.
الحمد لله رب العالمين والصﻼ‌ة على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأما بعد...
(لبيك اللهم لبيك لبيك ﻻ‌ شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك ﻻ‌ شريك لك) ..
الحج ركن من أركان اﻹ‌سﻼ‌م الخمسة , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بني اﻹ‌سﻼ‌م على خمس : شهادة أن ﻻ‌إله إﻻ‌الله وأن محمداً رسول الله , وإقام الصﻼ‌ة , وإيتاء الزكاة , وصوم رمضان ,وحج بيت الله لمن استطاع إلى ذلك سبيﻼ‌ً)البخاري ومسلم.

والحج مدرسة إيمانية عظيمة، يتلقى فيه المؤمنون الدروس العظيمة والفوائد الجليلة والعبر المفيدة في شتى مجاﻻ‌ت الحياة.

والحج يطهر النفس، ويعيدها إلى الصفا واﻹ‌خﻼ‌ص، مما يؤدي إلى تجديد الحياة، ورفع معنويات اﻹ‌نسان، وتقوية اﻷ‌مل وحسن الظن بالله تعالى..

والحج يُقوِّي اﻹ‌يمان، ويعين على تجديد العهد مع الله، ويساعد على التوبة الخالصة الصدوق..

والحج إظهار العبودية وشكر النعمة، وتعميق اﻷ‌خوة اﻹ‌يمانية...

والحج تربية على اﻻ‌ستسﻼ‌م والخضوع لله تعالى وحده فيتربى العبد في الحج على اﻻ‌ستسﻼ‌م واﻻ‌نقياد والطاعة المطلقة لله رب العالمين، سواء في أعمال الحج نفسها من: التجرد من المخيط والخروج من الزينة، والطواف والسعي، والوقوف، والرمي، والمبيت والحلق، أو التقصير وغيرها..وهو تعويد على النظام اﻻ‌نضباط...

والحج فتح باب اﻷ‌مل ﻷ‌هل المعاصي وتربيتهم على تركها ونبذها في تلك المشاعر ؛ حيث يتركون كثيرا من عاداتهم السيئة خﻼ‌ل فترة الحج وفي المشاعر..

والحج شعار الوحدة فإن الحج جعل الناس سواسية في لباسهم وأعمالهم وشعائرهم وقبلتهم وأماكنهم، فﻼ‌فضل ﻷ‌حد على أحد.

وللحج منافع وفوائد عظيمة، فهو مؤتمر عام للمسلمين، يستفيدون منه فوائد دينية، وتربوية وأخﻼ‌قية بالممارسة الفعلية للعﻼ‌قات اﻻ‌جتماعية، وهو فرصة يتداول فيه المسلمون أوضاع بﻼ‌دهم ، وشؤون شعوبهم ، وهمومهم وآمالهم ....

وقد اتفق العلماء على فرضية الحج مرة في العمر بدليل الكتاب والسنة..

وقد بين عظم أمر الحج ربنا سبحانه وتعالى في محكم تنزيله ودلنا عليه رسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.

الترغيب في الحج.

قال الله تعالى: ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَﻻ‌ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَﻼ‌ثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (البقرة:196).

وقال الله تعالى: ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَﻼ‌ رَفَثَ وَﻻ‌ فُسُوقَ وَﻻ‌ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) (البقرة:197).

وقال الله عز وجل : { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيﻼ‌ً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } [آل عمران :97].

وقال الله تعالى: ( وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (التوبة:3).

قال الله تعالى في كتابه الكريم : (( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَاﻻ‌ً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ))[الحج:27-28].

والمنافع هنا دينية ودنيوية ..

عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال في اﻵ‌ية : منافع في الدنيا ومنافع في اﻵ‌خرة ، فأما منافع اﻵ‌خرة فرضوان الله تعالى ، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من لحوم البُدْن (اﻹ‌بل والبقر ونحوهما) في ذلك اليوم ، والذبائح والتجارات ..

عن محمد الباقر (رضي الله عنه) تخصيص المنافع باﻷ‌خروية وهي العفو والمغفرة ..

سئل النبي صلى الله عليه وسلم : أي اﻷ‌عمال أفضل ؟ قال: ( إيمان بالله ورسوله ) قيل : ثم ماذا ؟ قال : ( جهاد في سبيل الله ) قيل : ثم ماذا ؟ قال : ( حج مبرور ) رواه البخاري ..

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما . والحج المبرور ليس له جزاء إﻻ‌ الجنة " البخاري و مسلم ..

وقال صلى الله عليه وسلم (( من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه )) البخاري و مسلم ..

عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: « الحج جهاد كل ضعيف » أخرجه ابن ماجة.

عن أبي هريرة مرفوعاً: « جهاد الكبير والضعيف والمرأة: الحج والعمرة ».

وعنه صلى الله عليه وسلم: « إن الله يغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج ».أخرجه البزّار.

وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم « سمع رجﻼ‌ً يقول في الطواف: اللهم اغفر لفﻼ‌ن بن فﻼ‌ن، فقال: من هذا؟ قال رجل حملني أن أدعو له بين الركن والمقام. فقال: قد غفر الله لصاحبك »..

وحث الرسول صلى الله عليه وسلم على التزود من الطاعات والمتابعة بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير الحديد والذهب والفضة.

قال صلى الله عليه وسلم في حديث يحرك المشاعر ويستحث الخطى : ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما , والحج المبرور ليس له جزاء إﻻ‌ الجنة ) رواه مسلم ..

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إﻻ‌ الجنة)(7). رواه الترمذي..

عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : « الحجاج والعمّار وفد الله ، إن سألوا أُعطوا ، وإن دعوا أُجيبوا ، وإن أنفقوا أُخلف لهم » ! . رواه البيهقي.

أخي الحبيب .. أختي الغالية.

فهذه اﻷ‌حاديث صريحة في فضل الحج، وأن الحج المبرور ليس له جزاء إﻻ‌ الجنة.

وإن الحج من أفضل اﻷ‌عمال، والحج كالجهاد في أجره، والحاج كالمجاهد في المنزلة، وأن للحاج كرامة عند الله بها يستجاب دعاؤه ويغفر ذنبه وذنب من يريد له ذلك ما استغفر له..

فضائل عشر ذي الحجة:.

قال الله تعالى : ( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة اﻷ‌نعام ) الحج/28 . والجمهور على أن اﻷ‌يام المعلومات هي أيام العشر لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( اﻷ‌يام المعلومات : أيام العشر ).

عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ " أخرجه البخاري و أبوداود.

وعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ما من عمل أزكى عند الله عز وجل ، وﻻ‌ أعظم أجراً من خير يعمله في عشر اﻷ‌ضحى . قيل : وﻻ‌ الجهاد في سبيل الله ؟ قال : وﻻ‌ الجهاد في سبيل الله عز وجل ، إﻻ‌ رجل خرج بنفسه وماله ، فلم يرجع من ذلك بشيء ) رواه الدارمي 1/357 وإسناده حسن.

ويسن التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح أيام العشر.

فعن ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَ التَّحْمِيدِ " أخرجه أحمد.

فضل يوم عرفة:.

عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ " أخرجه مسلم ..

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم المﻼ‌ئكة فيقول: ما أراد هؤﻻ‌ء؟"أخرجه مسلم.

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجﻼ‌ً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت ﻻ‌تخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: أي آية؟ قال: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ اﻹ‌ِسْﻼ‌َمَ دِينًا) "المائدة: 3" قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بعرفة يوم الجمعة. البخاري ومسلم.

وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى يباهي مﻼ‌ئكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثا غبراً" ر