أيتها الحروف الهاربة
اجتمعي لـ أكتب لهم حكايةَ
طفلٍ لم يكبر بعد ليكتشف أن الحياة
لم تختلف عن رحم أمه كثيراً


تحيط به الجدران من كل جانب
ويغرق في ظلام دامس
رغم أن الشمس تشرقُ كل يوم


كنتُ أعتقدُ في صغري
أن تعليمي كله سيكون في قريتنا
وأني لن أتجاوز حدودها لمكان آخر


وكنتُ أحلمُ أني سأكونُ رائد فضاء
عندما أكبُر ، وأني سأقيمُ محطتي الفضائية
في الأرض المجاورة لـ منزلنا ..


وكنتُ أقول لـ عائلتي أني لن أسمح
لأحد بالدخول لـ محطة الفضاء المستقبلية
إلا إبنة خالتي التي سأفتح لها باباً من منزلنا
يؤدي إلى المحطة مباشرة لـ تطمئن عليَّ
وقتما تشاء ..


وكبرت إبنة خالتي قبلي لأنها كانت
تكبرني بخمسة أعوام ..
وتزوجت وأنجبت الكثير من الأبناء
وأنا لم أكبر بعد ولم أحقق حلمي
وما زال بداخلي طفلٌ لا يجيدُ نطق
حرف الراء بشكل جيد ..


وكنتُ أعتقدُ أن طريقي لـ تحقيق
أحلامي لا يتطلبُ سوى علامات ممتازة
في إختبارات الثانوية العامة
وأن الطريق بعدها مفروش بالورود


ولم يخبرني أحد أن كل شيء يورَّثُ
في وطني ثم كبرتُ لـ أكتشف أن الأوطان
تورَّثُ أيضاً ..


لم يخبرني أحدٌ بكل هذا وإلا فضَّلتُ
البقاء في بطن أمي ..

على الأقل كنتُ سأحصل على طعام
وشراب مجاني ، وإقامةٍ مجانية أيضاً
لا أحد سيطالبني بدفع الإيجار في
آخر الشهر ، ولن تداهمني لجنة التعديات
لـ توجه لي تهمة الإستيلاء على أراضي الدولة
ولسوف أنام قرير العين دون التفكير
في فاتورة كهرباء أو فاتورة الهاتف ..
ولن أضطر للوقوف في طوابير البطالة
بانتظار وظيفة تقيني لهيب الفقر ..
لا يهمني إرتفاع سوق الأسهم أو إنخفاضه
ولن أقلق عند إرتفاع الأسعار ..


أودُّ العودة إلى بطنكِ يا أمي
ولكني بحجمي هذا سأثقلُ عليكِ
وأكون قابلتُ إحسانكِ بالعقوق


أنتِ وطني الأجمل يا أمي
وهبتِ لي كل شيء دون إنتظار المقابل
أسأل الله أن يرزقني برَّكِ ويطيل عمركِ
في طاعته سبحانه وتعالى


لـ رأسكِ ويديكِ وقدميكِ قُبلاتٌ لا تنتهي
ولكل المارين من هنا أمنياتٌ بفرحٍ غامر