معك حق ولكن بالرغم من تشبعنا بهذه المواضيع التي (يفترض) بها
ان تعلمنا (معنى) النقاش قبل كل شيء إلا أنه لاجدوى من طرحها .
لماذا نرفع أصواتنا ونحرك أيادينا بتشنج , ونتململ في جلستنا متحفزين أثناء نقا شاتـنا ؟ لماذا نخلق من عملية النقاش فرصة لتحقير الشخص المناقش لنا, بسادية متـناهية , ولذة في إذلاله , وقتالية لإثبات خطئه والذي يعني بالتالي صوابنا مهما بلغ جهلنا؟.
تلك أسئلة تتبادر إلى ذهني كلما حضرت نقاش, سواء كنت طرف فيه أو كنت مستمع مغلوب على أمره , كما للبرامج الحوارية التلفزيونية الشبيهة بعراك الديوك المُستـفزة بطرف خارجي يهمه أن يقضي في النهاية أحد المتصارعين على الآخر !.
فالأمر محير فعلا , ويحتاج منا إلى وقفات صادقة مع النفس .
وللإجابة عن هذه الأسئلة , دعوني إبــداء تحليلي التجريبي باستعارة توضيحية من علم النفس و الفلسفة . فسأقوم باستخدام المثال المتكرر دائما عن الكأس الذي يوجد به بعض الماء , وبالتالي نطرح السؤال المعتاد, كيف ترى الكأس ؟ .
والإجابة عن هذا السؤال متباينة وتعتمد على كيفية رؤية المسئول للكأس .
فقد يرى انه ممتلئ بالسائل إلى منتصفه . وقد يرى آخر أن نصفه فاضي . بينما قد يأتينا من لا ينظر إلى ما في داخله , فتتركز ملاحظاته على أن زجاج الكأس نظيف , أو أن السائل الذي بداخله يشوبه شائبة , وقد ينظر له آخر على انه غالي الثمن أو أنه مصنوع من الكريستال المُـشتت لألوان الطيف , أو انه قديم وأثري , أو أي صفة من صفاته التي لا تتعارض مع ما يراه الآخرين من زواياهم .
وهنا نلاحظ أن كل الإجابات صادقة نـسـبـيـا . وحتى إذا ما افترضنا أن أحد الآراء كان شاذا في تصوره , فأننا قبل تكذيبه , لا بد أن نسعى وراء فرضية انه لا يوجد ما يمنع أن يكون صاحب الرأي لا يـكذب , وقد يكون نظر للأمر من زاوية لم نتمكن من النظر إليه من خلالها . لأسباب متعددة تبداء بانعدام الرؤية لدينا ( والعذر هنا لا يصب في مصلحتـنا ) , وتـنـتـهي بعدم رغبـتـنا في الرؤية ( والعذر هنا أقبح من الفــعـل ).
فـنسبة الصدق تختلف بين رأي و آخر, ولكننا في العموم لن نجد أي إجابة صادقة مائة بالمائة ( هذا على فرض أن ما نناقشه لا يمس الثوابت الدينية والمقدسة , التي لا يخالطها الزيف من أي زاوية ولا يجدر بنا الاختلاف في فهمهـا ).
وقد كان لنا في نتاج البشرية العلمي ابلغ الأثر في تأكيد ما المح أليه من انعدام وجود الحقيقة المطلقة , فما قال به علماء اليونان القديمة , أتى ( أفلاطون و ار سطو ) لإثبات عدم مصداقيته المطلقة . وتتعاقب العصور ليأتي من يفند أقوالهما ونظرياتهما ويثبت عدم مصداقيتها المطلقة أيضا . ومن عصر ألي عصر , ومن عالم مفكر مجتهد إلى عالم أكثر رؤية , لتصل العلوم البشرية آلي مقولات ونظريات ( أيشتين) في النسبية وحجم وشكل الكون , التي أعجزت العلماء وحيرتهم وجعلتهم يدورون في فلكها لعقود من الزمن . ونكاد نلمح في الأفق ألان من يحاول هز هذه المعلومات , والآتيان بدلائل ضعفها من بعض الجوانب , ومن يدري فقد يأتي اليوم الذي ننظر فيه لنظرياته نظرة ( جاليليو) لمن قالوا بان الأرض مثبتة فوق قرني ثور!
كل حقيقة تحتوي على جزء ولو ضئيل من الخطاء .
فلماذا إذا نحاول في مناقشاتنا مصادرة حق الأطراف الأخرى في التعبير عما يجول في خواطرهم ؟ . لماذا لا نحاول تخيل الزاوية التي ينطلق منها الآخرين في مناقشتهم , ووضع أنفسنا في أماكنهم , والتأثر بالمؤثرات التي يقعون ضمن محيطها ؟ .
لماذا لا نبداء النقاش بنية الإفادة والاستـفادة ؟. لماذا لا ندخل النقاش بأناة وضبط للأعصاب , وعدم النظر لنتيجة النقاش من زاوية من منا أقـنع الآخر برأيه ؟ . وعدم احتساب ذلك فوزا أو خسارة .
هل يتعلق الأمر بتربـيـتـنا القمعية , التي يظنُ فيها كبارنا و آبائنا ومدرسينا علينا بحرية الاختلاف معهم ؟.
الوالدين يصدران أوامرهما التي لا شرح فيها , ولا مجال بسيط للمجادلة التي يقصد منها مجرد الاستيضاح .
و المدرس الذي يحمل في داخله قوالب متحجرة ( دينا صورية ) تتعالى على كل نقاش , و تحرق كالتنين طموح كل من تسول له نفسه بالاقتراب .
والسياسي الذي يتحدث أمام الجموع المحبطة , و يخلط الحابل بالنابل فلا يقنع بكلامه حتى من كتبه له !.
والمراسلون ( المبرمجون كالحواسيب الرديئة ) من حواليه صامتون لا يرفعون عيونهم لمعارضته , إلا من أوذن له فانه لا يلبث أن يمجد فيما قال مما لا منطق فيه .
هل لذلك علاقة بشعورنا ( المزيف ) بأن صاحب الرأي الصحيح أو الصوت الأعلى .. هو دائما الأفضل والأذكى والأقوى ؟.
كل تلك الأسئلة تحتوي على كثير من الحقيقة , ولن نصادر الآراء الأخرى ونقول بان كل ما فيها حقيقي .
ولكن خلاصة القول بان تركـيـبـتـنا النفسية تتكون من مجموعة من المنعطفات الأساسية التي جُـبلت على الجهل المطبق في معرفة أسس النقاش العقلاني البناء , الذي يهدف في المجتمعات المتحضرة للتعـلم والإفـادة ورسم الخطوط الواضحة أمام المتناقشين .
لماذا لا نعلم أنفسنا كيف نستمع بكل حواسنا للمتكلم مهما اختلفنا معه ؟. لماذا لا نحاول مساعدته على تصوير ما يهدف إليه ؟.
.أترك الاجابة لكم