شباب سوري يؤسس لمجتمع مدني تحت الحصار والقصف
"أسود وأبيض من حمص" صفحة تنتقد الواقع وتضع الحلول وتساعد الناس
![]()
![]()
دمشق - جفرا بهاء غاب المجتمع المدني ومؤسساته عن سوريا لأكثر من 40 عاماً تحت حكم عائلة الأسد، ولطالما تعرّض كل مَنْ حاول العمل على ما يسمى مؤسسات المجتمع المدني للملاحقة والاعتقال.
ويبدو أن الثورة السورية أثبتت إلى الآن أنها استطاعت أن تخرج طاقات من الشعب السوري بالعموم ومن الشباب بالخصوص أثارت دهشة وإعجاب الكثيرين.
صفحة "أسود وأبيض من حمص" أنشأها عدد من الشباب والفتيات من داخل حمص وخارجها، واتخذت من محاولة مساعدة كل من يمكن مساعدته أحد أهم أهداف الصفحة، بالإضافة إلى الإضاءة على الجوانب التي سمتها الصفحة "جوانب سوداء" في محاولة لتدارك الخطأ وإصلاحه.
وربما يكون 721 عضواً في الصفحة عدداً ليس بالكبير مقارنة مع بعض الصفحات الحمصية الناشطة والمعتمدة على النكتة للسخرية من النظام، إلا أن العدد نفسه 721 يبدو بغاية الضخامة والتأثير عندما بدأ تأثيرهم يظهر على أرض الواقع في حمص.
4 ملايين ليرة
ومن القصص التي قد تبدو عادية للوهلة الأولى هو إعادة 4 ملايين ليرة سورية إلى صاحبه، وفي التفاصيل وبالنظر إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية والأمنية شبه المستحيلة التي تعيشها حمص تبدو تلك الحكايا التي تبنتها صفحة "أسود وأبيض من حمص" مضيئة أو بيضاء، كما يفضل "أدمن الصفحة" أن يسميها.
وتبدأ الحكاية بشراء أحد الأشخاص غسالة مستعملة، ليجد فيها مبلغ 4 ملايين ليرة، وعلى اعتبار أنه من الصعب الإعلان عن أي شيء في سوريا حالياً خصوصاً في حمص فإن الصفحة أعلنت عن المبلغ، وأوردت رقم هاتف للتواصل مع الشخص الذي يملك المبلغ، ما أدى في النهاية لإعادة المبلغ إلى صاحبه بغض النظر عن طائفته أو ميوله السياسية؛ لأن الحياة "فيها موت وحياة، وأنا بخاف من الله"، حسب ما عبر مشتري الغسالة.
نقطة سوداء
وتحت عنوان "نقطة سوداء" حذرت الصفحة الناس من مكالمة تلفونية تم التأكد من أنها تهدف إلى السرقة المبطنة بالحصول على مساعدة مالية، "سيدة تتصل على الهاتف الجوال وتدعي كل مرة قصة مختلفة عن المرة التي قبلها وغالباً ما تنتقي أسماء تجار أو رجال أعمال وتحاول الحصول على مساعدة مالية أحالتها أول مرة لجمعية البر فلم تذهب، فأحالتها ثاني مرة إلى صديق فلم تذهب، هي تريد مساعدة مادية غير مشروطة، ومؤخراً اتصلت على جوال صديق لي وبدل أن تروي القصة المعهودة بشأن استشهاد ابنتها روت قصة أخرى عن دمار بيتها في جورة الشياح".
والمطلوب كما نبّهت الصفحة أن يتم التأكد من صاحب الحاجة ومدى حاجته لقطع الطريق على المستغلين.
وعي من وحي الثورة
وينوّه "أدمن الصفحة" دائماً إلى هدف الصفحة، ويعتذر مسبقاً من أنه سيحذف كل منشور يخالف شروط المجموعة، وعن شروط المجموعة يقول: "صفحتنا اجتماعية بحتة تعالج أيادي وأفكاراً سوداء.. لأيادٍ تسرق المساعدة من الناس البسطاء، وصفحة تقدم خدمة للمجتمع السوري والحمصي خصوصاً تفضح أيادي وتشيد بأيادٍ بيضاء، لتكون هذه الأيادي البيضاء قدوة لنا بكل ألوانها في كل سوريا، وتقدم أفكاراً للنهوض بمجتمعنا"، وإن كان من تسمية لما تفعله تلك الصفحة وغيرها من الصفحات فإنما سيوضع في خانة الوعي من وحي الثورة".
وتختلف أنواع الكتابات على الصفحة، فمن استعداد مسؤولي الصفحة للاتصال بأي رقم داخل حمص للاطمئنان "اللي بدو يطمن أهلو ويتطمن عليون يبعت رقم أهلو ع الخاص ولعيونكم منروح لعندون كمان"، إلى إرشادات زراعية تبدو هامة "قريباً رح تبدا رح يبلش موسم الزراعة، مشروع زراعة أشجار الفاكهة في الشوارع بدلاً من أشجار الزينة ضمن الإمكانيات والمكان المناسب".
وبالطبع يأخذ الشباب الموجود في داخل حمص مسؤولية محاولة تنفيذ الاقتراحات وإيصال المساعدات، ويحاول المقيم خارج سوريا جمع التبرعات وكل ما يستطيع تقديمه.
وبعد حجب 40 عاماً لمؤسسات مجتمع مدني حقيقي، يقف شباب سوريون تعلّموا ودرسوا وتربّوا في سوريا التي حُكمت من عائلة الأسد، يقفون ليؤسسوا لمجتمع مدني رغماً عن القصف والقتل والتدمير.