ذكر التفريق
( قالوا هو البدر والتفريق يظهر لي ... في ذاك نقص وهذا كامل الشيم )
التفريق في اللغة ضد الاجتماع وفي الاصطلاح أن يأتي المتكلم أو الناظم إلى شيئين من نوع واحد فيوقع بينهما تباينا وتفريقا بفرق يفيد زيادة وترجيحا فيما هو بصدده من مدح أو ذم أو نسيب أو غيره من الأغراض الأدبية كقول الشاعر في المديح
( ما نوال الغمام وقت ربيع ... كنوال الأمير يوم سخاء )
( فنوال الأمير بدرة مال ... ونوال الغمام قطرة ماء )
ومثله
( من قاس جدواك بالغمام فما ... أنصف في الحكم بين شكلين )
( أنت إذا جدت ضاحك أبدا ... وهو إذا جاد دامع العين )
قال بدر الدين بن النحوية في غير المدح
( حسبت جماله بدرا منيرا ... وأين البدر من ذاك الجمال )
قلت وأحسن منه قول القائل
( قاسوك بالغصن في التثني ... قياس جهل بلا انتصاف )
( هذاك غصن الخلاف يدعى ... وأنت غصن بلا خلاف )
حذف
فالتفريق في الجميع فرقه ظاهر مثل الصبح ولكن هذا النوع ما هو غاية في البديع فما يحتمل إطلاق عنان القلم في الكلام عليه أكثر من ذلك وبيت الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته يقول فيه عن النبي
( فجود كفيه لم تقلع سحائبه ... عن العباد وجود السحب لم يدم )
بيت الشيخ صفي الدين الحلي حسن في هذا الباب والتفريق فيه جمع المحاسن في مدح النبي
وبيت العميان في بديعيتهم
( لا يستوي الغيث مع كفيه نائل ذا ... ماء ونائله مال فلا تهم )
العميان غفر الله لهم مسخوا قول الشاعر
( ما نوال الغمام وقت ربيع ... كنوال الأمير يوم سخاء )
( فنوال الأمير بدرة مال ... ونوال الغمام قطرة ماء )
والظاهر أن نوال الغمام وقت الربيع محجب عن العميان ولكن أين هم من موقع التفريق وعظم المباينة بين بدرة المال وقطرة الماء هذا مع ما تجشموه من مشاق التعقيد وثقل التركيب والجميع يخف على النفس بالنسبة إلى قولهم في القافية فلاتهم
نعم ما يحط هذه القافية هنا على هذه الصيغة من شم للأدب رائحة وأين هم من تمكين قافية الشيخ صفي الدين في قوله
( فجود كفيه لم تقلع سحائبه ... عن العباد وجود السحب لم يدم )
وبيت الشيخ عز الدين الموصلي في بديعيته يقول فيه عن النبي
( قالوا هو البحر والتفريق بينهما ... إذ ذاك غم وهذا فارج الغمم )
بيت الشيخ عز الدين في هذا الباب عامر بالمحاسن وحشمة المديح النبوي مشرقة على أركانه ونوع التفريق فيه أحلى من ليالي الوصال فإنه مشتمل على تورية التسمية ونكتة النوع البديعي ولطف الانسجام والسهولة وليس في بديعيته بيت يناظره في علو طباقه
وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي ( قالوا هو البدر والتفريق يظهر لي ... في ذاك نقص وهذا كامل الشيم )
قد أطلقت لسان القلم في وصف بيت الشيخ عز الدين ولعمري إنه يستحق فوق ذلك فإن التكلف بتسمية النوع مورى به من جنس المديح يثقل كاهل كل فحل
وقد حبست عنان القلم عن الاستطراد إلى وصف هذا البيت فإن في إنصاف أهل الذوق ما يغني عن الإطناب في وصفه
انتهى