و ^ الرحمن الرحيم ^ اسمان بنيا للمبالغة من رحم كالغضبان من غضب والعليم
من علم والرحمة في اللغة رقة القلب وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان ومنه الرحم لانعطافها على ما فيها وأسماء الله تعالى إنما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادي التي تكون انفعالات و الرحمن أبلغ من الرحيم لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى كما في قطع وقطع وكبار وكبار وذلك إنما يؤخذ تارة باعتبار الكمية وأخرى باعتبار الكيفية فعلى الأول قيل يا رحمن الدنيا لأنه يعم المؤمن والكافر ورحيم الآخرة لأنه يخص المؤمن وعلى الثاني قيل يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا لأن النعم الأخروية كلها جسام وأما النعم الدنيوية فجليلة وحقيرة وإنما قدم والقياس يقتضي الترقي من الأدنى إلى الأعلى لتقدم رحمة الدنيا ولأنه صار كالعلم من حيث إنه لا
يوصف به غيره لأن معناه المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها وذلك لا يصدق على غيره لأن من عداه فهو مستعيض بلطفه وإنعامه يريد به جزيل ثواب أو جميل ثناء أو مزيج رقة الجنسية أو حب المال عن القلب ثم إنه كالواسطة في ذلك لأن ذات النعم ووجودها والقدرة على إيصالها والداعية الباعثة عليه والتمكن من الانتفاع بها والقوى التي بها
يحصل الانتفاع إلى غير ذلك من خلقه لا يقدر عليها أحد غيره أو لأن الرحمن لما دل على جلائل النعم وأوصلها ذكر الرحيم ليتناول ما خرج منها فيكون كالتتمة والرديف له أو للمحافظة على رؤوس الآي . والأظهر أنه غير مصروف وإن حظر اختصاصه بالله تعالى أن يكون له مؤنث على فعلى أو فعلانة إلحاقا له بما هو الغالب في بابه وإنما خص التسمية بهذه الأسماء ليعلم العارف أن المستحق لأن يستعان به في مجامع الأمور هو المعبود الحقيقي الذي هو مولى
النعم كلها عاجلها وآجلها جليلها وحقيرها فيتوجه بشراشره إلى جناب القدس ويتمسك بحبل التوفيق ويشغل سره بذكره والاستعداد به عن غيره . ^ الحمد لله ^ الحمد هو الثناء على الجميل الاختياري من نعمة أو غيرها والمدح هو الثناء على الجميل مطلقا تقول حمدت زيدا على علمه وكرمه ولا تقول حمدته على حسنه بل مدحته وقيل هما أخوان والشكر مقابلة النعمة قولا وعملا واعتقادا قال
أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجبا
فهو أعم منهمامن وجه وأخص من آخر ولما كان الحمد من شعب الشكر أشيع للنعمة وأدل على مكانها لخفاء الاعتقاد وما في آداب الجوارح من الاحتمال جعل رأس الشكر والعمدة فيه فقال عليه الصلاة والسلام الحمد رأس الشكر وما شكر الله من لم يحمده .
والذم نقيض الحمد والكفران نقيض الشكر ورفعه بالابتداء وخبره لله وأصله النصب
وقد قرىء به وإنما عدل عنه إلى الرفع ليدل على عموم الحمد وثباته له دون تجدده وحدوثه وهو من المصادر التي تنصب بأفعال مضمرة لا تكاد تستعمل معها والتعريف فيه
للجنس ومعناه الإشارة إلى ما يعرف كل أحد أن الحمد ما هو أو للاستغراق إذ الحمد
في الحقيقة كله له إذ ما من خير إلا وهو موليه بوسط أو بغير وسط كما قال تعالى وما
^ بكم من نعمة فمن الله ^ وفيه إشعار بأنه تعالى حي قادر مريد عالم إذ الحمد لا يستحقه
إلا من كان هذا شأنه وقرىء الحمد لله بإتباع الدال اللام وبالعكس تنزيلا لهما من حيث إنهما يستعملان معا منزلة كلمة واحدة . ^ رب العالمين ^ الرب في الأصل مصدر بمعنى التربية وهي تبليغ الشيء إلى
كماله شيئا فشيئا ثم وصف به للمبالغة كالصوم والعدل وقيل هو نعت من ربه يربه فهو رب كقولك نم ينم فهو نم ثم سمى به المالك لأنه يحفظ ما يملكه ويربيه ولا يطلق على غيره تعالى إلا مقيدا كقوله ^ ارجع إلى ربك ^ والعالم اسم لما يعلم به كالخاتم
والقالب غلب فيما يعلم به الصانع تعالى وهو كل ما سواه من الجواهر والأعراض فإنها لإمكانها وافتقارها إلى مؤثر واجب لذاته تدل على وجوده وإنما جمعه ليشمل ما تحته من الأجناس المختلفة وغلب العقلاء منهم فجمعه بالياء والنون كسائر أوصافهم وقيل اسم وضع لذوي العلم من الملائكة والثقلين وتناوله لغيرهم على سبيل الاستتباع وقيل عني به الناس ههنا فإن كل واحد منهم عالم من حيث إنه يشتمل على نظائر ما في العالم الكبير من الجواهر والأعراضيعلم بها الصانع كما يعلم بما أبدعه في العالم الكبير ولذلك سوى بين النظر فيهما وقال تعالى ^ وفي أنفسكم أفلا تبصرون ^ وقرىء ^ رب العالمين ^ بالنصب على المدح أو النداء أو بالفعل الذي دل عليه الحمد وفيه دليل على أن
الممكنات كما هي مفتقرة إلى المحدث حال حدوثها فهي مفتقرة إلى المبقي حال بقائها ^ الرحمن الرحيم ^ كرره للتعليل على ما سنذكره . ^ مالك يوم الدين ^ قراءة عاصم والكسائي ويعقوب ويعضده قوله تعالى ^ يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ^ وقرأ الباقون ملك وهو المختار لأنه
قراءة أهل الحرمين ولقوله تعالى ^ لمن الملك اليوم ^ ولما فيه من التعظيم والمالك هو المتصرف في الأعيان المملوكة كيف يشاء من الملك والملك هو المتصرف
بالأمر والنهي في المأمورين من الملك وقرىء ملك بالتخفيف وملك بلفظ العمل ومالكا بالنصب على المدح أو الحال ومالك بالرفع منونا ومضافا على أنه خبر مبتدأ محذوف وملك مضافا بالرفع والنصب ويوم الدين يوم الجزاء ومنه كما تدين تدان وبيت الحماسة ولم يبق سوى العدوا ن دناهم كما دانوا
أضاف اسم الفاعل إلى الظرف إجراء له مجرى المفعول به على الاتساع كقولهم يا سارق الليلة أهل الدار ومعناه ملك الأمور يوم الدينعلى طريقة ^ ونادى أصحاب الجنة ^ أوله الملك في هذا اليوم على وجه الاستمرار لتكون الإضافة حقيقية معدة
لوقوعه صفة للمعرفة وقيل الدين الشريعة وقيل الطاعة والمعنى يوم جزاء الدين وتخصيص اليوم بالإضافة إما لتعظيمه أو لتفرده تعالى بنفوذ الأمر فيه وإجراء
هذه الأوصاف على الله تعالى من كونه موجدا للعالمين ربا لهم منعما عليهم بالنعم كلها ظاهرها وباطنها عاجلها وآجلها مالكا لأمورهم يوم الثواب والعقاب للدلالة على أنه الحقيق بالحمد لا أحد أحق به منه بل لا يستحقه على الحقيقة سواه فإن ترتب الحكم على
الوصف يشعر بعليته له وللإشعار من طريق المفهوم على أن من لم يتصف بتلك الصفات لا يستأهل لأن يحمد فضلا عن أن يعبد فيكون دليلا على ما بعده فالوصف الأول لبيان ما هو الموجب للحمد وهو الإيجاد والتربية والثاني والثالث للدلالة على أنه متفضل بذلك مختار فيه ليس يصدر منه لإيجاب بالذات أو وجوب عليه قضية لسوابق الأعمال حتى
يستحق به الحمد والرابع لتحقيق الاختصاص فإنه مما لا يقبل الشركة فيه بوجه ما وتضمين الوعد للحامدين والوعيد للمعرضين .