. ^ الذين يؤمنون بالغيب ^ إما موصول بالمتقين على أنه صفة مجرورة مقيدةله إن فسر
التقوى بترك مالا ينبغي مترتبة عليه ترتيب التحلية على التخلية والتصوير على التصقيل أو موضحة إن فسر بما يعم فعل الحسنات وترك السيئات لاشتماله على ما هو أصل الأعمال وأساس الحسنات من الإيمان والصلاة والصدقة فإنها أمهات الأعمال النفسانية والعبادات البدنية والمالية المستتبعة لسائر الطاعات والتجنب عن المعاصي غالبا ألا ترى إلى قوله تعالى ^ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ^ وقوله عليه الصلاة والسلام الصلاة عماد الدين والزكاة قنطرة الإسلام /ح/ أو مسوقة للمدح بما تضمنه المتقين وتخصيص
الإيمان بالغيب وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بالذكر إظهار لفضلها على سائر ما يدخل تحت اسم التقوى أو على أنه مدح منصوب أو مرفوع بتقدير أعني أو هم الذين وإما مفصول عنه مرفوع بالابتداء وخبره أولئك على هدى فيكون الوقف على المتقين تاما . والإيمان في اللغة عبارة عن التصديق مأخوذ من الأمن كأن المصدق أمن من المصدق التكذيب والمخالفة وتعديته بالباء لتضمنه معنى الاعتراف وقد يطلق بمعنى الوثوق من حيث إن الواثق بالشيء صار ذا أمن منه ومنه ما أمنت أن أجد صحابة وكلا الوجهين حسن في يؤمنون بالغيب .
وأما في الشرع فالتصديق بما علم بالضرورة أنه من دين محمد صلى الله عليه وسلم كالتوحيد والنبوة .
والبعث والجزاء ومجموع ثلاثة أمور اعتقاد الحق والإقرار به والعمل بمقتضاه عند جمهور المحدثين والمعتزلة والخوارج فمن أخل بالاعتقاد وحده فهو منافق ومن أخل بالإقرار فكافر ومن أخل بالعمل ففاسق وفاقا وكافر عند الخوارج وخارج عن الإيمان
غير داخل في الكفر عند المعتزلة والذي يدل على أنه التصديق وحده أنه سبحانه وتعالى
أضاف الإيمان إلى القلب فقال ^ أولئك كتب في قلوبهم الإيمان ^ ^ وقلبه مطمئن بالإيمان ^ ^ ولم تؤمن قلوبهم ^ ^ ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ^ وعطف عليه العمل الصالح في مواضع لا تحصى وقرنه بالمعاصي فقال تعالى ^ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ^ ^ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى ^ ^ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ^ مع ما فيه من قلة التغيير فإنه أقرب إلى الأصل وهو متعين الإرادة في الآية إذ المعدى بالباء هو التصديق وفاقا ثم اختلف في أن مجرد التصديق بالقلب هل هو كاف لأنه المقصود أم لا بد من انضمام الإقرار به للمتمكن منه ولعل الحق
هو الثاني لأنه تعالى ذم المعاند أكثر من ذم الجاهل المقصر وللمانع أن يجعل الذم للإنكار لا لعدم الإقرار للمتمكن منه . والغيب مصدر وصف به للمبالغة كالشهادة في قوله تعالى ^ عالم الغيب والشهادة ^ والعرب تسمي المطمئن من الأرض والخمصة التي تلي الكلية غيبا أو
فيعل خفف كقيل والمراد به الخفي الذي لا يدركه الحس ولا تقتضيه بديهة العقل وهو قسمان قسم لا دليل عليه وهو المعني بقوله تعالى ^ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ^ وقسم نصب موقع عليه دليل كالصانع وصفاته واليوم الآخر وأحواله وهو المراد به في هذه الآية هذا إذا جعلته صلة للإيمان وأوقعته موقع المفعول به وإن جعلته حالا على تقدير ملتبسين بالغيب كان بمعنى الغيبة والخفاء والمعنى أنهم يؤمنون غائبين عنكم لا كالمنافقين الذين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذاخلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون أو عن المؤمن به لما روي أن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال والذي لا إله غيره ما آمن أحد أفضل من إيمان بغيب ثم قرا هذه الآية وقيل المراد بالغيب القلب لأنه مستور والمعنى يؤمنون بقلوبهم لا كمن يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم فالباء عل الأول للتعدية وعلى الثاني للمصاحبة وعلى الثالث للآلة .