نفتقد ثقافة الاحتفال والمجتمع غير مهيأ للتعبير عن الفرح والسعادة
![]()
دعاء بهاء الدين، ريم سليمان- سبق – جدة: في حياة الشعوب أيام لا تنسى وصفحات سطرت بالعرق والعمل، ويعد اليوم الوطني للمملكة فرحة راسخة في قلوب المواطنين، يجسدون من خلالها انتماءهم للوطن، بيد أنه وللأسف قد يتجاوز بعض الشباب ويرتكب سلوكيات تتنافى مع عادات المجتمع، فيغتال فرحة الوطن في عيون أبنائه، وتصبح البسمات آهات مكنونة.
فها هي تساؤلات طفل بريء يرقد بين الحياة والموت: بأي ذنب وأنا نبت الحاضر وزهرة المستقبل؟ وها هو رجل الأمن الذي خرج يؤدي واجبه يتعرض للاعتداء وعاد إلى أسرته محمولاً على الأعناق، وهذه الفتاة البريئة تحب وطنها وتعبر بصفاء قلب عن هذا الحب، فتخرج إلى الشارع آمنة مطمئنة، ولا تدري أن هناك ذئاباً ستتحرش بها، حتى تتوارى خجلاً وتعود على أعقابها خاسرة معركة الانتماء.
"سبق" تتساءل: من المسؤول؟ وهل حقاً نفتقد ثقافة الاحتفالات كما يرى البعض؟
روتين وتقليدية
في البداية، رفض أحمد الغامدي سلوكيات بعض الشباب في اليوم الوطني قائلاً: إننا جميعاً نحب الوطن، بيد أننا للأسف الشديد نجهل كيفية التعبير عن هذا الحب، مبيناً أن كثيراً من أصدقائه يرتكبون سلوكيات تتعارض مع العادات والتقاليد، ويعتبرون هذا حرية شخصية، وانتقد البرامج الموجهة للشباب والبعيدة عن اهتمامهم، بحيث يشعرون بالروتين والتقليدية، وينتهزون الفرص لارتكاب الفوضى والسلوكيات غير اللائقة.
تجاوزات أخلاقية
وبغضب تحدث فيصل عبد الله لـ "سبق" قائلاً: في اليوم الوطني خرجت مع زوجتي وبناتي للاحتفال بهذه المناسبة الغالية على قلوبنا، وحتى تتعرف بناتي على الوطن عن قرب، بيد أني للأسف لاحظت تجاوزات يمارسها بعض الشباب -هداهم الله- وتعطيل للطرق، وارتداء الشباب لملابس غير لائقة، بل وتجاوز الأمر الحد عندما رأيت مجموعة شباب تتحرش بالنساء ولم يعودوا إلى صوابهم إلا عندما حضرت الهيئة وسيطرت على هذه المهزلة.
وبصوت يملأه الحزن قالت (س.أ) تحتفظ "سبق" باسمها: خرجت بعدستي الخاصة ألتقط مشاهد الحب والانتماء للوطن، وتخيلت أني سأعود بكم زاخر من الصور التي لا تنسى، إلا أنني عدت وذاكرتي محملة بمشاهد عنف وتكسير وتعدٍّ، وأخيراً تحرش، فما كان مني إلا أن عدت إلى منزلي منهارة مما حدث معي.
وانتقد بشدة الشاب صالح الغامدي التعدي والضرب والخروج عن المألوف في أيام الاحتفالات، واصفاً ذلك بنوع من الإجرام، وعلى الأمن أن يتعامل بكل شدة مع هذه النماذج.
قتل الأبرياء
أبدى أحمد العتيبي أسفه لإصابة ابن أخيه في حادث سيارة نتيجة للسرعة الجنونية من أحد الشباب، متسائلاً: ما العلاقة بين الفرحة بالوطن والسرعة الجنونية وقتل الأبرياء؟ وطالب الجهات المعنية بعمل برامج منظمة توعوية لاحتواء أنشطة الشباب في هذا اليوم.
وطالب الأستاذ أحمد الزهراني بتفعيل دور الشباب في اليوم الوطني قائلاً: إن الشباب طاقة هائلة يجب احتواؤها، وللأسف الشديد يفتقدون ثقافة الاحتفال في مجتمعنا، داعياً الجهات المعنية لمشاركة الشباب في فعاليات اليوم الوطني، حتى يشعر بالمسؤولية والانتماء لوطنه.
ثقافة الاحتفالات
رأى الدكتور إبراهيم الزبن أستاذ علم اجتماع الجريمة رئيس قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية في جامعة الإمام، أن مشاهد العنف الحاصل في اليوم الوطني هي ظاهرة اجتماعية لا ترتبط باليوم الوطني تحديداً، بل بثقافة الاحتفالات الحديثة على المجتمع، حيث لم يمر الشباب بخبرات وتجارب الاحتفالات كبقية الدول الأخرى، ولذا نجده غير مهيأ للتعبير عن الفرح والسعادة بشكل صحيح.
وأوضح أن غياب كبار السن عن المشاركة في فعاليات اليوم الوطني، أدى إلى حدوث فوضى، لغياب الضبط الاجتماعي والقيم الاجتماعية حتى اتسم بطابع السلوك الجماهيري، متسائلاً: أين الأماكن ألتي تحتوي أنشطة الشباب؟ وأين البرامج التمهيدية السابقة للاحتفالات؟ معرباً عن أسفه من عدم وجود برامج تمهيدية واجتماعية ونفسية للمناسبات داخل المدارس والجامعات ووسائل الإعلام.
وحث الزبن على مشاركة كبار السن والأسرة معاً في احتفالات اليوم الوطني في العام القادم، ما يساهم في الشعور بالضبط الاجتماعي من داخل الجمهور نفسه، منوهاً إلى أن تكون مشاركة الأسرة الإيجابية مع الأبناء لرغبتهم في الاحتفال معهم وليس للرقابة عليهم.
بدائل الإجازة
وعاد وأكد أهمية وجود برامج تمهيدية في المدارس والجامعات قبل اليوم الوطني، مع وجود بدائل للإجازة، ضارباً المثل بعمل يوم دراسي مفتوح ببرامج جاذبة ومسابقات ومسرحيات وأنشطة للشباب، كما اقترح القيام بمسيرات وطنية تعبر عن حب الوطن، مفيداً أن الشاب السعودي يفتقد ثقافة الاحتفال، ما يعظم من دور الأسرة والمدرسة في غرس هذه الثقافة داخل الطفل وتوعيته بأهمية الاحتفال دون إيذاء الآخرين.
واقترح أستاذ علم اجتماع الجريمة مطالبة الشباب بعمل برامج احتفالية حسب رؤيتهم وأفكارهم، بحيث لا تفرض عليهم البرامج المملة، مطالباً بضرورة سؤالهم عن البرامج الخاصة التي يرغبونها، قائلاً: عندما يشارك الشاب في وضع البرامج سيشعر بالمسؤولية والإحساس بدوره في المجتمع وأنه فرد غير معزول.
ضوابط وقوانين
أبدى رئيس منظمة فور شباب العالمية الدكتور علي العمري أسفه لممارسات بعض الشباب السلبية في اليوم الوطني، مرجعاً ذلك لقضايا الشباب كالفراغ والبطالة، ولفت أن اليوم الوطني هذا العام حدثت فيه تجاوزات غير مسبوقة في تاريخ الاحتفال به، قائلاً: انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي هذا العام تحذيرات من الخروج والتنزه في هذا اليوم خوفاً من التعرض للحوادث المرورية، معتبراً هذا مؤشراً خطيراً على مدى التجاوزات هذا العام.
وعزا العمري هذه السلوكيات لقناعة بعض الشباب بعدم عقابهم مهما ارتكبوا من سلوكيات خاطئة في هذا اليوم، لافتاً إلى عدم اكتراث الشباب بالضوابط والرقابة، وعدم إدراكهم للتوعية بالشكل المأمول، وشدد على ضرورة إيجاد قانون يعاقب الشاب عند ارتكابه لسلوكيات غير أخلاقية.
ورفض سلوكيات بعض الشباب الخاطئة في اليوم الوطني، نافياً أن تكون هذه مواطنة حقيقية أو تعبيراً إيجابياً عن حب الوطن، وأكد أن الشباب يحب وطنه، بيد أنه لا يجيد التعبير، وقال:
للأسف الشديد هناك خلل بين فكرة حب الوطن، وغياب الممارسة الصحيحة للتعبير عن هذا الحب، وهذا يستلزم اجتماع المسؤولين لتنظيم برامج مدروسة لصالح الشباب والوطن.
وقال: إن اليوم الوطني حدث كبير، لا بد أن توضع له الضوابط والقوانين التي تتناسب مع مكانة الحدث في قلوب المواطنين، متفقاً مع الزبن على أهمية تخطيط برامج هادفة رائعة للشباب تليق بالمناسبة، وتحوي أنشطتهم، ويتم تفعيلها في أماكن مختلفة بالمملكة. وتساءل: لماذا لا يطلب من طلاب المدارس والجامعات تجسيد حب الوطن في صورة أنشطة في اليوم الوطني؟ وتكون هناك مكافآت لتحفيز الشباب، داعياً الجهات المعنية لدراسة إجازة اليوم الوطني وكيفية تنظيمه حتى يحقق الهدف المرجو منه.