كوابيس بيروت
كابوس 2
حين غادرت سيارتي ذلك الصباح ، ودخلت إلى البيت سالمة - حتى إشعار آخر - لم أكن ادري أنها المرة الأخيرة التي سأغادر فيها بيتي بعد أعوام طويلة .. وأنني منذ اللحظة التي أغلقت الباب خلفي ، أغلقته أيضاً بين وبين الحياة والأمن ..وصرت سجينة كابوس سيطول ويطول..
وأنني عدت وأخي إلى البيت لنلعب دور السجناء ..ولو علمنا لتزودنا بشيء من الطعام في درب العودة .. ولو علمنا ربما لما عدنا ..ولو .. ولو .. وزرعنا "لو" في حقول الندم ، فنبتت كلمة ياليت.
كابوس 3
لم نكن قد سمعنا الراديو بعد . فقط حينما عدت : تذكرت انني للمرة الاولى منذ شهر غادرت البيت دون ان استمع الى ارشادات المذيع شريف ، او اغسل وجهي على الاقل ..
وحين انصت اليه ، كان الاوان قد فات . كان المسلحون يحتلون فندق "هوليدي ان" المواجه لبيتنا الصغير العتيق والذي يطل فوق اعلى طوابقنا (الثالث) . كما يشرف جبل من الاسمنت والحديد فوق كوخ لفلاح مسالم في قعر الوادي ...
بعدها فقط استيقظت وادركت انني كاعزل محكوم بالاقامة الجبرية وسط ساحة معركة ! ...فاتصلت بالبقال لاطلب مؤونة من الطعام . لا جواب . تلفنت لدكاكين الحي كلها . لا احد يرد . تلفنت للجيران ، فرد ابنهم امين مدهوشاً ، اين تعيشين ؟ الا تعرفين ما يدور حولك ؟
كابوس 4
اين اعيش ؟
ردني سؤاله الى واقع مروع . اعيش في ساحة حرب ولا املك أي سلاح ولا اتقن استعمال أي شيء غير هذا النحيل الراكض على الورق بين اصابعي تاركاً سطوره المرتجفة كآثار دماء جريح يزحف فوق حقل مزروع بالقطن الابيض .
اين اعيش ؟ يبدو انني اسكن بيتاً من الشعر (بكسر الشين) . وسادتي محشوة بالاساطير ، وغطائي مجلدات فلسفية ، وكل ثوراتي وقتلاي تحدث في حقول الابجدية وقذائف اللغة.
اين تعيشين؟ ودوى انفجار .. وشعرت بوخزة : لماذا لم اتعلم المقاتلة بالسلاح - لا بالقلم وحده - من اجل ما اؤمن به ...؟ كم هو خافت صوت صرير قلمي على الورق حين يدوي صوت انفحار ما ..وقررت : ان الوقت ليس وقتاً لتقريع الذات على عادة الادباء الذين يقعون في أزمة ضمير كلما شب قتال ويشعرون بلا جدوى القلم ... المهم ان اعيش ، فالحياة هي وحدها الضمان لتصليح أي خطأ اذا اقتنعت فيما بعد انني على خطأ..والوقت ليس وقت مراجعة ذاتية او حوارات فلسفية .. كانت الانفجارات تتلاحق ، وقررت ان اواجه الواقع الملموس حالياً وان احدد موقعي من ساحة الحرب بطريقة عسكرية ، واحصائية !