ناجيت قبرك ...
في ذِمَّةِ اللهِ ما ألقَى وما أجِدُ*** أهذِهِ صَخرةٌ أمْ هذِه كبِدُ
قدْ يقتُلُ الحُزنُ مَنْ أحبابهُ بَعُدوا*** عنه فكيفَ بمنْ أحبابُهُ فُقِدوا
تَجري على رِسْلِها الدُنيا ويتبَعُها***رأيٌ بتعليلِ مَجراها ومُعتقَد
أعيا الفلاسفةَ الأحرارَ جهلُهمُ*** ماذا يخِّبي لهمْ في دَفَّتيهِ غد
طالَ التَمحْلُ واعتاصتْ حُلولُهم*** ولا تزالُ على ما كانتِ العُقَد
ليتَ الحياةَ وليت الموتَ مرَحمَةٌ*** فلا الشبابُ ابنُ عشرينٍ ولا لبَد
ولا الفتاةُ بريعانِ الصِبا قُصفَتْ*** ولا العجوزُ على الكّفينِ تَعتمِد
وليتَ أنَّ النسورَ استُنزفَتْ نَصفاً*** أعمارُهنَّ ولم يُخصصْ بها أحد
حُييَّتِ " أُمَّ فُراتٍ " إنَّ والدة*** بمثلِ ما انجبَتْ تُكنى بما تَلِد
تحيَّةً لم أجِدْ من بثِّ لاعِجِها*** بُدّاً ، وإنْ قامَ سدّاً بيننا اللَحد
بالرُوح رُدِّي عليها إنّها صِلةٌ*** بينَ المحِبينَ ناذا ينفعُ الجَسد
عزَّتْ دموعيَ لو لمْ تَبعثي شَجَناً*** رَجعت مِنه لحرِّ الدمع أبترِد
خَلعتُ ثوبَ اصطِبارٍ كانَ يَستُرنُي*** وبانَ كِذبُ ادِعائي أنَّني جَلِد
بكَيتُ حتَّى بكا من ليسَ يعرِفُني*** ونُحتُ حتَّى حكاني طائرٌ غَرِد
كما تَفجَّرَ عَيناً ثرَّةً حجَرٌ*** قاسٍ تفَجَّرَ دمعاً قلبيَ الصَلد
إنّا إلى اللهِ ! قولٌ يَستريحُ بهِ ***ويَستوي فيهِ مَن دانوا ومَن جَحدوا
مُدَّي إليَّ يَداً تُمْدَدْ إليكِ يدُ ***لابُدَّ في العيشِ أو في الموتِ نتَّحِد
كُنَّا كشِقَّينِ وافي واحداً قدَرٌ*** وأمرُ ثانيهما مِن أمرِهِ صَدَد
ناجيتُ قَبرَكِ استوحي غياهِبَهُ ***عن ْحالِ ضيفٍ عليهُ مُعجَلا يفد
وردَّدَتْ قفرةٌ في القلبِ قاحِلةٌ ***صَدى الذي يَبتغي وِرْداً فلا يجِد
ولَفَّني شَبَحٌ ما كانَ أشبَههُ*** بجَعْدِ شَعركِ حولَ الوجهِ يَنعْقد
ألقيتُ رأسيَ في طيَّاتِه فَزِعاً*** نظير صُنْعِيَ إذ آسى وأُفتأد
أيّامَ إنْ ضاقَ صَدري أستريحُ إلى*** صَدرٍ هو الدهرُ ما وفى وما يَعِد
لا يُوحشِ اللهُ رَبعاً تَنزِلينَ بهِ*** أظُنُ قبرَكِ رَوضاً نورُه يَقِد
وأنَّ رَوْحكِ رُحٌ تأنَسِينَ بها*** إذا تململَ مَيْتٌ رُوْحُهُ نَكَد
كُنَّا كنبَتةِ رَيحانٍ تخطَّمَها*** صِرٌّ . فأوراقُها مَنزوعَةٌ بَددَ
غَّطى جناحاكِ أطفالي فكُنتِ لهُمْ ثغراً*** إذا استيقَظوا ،عِيناً اذا رقَدوا
شّتى حقوقٍ لها ضاقَ الوفاءُ*** بها فهلْ يكونُ وَفاءً أنني كمِد
لم يَلْقَ في قلبِها غِلٌّ ولا دَنَسٌ*** لهُ محلاً ، ولا خُبْثٌ ولا حَسد
ولم تكُنْ ضرةً غَيرَى لجِارَتِها*** تُلوى لخِيرٍ يُواتيها وتُضْطَهد
ولا تَذِلُّ لخطبٍ حُمَّ نازِلُهُ ***ولا يُصَعِّرُ مِنها المالُ والولد
قالوا أتى البرقُ عَجلاناً فقلتُ لهمْ*** واللهِ لو كانَ خيرٌ أبطأتْ بُرُد
ضاقَتْ مرابِعُ لُبنانٍ بما رَحُبَتْ*** عليَّ والتفَّتِ الآكامُ والنُجُد
تلكَ التي رقَصَتْ للعينِ بَهْجَتُها*** أيامَ كُنَّا وكانتْ عِيشةٌ رَغَد
سوداءُ تنفُخُ عن ذِكرى تُحرِّقُني*** حتّى كأني على رَيعانِها حَرِد
واللهِ لم يحلُ لي مغدىً ومُنْتَقَلٌ لما*** نُعيتِ ، ولا شخصٌ ، ولا بَلَد
أينَ المَفَرُّ وما فيها يُطاردُني*** والذِكرياتُ ، طرُّيا عُودُها ، جُدُد
أألظلالُ التي كانتْ تُفَيِّئُنا ***أمِ الِهضابُ أم الماء الذي نَرِد؟
أم أنتِ ماثِلةٌ ؟ مِن ثَمَّ مُطَّرَحٌ*** لنا ومنْ ثَمَّ مُرتاحٌ ومُتَّسَد
سُرعانَ ما حالتِ الرؤيا وما اختلفَ*** تْرُؤىً ، ولا طالَ – إلا ساعةٍ – أمَد
مررتُ بالحَورِ والأعراسُ تملؤهُ*** وعُدتُ وهو كمثوى الجانِ يَرْتَعِد
مُنىً - وأتعِسْ بها أنْ لا يكونَ*** على توديعها وهيَ في تابُوتها رَصَد
لعلَّني قارئٌ في حُرِّ صَفْحَتِها*** أيَّ العواطِفِ والأهواءِ تَحْتَشِد؟
وسامِعٌ لفظةً مِنها تُقَرِّظُني*** أمْ أنَّها – ومعاذَ اللهِ – تَنْتَقِد
ولاقِطٌ نظرةً عَجلى يكونُ بها ليْ*** في الحياةِ وما ألقى بِها ، سَند
يرثي الجواهري زوجته ام فرات وهو تجاوز التسعين وهي ماتت في العشرين من العمر اي بعد قرابة سبعين سنة