بسم الله الرحمن الرحيم..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
قال الله تعالى:
(هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها
وكلوا من رزقه وإليه النشور)الملك آية15
وهذا يتطلب منه عملاً جاداً وحركة دؤوباً، قال سبحانه:
(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)التوبة آية 105
ومن طبيعة الإنسان أنه ملول، فلا محالة أنه يشتمل هذا الجد
والاجتهاد، ويفقد توازنه،
لأن القلوب إذا كلَّت عميت، ومن ثمَّ أباح الإسلام
كل ما من شأنه أن يكسر حدة الجد والصرامة في دنيا البشر،
ويحقق التوازن المطلوب للإنسان لتستمر الحياة، ولتتحقق الغاية من خلقه،
ومن هذه الوسائل المزاح،
تُرى: فما المزاح؟ وما حكمه وما مشروعيته في الإسلام؟
وأخيراً: ما شروطه وضوابطه الشرعية؟
تعريف المزاح ووسائله
المزاح ـبكسر الميم: مصدر للفعل
(مازح)بمعنى:داعب في مباسطة وتلطُّف،
والمزاح ـ بضم الميم: مصدر للفعل (مزح) بمعنى: (داعب) أيضاً،
كما يُطلق المزاح على وسيلة المداعبة والمباسطة(1)،
فالمزاح يدور معناه حول المباسطة والملاعبة والتلطف ووسائله متنوعة،
فقد يكون بابتسامة، أو نكتة، أو نادرة، أو فكاهة، أو ملحة أو بإشارة أو حركة يُراد بها المباسطة
وإدخال السرور على قلب المسلم·
قال: وتبسُّمُك في وجه أخيك صدقة.(2)·
مشروعية المزاح وحكمته
فالمزاح أمر مشروع في الإسلام،
يُعد صدقة من الصدقات يُؤجر عليها المسلم،
ولكن لذلك شروط وضوابط سيأتي الحديث عنها فيما بعد،
والحكمة من مشروعيته أن فيه إدخالاً للسرور
على قلب المسلم ويستعان به على التخلص من السأم والملل،
وطرد الوحشة، ودفع الهمِّ والخوف والقلق ونحوه عن قلب المسلم،
وفيه تأليف القلوب،
فتنشط النفوس وتتهيأ الأجساد لأداء الأعمال الصالحة
الهدي النبوي في المزاح
وتستمد مشروعية المزاح أولاً من أفعال الرسولوأقواله،
فعن عبدالله بن الحارث ـ رضي الله عنه ـ قال: ما رأيت أحداً
أكثر تبسُّماً من رسول الله.(3)،
وروى البخاري أن الرسولـ داعب صحابياً فقال: يا أبا عُمير،
ما فعل النغير.(4)،
كما روى أبوداود من حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ
أن رجلاً أتى النبيفقال:
يا رسول الله، احملني·
فقال: إنا حاملوك على ولد ناقة،
قال: وما أصنع بولد الناقة؟
فقال النبي:
وهل تلدُ الإبل إلا النوق.(5)·
عن أنس بن مالك رضي الله عنه:
أن رجلا من أهل البادية يقال له زاهر بن حرام
كان يهدي إلى النبيالهدية فيجهزه رسول الله
![]()
إذا أراد أن يخرج فقال رسول الله: إن زاهر بادينا
ونحن حاضروه قال فأتاه النبي![]()
وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه والرجل لا يبصره فقال
أرسلني من هذا فالتفت إليه فلما عرف
انه النبيجعل يلزق ظهره بصدره فقال رسول الله
![]()
من يشتري هذا العبد فقال زاهر تجدني يا رسول الله
كاسدا قال لكنك عند الله لست بكاسد
أو قالبل أنت عند الله غال. رواه ابن حبان.
وكان النبييرى مزاح صحابته،
ولم ينكر عليهم ذلك، وربما شاركهم مزاحهم،
فقد روى أبوداود عن أسيد من حُضير قال:
بينما رجل من الأنصار يُحدِّث القوم وكان فيه مزاح بيِّنا
يُضحكهم فطعنه النبيفي خاصرته بعود،
فقال: أصبرني! فقال: (اصطبر)·
قال: إن عليك قميصاً وليس عليَّ قميص·
فرفع النبيعن قميصه،
فاحتضنه وجعل يقبِّل كشحه·
قال: إنما أردتُ هذا يا رسول الله·(5)
الصحابة والمزاح
وقد عُرف المزاح عن صحابته.
حتى اشتهر بعضهم بكثرة قصصه ودُعاباته مثل
نُعيمان بن عمرو بن رفاعة الذي قال عنه ابن عبدالبر:
شهد بدراً، وكان من كبار الصحابة وممن آمنوا في
أول ظهور الإسلام، وكانت فيه دعابة زائدة،
وله أخبار طريفة في دُعاباته··· وكان نُعيمان مُضحكاً مزَّاحاً.(7)·
وكان الصحابة يمتدحون المزاح مع الأهل،
ويكثرون منه مع أهليهم دون أن يروا في ذلك ما ينقص المروءة،
أو يتنافى مع كمال الرجولة والوقار أو حُسن التديُّن والالتزام
كما يظن بعض المتنطعين في زماننا هذا،
فها هو ابن عمر ـ رضي الله عنه يقول:
إنه ليُعجبني أن يكون الرجل في أهله مثل الصبي،
ثمَّ إذا بُغي منه وجد رجلاً· وكان زيد بن ثابت من أفكه الناس في بيته، فإذا خرج كان رجلاً من الرجال(8)·
السلف يقتفون خُطى الصحابة في المزاح
وقد ترسم السلف الصالح خُطى الصحابة في الاسترواح بالمزاح،
فقد اشتهر الإمام الشعبي بـمُلَحه وطرائفه،
وقيل لـ سفيان بن عُيينة: المزاح هُجْنة؟
قال: بل سُنَّة، ولكن الشأن فيمن يُحسنه ويضعه مواضعه(8)·
يتبع..