ها هو يشير بيده إلى الطلبة أن يلحقوا به ، يطلب منهم أن يتأملوا تلك لاصور التي لم تستوقفهم قبل اليوم ، ويدققوا في وجوه أصحابها ، المجمعة في صور جماعية للذكرى.
يلحق به الطلبة مندهشين ، فيبادرهم وكأنه يواصل حديثاً سابقاً ، أو كأنه يقدم لهم نفسه ، كواحد سيمر الآخرون أمام صورته .. على أحد جدران هذا المعهد دون انتباه:
" كل الذين ترونهم على هذه الصور بهيئاتهم الرياضة التي تشبه هيئاتكم ،وعنفوان شبابهم الذي يشبه عنفوانكم، بابتسامتهم العريضة وطموحاتهم الكبيرة، ومشاريعهم وأحلامهم ونثقتهم المطلقة في الحياة ، كما هي الآن ثقتكم ، جميعهم الآن ... عظام تحت قبور فاخرة.لقد ماتوا كما ستموتون!".
وقبل أن يستوعب الطلبة هذا الكلام الغريب لأستاذ يرونه لأول مرة يواصل :
" كل واحد فيكم هنا، ذات يوم سيتوقف فيه كل شيء، ويبرد جسده ثم تأكله الديدان وكأنه لم يكن .
" انظروا .. إنهم ينظرون إليكم الآن ، كأنهم في صورهم هذه يقولون لكم كلاماً لابد أن تنصتوا إليه . تعالوا .. اقتربوا .. حاولوا أن تلتقطوا كلماتهم .."
يقترب الطلبة مذهولين من جدار تغطيه الصور العتيقة ، فيأتيهم صوت الأستاذ من الخلف. وكأنه يتحدث على طريقة المهرجين الذين يحركون دمية بيدهم وهم يتكلمون على لسانها بصوت باطني دون أن يحركوا شفاههم .