ذات يوم وبينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسير في طرقات المدينة ، وإذا به يسمع في جنح الظلام آهة محروقة تخرج من قلب محروق، من فتاة حديثة عهد بعرس غاب عنها زوجها في الجهاد، كانت تقول:
تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقني أن لا حبيباً ألاعبه
فوالله لولا الله رباً أراقبه لحرك من هذا السرير جوانبه
أي: لولا أني أراقب الله وأخافه وهو يراقبني، لأحضرت بديلاً للزوج، وخليلاً وعشيقاً يحرك هذا السرير بالحرام، هذه الأبيات الصادقة من قلب ولهان جعلت عمر الفاروق لا ينام الليل، ويذهب إلى أم المؤمنين حفصة: أي بنية أخبريني كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: أربعة شهور، فكتب: إلى جميع القادة على كل الجبهات أن يعيدوا الجند بعد أربعة أشهر، ويأخذوا غيرهم للجهاد في سبيل الله لكي يحفظوا الأسر والبيوت. تعال معي الآن إلى أئمة المساجد، ولا أقول كل الناس، أئمة المساجد، يؤتى بالشاب الصالح التقي النقي الورع الذي لا يعرف منذ أن ولدته أمه وما خطرت الفاحشة والزنا في باله، والله إننا نعرف شباباً يعقد العقد على زوجته ويبكي ما يدري ماذا يعمل؟ والله -انظروا أنا أحلف لكم- لأني أنا داعية ومشاكل الناس كلها عندي، يأتيني شباب من هذا البلد عقدوا ولا يعرفون ماذا يعملون؛ لأنه من يوم أن كبر تربى على الدعوة من المسجد إلى العمرة إلى الحج، لا يرى تلفازاً، لا يقرأ الصحف، لا يرى ملاحق، لا يرى شيئاً، ولما تزوج لا يعرف ماذا يعمل ولا يعرف شيء، فوالله نحن نعلمه ماذا يفعل في ليلة الزواج، أليسوا هؤلاء ملائكة تدب على الأرض من البشر في زمان الرذيلة والفحش، في زمان الطفولة وهو يطالع الصور المتحركة عبر التلفاز. بعض الأئمة يظل السنة والسنتين والثلاث والأربع وهو مرصود في الصحف والمجلات فقط كأن لا قضية له إلا المؤذن والحارس والإمام، ولو زل زلة لطبلوا وزمروا، قرأتم الصحف بين الحين والحين مؤذن مسجد عثر كذا .. إمام مسجد فعل كذا .. وكأنها قضية فلسطين ، وآلاف الفواحش ترتكب ما يكتب عنها أحد، ولا يعلمها أحد، وفي مراكز الشرطة مطوية. عمر الفاروق حل هذه الأزمة لا لإمام مسجد يصلي بالناس فقط، وإنما حل أزمة لأناس يفتحون مشارق الأرض ومغاربها، مسئوليتهم نشر الدين في أعظم إمبراطورية في أمريكا وفي روسيا، في الروم والفرس، حل الأزمة عندهم، ونعجز ولا نقدر أن نحل أزمة إمام مسجد، نزيده دينارين ونأتي له بأهله وعندنا قناعة أن غرفة كبيرة مثل هذه تكفي، لكن حل هذه المشكلة العويصة التي كان يخاف منها عمر في مجتمع نموذجي إسلامي، وهو مجتمع المدينة الذي الواحد لو يترك عرضه مئات السنين ما يخاف عليهم، فكيف بنا؟! أنا أذكر السيرة من أجل أن نسمع قصصاً وأحاجي، لا، لا بد من الربط بالواقع ولو ربطاً جزئياً، ليس كلياً، وإلا لو أربط ربطاً كلياً ما ننتهي، لأن مشاكل الأمة كثيرة. ......(م/ن).