لونك المفضل

المنتديات الثقافية - Powered by vBulletin
 

صفحة 6 من 6 الأولىالأولى ... 456
النتائج 101 إلى 107 من 107

الموضوع: مكتبة الأديب الفلسطيني الشهيـــد // غســــان كنفاني

  1. #101
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية Fifi Maria

    التنمية البشرية
    تاريخ التسجيل
    03 2012
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,905

    رد: مكتبة الأديب الفلسطيني الشهيـــد // غســــان كنفاني

    رسالة غبر مؤرخة ، ولكن سياق الكلام فيها يدل على أنها كتبت في القاهرة أواخر تشرين الثاني (نوفمبر)وقبل 29/11/1966 بيوم أو اثنين



    عزيزتي غادة..


    مرهق إلى أقصى حد : ولكنك أمامي ، هذه الصورة الرائعة التي تذكرني بأشياء كثيرة عيناك وشفتاك وملامح التحفز التي تعمل في بدني مثلما تعمل ضربة على عظم الساق ، حين يبدأ الألم في التراجع . سعادة الألم التي لا نظير لها . أفتقدك يا جهنم ، يا سماء، يا بحر. أفتقدك إلى حد الجنون . إلى حد أضع صورتك أمام عيني وأنا أحبس نفسي هنا كي أراك .


    ما زلت أنفض عن بذلتي رذاذ الصوف الأصفر الداكن. وأمس رأيت كرات صغيرة منها على كتفي فتركتها هناك. لها طعم نادر كالبهار ....إنها تبتعث الدموع إلى عيني أيتها الشقية. الدموع وأنا أعرف أنني لا أستحقك: فحين أغلقت الباب وتركتني أمضي عرفت ، عرفت كثيراً أية سعادة أفتقد إذ لا أكون معك. لقد تبقت كرات صغيرة من الصوف الأصفر على بذلتي ، تتشبث بي مثلما أنا بك ، وسافرت بها إلى هنا مثلما يفعل أي عاشق صغير قادم من الريف لأول مرة.


    لن أنسى. كلا. فأنا ببساطة أقول لك: لم أعرف أحدا في حياتي مثلك، أبداً أبداً . لم أقترب من أحد كما اقتربت منك أبداً أبداً ولذلك لن أنساك، لا...إنك شيء نادر في حياتي. بدأت معك ويبدو لي أنني سأنتهي معك.


    سأكتب لك أطول وأكثر...لقد أجلوا المؤتمر إلى 30 ولكنهم سيسفروننا غداً ، الأحد إلى غزة كي نشترك بمآتم التقسيم. يا للهول. ويبدو أنه لن يكون بوسعي أن أعود للقاهرة قبل الرابع . وسأكون في بيروت يوم 6 كانون الأول على أبعد تعديل...إلا إذا فررت من المؤتمر وأتيتك عدْواً..


    حين
    قرأ أحمد بهاء الدين حديثك لي خطفه، بل أجبرني على التعاقد معه لأكتب له مواضيع مماثلة ......قال لي وهو يهز رأسه: أخيراً أيها العفريت وجدت من يُسكت شراستك. سينشر الموضوع في (المصور) التي علمت أنها توزع في كل البلاد العربية أعداداً هائلة وتحوز على ثقة الناس واحترامهم ...ولكنني بالطبع لا أعرف متى..

    وزعت كتبك
    .تحدثت عنك كثيراً .فكرت بك.بك وحدك..وأنت لا تصدقين..وأنت حين (أعذب نفسي في المساء) موجودة في الماي فير مع الناس والهواتف والضحك..

    حاولي أن تكتبي لي: فندق سكارابيه شارع 26 يوليو .القاهرة فسيكون أحلى ما يمكن أن يلقاني حين عودتي رسالة منك لأنني أعرف أنك لن تأتين..



    آه.. يا عزيزة

    غسان كنفاني

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيمركز

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تحميل الصور

  2. #102
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية ابوخضر
    تاريخ التسجيل
    07 2012
    المشاركات
    2,808

    رد: مكتبة الأديب الفلسطيني الشهيـــد // غســــان كنفاني

    ليس بالضرورة أن تكون الأشياء العميقة معقدة، وليس بالضرورة أن تكون الأشياء البسيطة ساذجة.غسان كنفاني
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  3. #103
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية ابوخضر
    تاريخ التسجيل
    07 2012
    المشاركات
    2,808

    رد: مكتبة الأديب الفلسطيني الشهيـــد // غســــان كنفاني

    الحياة ليست نصرا، الحياة مهادنة مع الموت.غسان كنفاني
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  4. #104
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية Fifi Maria

    التنمية البشرية
    تاريخ التسجيل
    03 2012
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,905

    رد: مكتبة الأديب الفلسطيني الشهيـــد // غســــان كنفاني

    20/1/1967

    عزيزتي غادة

    صباح الخير..


    ماذا تريدين أن أقول لك ؟ الآن وصلت إلى المكتب ، الساعة الثانية ظهراً ، لم أنم أبداً حتى مثل هذه الساعة إلا أمس ودخلت مثلما أدخل كل صباح : أسترق النظر إلى أكوام الرسائل والجرائد والطرود على الطاولة كأنني لا أريد أن تلحظ الأشياء لهفتي وخيبتي. اليوم فقط كنت متيقناً أنني لن أجد رسالة منك ، طوال الأيام ال17 الماضية كنت أنقب في كوم البريد مرة في الصباح ومرة في المساء . اليوم فقط نفضت يدي من الأمر كله، ولكن الأقدار تعرف كيف تواصل مزاحها . لقد كانت رسالتك فوق الكوم كله، وقالت لي: صباح الخير ! أقول لك دمعتُ


    منذ سافرتِ سافرت آني ، وإلى الآن ما تزال في دمشق وأنا وحدي سعيد أحياناً ، غريب ٌ أحياناً وأكتب دائماً كل شيء إلا ما له قيمة ...حين كنتِ على المطار
    كنت أعرف أن شيئاً رهيباً سيحدث بعد ساعات: غيابك وتركي للمحرر، ولكنني لم أقل لك. كنتِ سعيدة ومستثارة بصورة لا مثيل لها وحين تركتك ذهبتُ إلى البيت وقلت للمحرر أن كل شيء قد انتهى.

    إنني أقول لك كل شيء لأنني أفتقدك. لأنني أكثر من ذلك ( تعبت من الوقوف) بدونك.. ورغم ذلك فقد كان يخيل إلي ذات يوم إنك ستكونين بعيدة حقاً حين تسافرين.


    ولقد آلمتني رسالتك. ضننت عليّ بكلمة حارة واحدة واستطعت أن تظلي أسبوعاً أو أكثر دون أن أخطر على بالك، يا للخيبة! ورغم ذلك فها أنا أكتب لك: مع
    عاطف شربنا نخبك تلك الليلة في الماي فير وتحدثنا عنك وأكلنا التسقية بصمت فيما كان صاحب المطعم ينظر إلينا نظرته إلى شخصين أضاعا شيئاً.

    متى سترجعين؟ متى ستكتبين لي حقاً؟ متى ستشعرين أنني أستحقك؟ إنني انتظرت ، وأنتظر ، وأظل أقول لك : خذيني تحت عينيك..



    غسان

    ــــــــــــــــــــــــــــ
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيمركز

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تحميل الصور

  5. #105
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية ابوخضر
    تاريخ التسجيل
    07 2012
    المشاركات
    2,808

    رد: مكتبة الأديب الفلسطيني الشهيـــد // غســــان كنفاني

    لن تستطيعي أن تجدي الشمس في غرفة مغلقة. غسان كنفاني
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  6. #106
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية عدو الحظ
    تاريخ التسجيل
    11 2012
    الدولة
    مدينة الحكايات
    المشاركات
    143

    رد: مكتبة الأديب الفلسطيني الشهيـــد // غســــان كنفاني

    قصة قصيرة : القميص المسروق






    رفع رأسه إلى السماء المظلمة وهو يقاوم شتيمة كفر صغيرة أوشكت أن تنزلق عن لسانه، واستطاع أن يحس الغيوم السوداء تتزاحم كقطع البازلت، وتندمج ثم تتمزق.
    إن هذا المطر لن ينتهي الليلة، هذا يعني انه لن ينام، بل سيظل منكبا على رفشه، يحفر طريقا تجر المياه الموحلة بعيدا عن أوتاد الخيمة، لقد أوشك ظهره أن يعتاد ضرب المطر البارد.. بل إن هذا البرد يعطيه شعورا لذيذا بالخدر.
    انه يشم رائحة الدخان، لقد أشعلت زوجه النار لتخبز الطحين، كم يود لو انه ينتهي من هذا الخندق، فيدخل الخيمة، ويدس كفيه الباردتين في النار حتى الاحتراق، لا شك انه يستطيع ان يقبض على الشعلة بأصابعه، وان ينقلها من يد إلى أخرى حتى يذهب هذا الجليد عنهما.. ولكنه يخاف ان يدخل هذه الخيمة، ان في محاجر زوجه سؤالا رهيبا ما زال يقرع فيهما منذ زمن بعيد، لا، ان البرد اقل قسوة من السؤال الرهيب.ستقول له اذا ما دخل وهي تغرس كفيها في العجين، وتغرس عينيها في عيونه:هل وجدت عملا؟ماذا سنأكل اذن؟ كيف استطاع(ابو فلان) ان يشتغل هنا وكيف استطاع(ابو علنتان) ان يشتغل هناك؟ثم ستشير الى عبد الرحمن المكور في زاوية الخيمة كالقط الكبول، و ستهز رأسها بصمت ابلغ من الف الف عتاب.. ماذا عنده الليلة ليقول لها سوى ما يقوله في كل ليلة..
    -هل تريدينني ان اسرق لا حل مشاكل عبد الرحمن؟
    ونصب قامته بهدوء لاهث، ثم ما لبث ان عاد، فاتكأ على الرفش المكسور، وانشأ يحدق بالخيمة الداكنة مستشعرا قلقا عظيماوهو يسأل نفسه:
    - وماذا لو سرقت؟
    ان مخازن وكالة الغوث الدولية تقع على مقربة من الخيام، ان قرر ان يبدأ فهو يستطيع بالتأكيد ان ينزلق الى حيث يتكدس الطحين والرز، من ثقب ما سيجده هنا او هناك، ثم ان المال ليس حلال احد، لقد اتى من هناك، من عند ناس قال عنهم استاذ المدرسة لعبد الرحمن انهم " يقتلون القتيل ويمشون في جنازته" فماذا يضر الناس لو انه سرق كيس طحين.. كيسين.. عشرة؟وماذا لو باع شيئا من هذا الطحين الى واحد من اولئك الذين يتمتعون بقدرة عظيمة على استنشاق روائح مسروقات، وبقدرة اعظم في المساومة على ثمنها؟
    ولذت له الفكرة، فدأب بعزم اشد على اتمام حفر الخندق فيما حول الخيمة و اخذ يسأل نفسه من جديد ان لماذا لا يبدأ مغامرته منذ الآن؟ان المطر شديد والحارس مشغول بأمر البرد اكثر من انشغاله بمصلحة وكالة الغوث الدولية، فلماذا لا يبدأ الآن؟ لماذا؟
    - ماذا تعمل يا أبا العبد؟
    ورفع رأسه الى جهة الصوت، وميز شبح ابي سمير قادما من بين صفي الخيام المغروسة الى ما لا نهاية الظلمة..
    -انني احفر طحينا..
    - تحفر ماذا؟
    - احفر.. احفر.. خندقا..
    وسمع ضحكة ابي سمير الرفيعة التي سرعان ما تلاشت في ثرثرته:
    - يبدو انك تفكر بالطحين، ان التوزيع سيتأخر الى ما بعد العشرة الايام الاولى من الشهر القادم، اي بعد خمسة عشر يوما تقريبا، فلا تفكر منذ الآن الا اذا كنت تنوي ان تستعير كيسا او كيسين من المخزن..
    ورأى ذراع ابي سمير تشير باتجاه المخازن، ولمح على شفتيه السميكتين ظلا لابتسامة خبيثة، وشعر بصعوبة الموقف، فعاد يضرب الارض برفشه المكسور.
    - خد هذه السيكارة.. ولكن لا، انك لن تستفيد منها فالمطر مزعج.. لقد نسيت ان السماء تمطر، عقل من الطحين.. مثل الحجر..
    واحس بضيق يأخذ بخناقه، انه يكره ابا سمير منذ زمن بعيد، هذا الثرثار الخبيث:
    - ما الذي اخرجك في هذا المطر؟
    - خرجت.. خرجت لاسألك ان كنت تريد المساعدة.
    - لا.. شكرا..
    -هل ستحفر طويلا؟
    - معظم الليل..
    - لم اقل لك ان تحفر خندقك في النهار؟انك دائما تذهب الى حيث لا ادري وتترك الخيمة.. هل تذهب للبحث عن خاتم سليمان؟
    - لا.. عن شغل..
    ورفع رأسه عن الرفش وهو يلهث..
    - لماذا لا تذهب لتنام وتتركني وحدي؟
    واقترب منه ابو سمير بهدوء جم ووضع كفّه يهزها ببطء وهو يقول بصوت مخنوق:
    - اسمع يا ابا العبد، ان رأيت الآن كيس طحين يمشي من امامك فلا تذع الخبر لاحد!
    - كيف؟
    قالها ابو العبد وصدره ينبض بعنف، وشم رائحة التبغ من فم ابي سمير وهو يهمس وقد فتح عيونه على سعها:
    - هناك اكياس طحين تمشي في الليل وتذهب الى هناك..
    - الى اين؟
    - الى هناك..
    حاول ابو العبد ان يرى الى اين يشير ابو سمير ولكنه وجد ذراعيه مسدلتين على جنبيه، بينما سمع صوته يهمس ببحة عميقة:
    - ستأخذ نصيبك.
    - هل هناك ثقب تدخلون منه؟
    ورفع ابو سمير رأسه نافيا ومفرقعا لسانه بمرح، ثم همس بصوت نصف مبحوح:
    - ان اكياس الطحين تخرج لوحدها.. انها تمشي!
    -انك مجنون ..
    - لا، بل انت مسكين.. اسمع، ولندخل في الموضوع مباشرة، ان ما علينا هو ان نخرج اكياس الطحين من المخزن ونذهب بها هناك، ان الحارس سيمهد لنا كل شيء كما يفعل دائما، ان الذي سيتولى البيع ليس انا، ولا انت، انه الموظف الامريكي الاشقر في الوكالة.. لا، لا تعجب، كل شيء يصبح جائزا ومعقولا بعد الاتفاق.الأمريكي يبيع، وأنا اقبض، والحارس يقبض.. وأنت تقبض، وكله بالاتفاق، فما رأيك؟
    وشعر ابو العبد ان القضية اشد تعقيدا من سرقة كيس اوكيسين، اوعشرة، ورواده شعور لزج بالقرف من المعاملة مع هذا الانسان.. ثقيل الدم كما تعارفوا عليه في المخيم كله.. ولكنه في الوقت ذاته راقه ان يعود يوما الى خيمته وفي يده قميص جديد لعبد الرحمن، واغراض صغيرة لام العبد بعد هذا الحرمان الطويل، كم ستكون ابتسامتاهما جميلتين، ان ابتسامة عبد الرحمن، لوحدها، تستحق المغامرة لا شك، ولكنه لو فشل.. اي مصير اسود ينتظر ام العبد وولدها.. يومها سيحمل عبدالرحمن صندوق مسح الاحذية ليتكور في الشارع هازا رأسه الصغير فوق الاحذية الانيقة، يا للمصير الاسود، ولكنه لو نجح فسيبدو عبد الرحمن انسانا جديدا، وسيقتلع من عيون زوجه ذلك السؤال المخيف. لو نجح، فستنتهي مأساة الخندق في كل ليلة ممطرة، وسيعيش حيث لا يستطيع ان يتصور الآن..
    - لماذا لا تترك هذا الخندق الملعون، لبدأ قبل ان تشرق الشمس؟
    نعم لماذا لا يترك الخندق.. ان عبد الرحمن يلهث من البرد في طرف الخيمة، ويكاد يحس انفاسه تلفح جبينه البارد.. كم يود لو انه ينتشل عبد الرحمن من هزاله وخوفه، لقد اوشك المطر ان ينقطع، وبدأ القمر في السماء يمزق طريقا وعرا..
    وابوسمير، ما زال واقفا امامه كالشبح الاسود، غارسا قدميه الكبيرتين في الوحل، رافعا ياقة معطفه العتيق الى ما فوق اذنيه، انه ما زال واقفا ينتظر، هذا الانسان الواقف امامه، يحمل معه قدرا جديدا غامضا، يساومه ليرفع معه الاكياس من المخزن، الى مكان ما، يأتيه الامريكي كل شهر ويقف امام اكوام الطحين يفرك راحتيه النظيفتين، ويضحك بعيون زرقاء كعيون قط يتحفز امام جحر فأر مسكين.
    - منذ متى وانت تتعامل مع هذا الحارس وذلك الموظف؟
    - هل تريد ان تحقق معي ام تأخذ ثمن الطحين وتذهب لتشتري الشياطين؟اسمع ان هذا الامريكي صديقي، وهو انسان يحب العمل المنظم، انه يطلب مني دائما ان اضع الوقت بالمقدمة. وهو لا يحب التأخير في المواعيد.. علينا ان نبدأ الآن. اسرع.
    و عاد يتصور الامريكي واقفا امام اكياس الطحين، يضحك بعيون زرقاء ضيقة ويفرك راحتيه النظيفتين بحبور وطمأنينة، فشعر بضيق غريب، وخطر له ان ذلك الامريكي كان يبيع الطحين في الوقت الذي كان يقول فيه لرجال المخيم ولنسائه ان توزيع الاغاثة سيتأجل الى نهاية الايام العشرة الاولى من الشهر، واحس بنقمة طاغية، هي صدى لاحساساته يوم كان يرجع من المخازن ليقول لزوجته بصوت كسير انهم اجلوا توزيع الطحين عشرة ايام، كم هي مؤلمة خيبة الامل التي كانت ترتسم في وجهها الاسمر المجهد، لقد كان يحس الغصة تتعلق بالف ذراع في حنجرته وهي تنظر بصمت مريع الى كيس الطحين الفارغ يتأرجح على ذراعه كالمشنوق.. لقد كانت تعني في نظرتها تلك ان عشرة ايام ستمضي قبل ان يجدوا طحينا للاكل. كان يبدو له ايضا ان عبد الرحمن يفهم الموقف تماما، لقد كان يكف عن طلب الاكل بالحاح..
    في كل خيام قريةالنازحين كانت العيون المتلهفة تقع في خيبة الامل ذاتها، كان على كل طفل في المخيم ان ينتظر عشرة ايام ليأكل خبزا. هذا اذن هو سبب التأجيل، ابو سمير الواقف امامه كالشبح الاسود، غارسا قدميه في الطين قلقا لمصير مساوماته، هو والامريكي الذي يفرك راحتيه النظيفتين امام اكوام الطحين وهويضحك بعيون زرقاء ضيقة..
    لم يدر كيف رفع الرفش الى ما فوق رأسه وكيف هوى به بعنف رهيب على رأس ابي سمير، وهويصيح في وجهها ان الطحين لن يتأجل توزيعه هذا الشهر..
    كان لا يزال راغبا في ان يراه يبتسم لقميص جديد..
    فأخذ يبكي..


    غسان كنفاني .....
    وأشرعة ممزقه تحن لعاصف الريح
    تظن حبالها أقوى
    وتنسى أن كل الريح مربكة
    وأن جمالها في الزهو فوق رياح رحلتها..

  7. #107
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية عدو الحظ
    تاريخ التسجيل
    11 2012
    الدولة
    مدينة الحكايات
    المشاركات
    143

    رد: مكتبة الأديب الفلسطيني الشهيـــد // غســــان كنفاني

    الى غسان كنفاني

    خسئتم من قال :مات

    من عروقي بالحياة

    خسئتم

    ما مات غسان ولا الأرض التي

    جادت به تموت

    قد يهون العناء بعض وهلة

    جفونه

    وقد تعطي جرحه المدمى بعض وهلة

    عيونه

    لكنه

    يظل في النزف دما يقيت

    لا ..لم يمت

    ما دام فجر أمه في جرحه يبيت

    *

    خسئتم

    غدا إذا ما زحزحت أكفنا

    سكونه

    ستدر كون

    ما الذي أبقى لنا مهاجر صموت

    ستدركون

    ما الذي خبأ تحت جفنه السكوت

    وكيف ان مسربا في الليل قد أضاءه تابوت

    وكيف أن بعضا يولد مذ يموت

    *

    خسئتم

    لا لم يمت

    ها …نحن آتون به

    فهللي

    أيتها المشارف الخضراء يا بيارقا تملأ رحب

    الأرض والسماء يا موكب الفداء ..ها

    ها …نحن آتون به

    من آخر النداء من آخر ما نملك من رجاء

    فهللي

    لا تشعلي الشموع إن بيته مضاء

    لا تغسلي جراحه

    قتلك كانت ساحة وتلك كانت

    أرضه

    زتلك كانت بيته المزهو بالدماء

    لا تلمسي

    جفونه

    يخاف أن يوهنها العياء

    لا تصرخي

    غوري وراء صمته حكاية

    أروع ما أبقى بها

    أن تولدي في موته

    مشارفا خضراء

    بيارقا تملأ رحب الأرض والسماء

    إن صرت في الموت لنا ..الرجاء

    إن صارت الموتى به …أحياء

    *

    خسئتم

    لا …لم يمت

    ها نحن آتون به

    مواكبا تسال عن طريقها في الموت والفداء

    لا …لم يمت

    ها نحن آتون به

    مواكبا تسال عن طريقها في الموت والفداء



    بلند الحيدري ...
    وأشرعة ممزقه تحن لعاصف الريح
    تظن حبالها أقوى
    وتنسى أن كل الريح مربكة
    وأن جمالها في الزهو فوق رياح رحلتها..

صفحة 6 من 6 الأولىالأولى ... 456

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •