بسم الله الرحمن الرحيم..
عندما قرأت موضوعك اختي وخاصة عبارة "الكاتب الفرنسي" تبادر الى ذهني كتاب قد مارست معه متعة القراءة قديما .. فتبع ذهني جسدي ومكثت ابحث في ظلالي القديم حتى وجدته عافاه الله بعد برهة من الوقت وقليل من العطسات من اثر الغبار ..!!
و هو كتاب "الماركسية والاسلام" للدكتور الموسوعة " مصطفى محمود "رحمه الله وغفر له وانار وجه ووجه الحاضرين.!!
فسأكتفي بطرح الباب الاول منه وهو بعنوان (الحريـة اولاً) وقد تكلم فيه عن الحرية كـ ( تعريف ) وعن الحرية ايضا بشكل اجتماعي و ديني معاصر ..
رغم ان الكتاب كله مناسب هنا ولكن اختصاراً اكتفي بالباب الأول مع الاختصار قدر المستطاع...
مرحبا بك سيدي الفاضل ... جميل أن تعقّب استنادا لفكر مصطفى محمود ...
( الحرية اولا)
الحرية هي نقطة البدء..
وليست الحرية هي أن نجد ما نأكله (كما يعرفه بذلك الماديون أصحاب فلسفة المضمون الاجتماعي للحرية)..
فالحيوان يجد ما يأكله.. وضمان الطعام لا يكفي ليجعل من الإنسان إنساناً..
فالإنسان حيوان حر يفكر لنفسه، ويقرر لنفسه:
وقد يختار الجوع فيصوم، وقد يختار الموت دفاعاً عن قضيته فيموت..
وقد يتطوع في حرب انتحارية يعلم أنه لن يعود بعدها لأنه قرر أن يقول: "لا"..
وفي هذه القدرة على أن يقول: "لا" للظلم، "لا" للباطل، يكمن المعنى الوحيد لحريته..
فإذا سلبناه هذه الحرية فإنا نسلبه في الوقت نفسه الوسيلة الوحيدة لخلاصه.. فلا فضيلة لمن يطيع القانون خوفاً..
بديع هو الفكر المسطّر هنا .. تلك فلسفة واقعية فالفرق عند الإنسان أنه متميّز بإرادته
الحرة و رغبته الأصيلة التي تدفعه في كثير من الأحيان للتمرّد على النواميس و القوانين ،
لا خوفا بل تحررا
* * *
وأمام الخوف والارهاب يمكننا ان نتصنع الفضيلة ، ولكن لا يمكننا ان نكون فضلاء حقيقة لان الخوف يسلبنا الكرامة ..
والعطاء يستحيل امام من يذكرني كل لحظة اني مجبر مكره على العطاء ..
سوف اعطيه .. ربما أعطيت بالقول والكلام الكذب والنفاق ، ولكني لن اعطي بالفعل ..
والنتيجة هي مجتمع المخاوف .. وطلب الحماية والمنفعة والامان بالتقرب الى السلطة والكذب على الرؤسا ..
و تلك نتيجة لمن قلّد و اتبع خوفا لا رغبة فيه أصيلة فلن يجني سوى الزيف و الكذب
* * *
أما الكلام عن نشر الأخلاقيات بالتلقين المستمر عن طريق الشعارات و وسائل الإعلام بصفة عامة .. تفاؤل ساذج ..!!
فالاخلاق تنمو بتفاعل من الداخل وليس بالإملاء،،
فالتغيير الأخلاقي أعمق كثيرا من مجرد التلقين إنه اقتناع داخلي و ارتباط وجداني و اعتناق يحتاج إلى الحرية المحضة .
و بدون الحرية لا إخلاص و لا إبداع و لا إتقان و لا واجب ..
ما أروع المعنى المسطّر هنا ... فلا إبداع و لا إتقان في غياب حرية محضة .. و التغيير لا يكون محاكاة ،
بل ينبع من الذات و هي المتجسدة حتما في الإرادة و حسن الاختيار![]()
* * *
الحرية اذن هي نقطة الانطلاق ..
ولكن الحرية الآن موضوع مختلف عليه، وكل فرقة تفهمها فهماً خاصاً..
* * *
الحرية في النظام الرأسمالي هي أن تفعل ما تشاء، وتمتلك ما تريد.. ما دمت تدفع الضريبة، وتدفع الثمن..
ولكن هذه الحرية سوف تتفاقم آلياً لتصبح احتكاراً يتحكم في السلعة وفي السعر وفي البورصة، وبالتالي سوف تسلب الآخرين حرياتهم، وتستغلهم وتتحكم في رقابهم..
والحرية بهذا المعنى تناقض نفسها ، فهي تقضي على حرية الآخرين ، وفي النهاية تقضي على حرية صاحبها..
* * *وانها لكلمة قديمة جدا.. [ انه ليس بالخبز وحده يحيا الانسان]..
الحرية بالمفهوم الماركسي هي حرية تغيير العالم واعادة بنائة وفق خطة الحزب .. وهذا لا يتم الا بخطوات تاخذ بعضها برقاب بعض
( نزع الملكية الفردية .. وادارتها من قبل الحكومة لصالح الشعب). فتقضي على الطبقة البرجوازية ، وتحقق مجتمعا لا طبقيا ، ينتهي فيه الطمع.
هكذا كانت احلام الماركسية .. ولكن الواقع اختلف كثيرا عن الحلم ..
* * *
وإننا ان كنا نولد لنمتوت يجب على الاقل ان يسمح لنا ان نقول كلمتنا في حرية قبل ان نموت
ونحن هنا نقول اننا لسنا يمينا رأسماليا ولا يسارا ماركسياً .. ولا يعني هذا اننا متوسط حسابي بينهما..
انما نحن اصحاب عطاء خاص واجتهاد ذاتي ..
لم ننظر الى الى الدين كعقبة ، وانما - على العكس - نظرنا اليه كقوة دافعة وطاقة بناءة وفكر اكثر تقدما من كل النظريات المتداولة..
ولم يكن ضعفا في القرآن انه لم يحدد لنا منهجاً سياسيا ، ولم يرسم دستورا محددا ، وانما كان ذلك احد ادلة قوته واعجازه..
فأكتفى باصدار توصيات عامه لها صفة الازليه وعدام التغير عبر العصور .
* * *
عمدت إلى حذف تلك التوصيات المتعلّقة بما نشأ عن الدين الحنيف مقارنة بالفكر الماركسي
و نقيضه الرأسمالي فما يهمّني هنا ما جلبته تلك الأيديولوجيات من نماذج أضحت مثالا
يحتذى به بعيدا عن الأصالة و تقّفي القشور بدل الجوهر
* * *
* * *
الى هنا ينتهي النقل وهناك باب في الكتاب بعنوان( المادة والروح ).. و ايضا اخر بعنوان( طريقنا الى النجاه)
في مجملهما يدندنان حول الحرية .. ولكن بشـكل فكري معاصر ..!!
* * *
اما بالنسبة للمحاور اللتي طرحت في صلب موضوعك:
فـ الاسلام جاء بـ " التحرر " ليحرر الإنسان من عبادة الانسان والتقاليد و القيم والعادات الى عبادة رب الأرض والسماوات..!
فليس كـل ما عندنا من قيم وعادات وتقاليد هي للاسف اسلامية ..
احيانا تكون نقيض الاسلام..!! ومع هذا نقول انها تراث وعادة قيمة ؟!!
و ايضا في الاسلام الــحرية مطلقة .. وكل شيء مباح .. مالم يشتمل على حــرام..!
والحرام بين للجميع الا من أبى..!!
هنا لا بد من الوقوف فتلك القيم التي وردتنا من الغير و صرنا نعتبرها تراثا و أصالة ليست سوى دعوة
للتحرر زائفة لا صلة لها بتفكيرنا و هويّتنا و هذا ما ندعوه بالرغبات غير الأصيلة .. و من نادى بها
فذاك لا يدرك حجم الحرية الصحيح إلا بعضا من صور واهية سرعان ما تزول في رحاب تقليد أعمى
اعتذر للـجميع عن الإطــالة ...
شكرا سيدي لجميل ما شاركتني به من فكرٍ راقٍ
احترامي و أرجو من الله أن أكون قد وفقت بالوقوف على أهم النقاط تعقيبا و ردا