ومن فوائد الآية استقباح الاستكبار وأنه قد يفضي بصاحبه إلى الكفر والحث على الائتمار لأمره وترك الخوض في سره وأن الأمر للوجوب وأن الذي علم الله تعالى من حاله أنه يتوفى على الكفر هو الكافر على الحقيقة إذ العبرة بالخواتم وإن كان بحكم الحال مؤمنا وهو الموافاة المنسوبة إلى شيخنا أبي الحسن الأشعري رحمه الله تعالى . وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة السكنى من السكون لأنها استقرار ولبث و أنت تأكيد أكد به المستكن ليصح العطف عليه وإنما لم يخاطبهما أولا تنبيها على أنه المقصود بالحكم والمعطوف عليه تبع له والجنة دار الثواب لأن اللام للعهد ولا معهود غيرها ومن زعم أنها لم تخلق بعد قال إنه بستان كان بأرض فلسطين أو بين فارس وكرمان خلقه الله تعالى امتحانا لآدم وحمل الإهباط على الانتقال منه إلى أرض الهند كما في قوله تعالى اهبطوا مصرا ^ ^ وكلا منها رغدا واسعا رافها صفة مصدر محذوف . حيث شئتما أي مكان من الجنة شئتما وسع الأمر عليهما إزاحة للعملة والعذر في التناول من الشجرة المنهي عنها من بين أشجارها الفائتة للحصر . ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فيه مبالغات تعليق النهي بالقرب
الذي هو من مقدمات التناول مبالغة في تحريمه ووجوب الاجتناب عنه وتنبيها على أن القرب من الشيء يورث داعية وميلا يأخذ بمجامع القلب ويلهيه عما هو مقتضى العقل والشرع كما روي حبك الشيء يعمي ويصم فينبغي أن لا يحوما حول ما حرم الله عليهما مخافة أن يقعا ف يه وجعله سببا لأن يكونا من الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بارتكاب المعاصي أو بنقص حظهما بالإتيان بما يخل بالكرامة والنعيم فإن الفاء تفيد السببية سواء جعلت للعطف على النهي أو الجواب له والشجرة هي الحنطة أو الكرمة أو التينة أو شجرة من أكل منها أحدث والأولى أن لا تعين من غير قاطع كما لم تعين في الآية لعدم توقف ما هو المقصود عليه وقرىء بكسر الشين وتقربا بكسر التاء وهذي بالياء . فأزلهما الشيطان عنها أصدر زلتهما عن الشجرة وحملهما على الزلة بسببها ونظير عن هذه في قوله تعالى وما فعلته عن أمري أو أزلهما عن الجنة بمعنى
أذهبهما ويعضده قراءة حمزة فأزلهما وهما متقاربان في المعنى غير أن أزل يقتضي عثرة مع الزوال وإزلاله قوله هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى وقوله ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ومقاسمته إياها بقوله إني لكما لمن الناصحين واختلف في أنه تمثل لهما فقاولهما بذلك أو ألقاه إليهما على طريق الوسوسة وأنه كيف توصل إلى إزلالهما بعدما قيل له اخرج منها فإنك رجيم فقيل إنه منع من الدخول على جهة التكرمة كما كان يدخل مع الملائكة ولم يمنع أن يدخل للوسوسة ابتلاء لآدم وحواء وقيل قام عند الباب فناداهما وقيل تمثل بصورة دابة فدخل ولم تعرفه الخزنة وقيل دخل في فم الحية حتى دخلت به وقيل أرسل بعض أتباعه فأزلهما والعلم عند الله سبحانه وتعالى . فأخرجهما مما كانا فيه أي من الكرامة والنعيم . وقلنا اهبطوا خطاب لآدم عليه الصلاة والسلام وحواء لقوله سبحانه وتعالى قال اهبطا منها جميعا وجمع الضمير لأنهما أصلا الجنس فكأنهما الإنس كلهم أو هما وإبليس أخرج منها ثانيا بعدما كان يدخلها للوسوسة أو دخلها مسارقة أو من السماء بعضكم لبعض عدو حال استغني فيها عن الواو بالضمير والمعنى متعادين يبغي بعضكم على بعض بتضليله .
^ ^