ذكر تشبيه شيئين بشيئين

( شيآن قد أشبها شيئين فيه لنا ... تبسم وعطا كالبرق في الديم )
هذا النوع أعني تشبيه شيئين بشيئين من المحاسن العزيزة الوقوع بخلاف كبيرة العدد في التشبيه فإن ذلك نوع اللف والنشر أحق به وهو في الاصطلاح أن يقابل الشاعر بين الأربعة ويلتزم أن كل واحد من المشبه يسد مسد المشبه به
ومما حكي عن بشار بن برد أنه قال ما زلت منذ سمعت قول امرئ القيس في وصف العقاب
( كأن قلوب الطير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العناب والحشف البالي )
لا يأخذني الهجوع حسدا له إلى أن قلت في وصف الحرب
( كأن مثار النقع فوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوت كواكبه )
ومما يعجبني في هذا الباب إلى الغاية قول إبراهيم بن سهل الإشبيلي
( كأن القلب والسلوان ذهن ... يحوم عليه معنى مستحيل )
ومن الغايات التي لا تدرك في هذا الباب وأنا أستغفر الله قولي من قصيدة
( وحمرة الخد أبدت خيط عارضه ... فخلت كأس مدام وهو مشعور )

وبيت الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته
( تلاعبوا تحت ظل السمر من مرح ... كما تلاعبت الأشبال في الأجم )
بيت الشيخ صفي الدين في هذا النوع عامر بالمحاسن رافل في حلل الانسجام والعميان ما نظموا هذا النوع في بديعيتهم
وبيت الشيخ عز الدين الموصلي في بديعيته قوله
( شيئان تشبيه شيئين انتبه لهما ... حلم وجهل هما كالبرء والسقم )
نعوذ بالله من آفة الغفلة ممدوح هذا البيت هو النبي وقد تقدمه قوله في مديحه
( هل من مقاربة في السير بعد نوى ... بأطيب التمر بين العرب والعجم )
وقال بعده هذا البيت الداثر
وقد سلمنا أنه قابل فيه حلم النبي بالبرء وأما ذكر الجهل في هذا البيت فهو في غاية الجهل وليس له ما يقابله غير التأديب على قلة أدبه وقد قابل به السقم ولا أعلم ما مراده به
وطالعت شرحه فوجدته قد قرر حد النوع وفر من الكلام على معنى البيت بخلاف أبيات القصيدة
وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي
( شيئان قد أشبها شيئين فيه لنا ... تبسم وعطا كالبرق في الديم )
هذا البيت البديع في لفظه ومعناه ما أشك أن أبا بكر مقدم فيه على الحلي والموصلي فإنه وضعه في محله والنبي أحق به من كل ممدوح وقد جمع فيه بين حسن اللف والنشر وبليغ التشبيه
وأما مراعاة النظير في مديحه بين البرق والديم فليس لها نظير