصرفه تصرف نظر ومصلحة ، لا تشهٍ واختيار لاسيما فيما يتعلق بمال اليتيم , وقال تعالى ( وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) واتفق العلماء على أن الوصي الغني لا يحل له أن يأكل من مال اليتيم شيئا، وقالوا: معنى قوله: فَلْيَسْتَعْفِفْ أي: بمال نفسه عن مال اليتيم، فإن كان فقيرا أكل منه بالمعروف
    واستمراراً لحرص التشريع الإسلامي على أموال اليتامى ، أمر باستثمارها وتنميتها حتى لا تستنفدها النفقة عليهم والزكاة الواجبة فيها ، فقال صلى الله عليه وسلم ( ألا من ربى يتيماً له مال فليتجر به ، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة ) [7] كما ورد عن عمر رضي الله عنه أنه قال ( اتجروا في مال اليتامى حتى لا تأكلها الزكاة ) ، ومن هنا يلزم الولي على مال اليتيم استثمارها لمصلحة اليتيم على رأي كثير من أهل العلم بشرط عدم تعريضها للأخطار .

    قال المناوي : قوله صلى الله عليه وسلم ( وتدرك حاجتك ) أي فإنك إن أحسنت إليه وفعلت ما ذكر يحصل لك لين القلب وتظفر بالبغية , وفيه حث على الإحسان إلى اليتيم ومعاملته بمزيد الرعاية والتعظيم وإكرامه لله تعالى خالصاً , قال الطيبي وهو عام في كل يتيم سواء كان عنده أو لا فيكرمه وهو كافله , أما إذا كان عنده فيلزمه أن يربيه تربية أبيه ولا يقتصر على الشفقة عليه والتلطف به ويؤدبه أحسن تأديب ويعلمه أحسن تعليم ويراعي غبطته في ماله وتزويجه ، وفيه أن مسح رأسه سبب مخلص من قسوة القلب المبعدة عن الرب فإن أبعد القلوب من الله القلب القاسي كما ورد في عدة أخبار , قال الزين العراقي : لكن قيده في حديث أبي أمامة بأن لا يمسحه إلا لله , قال : ولا شك في تقييد إطلاق المسح به لأنه قد يقع مسحه لريبة كأمرد جميل يريد مؤانسته بذلك لريبة كشهوة , وإن لم يكن مسح الشعر مفضياً إلى الشهوة فربما دعى إلى ذلك . وفيه أن من ابتلي بداء من الأخلاق الذميمة يكون تداركه بما يضاده من الدواء , فالتكبر يداوى بالتواضع , والبخل بالسماحة , وقسوة القلب بالتعطف والرقة [8]

    ------------------------------------


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية نسايم ليل

    المنتديات الإسلامية
    تاريخ التسجيل
    10 2010
    المشاركات
    15,462

    رد: مع المصطفى صلى الله عليه وسلم ارحم اليتيم

    جزاك الله جنان الفردوس الأعلى أستاذ أبو واسم مع احبابك

    ........

    لي إضافة للنبي صلى الله عليم لفضيلة الدكتور النابلسي



    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
    أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس السادس عشر من دروس شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وصلنا في الدرس الماضي إلى رحمته صلى الله عليه وسلم باليتيم، فقد قال تعالى:
    ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9)﴾
    [ سورة الضحى ]
    والنبي عليه الصلاة والسلام شاءت حكمته تعالى أن يكون يتيماً تطييباً لقلوب اليتامى من بعده، فسيد الخلق، وحبيب الحق كان يتيماً، وكان عليه الصلاة والسلام يحسن إلى اليتامى، ويبرهم، ويوصي بكفالتهم، والإحسان إليهم، ويبيّن الفضائل المترتبة على ذلك فقد روى البخاري وغيره عَنْ سَهْلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
    ((أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ وَقَرَنَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ))
    وهذه ليست إشارة نصر، لا، فهذا موضوع آخر، وروى ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
    ((خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ))
    خير، اسم تفضيل، إذا أكرم الله عز وجل إنساناً بيتيم ورعاه، فرعاية هذا اليتيم كافية لدخول الجنة، وكذلك امرأة مات زوجها، وذكر فضلها عليه الصلاة والسلام، فحبست نفسها على تربية أولادها، يعني أحياناً يتوفى الزوج بحادث، أو بمرض غير متوقع، أو في سن مبكرة جداً، قد يموت الزوج في الثلاثين من عمره، وعنده زوجة بالاثنين وعشرين، في ريعان شبابها ترك لها أولاداً، طبعاً لها أن تتزوج، لكنها إذا تزوجت لعل الأولاد يضيعون، يُشَرّدون، الزوج الجديد لا يرضاها مع أولادها، تضع أولادها عند أهلها، وقد يكون أهلها متقدمين في السن، فالطفل الصغير مع رجل كبير قد يتفلت من سيطرته.
    فامرأة شابة في ريعان الشباب حبست نفسها على تربية أولادها، وآثرت هذا العمل الطيب على حظها من الأزواج، فهذه امرأة مدحها النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
    ((أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ كَهَاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْمَأَ يَزِيدُ بِالْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ امْرَأَةٌ آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى يَتَامَاهَا حَتَّى بَانُوا أَوْ مَاتُوا))
    ما معنى امرأة سفعاء الخدين ؟ قال شراح الحديث: المرأة التي حبست نفسها عن الزواج فيصبح لونها إلى الكمودة والسواد أقرب، لأن المرأة خلقها الله عز وجل لتكون زوجةً، فحينما يبتعد عنها زوجها لعل هذا الحرمان يؤثر في مُحياها، وهذا واضح حينما جاءت امرأة إلى السيدة عائشة رضي الله عنها،،وقد رأتها السيدة عائشة مهملةً لنفسها، وهي امرأة سيدنا عثمان بن مظعون، فلما شكت زوجها بأنه صوام قوام استدعاه النبي، وقال له: يا عثمان أليس لك بي أسوة ؟ فأفهمه أنّ عليه حقوقاً متعلقة به، فجاءت في اليوم التالي زوجته كما تقول السيدة عائشة عطرةً نضرة ـ متألقة ـ من أين جاءها التألق ؟ حينما التفتَ إليها زوجها، قالت: ما حالك ؟ قالت امرأة عثمان: أصابنا ما أصاب الناس.
    عن عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    ((... فَلا تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا))
    [ البخاري ـ مسلم ـ الترمذي ـ النسائي ـ أبو داود ـ ابن ماجة ـ أحمد ـ الدارمي ]
    الإسلام متوازن، يمكن أن تصل إلى أعلى مرتبة عند الله، وأنت تؤدي الحقوق، أما إذا أكثرت من العبادة، وأهملت حقوق العباد فهناك مسؤولية، وهناك محاسبة.
    فهذه المرأة التي حبست نفسها على أولادها، وآثرت هذا العمل الطيب على حظها من الرجال أصبحت سفعاء الخدين، يعني في كمودةِ حرمانٍ، كمودةِ البعدِ عن الزوج،
    ((أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ كَهَاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْمَأَ يَزِيدُ بِالْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ امْرَأَةٌ آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى يَتَامَاهَا حَتَّى بَانُوا أَوْ مَاتُوا))
    آمت أي أصبحت أيماً ـ ترملت ـ يعني ربت أولادها، ولم تتزوج، والسؤال الآن: هذا الطفل الصغير كم هو غال على الله ؟ حيث إنك إذا رعيته تستحق الجنة، فالله شهيد أني لا أرى في الحياة الدنيا عملاً أعظم من أن تغرس الإيمان في نفس أولادك، من أن ترعاهم، من أن تدخل على قلوبهم السرور، وأن تنشئهم على حب الله، وحب رسوله، وحب آل بيته، وحب كتاب الله عز وجل، وأن تربيهم تربيةً إسلامية، وأن تعلمهم أحكام الفقه، وأن يكونوا معك دائماً على محبة الإيمان والصلاح، فهذا العمل كبير جداً.
    لذلك ذكرت لكم في الدرس الماضي أن الإنسان يشقى بشقاء أولاده شقاء حكماً، مهما بلغت، مهما ارتقيت، مهما حصلت من المال، لي قريب مات منذ ثلاثين عاماً، ترك مئة مليون ليرة، فقبل أن يموت بأيام قال لامرأته: ضيعنا الذهب ـ ويقصد بالذهب أولاده، فقد أهملهم، فنشؤوا منحرفين ـ وتبعنا العراط أي الفحم.
    عبر عن خطأه الفاحش أنه أهمل أولاده، واهتم بتجميع الأموال، فلما توفي ترك هذا المال بأيدٍ شقية، منحرفة، فضاع المال والأولاد.
    أيها الإخوة، ما للرجل من عمل أعظم على الإطلاق من تربية أولاده، وتنشئتهم تنشئة إسلامية، واللهِ من يقم بهذا العمل فأنا أكبره أشد إكبار، الإنسان يكون في بلاد الغرب، أو في أمريكا، وهو في أعلى درجات النجاح والتفوق، لكن يتخذ قراراً في ظاهره صعب، أما في حقيقته فهو والله أحسن قرار، فيعود إلى بلده حفاظاً على تربية أولاده، حفاظاً على دين أولاده، فهذا إنسان عظيم راجح عقله.
    نناقش اليوم رحمة النبي صلى الله عليه وسلم باليتيم، والله شيء لا يكاد يصدق، كافل اليتيم مع رسول الله في الجنة، امرأة مات زوجها، وترك لها أولاداً فحبست نفسها على تربيتهم، وحرمت نفسها من الزواج، فهي مع رسول الله في الجنة.
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ:
    ((امْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ وَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ))
    [ أحمد ]
    أحياناً قد يكون هذا اليتيم في غده مصلحاً اجتماعياً، قد يكون عالماً كبيراً، قد يكون محسناً كبيراً، فهذا الذي نشأه هذه التنشئة الطيبة ثوابه عند الله عظيم، أنا أعرف رجلاً والله حينما ألتقي به ملء سمعي وبصري، توفي أخوه، وترك له أولاداً ذكوراً وإناثاً، ربى أولاد أخيه تربيةً لا تقل درجة واحدة عن تربية أولاده، اختار لبنات أخيه أزواجاً طيبين، وأقام لبنات أخيه احتفالات في عقود قرانهن كاحتفالات بناته تماماً، على نفقته، هناك أسر، وأنا أكبر هذه الأسر، إذا مات الأخ فبقية الأخوة كالآباء تماماً لأولاد أخيهم، رعاية الأطفال من أعظم الأعمال، تربية الأولاد من أعظم الأعمال،
    ((.... أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ كَهَاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْمَأَ يَزِيدُ بِالْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ امْرَأَةٌ آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى يَتَامَاهَا حَتَّى بَانُوا أَوْ مَاتُوا))
    لي صديق توفي بحادث سيارة، وكان عمره خمسة وثلاثين عاماً، ترك زوجة وثلاثة أولاد، مرةً التقيت بأحد أولاده يوم كان في صف البكالوريا، وقلت له: هل أنت بحاجة إلى شيء ؟ قال لي: نعم، أريد بعض التوجيهات في اللغة العربية، قلت له: تعال إليّ، جلست معه، فإذا هو ضعيف جداً في هذه المادة، فإكراماً لصديقي المتوفى اعتنيت به كما يرضى الله عز وجل، أعطيته كل يوم درساً حتى أصبح قوياً في هذه المادة، ونجح وتفوق، فرأيت والده في المنام يشكرني.
    اليتيم ليس له أب، فكل مؤمن أب له، وإذا شعر هذا اليتيم أن الناس يعطفون عليه، ويكرمونه أحبهم، سواء كانوا من أهل والده، أو من أصدقائه، لذلك فالمجتمع المؤمن مترابط، متعاون، متكاتف، ألم يخطر في بالك هذا السؤال ؟ قال تعالى:
    ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)﴾
    [ سورة الماعون ]
    لماذا اختار الله سبحانه وتعالى كصفة قبيحة أشد القبح بالذي يكذب بالدين أنه يدع اليتيم ؟ أعجبني هذا التفسير قال العلماء: اليتيم ينبغي أن يكرم، فإذا لم تكرمه فقد وقعت في خطأ كبير، فكيف لو دفعته بصدره، فالخطأ الكبير في عدم تكريمه، فكيف إذا دفعته في صدره، وأهنته، وقسوت عليه.
    لي صديق قال: له قريبة توفيت ـ وأنا لا أذكر هذا كحجة، لا، ولكن للاستئناس ـ رأيتها في المنام بحالة صعبة جداً، يعني مغموسة في ألسنة لهب، يقسم بالله العظيم أنه رآها بمعدل مرة أو مرتين بالسنة لمدة ثماني سنوات، وهي بهذه الحالة، قال لي: بعد ثماني سنوات رأيتها بحالةٍ طيبة ففرحت لها، وأشعرتها أنني مسرور جداً بهذه الحالة، وقلت لها: ماذا أصابك، وكيف أنت ؟ قالت يا فلان: الحليب، هو يعرف قصتها في الدنيا، كان لها أولاد من زوجها الثاني، ولها أولاد أيتام من زوجها الأول، فكانت تسقي أولادها حليباً كامل الدسم، وتسقي الأولاد الأيتام كأس حليب نصفه ماء ونصفه حليب، ثماني سنوات، وهي تعذب في القبر، وليس هذا الكلام حجةً كمنهج، بل يستأنس به، عندك يتيم تسقيه حليباً مغشوشاً، وتعطي ابنك حليباً كامل الدسم، فهذا عمل قبيح وشنيع.
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ:
    ((امْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ وَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ))
    [ أحمد ]
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
    ((السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَحْسِبُهُ قَالَ: كَالْقَائِمِ لا يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لا يُفْطِرُ))
    [ البخاري ـ مسلم ـ الترمذي ـ النسائي ـ ابن ماجة ـ أحمد ]
    السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ، أي الذي يسعى فيما ينفع الأرملة والمسكين، هذا الحديث رواه الشيخان، وإذا رأيتم حديثاً شريفاً رواه الشيخان فالحديث من أصح الأحاديث على الإطلاق، وله رواية يرويها ابن ماجة:
    ((...قَالَ السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ...))
    أما رحمته صلى الله عليه وسلم بالحيوان فكان صلى الله عليه وسلم يوصي بالرحمة بالحيوان، وينهى صاحبه أن يجيعه، أو أن يدئبه، أو أن يتعبه بإدامة الحمل عليه، أو إثقاله، فعَنْ سَهْلِ ابْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ قَالَ:
    ((مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُوهَا صَالِحَةً))
    [ أحمد ـ أبو داود ]
    بالمناسبة لي قريب كان عنده فرس فيما مضى - توفي رحمه الله - وكان يرعاها رعايةً تامة، يقدم لها الطعام المنقى من الحصى، وكان إذا أراد أن يرقدها أرقدها على فراش من الذبل، طبعاً تستريح به، مرةً كانت ابنته على ظهرها، وكانت على الشارع العام فحينما جاءت الحافلة الكهربائية فزعت ـ وبالتعبير الفروسي جفلت ـ وهي تدرك أن على ظهرها ابنة صاحبها، فحنت ظهرها إلى الأرض ودفعت بالطفلة إلى الأرض سليمةً، وعادت لا تلوي على شيء، فالحيوان يعرف الذي يحبه، والذي يعتني به، والذي يطعمه، فلذلك من صفات المؤمن الرحمة بالحيوان.
    ((... مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُوهَا صَالِحَةً))
    لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ، أي ضمر من شدة الجوع، العناية بالحيوان جزء من دين المؤمن، والآن ليس لدينا حيوانات، ولكن هناك حيوانات من نوع آخر، وبيوتنا كانت سابقاً فيها هرر، والآن لا شيء من هذا كله، ولكن الإنسان إذا رأى حيواناً في بستان فعليه أن يعتني به إذا دعته حاجة لذلك.
    عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ:
    ((أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفًا أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ قَالَ فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ فَقَالَ مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ ؟ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ))
    [ مسلم ـ أبو داود ـ ابن ماجة ـ أحمد ـ الدارمي ]
    أنا والله لقد رأيت مرةً بعيني كلبةً تبكي، دَهستْ أولادها سيارةٌ، فوقفت أمام أولادها الصغار، والدموع تتقاطر من عينيها، الحيوان نفس، سيمر معنا بعد قليل كيف أن امرأة استحقت دخول النار بهرة،
    ((... فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ ـ وهو موضع الأذنين من مؤخر الرأس ـ فَسَكَتَ، فَقَالَ: مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ ؟ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: أَفلا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ))
    وكان عليه الصلاة والسلام ينهى عن إجاعة الحيوان، وإتعابه، إما بكثرة العمل عليه، أو بتحميله فوق طاقته، بعض من يعملون مع الدواب يأتون بمخرز أحياناً، ويخزوها فيه، فهم يسيئون إلى هذه الدابة إساءة بالغة، مثل هؤلاء الأشخاص يحاسبون عند الله أشد الحساب.
    منطلق المؤمن: أن هذه المخلوقات ربُها اللهُ سبحانه وتعالى وهو حسيبها، وهو يقتص ممن يؤذيها، ذكرت لكم مرة أني رأيت في طريق المطار إنساناً دهس كلباً، ولكن أراد أن يظهر براعته في القيادة فقطع يدي الكلب، وأبقاه حياً، كلب في أيام الشتاء يشعر بالبرد جالس على الزفت، والزفت لونه أسود يمتص الحرارة، وحرارته أعلى من حرارة التراب، والكلب الصغير جالس على يمين الطريق، وهذا السائق بقيادة ماهرة دهس يدي الكلب فقطعهما، وأطلق ضحكةً هستيريةً يعبر عن مهارته في قيادة السيارة، يركب إلى جانبه شخص زارني في مكان عملي قبل سنوات، وهو شاهد عيان، قال لي: والله بعد أسبوع واحد في المكان نفسه تعطلت سيارته، فجاء ليرفعها بالرافعة المخصصة لذلك، فاضطربت، ووقعت العجلة على رسغيه، وطرف العجلة حاد، فمزقت عظام رسغيه، فلما أخذ إلى المستشفى كانت يداه قد اسودتا، فصار لزاما مِن قطعهما فبعد أسبوع واحد كان بلا كفين، فالله كبير، وهو عزيز جبار منتقم.
    لأن الحيوان ليس له أحد، وإذا دهست دجاجة يخرج أصحابها بروحك، والخروف كذلك، أما الكلب فليس له أحد، ليس له صاحب، وأنا أقول: له الله تعالى.
    لذلك فهذه البغي التي سقت الكلب، وهي تعلم أنّه ليس له صاحب يشكرها، وليس حولها أحد ترائي له فيبدو أنها سقت هذا الكلب مخلصةً في إروائه من العطش فغفر الله لها.
    عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
    ((عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا و لا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ))
    [ البخاري ـ مسلم ـ الدارمي ]
    يقاس على ذلك إنسان يدوس بقدمه نملة، قال تعالى:
    ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)﴾
    [ سورة النمل ]
    لدينا حكم شرعي مفاده ليس كل حيوان ندهسه مشيا، كله عند العرب صابون، تفقه، فهناك حيوان لا يجوز أن يقتل، قال تعالى:
    ﴿وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾
    [ سورة الفرقان (68)]
    عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    ((أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ وَهُمْ وُقُوفٌ عَلَى دَوَابَّ لَهُمْ وَرَوَاحِلَ ـ يعني واقفون على دواب يتحادثون ـ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْكَبُوهَا سَالِمَةً وَدَعُوهَا سَالِمَةً وَلا تَتَّخِذُوهَا كَرَاسِيَّ لأَحَادِيثِكُمْ فِي الطُّرُقِ وَالأَسْوَاقِ فَرُبَّ مَرْكُوبَةٍ خَيْرٌ مِنْ رَاكِبِهَا هِيَ أَكْثَرُ ذِكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْهُ))
    [ أحمد ـ الدارمي ]
    هذه الدابة المركوبة ربما كانت عند الله خير من راكبها، لأن الله عز وجل قال:
    ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً(44)﴾
    [ سورة الإسراء ]
    فإذا كان الراكب غافلاً والمركوب ذاكراً، فالمركوب أصبح خيراً من الراكب.
    عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    ((إن الله يوصيكم بهذه البهائم العجم مرتين أو ثلاثاً فإذا سرتم عليها فأنزلوها منازلها))
    أحياناً يبيعون سمكاً طازجاً يصطاد من البحيرة، أو من الحوض لتوه، والقائمون على بيع السمك جهلة، سمك يضطرب يُفتح بطنه، وتُنزع أحشاؤه، هذا السمك لا يجوز أن يفتح بطنه، وهو حي، إلى أن تموت حقاً، وتكون قد وجبت جنوبها، لا تعذبَ سمكةً ما تزال تشعر، وتتألم، فوق أنك اصطدتها، وأخرجتها من الماء، وتتلوى من قلة الأوكسجين تفتح بطنها، وتنزع أحشاءها، كائن فيه روح، فالإنسان ليس له حق إذا اشترى سمكاً من الماء أن يسمح لهذا الذي يعمل في بيع السمك أن يفتح بطن السمك، وينظفه قبل أن تجب جنوبها.
    عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ:
    ((ذَكَرَ طَبِيبٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَوَاءً وَذَكَرَ الضُّفْدَعَ يُجْعَلُ فِيهِ فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ الضُّفْدَعِ))
    [ أحمد ـ النسائي ـ الدارمي ـ أبو داود ]
    وقال نقيقها تسبيح.
    والحديث الذي ورد في ترغيب المنذري والمعروف، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
    ((عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا و لا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ))
    [ البخاري ـ مسلم ـ الدارمي ]
    امرأة استوجبت دخول النار لأنها حبست هرة، فإذا أودع رئيس مخفر شخصاً بالنظارة من دون تحقيق، من دون اهتمام، ثم مات في النظارة فهو قاتل. فبالهرة وجبت لها النار، فما قولكم بما فوق الهرة، الهرة توجب النار لمن يحبسها من دون سبب وهي بريئة فكيف بإنسان مظلوم.
    والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تسليط الحيوانات بعضها على بعض بالأذى، وتهييجها بالإفساد والتحريش، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
    ((نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ))
    [ أبو داود ـ الترمذي ]
    قد يجري بين الديكة أحياناً اشتباك، وكذلك صراع بين الثيران مثلاً، فهذه اللعبة كلها حرام، إلا أن يكون ثيران تصارع ثيراناً من تلقاء ذواتها، فهذا موضوع آخر، أما أن يكون لعبًا، رياضة هوايات، مبنية على تعذيب الحيوان، أو على قتله فهذا ما لا يجوز في الإسلام.
    والنبي صلى الله عليه وسلم أوصانا بالطيور، دققوا في هذه الأحاديث، كان عليه الصلاة والسلام يحذر من أن يفجع الإنسان الطيور في أولادها، وذلك من باب الرحمة، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
    ((كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا فَجَاءَتِ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا، وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ: مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ ؟ قُلْنَا: نَحْنُ، قَالَ: إِنَّهُ لا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلا رَبُّ النَّارِ))
    [ أبو داود ـ أحمد ]
    الحمرة طائر صغيرٌ كالعصفور، تفرش: أي تقف، وتضطرب بجناحيها اضطراباً وقلقاً على أولادها.
    قد يضعون عقرباً ضمن فحم، ويشعلون الفحم، هذا تعذيب، والتعذيب بالنار محرم أشد التحريم، فلا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار.
    عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّرِيدَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
    ((مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّ فُلانًا قَتَلَنِي عَبَثًا وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ))
    [أحمد ]
    أنت مسافر، وأصابك جوع شديد، وليس هناك طعام تأكله، فلك أن تصطاد طيراً، وتأكله، أما أن تجعل الصيد هوايةً، تقتل الطير من دون أن تأكله، وتحقيقاً لهواية الصيد فهذا بإجماع الفقهاء حرام.
    عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
    ((مَا مِنْ إِنْسَانٍ قَتَلَ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا إِلَّا سَأَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَقُّهَا قَالَ يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلُهَا ولا يَقْطَعُ رَأْسَهَا يَرْمِي بِهَا))
    [ أحمد ـ النسائي ]
    الآن إذا أردت أن تذبح عصفوراً، أو دابةً، أو خروفاً، أو شاةً، فما حكم الشرع فيما تفعل ؟ روى الطبراني وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً أضجع شاةً وهو يحد شفرته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
    ((أتريد أن تميتها موتتين هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها))
    والذي ذبح شاةً أمام أختها أيضاً عنفه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:
    ((تريد أن تميتها مرتين هلا حجبتها عن أختها))
    وبعد أن أُحدِثت مسالخ للقطاع الخاص استشارني أخ من إخواننا الكرام، فهو يشتري غنماً، ويذبحها، ويبيعها، قلت له: اجعل غرفةً للذبح خاصة في منأى عن بقية الغنم، لأنك إذا ذبحت الشاة أمام أختها فقد وقعت في معصية، غرفة ولو من قماش أذبح في هذه الغرفة، أما أن تذبح الشاة أمام أختها فكأنما ذبحتها مرتين.
    والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من اتخاذ الحيوان وكل ذي روح غرضاً ـ أي هدفاً للرمي ـ روى الشيخان عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ:
    ((مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ فَلَمَّا رَأَوُا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا لَعَنِ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا))
    [ البخاري ـ مسلم ـ النسائي ـ أحمد ـ الدارمي ]
    سمعت عن أكلة يأكلونها في جنوب شرق آسيا، يأتون بقرد يضعونه تحت كرسي خشب مفتوح فتحة دائرية، حيث يظهر رأسه فَيُسلخ جلد رأسه، تقطع جمجمته، ويأكلون من دماغه، وهو حي، هذه أكلة رآها بعض الأصدقاء في جنوب شرق آسيا، ورآها صديق لي بأم عينه في أمريكا، فهناك جهل كبير، أفلا يخشى هذا أن يُمسخ قرداً، وهذا الذي يأكل قرداً لعله يُمسخ قرداً، الإنسان حينما يقسو قلبه إلى هذه الدرجة حتى لو قتلت عقرباً، لو قتلت أفعى يجب ألّا تعذبها.
    عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ:
    ((ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ))
    [ مسلم ـ الترمذي ـ النسائي ـ ابن ماجة ـ أبو داود ـ أحمد ـ الدرامي ]
    حتى لو قتلت حيواناً سمح الله لك أن تقتله فلا يجوز لك أن تعذبه، أما إذا عذبته فالله سبحانه وتعالى شديد الانتقام.
    لذلك أرسل صلى الله عليه وسلم بالرحمة كما ذكر الله عز وجل قال تعالى:
    ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)﴾
    [ سورة الأنبياء ]
    فكل الأعمال الطيبة التي تفعلها أمة النبي صلى الله عليه وسلم هي بتوجيهات النبي، المؤمن يسير على منهج، وعنده قيم ومبادئ، وبُلّغ بالأوامر والنواهي، والقضية ليست عشوائية، أما الإنسان الكافر الجاهل فهو دابة شَموس، لكن المؤمن مخلوق مكرم عند الله، ومنضبط، فكل شيء يفعله وفق ما يأمر به الشرع.
    لاحظت أنهم أحياناً يذبحون في سوق الدجاج، فالدجاجة وهي لا تزال حية تضطرب توضع في ماء يغلي من أجل نتف ريشها، أليست لديهم رحمة ؟ الإنسان يجب أن يعرف ماذا يأكل، اذبح لي هذه الدجاجة، يذبحها لتوها، ويضعها في ماء يغلي حتى يسهل عليه نتف ريشها، ولا تزال حيةً تضطرب، فليتقِ الله.
    لذلك فالمؤمن المستقيم يحفظه الله عز وجل، ويحفظ أولاده، إنسان أعطى ابنه عصفوراً، ربطه بخيط، كلما طار يشده حتى خلع له رجله بعد يومين كُسِرتْ رِجْلُ الابن، وانتكست مرة واثنين وثلاثاً، دقق قبل أن تسمح لأولادك أن يلعبوا بعصفور، هذا مخلوق، الرجُلُ راع في بيته، وهو مسؤول عن رعيته.
    ورد في السنة المطهرة في مسند الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
    ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ مَلَكَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَالآخَرُ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيْهِ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ اضْرِبْ مَثَلَ هَذَا وَمَثَلَ أُمَّتِهِ فَقَالَ إِنَّ مَثَلَهُ وَمَثَلَ أُمَّتِهِ كَمَثَلِ قَوْمٍ سَفْرٍ انْتَهَوْا إِلَى رَأْسِ مَفَازَةٍ فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مِنَ الزَّادِ مَا يَقْطَعُونَ بِهِ الْمَفَازَةَ وَلا مَا يَرْجِعُونَ بِهِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُمْ رَجُلٌ فِي حُلَّةٍ حِبَرَةٍ ـ حلة حريرية فخمة ـ فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ وَرَدْتُ بِكُمْ رِيَاضًا مُعْشِبَةً وَحِيَاضًا رُوَاءً أَتَتَّبِعُونِي، فَقَالُوا: نَعَمْ قَالَ فَانْطَلَقَ بِهِمْ فَأَوْرَدَهُمْ رِيَاضًا مُعْشِبَةً وَحِيَاضًا رُوَاءً فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا وَسَمِنُوا، فَقَالَ: لَهُمْ أَلَمْ أَلْقَكُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَجَعَلْتُمْ لِي إِنْ وَرَدْتُ بِكُمْ رِيَاضًا مُعْشِبَةً وَحِيَاضًا رُوَاءً أَنْ تَتَّبِعُونِي فَقَالُوا: بَلَى قَالَ فَإِنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ رِيَاضًا أَعْشَبَ مِنْ هَذِهِ وَحِيَاضًا هِيَ أَرْوَى مِنْ هَذِهِ فَاتَّبِعُونِي قَالَ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ صَدَقَ وَاللَّهِ لَنَتَّبِعَنَّهُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ قَدْ رَضِينَا بِهَذَا نُقِيمُ عَلَيْهِ))
    [ أحمد ]
    القصة رمزية ذات دلالة، فالنبي عليه الصلاة والسلام جاءنا بهذا الدين القويم وجاءنا بهذا المنهج المستقيم، وجاءنا بهذه السنة المطهرة وهذه السنة تحقق مصالح الدنيا والآخرة، فلو أن الإنسان طبق هذه السنة صلحت دنياه، ورفع ذكره، ويسرت أموره، وسعد قلبه، واكتفى بالدنيا ضيع عليه الآخرة، فالنبي الكريم يقول هناك مكان أعشب من هذا، وأكثر ماءً، وهو الآخرة.
    فإذا طبق الإنسان منهج الله في الدنيا، وقطف الثمار يانعةً فعليه أن يسعى للآخرة كي تتصل نعم الدنيا بنعم الآخرة، فأحياناً يكون الإنسان في الدنيا بأحسن حال، ولكن أمامه مطب كبير، وهو الموت، وبعد الموت يفقد كل شيء، ولكن السعداء في الدنيا هم الذين تتصل عندهم نِعَمْ الآخرة بنِعَم الدنيا، فهو في الدنيا مِن أسعد الناس، وإذا جاء الموت من أسعد الناس ؟ فمن أجل أن تتصل نعم الدنيا بنعم الآخرة ينبغي أن تطبق منهج رسول الله في الدنيا وأن تطلب الآخرة من أجل أن تكون في الدارين من السعداء.
    لقد تحدثنا اليوم عن رحمته باليتيم، ورحمته بالحيوان، ورحمته بالطيور، وعن رحمته العامة، وفي درس قادم إن شاء الله تعالى ننتقل إلى حيائه صلى الله عليه وسلم.
    أحب الصالحين ولست منهم ....لعلي أن أنال بهم شفاعة
    وأكره من تجارته المعاصي ...ولو كنا سواء في البضاعة







  3. #3
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية نسايم ليل

    المنتديات الإسلامية
    تاريخ التسجيل
    10 2010
    المشاركات
    15,462

    رد: مع المصطفى صلى الله عليه وسلم ارحم اليتيم

    جزاك الله جنان الفردوس الأعلى أستاذ أبو واسم مع احبابك

    ........

    لي إضافة للنبي صلى الله عليه وسلم لفضيلة الدكتور النابلسي



    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
    أيها الإخوة المؤمنون،من دروس شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وصلنا في الدرس الماضي إلى رحمته صلى الله عليه وسلم باليتيم، فقد قال تعالى:
    ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9)﴾
    [ سورة الضحى ]
    والنبي عليه الصلاة والسلام شاءت حكمته تعالى أن يكون يتيماً تطييباً لقلوب اليتامى من بعده، فسيد الخلق، وحبيب الحق كان يتيماً، وكان عليه الصلاة والسلام يحسن إلى اليتامى، ويبرهم، ويوصي بكفالتهم، والإحسان إليهم، ويبيّن الفضائل المترتبة على ذلك فقد روى البخاري وغيره عَنْ سَهْلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
    ((أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ وَقَرَنَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ))
    وهذه ليست إشارة نصر، لا، فهذا موضوع آخر، وروى ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
    ((خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ))
    خير، اسم تفضيل، إذا أكرم الله عز وجل إنساناً بيتيم ورعاه، فرعاية هذا اليتيم كافية لدخول الجنة، وكذلك امرأة مات زوجها، وذكر فضلها عليه الصلاة والسلام، فحبست نفسها على تربية أولادها، يعني أحياناً يتوفى الزوج بحادث، أو بمرض غير متوقع، أو في سن مبكرة جداً، قد يموت الزوج في الثلاثين من عمره، وعنده زوجة بالاثنين وعشرين، في ريعان شبابها ترك لها أولاداً، طبعاً لها أن تتزوج، لكنها إذا تزوجت لعل الأولاد يضيعون، يُشَرّدون، الزوج الجديد لا يرضاها مع أولادها، تضع أولادها عند أهلها، وقد يكون أهلها متقدمين في السن، فالطفل الصغير مع رجل كبير قد يتفلت من سيطرته.
    فامرأة شابة في ريعان الشباب حبست نفسها على تربية أولادها، وآثرت هذا العمل الطيب على حظها من الأزواج، فهذه امرأة مدحها النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
    ((أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ كَهَاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْمَأَ يَزِيدُ بِالْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ امْرَأَةٌ آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى يَتَامَاهَا حَتَّى بَانُوا أَوْ مَاتُوا))
    ما معنى امرأة سفعاء الخدين ؟ قال شراح الحديث: المرأة التي حبست نفسها عن الزواج فيصبح لونها إلى الكمودة والسواد أقرب، لأن المرأة خلقها الله عز وجل لتكون زوجةً، فحينما يبتعد عنها زوجها لعل هذا الحرمان يؤثر في مُحياها، وهذا واضح حينما جاءت امرأة إلى السيدة عائشة رضي الله عنها،،وقد رأتها السيدة عائشة مهملةً لنفسها، وهي امرأة سيدنا عثمان بن مظعون، فلما شكت زوجها بأنه صوام قوام استدعاه النبي، وقال له: يا عثمان أليس لك بي أسوة ؟ فأفهمه أنّ عليه حقوقاً متعلقة به، فجاءت في اليوم التالي زوجته كما تقول السيدة عائشة عطرةً نضرة ـ متألقة ـ من أين جاءها التألق ؟ حينما التفتَ إليها زوجها، قالت: ما حالك ؟ قالت امرأة عثمان: أصابنا ما أصاب الناس.
    عن عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    ((... فَلا تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا))
    [ البخاري ـ مسلم ـ الترمذي ـ النسائي ـ أبو داود ـ ابن ماجة ـ أحمد ـ الدارمي ]
    الإسلام متوازن، يمكن أن تصل إلى أعلى مرتبة عند الله، وأنت تؤدي الحقوق، أما إذا أكثرت من العبادة، وأهملت حقوق العباد فهناك مسؤولية، وهناك محاسبة.
    فهذه المرأة التي حبست نفسها على أولادها، وآثرت هذا العمل الطيب على حظها من الرجال أصبحت سفعاء الخدين، يعني في كمودةِ حرمانٍ، كمودةِ البعدِ عن الزوج،
    ((أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ كَهَاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْمَأَ يَزِيدُ بِالْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ امْرَأَةٌ آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى يَتَامَاهَا حَتَّى بَانُوا أَوْ مَاتُوا))
    آمت أي أصبحت أيماً ـ ترملت ـ يعني ربت أولادها، ولم تتزوج، والسؤال الآن: هذا الطفل الصغير كم هو غال على الله ؟ حيث إنك إذا رعيته تستحق الجنة، فالله شهيد أني لا أرى في الحياة الدنيا عملاً أعظم من أن تغرس الإيمان في نفس أولادك، من أن ترعاهم، من أن تدخل على قلوبهم السرور، وأن تنشئهم على حب الله، وحب رسوله، وحب آل بيته، وحب كتاب الله عز وجل، وأن تربيهم تربيةً إسلامية، وأن تعلمهم أحكام الفقه، وأن يكونوا معك دائماً على محبة الإيمان والصلاح، فهذا العمل كبير جداً.
    لذلك ذكرت لكم في الدرس الماضي أن الإنسان يشقى بشقاء أولاده شقاء حكماً، مهما بلغت، مهما ارتقيت، مهما حصلت من المال، لي قريب مات منذ ثلاثين عاماً، ترك مئة مليون ليرة، فقبل أن يموت بأيام قال لامرأته: ضيعنا الذهب ـ ويقصد بالذهب أولاده، فقد أهملهم، فنشؤوا منحرفين ـ وتبعنا العراط أي الفحم.
    عبر عن خطأه الفاحش أنه أهمل أولاده، واهتم بتجميع الأموال، فلما توفي ترك هذا المال بأيدٍ شقية، منحرفة، فضاع المال والأولاد.
    أيها الإخوة، ما للرجل من عمل أعظم على الإطلاق من تربية أولاده، وتنشئتهم تنشئة إسلامية، واللهِ من يقم بهذا العمل فأنا أكبره أشد إكبار، الإنسان يكون في بلاد الغرب، أو في أمريكا، وهو في أعلى درجات النجاح والتفوق، لكن يتخذ قراراً في ظاهره صعب، أما في حقيقته فهو والله أحسن قرار، فيعود إلى بلده حفاظاً على تربية أولاده، حفاظاً على دين أولاده، فهذا إنسان عظيم راجح عقله.
    نناقش اليوم رحمة النبي صلى الله عليه وسلم باليتيم، والله شيء لا يكاد يصدق، كافل اليتيم مع رسول الله في الجنة، امرأة مات زوجها، وترك لها أولاداً فحبست نفسها على تربيتهم، وحرمت نفسها من الزواج، فهي مع رسول الله في الجنة.
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ:
    ((امْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ وَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ))
    [ أحمد ]
    أحياناً قد يكون هذا اليتيم في غده مصلحاً اجتماعياً، قد يكون عالماً كبيراً، قد يكون محسناً كبيراً، فهذا الذي نشأه هذه التنشئة الطيبة ثوابه عند الله عظيم، أنا أعرف رجلاً والله حينما ألتقي به ملء سمعي وبصري، توفي أخوه، وترك له أولاداً ذكوراً وإناثاً، ربى أولاد أخيه تربيةً لا تقل درجة واحدة عن تربية أولاده، اختار لبنات أخيه أزواجاً طيبين، وأقام لبنات أخيه احتفالات في عقود قرانهن كاحتفالات بناته تماماً، على نفقته، هناك أسر، وأنا أكبر هذه الأسر، إذا مات الأخ فبقية الأخوة كالآباء تماماً لأولاد أخيهم، رعاية الأطفال من أعظم الأعمال، تربية الأولاد من أعظم الأعمال،
    ((.... أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ كَهَاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْمَأَ يَزِيدُ بِالْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ امْرَأَةٌ آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى يَتَامَاهَا حَتَّى بَانُوا أَوْ مَاتُوا))
    لي صديق توفي بحادث سيارة، وكان عمره خمسة وثلاثين عاماً، ترك زوجة وثلاثة أولاد، مرةً التقيت بأحد أولاده يوم كان في صف البكالوريا، وقلت له: هل أنت بحاجة إلى شيء ؟ قال لي: نعم، أريد بعض التوجيهات في اللغة العربية، قلت له: تعال إليّ، جلست معه، فإذا هو ضعيف جداً في هذه المادة، فإكراماً لصديقي المتوفى اعتنيت به كما يرضى الله عز وجل، أعطيته كل يوم درساً حتى أصبح قوياً في هذه المادة، ونجح وتفوق، فرأيت والده في المنام يشكرني.
    اليتيم ليس له أب، فكل مؤمن أب له، وإذا شعر هذا اليتيم أن الناس يعطفون عليه، ويكرمونه أحبهم، سواء كانوا من أهل والده، أو من أصدقائه، لذلك فالمجتمع المؤمن مترابط، متعاون، متكاتف، ألم يخطر في بالك هذا السؤال ؟ قال تعالى:
    ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)﴾
    [ سورة الماعون ]
    لماذا اختار الله سبحانه وتعالى كصفة قبيحة أشد القبح بالذي يكذب بالدين أنه يدع اليتيم ؟ أعجبني هذا التفسير قال العلماء: اليتيم ينبغي أن يكرم، فإذا لم تكرمه فقد وقعت في خطأ كبير، فكيف لو دفعته بصدره، فالخطأ الكبير في عدم تكريمه، فكيف إذا دفعته في صدره، وأهنته، وقسوت عليه.
    لي صديق قال: له قريبة توفيت ـ وأنا لا أذكر هذا كحجة، لا، ولكن للاستئناس ـ رأيتها في المنام بحالة صعبة جداً، يعني مغموسة في ألسنة لهب، يقسم بالله العظيم أنه رآها بمعدل مرة أو مرتين بالسنة لمدة ثماني سنوات، وهي بهذه الحالة، قال لي: بعد ثماني سنوات رأيتها بحالةٍ طيبة ففرحت لها، وأشعرتها أنني مسرور جداً بهذه الحالة، وقلت لها: ماذا أصابك، وكيف أنت ؟ قالت يا فلان: الحليب، هو يعرف قصتها في الدنيا، كان لها أولاد من زوجها الثاني، ولها أولاد أيتام من زوجها الأول، فكانت تسقي أولادها حليباً كامل الدسم، وتسقي الأولاد الأيتام كأس حليب نصفه ماء ونصفه حليب، ثماني سنوات، وهي تعذب في القبر، وليس هذا الكلام حجةً كمنهج، بل يستأنس به، عندك يتيم تسقيه حليباً مغشوشاً، وتعطي ابنك حليباً كامل الدسم، فهذا عمل قبيح وشنيع.
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ:
    ((امْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ وَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ))
    [ أحمد ]
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
    ((السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَحْسِبُهُ قَالَ: كَالْقَائِمِ لا يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لا يُفْطِرُ))
    [ البخاري ـ مسلم ـ الترمذي ـ النسائي ـ ابن ماجة ـ أحمد ]
    السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ، أي الذي يسعى فيما ينفع الأرملة والمسكين، هذا الحديث رواه الشيخان، وإذا رأيتم حديثاً شريفاً رواه الشيخان فالحديث من أصح الأحاديث على الإطلاق، وله رواية يرويها ابن ماجة:
    ((...قَالَ السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ...))
    أما رحمته صلى الله عليه وسلم بالحيوان فكان صلى الله عليه وسلم يوصي بالرحمة بالحيوان، وينهى صاحبه أن يجيعه، أو أن يدئبه، أو أن يتعبه بإدامة الحمل عليه، أو إثقاله، فعَنْ سَهْلِ ابْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ قَالَ:
    ((مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُوهَا صَالِحَةً))
    [ أحمد ـ أبو داود ]
    بالمناسبة لي قريب كان عنده فرس فيما مضى - توفي رحمه الله - وكان يرعاها رعايةً تامة، يقدم لها الطعام المنقى من الحصى، وكان إذا أراد أن يرقدها أرقدها على فراش من الذبل، طبعاً تستريح به، مرةً كانت ابنته على ظهرها، وكانت على الشارع العام فحينما جاءت الحافلة الكهربائية فزعت ـ وبالتعبير الفروسي جفلت ـ وهي تدرك أن على ظهرها ابنة صاحبها، فحنت ظهرها إلى الأرض ودفعت بالطفلة إلى الأرض سليمةً، وعادت لا تلوي على شيء، فالحيوان يعرف الذي يحبه، والذي يعتني به، والذي يطعمه، فلذلك من صفات المؤمن الرحمة بالحيوان.
    ((... مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُوهَا صَالِحَةً))
    لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ، أي ضمر من شدة الجوع، العناية بالحيوان جزء من دين المؤمن، والآن ليس لدينا حيوانات، ولكن هناك حيوانات من نوع آخر، وبيوتنا كانت سابقاً فيها هرر، والآن لا شيء من هذا كله، ولكن الإنسان إذا رأى حيواناً في بستان فعليه أن يعتني به إذا دعته حاجة لذلك.
    عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ:
    ((أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفًا أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ قَالَ فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ فَقَالَ مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ ؟ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ))
    [ مسلم ـ أبو داود ـ ابن ماجة ـ أحمد ـ الدارمي ]
    أنا والله لقد رأيت مرةً بعيني كلبةً تبكي، دَهستْ أولادها سيارةٌ، فوقفت أمام أولادها الصغار، والدموع تتقاطر من عينيها، الحيوان نفس، سيمر معنا بعد قليل كيف أن امرأة استحقت دخول النار بهرة،
    ((... فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ ـ وهو موضع الأذنين من مؤخر الرأس ـ فَسَكَتَ، فَقَالَ: مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ ؟ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: أَفلا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ))
    وكان عليه الصلاة والسلام ينهى عن إجاعة الحيوان، وإتعابه، إما بكثرة العمل عليه، أو بتحميله فوق طاقته، بعض من يعملون مع الدواب يأتون بمخرز أحياناً، ويخزوها فيه، فهم يسيئون إلى هذه الدابة إساءة بالغة، مثل هؤلاء الأشخاص يحاسبون عند الله أشد الحساب.
    منطلق المؤمن: أن هذه المخلوقات ربُها اللهُ سبحانه وتعالى وهو حسيبها، وهو يقتص ممن يؤذيها، ذكرت لكم مرة أني رأيت في طريق المطار إنساناً دهس كلباً، ولكن أراد أن يظهر براعته في القيادة فقطع يدي الكلب، وأبقاه حياً، كلب في أيام الشتاء يشعر بالبرد جالس على الزفت، والزفت لونه أسود يمتص الحرارة، وحرارته أعلى من حرارة التراب، والكلب الصغير جالس على يمين الطريق، وهذا السائق بقيادة ماهرة دهس يدي الكلب فقطعهما، وأطلق ضحكةً هستيريةً يعبر عن مهارته في قيادة السيارة، يركب إلى جانبه شخص زارني في مكان عملي قبل سنوات، وهو شاهد عيان، قال لي: والله بعد أسبوع واحد في المكان نفسه تعطلت سيارته، فجاء ليرفعها بالرافعة المخصصة لذلك، فاضطربت، ووقعت العجلة على رسغيه، وطرف العجلة حاد، فمزقت عظام رسغيه، فلما أخذ إلى المستشفى كانت يداه قد اسودتا، فصار لزاما مِن قطعهما فبعد أسبوع واحد كان بلا كفين، فالله كبير، وهو عزيز جبار منتقم.
    لأن الحيوان ليس له أحد، وإذا دهست دجاجة يخرج أصحابها بروحك، والخروف كذلك، أما الكلب فليس له أحد، ليس له صاحب، وأنا أقول: له الله تعالى.
    لذلك فهذه البغي التي سقت الكلب، وهي تعلم أنّه ليس له صاحب يشكرها، وليس حولها أحد ترائي له فيبدو أنها سقت هذا الكلب مخلصةً في إروائه من العطش فغفر الله لها.
    عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
    ((عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا و لا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ))
    [ البخاري ـ مسلم ـ الدارمي ]
    يقاس على ذلك إنسان يدوس بقدمه نملة، قال تعالى:
    ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)﴾
    [ سورة النمل ]
    لدينا حكم شرعي مفاده ليس كل حيوان ندهسه مشيا، كله عند العرب صابون، تفقه، فهناك حيوان لا يجوز أن يقتل، قال تعالى:
    ﴿وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾
    [ سورة الفرقان (68)]
    عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    ((أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ وَهُمْ وُقُوفٌ عَلَى دَوَابَّ لَهُمْ وَرَوَاحِلَ ـ يعني واقفون على دواب يتحادثون ـ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْكَبُوهَا سَالِمَةً وَدَعُوهَا سَالِمَةً وَلا تَتَّخِذُوهَا كَرَاسِيَّ لأَحَادِيثِكُمْ فِي الطُّرُقِ وَالأَسْوَاقِ فَرُبَّ مَرْكُوبَةٍ خَيْرٌ مِنْ رَاكِبِهَا هِيَ أَكْثَرُ ذِكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْهُ))
    [ أحمد ـ الدارمي ]
    هذه الدابة المركوبة ربما كانت عند الله خير من راكبها، لأن الله عز وجل قال:
    ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً(44)﴾
    [ سورة الإسراء ]
    فإذا كان الراكب غافلاً والمركوب ذاكراً، فالمركوب أصبح خيراً من الراكب.
    عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    ((إن الله يوصيكم بهذه البهائم العجم مرتين أو ثلاثاً فإذا سرتم عليها فأنزلوها منازلها))
    أحياناً يبيعون سمكاً طازجاً يصطاد من البحيرة، أو من الحوض لتوه، والقائمون على بيع السمك جهلة، سمك يضطرب يُفتح بطنه، وتُنزع أحشاؤه، هذا السمك لا يجوز أن يفتح بطنه، وهو حي، إلى أن تموت حقاً، وتكون قد وجبت جنوبها، لا تعذبَ سمكةً ما تزال تشعر، وتتألم، فوق أنك اصطدتها، وأخرجتها من الماء، وتتلوى من قلة الأوكسجين تفتح بطنها، وتنزع أحشاءها، كائن فيه روح، فالإنسان ليس له حق إذا اشترى سمكاً من الماء أن يسمح لهذا الذي يعمل في بيع السمك أن يفتح بطن السمك، وينظفه قبل أن تجب جنوبها.
    عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ:
    ((ذَكَرَ طَبِيبٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَوَاءً وَذَكَرَ الضُّفْدَعَ يُجْعَلُ فِيهِ فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ الضُّفْدَعِ))
    [ أحمد ـ النسائي ـ الدارمي ـ أبو داود ]
    وقال نقيقها تسبيح.
    والحديث الذي ورد في ترغيب المنذري والمعروف، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
    ((عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا و لا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ))
    [ البخاري ـ مسلم ـ الدارمي ]
    امرأة استوجبت دخول النار لأنها حبست هرة، فإذا أودع رئيس مخفر شخصاً بالنظارة من دون تحقيق، من دون اهتمام، ثم مات في النظارة فهو قاتل. فبالهرة وجبت لها النار، فما قولكم بما فوق الهرة، الهرة توجب النار لمن يحبسها من دون سبب وهي بريئة فكيف بإنسان مظلوم.
    والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تسليط الحيوانات بعضها على بعض بالأذى، وتهييجها بالإفساد والتحريش، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
    ((نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ))
    [ أبو داود ـ الترمذي ]
    قد يجري بين الديكة أحياناً اشتباك، وكذلك صراع بين الثيران مثلاً، فهذه اللعبة كلها حرام، إلا أن يكون ثيران تصارع ثيراناً من تلقاء ذواتها، فهذا موضوع آخر، أما أن يكون لعبًا، رياضة هوايات، مبنية على تعذيب الحيوان، أو على قتله فهذا ما لا يجوز في الإسلام.
    والنبي صلى الله عليه وسلم أوصانا بالطيور، دققوا في هذه الأحاديث، كان عليه الصلاة والسلام يحذر من أن يفجع الإنسان الطيور في أولادها، وذلك من باب الرحمة، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
    ((كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا فَجَاءَتِ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا، وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ: مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ ؟ قُلْنَا: نَحْنُ، قَالَ: إِنَّهُ لا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلا رَبُّ النَّارِ))
    [ أبو داود ـ أحمد ]
    الحمرة طائر صغيرٌ كالعصفور، تفرش: أي تقف، وتضطرب بجناحيها اضطراباً وقلقاً على أولادها.
    قد يضعون عقرباً ضمن فحم، ويشعلون الفحم، هذا تعذيب، والتعذيب بالنار محرم أشد التحريم، فلا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار.
    عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّرِيدَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
    ((مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّ فُلانًا قَتَلَنِي عَبَثًا وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ))
    [أحمد ]
    أنت مسافر، وأصابك جوع شديد، وليس هناك طعام تأكله، فلك أن تصطاد طيراً، وتأكله، أما أن تجعل الصيد هوايةً، تقتل الطير من دون أن تأكله، وتحقيقاً لهواية الصيد فهذا بإجماع الفقهاء حرام.
    عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
    ((مَا مِنْ إِنْسَانٍ قَتَلَ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا إِلَّا سَأَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَقُّهَا قَالَ يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلُهَا ولا يَقْطَعُ رَأْسَهَا يَرْمِي بِهَا))
    [ أحمد ـ النسائي ]
    الآن إذا أردت أن تذبح عصفوراً، أو دابةً، أو خروفاً، أو شاةً، فما حكم الشرع فيما تفعل ؟ روى الطبراني وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً أضجع شاةً وهو يحد شفرته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
    ((أتريد أن تميتها موتتين هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها))
    والذي ذبح شاةً أمام أختها أيضاً عنفه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:
    ((تريد أن تميتها مرتين هلا حجبتها عن أختها))
    وبعد أن أُحدِثت مسالخ للقطاع الخاص استشارني أخ من إخواننا الكرام، فهو يشتري غنماً، ويذبحها، ويبيعها، قلت له: اجعل غرفةً للذبح خاصة في منأى عن بقية الغنم، لأنك إذا ذبحت الشاة أمام أختها فقد وقعت في معصية، غرفة ولو من قماش أذبح في هذه الغرفة، أما أن تذبح الشاة أمام أختها فكأنما ذبحتها مرتين.
    والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من اتخاذ الحيوان وكل ذي روح غرضاً ـ أي هدفاً للرمي ـ روى الشيخان عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ:
    ((مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ فَلَمَّا رَأَوُا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا لَعَنِ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا))
    [ البخاري ـ مسلم ـ النسائي ـ أحمد ـ الدارمي ]
    سمعت عن أكلة يأكلونها في جنوب شرق آسيا، يأتون بقرد يضعونه تحت كرسي خشب مفتوح فتحة دائرية، حيث يظهر رأسه فَيُسلخ جلد رأسه، تقطع جمجمته، ويأكلون من دماغه، وهو حي، هذه أكلة رآها بعض الأصدقاء في جنوب شرق آسيا، ورآها صديق لي بأم عينه في أمريكا، فهناك جهل كبير، أفلا يخشى هذا أن يُمسخ قرداً، وهذا الذي يأكل قرداً لعله يُمسخ قرداً، الإنسان حينما يقسو قلبه إلى هذه الدرجة حتى لو قتلت عقرباً، لو قتلت أفعى يجب ألّا تعذبها.
    عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ:
    ((ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ))
    [ مسلم ـ الترمذي ـ النسائي ـ ابن ماجة ـ أبو داود ـ أحمد ـ الدرامي ]
    حتى لو قتلت حيواناً سمح الله لك أن تقتله فلا يجوز لك أن تعذبه، أما إذا عذبته فالله سبحانه وتعالى شديد الانتقام.
    لذلك أرسل صلى الله عليه وسلم بالرحمة كما ذكر الله عز وجل قال تعالى:
    ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)﴾
    [ سورة الأنبياء ]
    فكل الأعمال الطيبة التي تفعلها أمة النبي صلى الله عليه وسلم هي بتوجيهات النبي، المؤمن يسير على منهج، وعنده قيم ومبادئ، وبُلّغ بالأوامر والنواهي، والقضية ليست عشوائية، أما الإنسان الكافر الجاهل فهو دابة شَموس، لكن المؤمن مخلوق مكرم عند الله، ومنضبط، فكل شيء يفعله وفق ما يأمر به الشرع.
    لاحظت أنهم أحياناً يذبحون في سوق الدجاج، فالدجاجة وهي لا تزال حية تضطرب توضع في ماء يغلي من أجل نتف ريشها، أليست لديهم رحمة ؟ الإنسان يجب أن يعرف ماذا يأكل، اذبح لي هذه الدجاجة، يذبحها لتوها، ويضعها في ماء يغلي حتى يسهل عليه نتف ريشها، ولا تزال حيةً تضطرب، فليتقِ الله.
    لذلك فالمؤمن المستقيم يحفظه الله عز وجل، ويحفظ أولاده، إنسان أعطى ابنه عصفوراً، ربطه بخيط، كلما طار يشده حتى خلع له رجله بعد يومين كُسِرتْ رِجْلُ الابن، وانتكست مرة واثنين وثلاثاً، دقق قبل أن تسمح لأولادك أن يلعبوا بعصفور، هذا مخلوق، الرجُلُ راع في بيته، وهو مسؤول عن رعيته.
    ورد في السنة المطهرة في مسند الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
    ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ مَلَكَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَالآخَرُ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيْهِ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ اضْرِبْ مَثَلَ هَذَا وَمَثَلَ أُمَّتِهِ فَقَالَ إِنَّ مَثَلَهُ وَمَثَلَ أُمَّتِهِ كَمَثَلِ قَوْمٍ سَفْرٍ انْتَهَوْا إِلَى رَأْسِ مَفَازَةٍ فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مِنَ الزَّادِ مَا يَقْطَعُونَ بِهِ الْمَفَازَةَ وَلا مَا يَرْجِعُونَ بِهِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُمْ رَجُلٌ فِي حُلَّةٍ حِبَرَةٍ ـ حلة حريرية فخمة ـ فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ وَرَدْتُ بِكُمْ رِيَاضًا مُعْشِبَةً وَحِيَاضًا رُوَاءً أَتَتَّبِعُونِي، فَقَالُوا: نَعَمْ قَالَ فَانْطَلَقَ بِهِمْ فَأَوْرَدَهُمْ رِيَاضًا مُعْشِبَةً وَحِيَاضًا رُوَاءً فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا وَسَمِنُوا، فَقَالَ: لَهُمْ أَلَمْ أَلْقَكُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَجَعَلْتُمْ لِي إِنْ وَرَدْتُ بِكُمْ رِيَاضًا مُعْشِبَةً وَحِيَاضًا رُوَاءً أَنْ تَتَّبِعُونِي فَقَالُوا: بَلَى قَالَ فَإِنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ رِيَاضًا أَعْشَبَ مِنْ هَذِهِ وَحِيَاضًا هِيَ أَرْوَى مِنْ هَذِهِ فَاتَّبِعُونِي قَالَ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ صَدَقَ وَاللَّهِ لَنَتَّبِعَنَّهُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ قَدْ رَضِينَا بِهَذَا نُقِيمُ عَلَيْهِ))
    [ أحمد ]
    القصة رمزية ذات دلالة، فالنبي عليه الصلاة والسلام جاءنا بهذا الدين القويم وجاءنا بهذا المنهج المستقيم، وجاءنا بهذه السنة المطهرة وهذه السنة تحقق مصالح الدنيا والآخرة، فلو أن الإنسان طبق هذه السنة صلحت دنياه، ورفع ذكره، ويسرت أموره، وسعد قلبه، واكتفى بالدنيا ضيع عليه الآخرة، فالنبي الكريم يقول هناك مكان أعشب من هذا، وأكثر ماءً، وهو الآخرة.
    فإذا طبق الإنسان منهج الله في الدنيا، وقطف الثمار يانعةً فعليه أن يسعى للآخرة كي تتصل نعم الدنيا بنعم الآخرة، فأحياناً يكون الإنسان في الدنيا بأحسن حال، ولكن أمامه مطب كبير، وهو الموت، وبعد الموت يفقد كل شيء، ولكن السعداء في الدنيا هم الذين تتصل عندهم نِعَمْ الآخرة بنِعَم الدنيا، فهو في الدنيا مِن أسعد الناس، وإذا جاء الموت من أسعد الناس ؟ فمن أجل أن تتصل نعم الدنيا بنعم الآخرة ينبغي أن تطبق منهج رسول الله في الدنيا وأن تطلب الآخرة من أجل أن تكون في الدارين من السعداء.
    لقد تحدثنا اليوم عن رحمته باليتيم، ورحمته بالحيوان، ورحمته بالطيور، وعن رحمته العامة.
    أحب الصالحين ولست منهم ....لعلي أن أنال بهم شفاعة
    وأكره من تجارته المعاصي ...ولو كنا سواء في البضاعة







  4. #4
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية أبوواسم

    فل وياسمين
    تاريخ التسجيل
    03 2005
    العمر
    47
    المشاركات
    2,459

    رد: مع المصطفى صلى الله عليه وسلم ارحم اليتيم

    جزاك الله خير
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •