^ قالوا إنما نحن مصلحون ^ جواب ل إذا رد للناصح على سبيل المبالغة والمعنى أنه لا يصح مخاطبتنا بذلك فإن شأننا ليس إلا الإصلاح وإن حالنا متمحضة عنشوائب الفساد لأن إنما تفيد قصر ما دخلت عليه على ما بعده مثل إنما زيد منطلق وإنما ينطلق زيد وإنما قالوا ذلك لأنهم تصوروا الفساد بصورة الصلاح لما في قلوبهم من المرض كما قال الله تعالى ^ أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ^ . ^ ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ^ رد لما ادعوه أبلغ رد للاستئناف به وتصديره بحرفي التأكيد ألا المنبهة على تحقيق ما بعدها فإن همزة الاستفهام التي للإنكار إذا دخلت على النفي أفادت تحقيقا ونظيره ^ أليس ذلك بقادر ^ ولذلك لا تكاد تقع الجملة بعدها إلا مصدرة بما يلتقي به القسم وأختها أما التيهي من طلائع القسم
وإن المقررة للنسبة وتعريف الخبر وتوسيط الفصل لرد ما في قولهم إنما نحن مصلحون من التعريض للمؤمنين والاستدراك ب ^ لا يشعرون ^ . ^ وإذا قيل لهم آمنوا ^ من تمام ال نصح والإرشاد فإن كمال الإيمان بمجموع الأمرين
الإعراض عما لا ينبغي وهو المقصود بقوله ^ لا تفسدوا ^ والإتيان بما ينبغي وهو المطلوب بقوله آمنوا .
^ كما آمن الناس ^ في حيز النصب على المصدر وما مصدرية أو كافة مثلها في ربما واللام في الناس للجنس والمراد به الكاملون في الإنسانية العاملون بقضية العقل فإن اسم الجنس كما يستعمل لمسماه مطلقا يستعمل لما يستجمع المعاني المخصوصة به والمقصودة منه ولذلك يسلب عن غيره فيقال زيد ليس بإنسان ومن هذا الباب قوله تعالى ^ صم بكم عمي ^ ونحوه وقد جمعهما الشاعر في قوله إذ الناس ناس والزمان زمان
أو للعهد والمراد به الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه أو من آمن من أهل جلدتهم كابن سلام وأصحابه والمعنى آمنوا إيمانا مقرونا بالإخلاص متمحضا عن شوائب النفاق مماثلا لإيمانهم واستدل به على قبول توبة الزنديق وأن الإقرار باللسان إيمان وإن لم يفد التقييد . ^ قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ^ الهمزة فيه للإنكار واللام مشار بها إلى الناس أوالجنس بأسره وهم مندرجون فيه على زعمهم وإنما سفهوهم لاعتقادهم فساد رأيهم أو
لتحقير شأنهم فإن أكثر المؤمنين كانوا فقراء ومنهم موالي كصهيب وبلال أو للتجلد وعدم المبالاة بمن آمن منهم إن فسر الناس بعبدالله بن سلام وأشياعه والسفه خفة وسخافة رأي يقتضيهما نقصان العقل والحلم يقابله . ^ ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ^ رد ومبالغة في تجهيلهم فإن الجاهل بجهله الجازم على خلاف ما هو الواقع أعظم ضلالة وأتم جهالة من المتوقف المعترف بجهله فإنه ربما يعذر وتنفعه الآيات والنذر وإنما فصلت الآية ب ^ لا يعلمون ^ والتي قبلها ب ^ لا يشعرون ^ لأنه أكثر طباقا لذكر السفه ولأن الوقوف على أمر الدين والتمييز بين الحق والباطل مما يفتقر إلى نظر وفكر وأما النفاق وما فيه من الفتن والفساد فإنما يدرك بأدنى تفطن وتأمل فيما يشاهد من أقوالهم وأفعالهم . ^ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ^ بيان لمعاملتهم المؤمنين والكفار وما صدرت به القصة فمساقه لبيان مذهبهم وتمهيد نفاقهم فليس بتكرير روي أن ابن أبي وأصحابه
استقبلهم نفر من الصحابة فقال لقومه انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم فأخذ بيد أبي بكر رضي الله عنه فقال مرحبا بالصديق سيد بني تيم وشيخ الإسلام وثاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أخذ بيد عمر رضي الله عنه فقال مرحبا بسيد بني عدي الفاروق القوي في دينه الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال مرحبا بابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه سيد بني هاشم ما خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت واللقاء المصادفة يقال لقيته ولاقيته إذا صادفته واستقبلته ومنه ألقيته إذا طرحته فإنك بطرحه جعلته بحيث يلقى . ^ وإذا خلوا إلى شياطينهم ^ من خلوت بفلان وإليه إذا انفردت معه أو من خلال ذم أي عداك ومضى عنك ومنه القرون الخالية أو من خلوت به إذا سخرت منه وعدي بإلى لتضمن معنى الإنهاء والمراد بشياطينهم الذين ماثلوا الشيطان في تمردهم وهم المظهرون كفرهم وإضافتهم إليهم للمشاركة في الكفر أو كبار المنافقين والقائلون صغارهم وجعل سيبويه نونه تارة أصلية على أنه من شطن إذا بعد فإنه بعيد عن الصلاح ويشهد له قولهم تشيطن وأخرى زائدة على أنه من شاط إذا بطل ومن أسمائه الباطل .