^ وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ^ خص الرسول بالخطاب تعظيما له وإيجابا لرغبته ثم عمم تصريحا بعموم الحكم وتأكيدا لأمر القبلة وتضيضا للأمة على المتابعة ^ وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم ^ جملة لعلمهم بأن عادته تعالى تخصيص كل شريعة بقبلة وتفصيلا لتضمن كتبهم أنه صلى الله عليه وسلم يصلي إلى القبلتين والضمير للتحويل أو التوجه ^ وما الله بغافل عما تعملون ^ وعد ووعيد للفريقين وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بالياء . ^ ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ^ برهان وحجة على أن الكعبة قبلة واللام موطئة للقسم ^ ما تبعوا قبلتك ^ جواب للقسم المضمر والقسم وجوابه ساد مسد جواب الشرط والمعنى ما تركوا قبلتك لشبهة تزيلها بالحجة وإنما خالفوك مكابرة وعنادا .
^ وما أنت بتابع قبلتهم ^ قطع لأطماعهم فإنهم قالوا لوثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن تكون صاحبنا الذي ننتظره تغريرا له وطمعا في رجوعه وقبلتهم وإن تعددت لكنها متحدة بالبطلان ومخالفة الحق ^ وما بعضهم بتابع قبلة بعض ^ فإن اليهود تستقبل الصخرة والنصارى مطلع الشمس لا يرجى توافقهم كمالا يرجى موافقتهم لك لتصلب كل حزب فيما هو فيه ^ ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم ^ على سبيل الفرض والتقدير أي ولئن اتبعتهم مثلا بعدما بان لك الحق وجاءك فيه الوحي ^ إنك إذا لمن الظالمين ^ وأكد تهديده وبالغ فيه من سبعة أوجه أحدها الإتيان باللام الموطئة للقسم ثانيها القسم المضمر ثالثها حرف التحقيق وهو أن رابعها تركيبه من جملة فعلية وجملة اسمية وخامسها الإتيان باللام في الخبر وسادسها جعله من الظالمين ولم يقل إنك ظالم لأن في الاندراج معهم إيهاما بحصول أنواع الظلم وسابعها التقييد بمجيء العلم تعظيما للحق المعلوم وتحريصا على اقتفائه وتحذيرا عن متابعة الهوى واستفظاعا لصدور الذنب عن الأنبياء . ^ الذين آتيناهم الكتاب ^ يعني علماءهم يعرفونه الضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم
يسبق ذكره لدلالة الكلام عليه وقيل للعلم أو القرآن أو التحويل ^ كما يعرفون أبناءهم ^ يشهد للأول أي يعرفونه بأوصافه كمعرفتهم أبناءهم لا يلتبسون عليهم بغيرهم عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه سأل عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنا أعلم به مني بابني قال ولم قال لأني لست أشك في محمد أنه نبي فأما ولدي فلعل والدته قد خانت ^ وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ^ تخصيص لمن عاند واستثناء لمن آمن . ^ الحق من ربك ^ كلام مستأنف والحق إما مبتدأ خبره من ربك واللام للعهد والإشارة إلى ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أو الحق الذي يكتمونه أو للجنس والمعنى أن الحق ما ثبت أنه من الله تعالى كالذي أنت عليه لا ما لم يثبت كالذي عليه أهل الكتاب وإما خبره مبتدأ محذوف أي هو الحق ومن ربك حال أو خبر بعد خبر وقرىء
بالنصب على أنه بدل من الأول أو مفعول يعلمون ^ فلا تكونن من الممترين ^ الشاكين في أنه من ربك أو في كتمانهم الحق عالمين به وليس المراد به نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشك فيه لأنه غير متوقع منه وليس بقصد واختيار بل إما تحقيق الأمر وإنه بحيث لا يشك فيه ناظر أو أمر الأمة باكتساب المعارف المزيحة للشك على الوجه الأبلغ . ^ ولكل وجهة ^ ولكل أمة قبلة أو لكل قوم من المسلمين جهة وجانب من الكعبة والتنوين بدل الإضافة ^ هو موليها ^ أحد المفعولين محذوف أي هو موليها وجهه أو الله تعالى موليها إياه وقرىء ^ ولكل وجهة ^ بالإضافة والمعنى وكل وجهة الله موليها أهلها واللام مزيدة للتأكيد جبرا لضعف العامل وقرأ ابن عامر مولاها أي هو مولى تلك الجهة اي قد وليها ^ فاستبقوا الخيرات ^ من أمر القبلة وغيره مما ينال به سعادة
الدارين أو الفاضلات من الجهات وهي المسامتة للكعبة ^ أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا ^ أي في أي موضع تكونوا من موافق ومخالف مجتمع الأجزاء ومفترقها يحشركم الله إلى المحشر للجزاء أو أينما تكونوا من أعماق الأرض وقلل الجبال يقبض أرواحكم أو أينما تكونوا من الجهات المتقابلة يأت بكم الله جميعا ويجعل صلواتكم كأنها إلى جهة واحدة ^ إن الله على كل شيء قدير ^ فيقدر على الأماتة والإحياء والجمع . ^ ومن حيث خرجت ^ ومن أي مكان خرجت للسفر ^ فول وجهك شطر المسجد الحرام ^ إذا صليت وإنه وإن هذا الأمر ^ للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون ^ وقرأ أبو عمرو بالياء والباقون بالتاء . ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره كرر هذا الحكم لتعدد علله فإنه تعالى ذكر للتحويل ثلاث علل تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم بابتغاء مرضاته وجري العادة الإلهية على أن يولي أهل كل ملة وصاحب دعوة وجهة يستقبلها ويتميز بها ودفع حجج المخالفين على ما نبينه وقرن بكل علة معلولها
كما يقرن المدلول بكل واحد من دلائله تقريبا وتقريرا مع أن القبلة لها شأن والنسخ من مظان الفتنة والشبهة فبالحري أن يؤكد أمرها ويعاد ذكرها مرة بعد أخرى