الموقف الثاني
طالب شعبي في الثاني متوسط
أثر في حياتي وجعلني مختلفاً

تخرجت في عام 1414هـ تنقلت كغيري من المعلمين حيث قضيت سنتي الأولى في منطقة القويعية وسكنت في مدينة الرين التي تبعد جنوباُ عن خط الرياض-جدة بمايقارب 60 كم في عمق صحراء نجد..هذا السكن فقط أما التدريس فهو في هجرة صغيرة تُسمى (السيح)..عدد طلاب قليل..أهالي متناثرون هنا وهناك..كثافة للمعلمين الأجانب العرب..الغريب ( مبنى حكومي ) !!
وأنا إبن تلك المدينة القابعة في أقصى جنوب المملكة والتي أغلب مدارسها بنظام الإيجار!!..ماعلينا ليس هذا الموضوع ..قضيت في مدرسة السيح عاماً كاملاً ..والسكن في مدينة الرين المأهولة بالسكان نسبياً حينها..والتي لايوجد بها إرسال تلفزوني..فنجتمع مع زملاء السكن وجميعهم معلمون مغتربون من مكة والطائف والخرج وطريب ..ونذهب لطريق الرياض-جدة ..في مركاز أو قهوة..نطلب العشاء كي نتسامر في ليلة لمشاهدة مباراة على القناة الأولى ..حيث تُنقل حينها المباريات ..فمتى ماجاء وقت نشرة الأخبار الساعة التاسعة والنصف إنتقلت المباراة للقناة الثانية (ضفينا عفشنا ).... لماذا؟
لأن إرسال القناة الثانية لايصل لهذه المنطقة على الخط السريع والتي تسمى حلبان. ولذا كانت الأمنية أن تنتهي الأخبار سريعاً كي يعود بث المبارة على القناة الأولى ..فإن كانت الإستقبالات الرسمية كثيرة..خلاص ..راحت المباراة .. وإن إنتهت الأخبار سريعاً ..عادت المبارة....عشت هناك في تلك المرحلة وتعلمت وكسبت كثيراً من أموري الحياتية ..وتعرفت على رجال أكارم خاصة من
آل الهويمل تربطني بهم علاقة حتى اللحظة .
إنتقلت بعدها لمدرسة قيس بن عبيد بمدينة الرياض بحي المرسلات..قضيت فيها سنتين ..ربما تعتبر من مراحل الربيع الخاصة بي ..حيث تتميز المدرسة بمدير حازم ..وكوكبة من الطلاب متميزين ..وأسر تتابع أبنائها.
بعد ذلك انتقلت للعمل لمدرسة الموسم الثانوية والمتوسطة ..عشت فيها مرحلة رائعة من حياتي المهنية والإجتماعية..تعرفت على العديد من الزملاء الأكارم ..وعايشت بقرب شخصيتين مميزتين تربوياً هما الشيخ إبراهيم بهلول والشيخ أحمد عريشي ..بالإضافة للأساتذة عبده عواجي وعلي طيب وإبراهيم عقيلي وحسين معبر وأحمد حمدي ...وغيرهم كثير

بعد ذلك حططت الرِحال في مدرسة متوسطة صامطة الأولى ..حيث الأستاذ يحيى قاسم شعبي والأستاذ محمد محسن مدخلي (رحمه الله) بالإضافة للأستاذ محمد شيبان عريشي مشرف التدريب التربوي حالياً..
في هذه المدرسة تتناغم الأفكار..ويترابط الزملاء برباط مميز خاص يجمعهم فمدرسة بها الأساتذة مرعي شعبي وعادل فقيهي وحافظ فقيهي بالإضافة للأستاذ محمد عيدروس حينها ومحمد النجمي وحسن النجمي وأحمد أبو طالب ومحمد أبوفراج ..بالإضافة لجيل آخر متقارب إبراهيم مساوى وإسحاق مدخلي وخالد كرشمي والحسن مكرمي مشرف الإدارة المدرسية حالياً ويحيى سراج مدير المدرسة حالياً وعبدالله شعبي وكيل المدرسة الحالي ويحيى مذكور ويحيى أبو فراج وماجد السيف...وتطول القائمة من معلمين ثابتين أو إنتقل بعضهم مِن أو إلى المدرسة

هذا كله مقدمة
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
بدأت في هذه المدرسة ..وبدأت معي مرحلة جديدة..حيث أني لم أستخدم العصا أبداً في خلال تنقلي للتدريس في المدراس السابقة أبداً..أبداً..وحينما قدمت للمدرسة وجدت البعض يستخدمها..ربما فرضت ذلك عليهم ظروف خاصة بالمدرسة أو البيئة أو ...أو.... المهم ...أنني إستخدمت معهم العصا..وبالطبع هي في أشد الظروف حاجة..

في سنة من تلك السنين ..تواجد في الصف الثاني متوسط ..كوكبة لامعة من الطلاب..ونوعيات أخرى لابأس بها..
سأتحفظ عن ذكر الأسماء هنا ..كي لا أُحرج...
وأحياناً تُجبر على استخدام العصا مع طالب نجيب ..غير أن شيئاً ما..خانه ..ولذلك حصل له عقاب من معلم

إبني..وطالبي..أحدهم

في ذلك اليوم ..لم يكن ..هو مَن عهدت ..ولذا ..تأخر..لست أذكر..أواجب هو..أم عدم حفظ..أم سلوك..لا أذكر ؟ لا أذكر.
فوقف ..مع زملائه..أذكر اللحظة الآن حيث الصف الثاني متوسط (ب) ..في الجهة اليسرى الشمالية ..في الصف الثالث من الفصل...إفتح يدك..لم يمانع..فتح يده..نعم أعترف عاقبت الطالب بالضرب ..لازلت أذكر..واحدة..إثنتين...
كانت النظرات ..من الطالب أسبق من الثالثة..
إجلس..أهي نظرات عتب..أهي نظرات حقد..أهي نظرات احتقار..
أياً كانت هذه النظرات ..الأكيد منها أنها ليست نظرات تقدير من طالب لمعلم..ليست نظرات احترام ...ليست نظرات تبجيل..
حينها..تراجعت للخلف..وضعت العصا على الطاولة الأمامية..أحسست بأمر غريب ينتابني..أسئلة كثيرة تراودني..طيف أليم يقارعني..
لمَ أنت تفعل ذلك أيها المعلم؟!.. أهذه هي العلاقة المنتظرة مع طالب اليوم..رجل المستقبل ؟! أهذا هو الأسلوب الوحيد للتربية؟! أهي الطريقة الوحيدة للتعليم؟!..أسئلة كثيرة ..دارت في خاطري..حينها.

أكملت درسي. ثم أكملت يومي..ومازال الموقف معي ..بتفاصيله..بأسئلته..بعتابه....لم يكن يوماً عادياً..حيث الموقف لم يكن عابراً...ولذا..إحتاج مني هذا الموقف ..لجلسة خاصة مع النفس..وحوار ..كان لنفسي ما أرادت..خلوة خاصة..ثم قررت مع نفسي..من جراء هذا الموقف..أن لا أستخدم العصا أبداً..في مجال التعليم..وأن أبحث عن الحلول الرديفة لأي أمر أو عارض.

أجدني اليوم ..أرفع صوتي ..بكل فخر..وبكل شكر..
أنك أخي..صديقي..إبني..طالبي
( نبيل بن أحمد هادي شعبي )
كنت نقطة تحول في حياتي..وجعلتني مختلفاً..أرفض الحل الواحد..أبحث عن مخرج..آخر
جعلتني مختلفاً..بموقف..قد لا تذكره ..أنت..لكنه نقطة تحول لديّ أنا

الشاب نبيل الآن..أنعم به وأكرم..من رجال الوطن..يمارس مهنته العسكرية

للحق أقولها إلى الآن...لا أستطيع النظر لوجهه..حتى الآن

وجمعني به موقف عابر..كنت ..في حياء شديد منه

حفظ الله حيث كنت..ووفقك