لونك المفضل

المنتديات الثقافية - Powered by vBulletin
 

صفحة 13 من 16 الأولىالأولى ... 31112131415 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 241 إلى 260 من 301

الموضوع: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب

  1. #241
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية البحري.
    تاريخ التسجيل
    09 2012
    المشاركات
    2,553

    رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب

    ومثله قوله في النهر
    ( صدأ الظلام يزيد رونق حسنه ... أرأيت سيفا قط يصقل بالصدا )
    وعدوا من الانسجام المرقص قول عبد الملك بن مازة البخاري وقد دخل عليه مملوك وفي يده قوس
    ( نهاني لما بدا عقرب ... على خده أن أروم السفر )
    ( فقلت وفي يده قوسه ... أسير ففي القوس حل القمر )

    ومثله قول ابن أردخل التكريتي
    ( ألفي القوام عني أمالوه ... فقلبي مكسور تلك الإماله )
    وعدوا من الانسجام المرقص قول ابن عنين
    ( دمشق فبي شوق إليها مبرح ... وإن لج واش أو ألح عذول )
    ( بلاد بها الحصباء در وتربها ... عبير وأنفاس الشمال شمول )
    ( تسلسل فيها ماؤها وهو مطلق ... وصح نسيم الروض وهو عليل
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #242
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية البحري.
    تاريخ التسجيل
    09 2012
    المشاركات
    2,553

    رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب

    ومن الانسجام المرقص قول الحاجري
    ( إني لأعذر في الأراك حمامه الشادي ... كذلك تفعل العشاق )
    ( حكم الغرام الحاجري بأسرها ... فغدت وفي أعناقها الأطواق )
    وعدوا من الانسجام المرقص قول الصاحب بهاء الدين زهير
    ( فيا ظبي هلا كان منك التفاتة ... ويا غصن هلا كان منك تعطف )
    ( ويا حرم الحسن الذي هو آمن ... وألبابنا من حوله تتخطف )
    ( عسى عطفة بالوصل يا واو صدغه ... علي فإني أعرف الواو تعطف )
    وعدوا من المرقص قول محيي الدين بن زيلاق
    ( ومن عجبي أن يحرسوك بخادم ... وخدام هذا الحسن من ذاك أكثر )
    ( عذارك ريحان وثغرك جوهر ... وخدك كافور وخالك عنبر )
    ومثله قول ابن عربي الموصلي في المرقص
    ( أنا صب وماء عيني صب ... وأسير من الضنى في قيود )
    ( وشهودي على الهوى أدمع العين ... ولكنني قذفت شهودي )
    ومثله قول ابن الحلاوي الموصلي
    ( كتبت فلولا أن هذا محلل ... وذاك حرام قست لفظك بالسحر )

    ( فوالله ما أدري أزهر خميلة ... بطرسك أم در يلوح على نحر )
    ( فإن كان زهرا فهو صنع سحابة ... وإن كان درا فهو من لجة البحر
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #243
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية البحري.
    تاريخ التسجيل
    09 2012
    المشاركات
    2,553

    رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب

    ومثله قول ابن ظهير الأزبكي
    ( طرفي وقلبي ذا يسيل دما وذا ... دون الورى أنت العليم بقرحه )
    ( وهما بحبك شاهدان وإنما ... تعديل كل منهما في جرحه )
    ( والقلب منزلك القديم فإن تجد ... فيه سواك من الأنام فنحه )
    أنظر هذه القافية ما أحلاها وأمكنها
    ومثله قوله
    ( غارت مناطقة وأنجد ردفه ... يا بعد شقة غوره من نجده )
    ومن الانسجام المرقص قول تاج الدين بن الحواري
    ( فوالله ما أخرت عنك مدائحي ... لأمر سوى أني عجزت عن الشكر )
    ( وقد رضت فكري مرة بعد مرة ... فما ساغ أن أهدي إلى مثلكم شعري )
    ( فإن لم يكن درا فتلك نقيصة ... وإن كان درا كيف يهدى إلى البحر
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #244
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية البحري.
    تاريخ التسجيل
    09 2012
    المشاركات
    2,553

    رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب

    ويعجبني من الانسجام المرقص قول النجم القمراوي
    ( وحاكمت النسيم على مرور ... بعطفيه فمال مع النسيم )
    ومثله قول عبد الكردي
    ( إذا ما اشتقت يوما أن أراكم ... وحال البعد بينكم وبيني )
    ( بعثت لكم سوادا في بياض ... لأبصركم بشيء مثل عيني )
    وعدوا من الانسجام المطرب قول المهذب بن الخيمي الحلي وقد كتب إلى والده
    ( جننت فعوذني بكتبك أن لي ... شياطين شوق لا يفارقن مضجعي )
    ( إذا استرقت أسرار وجدي تمردا ... بعثت إليها في الدجا شهب أدمعي )

    ومن الانسجام المرقص قول ابن عبد ربه
    ( يا ذا الذي خط العذار بخده ... خطين هاجا لوعة وبلابلا )
    ( ما كنت أقطع أن لحظك صارم ... حتى رأيت من العذار حمائلا )
    ومن أغرب ما رأيت من الانسجام المرقص قول جعفر بن عثمان المصحفي
    ( خفيت على شرابها فكأنما ... يجدون ريا في إناء فارغ
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #245
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية البحري.
    تاريخ التسجيل
    09 2012
    المشاركات
    2,553

    رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب

    ومن الانسجام المرقص قول إدريس بن السمان
    ( ثقلت زجاجات أتتنا فرغا ... حتى إذا ملئت بصرف الراح )
    ( خفت فكادت أن تطير بما حوت ... وكذا الجسوم تخف بالأرواح )
    ومثله قول المعتمد بن عباد
    ( سميدع يهب الآلاف مبتدئا ... وبعد ذلك يلفى وهو معتذر )
    ( له يد كل جبار يقبلها ... لولا نداها لقلنا إنها الحجر )
    ويعجبني قول الفضل بن شرف في المرقص
    ( لم يبق للجور في أيامكم أثر ... إلا الذي في عيون الغيد من حور )
    ومثله قوله
    ( تقلدتني الليالي وهي مدبرة ... كأنني صارم في كف منهزم )
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #246
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية البحري.
    تاريخ التسجيل
    09 2012
    المشاركات
    2,553

    رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب

    وعدوا من الانسجام المرقص قول ابن رشيق صاحب العمدة في المعز بن باديس سلطان أفريقية وقد غاب يوم العيد وكان يوما ماطرا
    ( تجهم العيد وانهلت بوادره ... وكان يعهد منك البشر والضحكا )
    ( كأنه جاء يطوي الأرض من بعد ... شوقا إليك فلما لم يجدك بكى )
    وعدوا من الانسجام المرقص قول عبد الله بن محمد العطار
    ( وكأس ترينا آية الصبح والدجا ... فأولها شمس وآخرها بدر )

    ( مقطبة ما لم يزرها مزاجها ... فإن زارها جاء التبسم والبشر )
    ( فواعجبا للدهر لم يخل مهجة ... من العشق حتى الماء يعشقه الخمر )
    ومثله قول القاضي الجليس بن الجناب المصري
    ( ومن عجب أن الصوارم في الوغى ... تحيض بأيدي القوم وهي ذكور )
    ( وأعجب من ذا أنها في أكفهم ... تأجج نارا والأكف بحور )
    وظريف من الانسجام المرقص قول ابن مكنسة
    ( والسكر في وجنته وطرفه ... يفتح وردا ويغض نرجسا )
    وعدوا من الانسجام المرقص قول ظافر الحداد
    ( ونفر صبح الشيب ليل شبيبتي ... كذا عادتي في الصبح مع من أحبه )
    ومثله قول أبي إسحاق بن خفاجة
    ( ونمت بأسرار الرياض خميلة ... بها الزهر ثغر والنسيم لسان
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  7. #247
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية البحري.
    تاريخ التسجيل
    09 2012
    المشاركات
    2,553

    رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب

    ومثله قول أبي إسحاق بن خفاجة
    ( ونمت بأسرار الرياض خميلة ... بها الزهر ثغر والنسيم لسان )
    وعدوا من الانسجام المرقص قول ابن اللبانة
    ( بروحي وأهلي جيرة ما استعنتهم ... على الدهر إلا وانثنيت معانا )
    ( أراشوا جناحي ثم بلوه بالندى ... فلم أستطع من أرضهم طيرانا )
    وعدوا أيضا من الانسجام المرقص قول ابن الرقاق
    ( وأغيد طاف بالكؤوس ضحى ... وحثها والصباح قد وضحا )
    ( والروض أهدى لنا شقائقه ... وآسه العنبري قد نفحا )
    ( قلنا وأين الأقاح قال لنا ... أودعته ثغر من سقى القدحا )
    ( فظل ساقي المدام يجحد ما ... قال فلا تبسم افتضحا )

    وعدوا من الانسجام المرقص قول ابن سنا الملك
    ( لا تخش مني فإني كالنسيم ضنى ... وما النسيم بمخشي على الغصن )
    وعدوا من الانسجام المرقص قول ابن الدباغ وقد تقدم
    ( يا رب إن قدرته لمقبل ... غيري فللمسواك أو للأكؤس )
    ( ولئن قضيت لنا بصحبة ثالث ... يا رب فلتك شمعة في المجلس )
    ( وإذا قضيت لنا بعين مراقب ... يا رب فلتك من عيون النرجس )
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  8. #248
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية البحري.
    تاريخ التسجيل
    09 2012
    المشاركات
    2,553

    رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب

    ومثله قوله
    ( وأشكو إلى ليل الغدائر غدرها ... وأملي عليه وهو في الأرض يكتب )
    هذه الأبيات تقدمت في باب الانسجام الغرامي ولكن لم يظهر من مكررها غير الحلاوة
    وعدوا من الانسجام المرقص قول كمال الدين بن النبيه
    ( وكوكب الصبح نجاب على يده ... مخلق تملأ الدنيا بشائره )
    وعدوا من الانسجام المرقص قول الصاحب جمال الدين بن مطروح
    ( إذا ما اشتهى الخلخال أخبار قرطها ... فيا طيب ما تملي عليه الضفائر )
    وعدوا من الانسجام المرقص قول البرهان بن الفقيه نصر الله
    ( أقتطف السوداء من لمتي ... أخذا مع البيضاء إذ تسرف )
    ( فتخلف البيضاء أمثالها ... وتغضب السوداء فما تخلف )
    ( حماقة السودان من ههنا ... يعرفها من لم يكن يعرف )
    وعدوا من الانسجام المرقص قول أمين الدين التلمساني
    ( ساروا فيا وحشة الوادي لبعدهم ... منهم ولا سيما الأغصان والكثب )
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  9. #249
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية البحري.
    تاريخ التسجيل
    09 2012
    المشاركات
    2,553

    رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب

    ومن الانسجامات المرجزة التي لو أدركها الشريف تطفل على نسيم أبياتها واعترف أن ما للصادح والباغم تغريد صادحاتها أرجوزة الشيخ جمال الدين بن نباتة الموسومة بنظم السلوك في مصايد الملوك التي امتدح بها الملك الأفضل بن الملك المؤيد صاحب حماة وكان قد لقب قبل الأفضل بالمنصور وهي
    ( أثنى شذا الروض على فضل السحب ... واشتملت بالوشي أرداف الكتب )
    ( ما بين نور مسفر اللثام ... وزهر يضحك في الأكمام )
    ( إن كانت الأرض لها ذخائر ... فهي لعمري هذه الأزاهر )
    ( قد بسطتها راحة الغمائم ... بسط الدنانير على الدراهم )
    ( أحسن بوجه الزمن الوسيم ... تعرف فيه نضرة النعيم )
    ( وحبذا وادي حماة الرحب ... حيث زها العيش به والعشب )
    ( أرض الهناء والسناء والمرح ... والأمن واليمن ورايات الفرح )
    ( ذات النواعير سقات الترب ... وأمهات عصفه والأب )
    ( تعلمت نوح الحمام الهتف ... أيام كانت ذات فرع أهيف )
    ( فكلها من الحنين قلب ... فكيف لا والما عليها صب )
    ( لله ذاك السفح والوادي الغرد ... والماء معسول الرضاب مضطرد )
    ( يصبو بها الرائي فكيف السامع ... ويحمد العاصي فكيف الطائع )
    ( إذا نظرت للربا والنهر ... فارو عن الربيع أو عن جعفر )
    ( محاسنا تلهى العيون والفكر ... ربيع روضات وشحرور صفر )
    ( أمام كل منزل بستان ... وبين كل قرية ميدان )
    ( أما رأيت الورق في الأوراق ... جاذبة القلوب بالأطواق )
    ( فبادر اللذة يا فلان ... واغنم متى أمكنك الزمان )
    ( ولا تقل مشتى ولا مصيف ... فكل أوقات الهنا خريف )
    ( كل زمان يتقضى بالجدل ... زمان عيش كلما دار اعتدل )

    ( أحسن ما أذكر من أوقاته ... وخير ما أنعت من لذاته )
    ( بروزنا للصيد فيه والقنص ... وحوزنا من مره أحلى الفرص )
    ( وأخذنا الوحش من المسارب ... وفعلنا في الطير فوق الواجب )
    ( لما دنا زمان رمي البندق ... سرنا على وجه السرور المشرق )
    ( في عصبة عادلة في الحكم ... وغلمة مثل بدور التم )
    ( من كل مبعوث إلى الأطيار ... تظله غمامة الغبار )
    ( قد حمد القوم به عقب السفر ... عند اقتران القوس منه بالقمر )
    ( لولا حذار القوس من يديه ... لغنت الورق على عطفيه )
    ( في كفه محنية الأوصال ... قاطعة الأعمار كالهلال )
    ( زهراء خضراء الإهاب معجبه ... مما ثوت بين الرياض المعشبه )
    ( فاغرة الأفواه للأطيار ... طالبة لهن بالأوتار )
    ( كأنها بين المياه نون ... أو حاجب بما تشا مقرون )
    ( لها بنات بالمنى معذوقه ... من طينة واحدة مخلوقه )
    ( سامعة لما تشير الأم ... مع أنها مثل الحجار صم )
    ( كأنها والطير منها هارب ... خلف الشياطين شهاب ثاقب )
    ( واها لها شبه كرات تخطف ... شاهدة بالعزم وهي تقذف )
    ( حتى نزلنا بمكان مونق ... إخوان صدق أحدقوا بالملق )
    ( فيا له في الحسن من محل ... مراد جد ومراد هزل )
    ( للطير في مياهه مواقع ... كأنها من حولها فواقع )
    ( فلم نزل في منزل كريم ... نروي حديث الرمي عن قديم )
    ( حتى طوى الأفق رداء الورس ... والتهم المغرب قرص الشمس )
    ( وابتدر القوم إلى المراصد ... من ساهر ليل التمام ساهد )
    ( كالليث يسطو كفه بأرقم ... والبدر يرمي في الدجا بأسهم )

    ( بينا الطيور في مداها ساهره ... إذا هم من عينه بالساهره )
    ( وأقبلت مواكب الطيور ... على طروس الجو كالسطور )
    ( فحبذا السطور في المهارق ... منظومة الأحرف بالبنادق )
    ( من كل تم حق أن نسمي ... ضياءه المشرق بدر التم )
    ( تخاله من تحت عنق قد سجا ... طرة صبح تحت أذيال الدجا )
    ( وكل ذي حسن من الوسامه ... تخاله في أفقه غمامه )
    ( تتبعه أوزة دكناء ... من دونها لقلقة غراء )
    ( تقدمها أنيسة ملونه ... تابعة من كل وصف أحسنه )
    ( يجنى بها الأكل خير ما جنى ... وأحسن المأكول ما تلونا )
    ( وربما مر لديها حبرج ... كأنه على نضار يدرج )
    ( وانقض من بعض الجبال نسر ... له بأبراج النجوم وكر )
    ( مغير الخلق شديد الأيدي ... يبني على الكسر حروف الصيد )
    ( تحث مسراه عقاب كاسبه ... خافضة لحظ الطيور ناصبه )
    ( إذا مضت جملتها المعترضه ... تواصلت خيوطها المنقرضه )
    ( بكل كركي عجيب السير ... كأنه طيف خيال الطير )
    ( يحث غرنوقا شهي المجتلى ... مقدما على الغرانيق العلا )
    ( وأبيض كالغيم يسمى مرزما ... كم بات مثل نورة مبتسما )
    ( يحثه سبيطر قوي ... معجزة في الطير موسوي )
    ( كم حاش ثعبانا وكم حواه ... كأنه في يده عصاه )
    ( هذا وكم ذي نظر ممتاز ... ينعت في الواجب بالعناز )

    ( أسود إلا لمعة في الصدر ... كأنها نور الهدى في الكفر )
    ( فلم تزل قسينا الضواري ... تصيبها بأعين الأوتار )
    ( حتى غدت دامية النحور ... ساقطة منها على الخبير )
    ( كأنها وهي لدينا وقع ... لدى محاريب القسي ركع )
    ( وأصبحت أطيارنا قد حصلت ... ولم تسل بأي ذنب قتلت )
    ( مستتبعا وجه العشا وجه السحر ... وكل وجه منهما وجه أغر )
    ( يا لك من صيد مقر العين ... مرضي الصحاب وهو ذو الوجهين )
    ( لم نرض ما وفى من الأماني ... حتى شفعناه بصيد ثاني )
    ( صيد الملوك الصيد بالكواسر ... والخيل في وجه الصباح السافر )
    ( ذاك الذي تصبو له الجوارح ... فهي إلى طلابه طوامح )
    ( واثقة بالرزق حيث كانا ... تغدو خماصا وتجي بطانا )
    ( سرنا على اسم الله والمناجح ... نعوم في الأقطار بالسوابح )
    ( خيل تحاذي الصيد حيث مالا ... كأنها أضحت له ظلالا )
    ( تسعى بها قوائم لا تتبع ... وكيف لا وهي الرياح الأربع )
    ( تحفنا من فوقها غلمان ... كأنهم لدوحنا أغصان )
    ( ترك تريك في سماء الملبس ... كواكبا طالعة في الأطلس )
    ( منظومة الأوساط بالسلاح ... من كل سهم زجل الجناح )
    ( وكل عضب ذرب المقاطع ... يحرف الهام عن المواضع )
    ( على يد السائر منهم زاده ... من كل باز قرم فؤاده )
    ( قد كتبت في صدره حروف ... تقرا بما تقرى به الضيوف )
    ( وكل شاهين شهي المرتمى ... كبارق طار وصوب قد همى )
    ( بينا تراه ذاهبا لصيده ... معتصما بأيده وكيده )

    ( حتى تراه عائدا من أفقه ... ملتزما طائره في عنقه )
    ( أفلح من كان على يسراه ... حتى غدت حاسده يمناه )
    ( تلك يد لا تعرف الإعسارا ... لأجل هذا سميت يسارا )
    ( وكل صقر مسبل الجناح ... مواصل الغدو والرواح )
    ( ذي مقلة لها ضرام واقد ... يكاد يشوي ما يصيد الصائد )
    ( كأنما المخلب منه منجل ... لحصد أعمار الطيور مرسل )
    ( يا حبذا طيور جد ولعب ... تهوي إلى الأرض وللأفق تشب )
    ( من سنقر عالي المدى والشان ... معظم الأخبار والعيان )
    ( يصعد خلف الرزق ليس يمهله ... كأنه من السما يستعجله )
    ( ومن عقاب بأسها مروع ... كأنها للطير جن يصرع )
    ( كم جلبت لطائر من وهن ... وكم وكم قد أهلكت من قرن )
    ( وحبذا كواسر الكواهي ... عديمة الأنظار والأشباه )
    ( مخصوصة بالطرد القويم ... حدباء ظهر الذنب الرقيم )
    ( ذاك لعمري حدب للرائي ... يعدل ملك القلعة الحدباء )
    ( هذا وقد تجهزت أعداد ... يجمعها الكلاب والفهاد )
    ( من كل فهد عنتري الحمله ... إذا رأى شخص مهاة عبله )
    ( مبارك الإقبال والإعراض ... مستقبل الحال بناب ماض )
    ( كأنه من حسدة اكتسابه ... قد أحرق الأنجم في إهابه )
    ( له على مسايل الجفون ... خط كخط الألفات الجون )
    ( ما أبصر المبصر خطا مثله ... وكيف لا والخط لابن مقله )
    ( وكل منسوب إلى سلوق ... أهرت وثاب الخطا ممشوق )
    ( طاوي الفؤاد ناشر الأظافر ... يا عجبا منه لطاو ناشر )

    ( يعض بالبيض ويخطو بالقنا ... ويسبق الوهم لإدراك المنى )
    ( كالقوس إلا أنه كالسهم ... والغيم يجلو عن شهاب الرجم )
    ( إذا تراءى بقر الوحش اندفع ... كأنه المريخ في الثور طلع )
    ( قاصرة عن يده عيناه ... مشروطة برجله أذناه )
    ( يشفعه كل عزيز عاري ... مغالب الصيد على الأوكار )
    ( واها لها من أكلب طوارد ... معربة عن مضمر المصايد )
    ( قد بالغت من طمع في كسبها ... ففتشت عن أنفس لم تخبها )
    ( حتى إذا تمت بها الأمور ... حفت بنا لصيدها الطيور )
    ( ما بين روضات مددنا نحوها ... وحول آفاق ملكنا جوها )
    ( واستقبلت أطيارها البزاة ... معلمة كأنها الغزاة )
    ( فلم تزل تسطو سطا الحجاج ... على الكراكي إلى الدراج )
    ( حتى غدت تلك البزاة صرعى ... مجموعة على التراب جمعا )
    ( على الربا من دمها خلوق ... كأن كل نبتها شقيق )
    ( ثم عطفنا للوحوش السانحة ... واستبقت تلك الضواري الطامحه )
    ( كلاب صيد بينها سناقر ... تفعل في الوحش بها الفواقر )
    ( تخشى بها العقر على نفوسها ... فالطير لا شك على رؤوسها )
    ( وللكلاب حولها مغار ... يكاد أن تقدح منه النار )
    ( من نمر لسانه يلوب ... تقول هذا كوسج مخضوب )
    ( يعانق الظبي عناق الوامق ... ما كان أغنى الظبي عن معانق )
    ( والفهد يشتد على الآجال ... شد وصي السوء في الأموال )
    ( لا يهمل القصد ولا يخون ... كأن كل جسمه عيون )
    ( وللزعاريات خلف الأرنب ... حقائق تبطل كيد الثعلب )
    ( كم برحت بالهارب المكدود ... وطوحت بصاحب الأخدود )
    ( وربما مرت ظباء ومها ... للنبل في أكل حشاها مشتهى )
    ( قد نسجت ملاءة من عنبر ... تخاط من قرونها بالإبر )
    ( فابتدرت أجنحة السهام ... صائبة الأغراض والمرامي )
    ( تجرح كل سانح نفور ... كأنه بعض شهود الزور )
    ( كأن أقطار الفلاة مجزره ... أو روضة من الدماء مزهره )
    ( كأن صرعى وحشها كفار ... الموت عقبى أمرها والنار )
    ( للمرء فيها منظر أحبه ... يملأ من لحم وشحم قلبه )
    ( لله ذاك المنظر المهنا ... أي معاد عن ذراه عدنا )
    ( قد ملئت من ظفر أيدينا ... وقد شكرنا فضل ما حبينا )
    ( نسير حول الملك المنصور ... كالشهب حول القمر المنير )
    ( محمد ناصر دين أحمد ... الملك ابن الملك المؤيد )
    ( يا حبذا من والد ومن ولد ... وحبذا من شبل ملك وأسد )
    ( فرع زها بأصله أيوب ... فأثمرت بحبه القلوب )
    ( قال الأنام حظه جلي ... قلت نعم وجده علي )
    ( ذاك الذي سام العلا صبيا ... وجاءها من مهده مهديا )
    ( محكم السطوة سحاح الديم ... يأخذ بالسيف ويعطي بالقلم )
    ( لو لمس الصخر لفاض نهرا ... أو صحب النجم لعاد بدرا )
    ( لا ظلم يلفى في حماه العالي ... إلا على العداة والأموال )
    ( أما ترى الدينار منه خائفا ... أصفر من كف الهبات ناشفا )
    ( كالبدر في سنائه وتمه ... والطود في وقاره وحلمه )
    ( مرأى يشف عن فخار أصل ... ونسخة قد قوبلت بالأصل )
    ( ما ضر من خيم في جنابه ... أن لا تكون الشهب من أطنابه )
    ( جناب عز جاره لا ينكب ... وباب نجح للغنى مجرب )
    ( غنيت في ظلاله عن الورى ... غنى نزيل المدن عن قصد القرى )
    ( ورحت من نعماه بالتواتر ... أروي أحاديث عطا عن جابر )
    ( يزداد لفظي بهجة ورونقا ... كأنه الخمر إذا تعتقا )
    ( إن لم أرم ذاك الحمى العالي فمن ... ينصرني على تصاريف الزمن )
    ( يا ناصر الدين دعاء مادح ... ما بين روضات السطور صادح )
    ( حسبك مثلي في الأنام شاعرا ... وحسب شعري قوة وناصرا )
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  10. #250
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية البحري.
    تاريخ التسجيل
    09 2012
    المشاركات
    2,553

    رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب

    ومن الأراجيز المرتجلة التي سارت الركبان ببلاغة ارتجالها ولطف انسجامها أرجوزة الشيخ زين الدين عمر بن المظفر الوردي سقى الله ثراه التي ارتجلها بدمشق المحروسة عند الامتحان المفحم
    فقد ذكر الشيخ الإمام العلامة إمام المحدثين أبو الفداء إسماعيل بن كثير أن الشيخ زين الدين المشار إليه قدم دمشق المحروسة في أيام القاضي نجم الدين بن صصري تغمده الله برحمته ورضوانه فأجلسه في الصفة المعروفة بالشباك في جملة الشهود وكان يومئذ زري الحال فاستخف به الشهود
    فحضر يوما كتابة مشترى ملك فقال بعضهم أعطوا المعري يكتبه على سبيل الاستهزاء
    فقال الشيخ ارسموا لي أكتبه نظما أو نثرا
    فزاد استهزاؤهم به فقالوا بل نظما
    فأخذ الطرس وكتب ارتجالا ما صورته
    ( باسم إله الخلق هذا ما اشترى ... محمد بن يونس بن سنقرا )
    ( من مالك بن أحمد بن الأزرق ... كلاهما قد عرفا من جلق )
    ( فباعه قطعة أرض واقعة ... بكورة الغوطة وهي جامعه )
    ( لشجر مختلف الأجناس ... والأرض في البيع مع الغراس )
    ( وذرع هذي الأرض بالذراع ... عشرون في الطول بلا نزاع )
    ( وذرعها في العرض أيضا عشره ... وهو ذراع باليد المعتبره )
    ( وحدها من قبلة ملك التقي ... وحائز الرومي حد المشرق )
    ( ومن شمال ملك أولاد علي ... والغرب ملك عامر بن جهبل )
    ( وهذه تعرف من قديم ... بأنها قطعة بنت الرومي )
    ( بيعت صحيحا لازما شرعيا ... ثم شراء قاطعا مرعيا )
    ( بثمن مبلغه من فضه ... وازنة جيدة مبيضه )
    ( جارية للناس في المعامله ... ألفان منها النصف ألف كاملة )
    ( قبضها البائع منه وافيه ... فعادت الذمة منها خاليه )
    ( وسلم الأرض إلى من اشترى ... فقبض القطعة منه وجرى )
    ( بينهما بالبدن التفرق ... طوعا فما لأحد تعلق )
    ( ثم ضمان الدرك المشهور ... فيه على بائعه المذكور )
    ( وأشهدا عليهما بذاك في ... رابع عشر رمضان الأشرف )
    ( من عام سبعمائة وعشره ... من بعد خمسة تليها الهجره )
    ( والحمد لله وصلى ربي ... على النبي وآله والصحب )
    ( يشهد بالمضمون من هذا عمر ... ابن المظفر المعري إذ حضر )
    فلما فرغ الشيخ من نظمه وتأمل الجماعة ارتجاله وسرعة بديهته اتفق أنه لم يكن فيهم من يحسن النظم فقالوا وقد اعترفوا بفضل الشيخ وعجزوا عن رسم الشهادة لعل الشيخ يسد عن أحد منا برسم شهادته
    فكتب عن شخص منهم إلى جانبه يدعى ابن رسول
    ( وقد حضر العقد الصحيح أحمد ... ابن رسول وبذاك يشهد )
    ومما استعذب من انسجامات الشيخ برهان الدين القيراطي قوله من قصيدة تائية
    ( أخذت بابل عنه ... بعض تلك النفثات )
    ( فهو غصن في انعطاف ... وغزال في التفات )
    ( حسنات الخد منه ... قد أطالت حسراتي )
    ( كلما ساء فعالا ... قلت إن الحسنات )
    ( ولسوء الحظ صارت ... حسناتي سيئاتي )
    ( أعشق الشامات منه ... وهي أسباب مماتي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  11. #251
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية البحري.
    تاريخ التسجيل
    09 2012
    المشاركات
    2,553

    رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب

    ويعجبني قوله منها
    ( بأبي لحظ غزال ... قائل في الخلوات )
    ( إن للموت بأقداح ... جفوني سكرات )
    ( قلت قد مت غراما ... قال لي مت بحياتي )
    ومنها
    ( قلت إذ حرك عودا ... عازفا بالنغمات )
    ( أنت مفتاح سروري ... يا سعيد الحركات )
    ومن انسجاماتي الغرامية الموجزة التي تقدمني فيها الشيخ جمال الدين بن نباتة والشيخ زين الدين بن الوردي قصيدتي الدالية التي كتبت بها قديما من حماة المحروسة إلى


    القاضي فخر الدين بن مكانس وولده القاضي مجد الدين تغمدهما الله برحمته وهي
    ( ما لمعت بارقة من نجد ... إلا وهزتني وعود وجدي )
    ( ولا سرت سحابة مغدقة ... إلا وكان مثلها في خدي )
    ( فيا رعى الله زمانا بالحمى ... فإن لي فيه بقايا عهد )
    ( ويا ربى مصر مراضع الحيا ... يرضعك الغيث بذاك المهد )
    ( كم ليلة قضيتها وأنجم الجوزاء ... فوق صدرها كالعقد )
    ( والأرض قد حاكت برود وشيها ... يحار في صفاتها ابن برد )
    ( وكوثر النيل يروق منظرا ... حتى كأني في جنان الخلد )
    ( وهند ما تخطر في برودها ... إلا أمالت عذبات الرند )
    ( مضرية لكن يماني لحظها ... منتسب في فتكه للهند )
    ( آه له من سيف لحظ باتر ... زاد على عشاقه في الحد )
    ( عبد مناف جدها وإنما ... قلبي لها قد صار عبدود )
    ( يا لأمير النحل قرص وجهها ... يشهد أن ريقها من شهد )
    ( وثغرها يقول في نظامه ... يا يتم أبكار اللآلي بعدي )
    ( وشعرها الطائل قد قلنا له ... أنت لنا نابغة يا جعدي )
    ( وريقها قال النباتي أنا ... وخدها قال أنا ابن الوردي )
    ( والغصن حاكى قدها قالت له ... ما أنت يا غصن الرياد قدي )
    ( يا قدها وردفها لولاكما ... ما اشتقت بانات الكثيب الفرد )
    ( سألتها لم صرفت عن ناظري ... وكلفت قلبي بطول النقد )
    ( قالت تركت الفخر من بين الورى ... وقد قعدت عن طلاب المجد )
    لعمري إن الشرح قد طال في نوع الانسجام ولكن ما استطردت بخيوله إلا إلى كل مهيع بديع وغريب
    فبيت الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته على نوع الانسجام يقول فيه عن النبي
    ( فذكره قد أتى في هل أتى وسبا ... وفضله ظاهر في نون والقلم )

    انسجام الشيخ صفي الدين في بيته ظاهر
    والعميان ما نظموا هذا النوع في بديعيتهم
    وبيت الشيخ عز الدين الموصلي في بديعيته
    ( بان انسجام كلام منزل عجب ... يهدي ويخبرنا عن سالف الأمم )
    بيت الشيخ عز الدين لم يكن له تعلق بما قبله من المديح النبوي والذي يظهر لي منه أنه أشار به إلى القرآن بأنه كلام منزل وانسجامه عجب يهدي ويخبرنا عن سالف الأمم
    وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي
    ( له انسجام دموعي في مدائحه ... بالله شنف بها يا طيب الكلم )
    ولقد عجبت من الشيخ عز الدين كيف عقد بيت انسجامه مع سهولة هذا النوع وقرب مأخذه ولطف تسميته وقبولها للاشتراك انتهى

    ذكر التفصيل

    ( وإن ذكرت زمانا ضاع من عمري ... في غير تفصيل مدح صحت يا ندمي )
    التفصيل بصاد مهملة نوع رخيص بالنسبة إلى فن البديع والمغالاة في نظمه
    وقد نبهت قبله على عدة أنواع سافلة ولكن المعارضة أوجبت الشروع في نظمه كالتصدير وعتاب المرء نفسه وتشابه الأطراف وما أشبه ذلك
    والتفصيل هو أن يأتي الشاعر بشطر بيت له متقدم صدرا كان أو عجزا ليفصل به كلامه بعد حسن التصريف في التوطئة الملايمة
    والعميان لم ينظموا هذا النوع في بديعيتهم وغالب علماء البديع لم يذكروه في مصنفاتهم غير أن الشيخ صفي الدين الحلي أورده في بديعيته فدعت المعارضة إلى نظمه
    وبيته في بديعيته
    ( صلى عليه إله العرش ما طلعت ... شمس النهار ولاحت أنجم الظلم )
    فصدر هذا البيت ذكر أنه تقدم له في قصيدة قافية امتدح بها النبي مطلعها
    ( فيروزج الصبح أم ياقوتة الشفق ... بدت فهيجت الورقاء في الورق )
    والبيت الذي أتى بصدره منها وأثبته في بديعيته على حاله لأجل نوع التفصيل هو
    ( صلى عليه إله العرش ما طلعت ... شمس النهار ولاحت أنجم الغسق )
    وبيت الشيخ عز الدين الموصلي في بديعيته
    ( تفصيل مدحك تجميل لذي أدب ... أوصاله كفت البلوى من الرقم )
    فصدر بيت الشيخ عز الدين كان عجزا في قصيدة تقدمت له بائية مطلعها
    ( لو أن وجه رضائي غير منتقب ... ما سر قلبي بلوغي غاية الأرب )

    الذي جعل صدره عجزا وأبقاه على حاله في بديعيته لأجل نوع التفصيل
    ( كسوتني حللا بين الأنام بها ... تفصيل مدحك تجميل لذي أدب )
    هذا البيت كان تفصيل حلله كاملا في موضعه
    ولما نقل الشيخ عز الدين عجزه وجعله صدرا في بديعيته ظهر في تفصيله نقص بقوله مع العقادة في العجز كفت البلوى من الرقم
    فإن الرقم بفتح الراء وكسر القاف الداهية
    قلت والداهية إذا دخلت بيتا تركته خرابا
    وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي
    ( وإن ذكرت زمانا ضاع من عمري ... في غير تفصيل مدح صحت يا ندمي )
    فصدر هذا البيت تقدم لي في قصيدة فائية مطلعها
    ( قد مال غصن النقا عن صبه هيفا ... يا ليته بنسيم العتب لو عطفا )
    والبيت الذي نقلت صدره منها وأثبته في بديعيتي وأبقيته على حاله لأجل نوع التفصيل هو
    ( وإن ذكرت زمانا ضاع من عمري ... ولم أهاجر إليه صحت يا أسفا )
    وهذه القصيدة من غرر قصائدي بل من غرر القصائد منها
    ( مزاج خمرة فيه جاء معتدلا ... فراح منه مزاج الراح منحرفا )
    ( ومذ غدا جسمه ماء برقته ... علمت والله أن القلب منه صفا )
    ( منه الغزالة غارت عينها حسدا ... والبدر قد لازم التسهيد والكلفا )
    ( والظبي قال أنا أحكي لواحظه ... فصح عندي أن الظبي قد خرفا )
    ومنها
    ( مذ صار لي قبلة محراب حاجبه ... صيرت عابد طرفي فيه معتكفا )
    ( ولام فيه عذول قلت من كلفي ... قلبي رأى منه قدا في الهوى ألفا )
    ( ما ضره لو عفا عني وأظهر لي ... عطفا وعاين ربع الصبر كيف عفا )
    ( أراد مني وكف الدمع قلت له ... حسيبك الله يا بدر الدجى وكفى )
    لم أستطرد إلى ذكر هذه الأبيات هنا إلا لأن نوع التفصيل لم يحتمل إطلاق عنان القلم في الكلام عليه إلى أكثر من ذلك
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  12. #252
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية البحري.
    تاريخ التسجيل
    09 2012
    المشاركات
    2,553

    رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب

    ذكر النوادر

    ( نوادر المدح في أوصافه نشقت ... منها الصبا فأتتنا وهي في شمم )
    هذا النوع أعني النوادر سماه قوم الإغراب والطرفة وهو أن يأتي الشاعر بمعنى يستغرب لقلة استعماله لا لأنه لم يسمع بمثله وهذا مما اختاره قدامة دون غيره ولكن غالب علماء البديع اختاروا غير رأي قدامة في هذا النوع فإنهم قالوا لا يكون المعنى غريبا إلا إذا لم يسمع بمثله
    وأورد زكي الدين ابن أبي الأصبع في كتابه المسمى بتحرير التحبير لنوع النوادر حدا أقرب إليه من اختيار قدامة وأبلغ وأوقع في النفوس وهو أن يعمد الشاعر إلى معنى مشهور ليس بغريب في بابه فيغرب فيه بزيادة لم تقع لغيره ليصير بها ذلك المعنى المشهور غريبا وينفرد به دون كل من نطق به وبيان ذلك أن تشبيه الحسان بالشمس والبدر مبذول معروف قد ذهبت طلاوته لكثرة ابتذاله وكان سابق المتقدمين وقبلة المتأخرين القاضي الفاضل أنفت نفسه من المثابرة على هذا الابتذال وكثرة تشبيه الحسان بالبدور فقال
    ( تراءى ومرآة السماء صقيلة ... فأثر فيها وجهه صورة البدر )
    سبحان المانح حاصل كلامه تشبيه محسوبه بالبدر ولكن زيادة هذه النادرة اللطيفة لا تخفى إلا على أكمه لا يعرف القمر وعلى هذا المنوال نسجت بيت بديعيتي

    ويعجبني في باب النوادر قول القائل
    ( عرض المشيب بعارضيه فأعرضوا ... وتقوضت خيم الشباب فقوضوا )
    ( ولقد سمعت وما سمعت بمثله ... بين غراب البين فيه أبيض ) وبيت الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته يقول فيه عن النبي
    ( كأنما قلب معن ملء فيه فلم ... يقل لسائله يوما سوى نعم )
    هذا البيت ذكر الشيخ صفي الدين في شرحه أن النادرة فيه قلب معن بنعم قلت قلب معن بنعم لم يعد من نوع النوادر بل من أنواع الجناس المسمى بالقلب والعكس وجناس القلب وغيره من أنواع الجناس ليس فيه غير خدمة الألفاظ فإنه نوع لفظي والذي قرره قدامة وغيره فى هذا النوع أن الغرابة تكون في المعنى بحيث يعد ذلك المعنى من النوادر
    والعميان ما نظموا هذا النوع في بديعيتهم وبيت الشيخ عز الدين الموصلي في بديعيته هو
    ( نوادر من جناني كالجنان زهت ... أم هل بدت واضحات الحسن من إرم )
    قلت إن بيت الشيخ صفي الدين الحلي مع ما فيه من النقد والمؤاخذة معدود من النوادر بالنسبة إلى هذا البيت وما أشبهه بالبيت الذي أخبر عنه الحريري في مقاماته وقال إنه أخرج من التابوت وأوهن من بيت العنكبوت وما ذاك إلا أنني كررت النظر في أركان هذا البيت فلم أجد فيه مقرا لنادرة من النوادر التي تقدم تقريرها فلم يسعني غير النظر في شرحه فوجدته قال إن جناني ظهر منه محاسن مدهشة أم بدت محاسن إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد ويحكى أنها جنة بناها عاد قلت وما أحق اختراع الخراع بهذه العبارة وهي بشهادة الله عبارته بنصها والذي أعده من النوادر إبراز الشيخ عز الدين مثل هذا البيت في بديعيته ورضاه به وتنزيل مثل هذه العبارة عليه انتهى
    وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي
    ( نوادر المدح في أوصافه نشقت ... منها الصبا فأتتنا وهي في شمم )
    النادرة في معنى هذا البيت عرفها ضائع لمن شمه من أهل الأدب وما ذاك إلا أن
    النسيم أكثر الشعراء من استعماله في تحمل الرسائل
    وغاية ما أغربوا فيه أنه ينشق منه عرف الأحبة إذا هب من نحوهم والنادرة التي أغربت بها هذا المعنى أن نسيم الصبا لما نشقت عرف مديح النبي وتعرفت به تزايد شممها والشمم للنسيم نادرة بل نكتة لم أسبق إليها فإن النسيم أحق باشتراك هذه التورية من غيره لأن الشمم لائق به وهذا الذي أشار إليه ابن أبي الأصبع في أن الشاعر يعمد إلى معنى مبذول معروف ليس بغريب في بابه فيغربه بزيادة لم تقع لغيره ويصير بها ذلك المعنى المعروف غريبا ومثل ذلك حتى يزداد نوع النوادر إيضاحا قول أبي نواس
    ( هبت لنا ريح شمالية ... متت إلى القلب بأسباب )
    ( أدت رسالات الهوى بيننا ... عرفتها من بين أصحابي ) قوله عرفتها من بين أصحابي نادرة لم يسبق إليها وقد جاراه مجير الدين الخياط في بديع هذا النوع ونادرة هذ المعنى لولا الحياء لقلت إنه أحرز قصبات السبق عليه بقوله
    ( يا نسيم الصبا الولوع بوجدي ... حبذا أنت لو مررت بهند )
    ( ولقد رابني شذاك فبالله ... متى عهده بأطلال نجد )
    بين ولقد رابني شذاك في بيت مجير الدين وبين عرفتها من بين أصحابي معرك ذوقي ما يدركه إلا من صفت مرآت ذوقه في علم الأدب ولعمري إن النادرتين يتجمل بهما هذا النوع ومثله قول القائل ويعجبني إلى الغاية
    ( ويد الشمال عشية مذ أرعشت ... دلت على ضعف النسيم بخطها )
    ( كتبت سقيما في صحيفة جدول ... فيد الغمامة صححته بنقطها )
    النوادر في هذين البيتين لم يحتج برهانها إلى إقامة دليل وقد فهمت الزيادات في غرابة المعاني المبتذلة
    ومثله ولم يخرج عما نحن فيه من لطف النسيم ونوادر النوع قول القائل
    ( هبت صبا من قاسيون فسكنت ... بهبوبها وصب الفؤاد البالي )
    ( خاضت مياه النيرين عشية ... وأتتك وهي بليلة الأذيال ) ويعجبني في هذا الباب قول ناصر الدين بن المشد
    ( مسكية الأنفاس تملي الصبا ... عنها حديثا قط لم يملل )
    ( جننت لما أن سرى عرفها ... وما نرى من جن بالمندل )
    وألطف منه وأكثر نوادر قول بدر الدين حسن الغزي الشهير بالزغاري
    ( سرت من بعيد الدار لي نسمة الصبا ... وقد أصبحت حسرى من السير ضائعه )
    ( ومن عرق مبلولة الجيب بالندى ... ومن تعب أنفاسها متتابعه )
    ومن العجائب في هذا النوع
    ( حبذا ليلة رأيت دجاها ... زاهيا عطفه بحلة فجر )
    ( بشرت باللقاء وهي غراب ... ونفى الفجر حسنها وهي قمري )
    ومن النوادر اللطيفة في هذا الباب قول علاء الدين الجويني صاحب الديوان ببغداد من دو بيت
    ( مذ صار مبيتنا بضوء القمر ... والحب نديمنا وصوت الوتر )
    ( نادى بفراقنا نسيم سحرا ... ما أبرد ما جاءت نسيم السحر )
    ومن نادر ما اتفق لي قولي من قصيدة رائية
    ( ومذ سرت نسمات الثغر باردة ... بدا بأعضاء ذاك الجفن تكسير )
    قد تقدم تقرير حد ابن أبي الأصبع في نوع النوادر وتكرر وهو أن يعمد الشاعر إلى معنى مشهور كثير الاستعمال فيغرب فيه بزيادة نكتة لم تقع لغيره ليصير المعنى المستعمل بها غريبا وقد فهم ما أوردته هنا من تلاعب الشعراء بالنسيم وما أظهروا فيه من النوادر التي تركت رخيصه غاليا وتكسير الجفن أيضا ونسبة التكسير إليه أكثر أهل الأدب استعماله في تغزلهم ونسيبهم ولكن استعارة النسمات الباردة للثغر وهبوبها على أعضاء ذاك الجفن السقيم حتى ظهر فيه التكسير نادرة النوادر في هذا النوع والله أعلم
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  13. #253
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية البحري.
    تاريخ التسجيل
    09 2012
    المشاركات
    2,553

    رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب

    ذكر المبالغة

    ( بالغ وقل كم جلا بالنور ليل وغى ... والشهب قد رمدت من عثير الدهم )
    المبالغة نوع معدود من محاسن هذا الفن عند الجمهور واستدلوا على ذلك بقول من قال أحسن الشعر أكذبه وبقول النابغة الذيباني أشعر الناس من استجيد كذبه وضحك من رديئه واستدلوا أيضا برد النابغة المذكور على مثل حسان بن ثابت في قوله
    ( لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما )
    والرد الذي رده النابغة على هذا البيت في ثلاثة مواضع الأول منها أنه قال له قلت لنا الجفنات والجفنات تدل على قليل فلا فخر لك ولا مبالغة إذا كان في ساحتك ثلاث جفان أو اربع والثاني أنك قلت يلمعن واللمعة بياض قليل ليس فيه كبير شان والثالث أنك قلت في السيوف يقطرن والقطرة تكون للقليل فلا تدل على فرط نجدة ولا مبالغة
    وترشيح جانب المبالغة مذهب ابن رشيق في العمدة ومنهم من لم يعد المبالغة من حسنات الكلام ومشى في ذلك على مذهب حسان بن ثابت رضي الله عنه فإنه قال
    ( وإنما الشعر عقل المرء يعرضه ... على الأنام فإن كيسا وإن حمقا )


    ( وإن أشعر بيت أنت قائله ... بيت يقال إذا أنشدته صدقا )
    وعند أهل هذا المذهب أن المبالغة لم تسفر عن غير التهويل على السامع ولم يفر الناظم إلى التخييم عليها إلا لعجزه وقصور همته عن اختراع المعاني المبتكرة لأنها في صناعة الشعر كالاستراحة من الشاعر إذا أعياه إيراد المعاني الغريبة فيشغل الأسماع بما هو محال وتهويل وقالوا ربما أنها أحالت المعاني فأخرجتها عن حد الكلام الممكن إلى حد الامتناع والمبالغة تعاب في بابها إذا خرجت عن حد الإمكان إلى الاستحالة ويأتي الكلام على حدها في موضعه والذي أقوله إن المبالغة من محاسن أنواع البديع ولم يستطرد في حلبات سبقها إلا فحول هذه الصناعة ولولا سمو رتبتها ما وردت في القرآن العظيم والسنة النبوية ولو سلمنا إلى من يهضم جانبها ولم يعدها من حسنات الكلام بطلت بلاغة الاستعارة وانحطت رتبة التشبيه
    وتسمية المبالغة منسوبة إلى قدامة ومنهم من سمى هذا النوع التبليغ وسماه ابن المعتز الإفراط في الصفة وهذه التسمية طابقت المسمى ولكن أكثر الناس رغبوا في تسمية قدامة لخفتها
    وهذا النوع أعني المبالغة شركه قوم مع الإغراق والغلو لعدم معرفة الفرق وهو مثل الصبح ظاهر
    والمبالغة في الاصطلاح هي إفراط وصف الشيء بالممكن القريب وقوعه عادة
    والإغراق وصف الشيء الممكن البعيد وقوعه عادة
    والغلو وصفه بما يستحيل وقوعه
    ويأتي الكلام على كل واحد من الثلاثة في موضعه وقد تقرر أولا أن المبالغة نوعها مبني على وصف الشيء بالممكن القريب وقوعه
    وحد قدامة المبالغة فقال هي أن يذكر المتكلم حالا من الأحوال لو وقف عندها لأجزأت فلا يقف حتى يزيد في معنى ما ذكره ما يكون أبلغ من معنى قصده كقول عمير بن كريم التغلبي
    ( ونكرم جارنا ما دام فينا ... ونتبعه الكرامة حيث مالا )
    وقال إن هذا البيت من أحسن المبالغة عند الحذاق فإن الشاعر بلغ فيه إلى أقصى ما يمكن من وصف الشيء وتوصل إلى أكثر ما يقدر عليه فتعاطاه
    ولخص بعضهم عبارة الحد الذي حده قدامة وقال المعنى إذا زاد على التمام سمي مبالغة

    وقال ابن رشيق في العمدة المبالغة بلوغ الشاعر أقصى ما يمكن في وصف الشيء
    قلت وعلى هذا التقرير فجل القصد في المبالغة الإمكان والخروج عن المستحيل والمذهب الصحيح فيها أنها ضرب من المحاسن إذا بعدت عن الإغراق والغلو وإن كان الإغراق والغلو ضربين من المحاسن ونوعين من أنواع البديع فقد شرط علماؤه أن النوع لا يتجاوز حده بحيث يزول الالتباس ويعجبني من أمثلة المبالغة في المديح قول القائل
    ( أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه )
    فالمعنى تم للناظم لما انتهى في بيته إلى قوله دجى الليل ولكن زاد بما هو أبلغ وأبدع وأغرب في قوله حتى نظم الجزع ثاقبة
    ومثله قول أبي الطيب المتنبي في وصف جواد
    ( وأصرع أي الوحش قفيته به ... وأنزل عنه مثله حين أركب )
    قال زكي الدين بن أبي الأصبع في كتابه المسمى بتحرير التحبير أبلغ شعر سمعته في باب المبالغة قول شاعر الحماسة إذ بالغ في مدح ممدوحه بقوله
    ( رهنت يدي بالعجز عن شكر بره ... وما فوق شكري للشكور مزيد )
    ( ولو كان مما يستطاع استطعته ... ولكن ما لا يستطاع شديد )
    فانظر ما أحلى احتراسه عن ذلك بقوله وما فوق شكري للشكور مزيد وانظر كيف أظهر عذره في عجزه مع قدرته بأن قال في البيت الثاني ولو كان مما يستطاع استطعته ثم أخرج بقية البيت للمبالغة مخرج المثل السائر حيث قال ولكن ما لا يستطاع شديد ومن هنا قال أبو نواس
    ( لا تسدين إلي عارفة ... حتى أقوم بشكر ما سلفا )
    ومن معجز المبالغة في القرآن العظيم قوله تعالى ( سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ) فجعل كل واحد منهم أشد

    مبالغة في معناه وأتم صفة وجاء من المبالغة في السنة النبوية قوله مخبرا عن ربه كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به وقوله في بقية هذا الحديث والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك ففي الحديث الشريف مبالغتان إحداهما كون الحق سبحانه وتعالى أضاف الصيام إلى نفسه دون سائر الأعمال لقصد المبالغة في تعظيمه وشرفه وأخبر أنه عز و جل يتولى مجازاة الصائم بنفسه مبالغة في تعظيم الجزاء وشرفه ونحن نعلم أن الأعمال كلها لله سبحانه وتعالى ولعبده باعتبارين أما كونها للعبد فلأنه يثاب عليها وأما كونها لله فلأنها عملت لوجهه الكريم ومن أجله فتخصيص الصائم بالإضافة للرب سبحانه وتخصيص ثوابه بما خصص به إنما كان للمبالغة في تعظيمه والمبالغة الثانية إخبار النبي بعد تقديم القسم لتأكيد الخبر بأن خلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك ففضل تغير فم الصائم بالإمساك عن الطعام والشراب على ريح المسك الذي هو أعطر الطيب على مقتضى ما يفهم من ريح المسك وأتى بصيغة أفعل للمبالغة فجمع هذا الكلام بين قسمي المبالغة المجازي والحقيقي ولذلك ورد أن دم الشهيد كريح المسك للمبالغة
    وهذا النوع أعني المبالغة ممكن الناظم منه في المدائح النبوية والصفات المحمدية فإن المادح إذا بالغ في وصفه كانت تلك المبالغة ممكنة قريبة من معجزاته وعظمه عند ربه فمن ذلك قولي من قصيدة نبوية أقول فيها عن النبي
    ( إذا ما سرى فردا لفرط جلاله ... يقول الورى قد سار جيش عرمرم )
    فالمبالغة تمت لما انتهيت إلى قولي سار جيش وزدت بعد ذلك بما هو أبلغ منه وأعظم لقولي عرمرم
    وبيت الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته يقول فيه عن النبي
    ( كم قد جلت جنح ليل النقع طلعته ... والشهب أحلك ألوانا من الدهم )
    المبالغة تمت للشيخ صفي الدين في الشطر الأول بقوله كم قد جلت جنح ليل النقع طلعته ولكن زاد بما هو أبلغ منها حيث قال والشهب أحلك ألوانا من الدهم
    وبيت العميان في بديعيتهم
    ( يمم نبيا تباري الريح أنمله ... والمزن من كل هامي الودق مرتكم )
    المجمع عليه أن المبالغة في الأوصاف المحمدية ممكنة عقلا وعادة ولكن الأبلغ في مبالغة العميان أن الريح والمزن كان يحب كل منهما أن يتطفل على أنامل النبي في المباراة لعلو رتبته وعظم مقامه
    وبيت الشيخ عز الدين الموصلي في بديعيته
    ( امدح وجز كل حد في مبالغة ... حقا ولا تطر تقبل غير متهم )
    هذا البيت لم ينتظم في سلك ما قبله من أبيات المديح النبوي ولا بينه وبين المبالغة أدنى وصلة ولم يظهر لي في بيته غفر الله له إلا وصيته للمادح أنه إذا مدح يتجاوز كل حد وأنه لا يطري فيقبل وما أحقه هنا بقول القائل
    ( تمنيتهم بالرقمتين ودارهم ... بوادي الغضى يا بعد ما أتمناه )
    وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي
    ( بالغ وقل كم جلا بالنور ليل وغى ... والشهب قد رمدت من عثير الدهم )
    فالمبالغة تمت في شطر البيت الأول بقولي بالغ وقل كم جلا بالنور ليل وغى والزيادة بما هو أبلغ منها قولي والشهب قد رمدت من عثير الدهم وتسمية النوع هنا هي ديباجة المبالغتين على هذه الصيغة والله أعلم
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  14. #254
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية البحري.
    تاريخ التسجيل
    09 2012
    المشاركات
    2,553

    رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب

    ذكر الإغراق

    ( لو شاء إغراق من ناواه مد له ... في البر بحرا بموج فيه ملتطم )
    قد تقرر في نوع المبالغة أنها إفراط وصف الشيء بالممكن القريب وقوعه عادة وهذا النوع أعني الإغراق فوق المبالغة ولكنه دون الغلو وهو في الاصطلاح إفراط وصف الشيء بالممكن البعيد وقوعه عادة وقل من فرق بينهما وغالب الناس عندهم المبالغة والإغراق والغلو نوع واحد وهنا لم يعمل بقول الحريري سامح أخاك إذا خلط
    وكل من الإغراق والغلو لا يعد من المحاسن إلا إذا اقترن بما يقربه إلى القبول كقد للاحتمال ولولا للامتناع وكاد للمقاربة وما أشبه ذلك من أنواع التقريب
    وما وقع شيء من الإغراق والغلو في الكتاب العزيز ولا في الكلام الفصيح إلا مقرونا بما يخرجه من باب الاستحالة ويدخله في باب الإمكان مثل كاد ولو وما يجري مجراهما كقوله تعالى ( يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ) إذ لا يستحيل في العقل أن البرق يخطف الأبصار لكنه يمتنع عادة وما زاد وجه الإغراق هنا جمالا إلا تقريبه بكاد واقتران هذه الجملة بها هو الذي صرفها إلى الحقيقة فقلبت من الامتناع إلى الإمكان
    ومن شواهد تقريب نوع الإغراق بلو قول زهير
    ( لو كان يقعد فوق الشمس من كرم ... قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا )


    فاقتران هذه الجملة أيضا بامتناع قعود القوم فوق الشمس المستفاد بلو هو الذي أظهر بهجة شمسها في باب الإغراق
    ومما استشهدوا به على هذا النوع بغير أداة التقريب قول امرىء القيس
    ( تنورتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عالي )
    وبين المكانين بعد تام فإن أذرعات من الشام والنار التي تنورها من أذرعات كانت بيثرب مدينة النبي وقد أثبتوا هذا الشاهد في باب الإغراق لأنهم قالوا لا يمتنع عقلا أن ترى النار من بعد هذه المسافة وأن لا يكون ثم حائل من جبل أو غيره من عظم جرم النار ولكن ذلك ممتنع عادة هذا إن جعلنا تنورتها نظرت إلى نارها حقيقة وأما إن جعلناه بمعنى توهمت نارها وتخيلتها في فكري فلا يكون في البيت إغراق
    ومثله قول أبي الطيب المتنبي في صباه
    ( روح تردد في مثل الخلال إذا ... أطارت الريح عنه الثوب لم يبن )
    ( كفى بجسمي نحولا أنني رجل ... لولا مخاطبتي إياك لم ترني )
    وقالوا هنا لا يمتنع عقلا أن ينحل الشخص حتى يصير مثل الخلال ولا يستدل عليه إلا بالكلام إذ الشيء الدقيق إذا كان بعيدا لا يرى بخلاف الصوت ولكن صيرورة الشخص في النحول إلى مثل هذه الحال ممتنع عادة ولعمري إن الشيخ شرف الدين بن الفارض ضم خصر هذا المعنى الرقيق ورشحه بنفائس العقود حيث قال
    ( كأني هلال الشك لولا تأوهي ... خفيت فلم تهد العيون لرؤيتي )
    قلت إذا قابلنا نحول المتنبي بهلال الشك الذي أبرزه ابن الفارض لم تبعد المقارنة لكن من قابل قول المتنبي انني رجل لولا مخاطبتي بقول الشيخ شرف الدين ابن الفارض في بيته كأني هلال الشك لولا تأوهي لا بد أن يقابله الله على ذلك وأين لطف لولا تأوهي من ثقل لولا مخاطبتي فالفرق بين خطاب الرجل وتأوه هلال الشك لا يخفى على حذاق أهل الأدب

    ومنه قول بعضهم
    ( قد سمعتم أنينه من بعيد ... فاطلبوا الشخص حيث كان الأنين )
    قلت ما برح طائر فكري يحوم على ورد هذا المعنى الذي حصلت فيه المواردة على أن الشخص لا يرى لشدة نحوله إلا بأنين أو تأوه وأريد أن أرشحه بنكتة إلى أن قلت من قصيدتي التي عارضت بها كعب بن زهير وامتدحت بها النبي
    ( وفوق طرس مشيبي أرخوا تلفي ... وذلك الطرس فوق الرأس محمول )
    ( وقد تجاوز جسمي حد كل ضنى ... وها أنا اليوم في الأوهام تخييل )
    وقد تقدم وتقرر أن أداة المقاربة ما استعملت في الإغراق إلا لتنقله من الامتناع إلى الإمكان وهذا الذي أوردته بغير أداة المقاربة هنا إن كان يبعد عادة لا يبعد عقلا
    ومما استشهدوا به على نوع الإغراق بلو التي يمكن الإغراق بها عقلا ويمتنع عادة قول القائل
    ( ولو أن ما بي من جوى وصبابة ... على جمل لم يبق في النار كافر )
    يريد أنه لو كان ما به من الحب بجمل لنحل حتى يدخل في سم الخياط وذلك لا يستحيل عقلا إذ القدرة قابلة لذلك لكنه ممتنع عادة وهذا غاية في الإغراق
    وأورد الشيخ شهاب الدين ابن جعفر المغربي الأندلسي في شرحه الذي كتبه على بديعية صاحبه شمس الدين محمد بن جابر الأندلسي على هذا البيت حكاية لطيفة وهي أن إبليس تعرض لبعض الأولياء فلم ينل منه غرضا فقال له الولي من أشد عليك العابد الجاهل أو العالم المسرف على نفسه فقال العالم المسرف وأما العابد الجاهل فهو في قبضتي أدخل عليه في دينه من حيث شئت وأنا أريك ذلك فانطلق به إلى أعبد الجهال في ذلك الزمان فطرق عليه الباب فخرج إليهما فقال له إبليس جئت أستفتيك هل الله قادر على أن يدخل الجمل في سم الخياط أو لا فتوقف وتحير وغلق الباب فقال إبليس للولي ها هو قد كفر بالشك في قدرة الله تعالى ثم انطلق به إلى عالم مسرف على نفسه وطرق عليه الباب وكان في القائلة فقال الرجل العالم من هذا الشيطان الذي يضرب بابي في القائلة وقد قال عليه الصلاة و السلام
    قيلوا فإن الشياطين لا تقيل فقال إبليس ها هو قد عرفني قبل رؤيتي فلما خرج قال له إبليس هل في قدرة الله تعالى أن يدخل الجمل في سم الخياط فقال له أتشك في قدرة الله تعالى على أن يوسع سم الخياط حتى يدخل فيه الجمل أو يرقق الجمل حتى يصير كالخيط فيدخل في سم الخياط فانصرفا وقال إبليس لرفيقه معرفة هذا بالله تمحو ذنوبه وحاله خير من حال العابد الجاهل بالله انتهى
    وبيت الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته على نوع الإغراق
    ( فى معرك لا تثير الخيل عثيره ... مما تروي المواضي تربه بدم )
    بيت الشيخ صفي الدين الحلي على هذا النوع أبرزه بغير أداة التقريب وهو بيت عامر قريب من العقل بعيد من الوقوع عادة على شرط الإغراق لكنه غير صالح للتجريد وقد تقرر وتكرر أن بيوت البديعيات شواهد على الأنواع فلا ينبغي أن يكون البيت متعلقا بما قبله ولا بما بعده
    وبيت بديعية العميان يقولون فيه عن النبي وقد أتوا فيه بأداة التقريب حيث قالوا
    ( لو قابل الشهب ليلا في مطالعها ... خرت حياء وأبدت بر محترم )
    ( لو شا إغراق وجه الأرض أجمعه ... ندى يديه لأحياها ولم يضم )
    وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي
    ( لو شاء إغراق من ناواه مد له ... في البر بحرا بموج فيه ملتطم )
    على كل تقدير مقام النبي صالح للمغالاة بالإغراق في مديحه والله أعلم
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  15. #255
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية البحري.
    تاريخ التسجيل
    09 2012
    المشاركات
    2,553

    رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب

    ذكر الغلو

    ( بلا غلو إلى السبع الطباق سرى ... وعاد والليل لم يجفل بصبحهم )
    وقد تقدم القول على المبالغة وتقرر أنها في الاصطلاح إفراط وصف الشيء بالممكن القريب وقوعه عادة وتقرر أن الإغراق فوقها في الرتبة وهو في الاصطلاح إفراط وصف الشيء بالممكن البعيد وقوعه عادة
    والغلو فوقهما فإنه الإفراط في وصف الشيء بالمستحيل وقوعه عقلا وعادة وهو ينقسم إلى قسمين مقبول وغير مقبول
    فالمقبول لا بد أن يقربه الناظم إلى القبول بأداة التقريب اللهم إلا أن يكون الغلو في مديح النبي فلا غلو
    ويجب على ناظم الغلو أن يسبكه في قوالب التخيلات الحسنة التي يدعو العقل إلى قبولها في أول وهلة كقوله تعالى ( يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ) فإن إضاءة الزيت من غير مس نار مستحيلة عقلا ولكن لفظة يكاد قربته فصار مقبولا ومنه قول أبي العلاء المعري
    ( تكاد قسيه من غير رام ... تمكن في قلوبهم النبالا )
    ( تكاد سيوفه من غير سل ... تجد إلى رقابهم انسلالا )
    ويعجبني هنا قول ابن حمديس الصقلي في وصف فرس
    ( ويكاد يخرج سرعة من ظله ... لو كان يرغب في فراق رفيق )


    ومنه قول الفرزدق في علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين
    ( يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم ) ومن الغلو المقبول بغير أداة التقريب قول أبي الطيب المتنبي في ممدوحه
    ( عقدت سنابكها عليه عثيرا ... فلو ابتغى عنقا عليه أمكنا )
    معنى هذا البيت أن سنابك الخيل وهي أطراف الحوافر عقدت على هذا الممدوح عثيرا وهو الغبار حتى لو أراد أنه يمشي عليه عنقا لأمكن والعنق هو المشي السريع وانعقاد الغبار في الهواء حتى يمكن المشي عليه مستحيل عقلا وعادة إلا أنه تخيل حسن مقبول
    وقد وقع للقاضي الأرجاني جمع فيه بين الشيئين الموجبين للقبول والتقريب وهما ما جرى بهما مجرى كاد والتخيل الحسن وذلك قوله
    ( يخيل لي أن سمر الشهب في الدجا ... وشدت بأهدابي إليهن أجفاني )
    فقوله يخيل لي هو الجاري مجرى كاد فإنه جعل الأمر توهما لا حقيقة وأما التخيل الحسن فهو ما ذكر من تسمير الشهب ود أجفانه إليها بأهدابه وجعل الأهداب بمنزلة الحبال ولا يخفى ما في هذا من التخييل الحسن
    وأما الغلو الذي هو غير مقبول فكقول أبي نواس
    ( فلما شربناها ودب دبيبها ... إلى موضع الأسرار قلت لها قفي )
    ( مخافة أن يسطو علي شعاعها ... فيطلع ندماني على سري الخفي )
    قالوا إن سطوة شعاع الخمر عليه بحيث يصير جسمه شفافا يظهر لنديمه ما في باطنه لا يمكن عقلا ولا عادة
    ومنه قول بعضهم
    ( أسكر بالأمس إن عزمت على ... الشرب غدا إن ذا من العجب )

    فسكره بالأمس بسبب عزمه على الشرب غدا مما لا يمكن عقلا ولا عادة أيضا ومنه قول أبي نواس
    ( وأخفت أهل الشرك حتى إنه ... لتخافك النطف التي لم تخلق )
    وهذا الذي قاله أبو نواس أيضا أمر مستحيل فإن قيام العرض الموجود وهو الخوف بالمعدوم وهي النطف التي لم تخلق لا يمكن عقلا ولا عادة ومن ألطف ما يحكى هنا أن العتابي الشاعر لقي أبا نواس فقال له أما تستحي من الله بقولك وأخفت أهل الشرك البيت فقال له أبو نواس وأنت أيضا ما استحيت من الله بقولك
    ( ما زلت في غمرات الموت مطرحا ... يضيق عني وسيع الرأي من حيل )
    ( فلم تزل دائبا تسعى بلطفك لي ... حتى اختلست حياتي من يدي أجلي )
    فقال العتابي قد علم الله وعلمت أن هذا ليس مثل قولك ولكنك أعددت لكل سؤال جوابا
    ومنه قول بعضهم
    ( قد كان لي فيما مضى خاتم ... واليوم لو شئت تمنطقت به )
    ( وذبت حتى صرت لو زج بي ... في مقلة النائم لم ينتبه )
    ومثل هذا أيضا لا يقبله العقل ولا عليه رونق القبول
    قلت ومراتب الغلو تتفاوت إلى أن تؤول بقائلها إلى الكفر فمن ذلك قول ابن دريد
    ( مارست من لو هوت الأفلاك من ... جوانب الجو عليه ما شكا )
    قيل إنه لأجل هذا البيت والادعاء العظيم الذي ادعى فيه ابتلي بمرض كان فيه يخاف من الذباب أن يقع عليه

    ومنه قوله
    ( ولو حمى المقدار عنه مهجة ... لرامها أو تستبيح ما حمى )
    ( تغدو المنايا طائعات أمره ... ترضى الذي يرضى وتأبى ما أبى )
    ومثله قول أبي الطيب
    ( كأني دحوت الأرض من خبرتي بها ... وكأن بنى الإسكندر السد من عزمي )
    هذا أيضا من الغلو الذي يؤدي إلى سخافة العقل مع ما فيه من قبح التركيب وبعده عن البلاغة
    وأقبح من هذا كله قول عضد الدولة
    ( ليس شرب الراح إلا في المطر ... وغناء من جوار في السحر )
    ( غانيات سالبات للنهى ... ناغمات من تضاعيف الوتر )
    ( مبرزات الكأس من مطلعها ... ساقيات الراح من فاق البشر )
    ( عضد الدولة بان ركنها ... ملك الأملاك غلاب القدر )
    روي أنه لم يفلح بعد هذا القول وكان لا ينطق إلا بقوله تعالى ( ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه )
    ولولا الإطالة وهو نظم غير مقبول لأوردت كثيرا من نظم الذين كانوا يتساهلون في هذا النوع كأبي نواس وابن هانىء الأندلسي والمتنبي وأبي العلاء المعري وغيرهم من المتأخرين كابن نبيه ومن جرى مجراه وكنت من المبادىء أستقبح قول الشيخ صفي الدين الحلي وأستقل أدبه بقوله في موشحه الذي أوله دارت على الدوح سلاف القطر وذلك قوله في ممدوحه
    ( لو قابل الأعمى غدا بصيرا ... ولو رأى ميتا غدا منشورا )
    ( ولو يشا كان الظلام نورا ... ولو أتاه الليل مستجيرا )
    ( آمنه من سطوات الفجر ... )
    وبيته في بديعيته على هذا النوع أعني الغلو قوله
    ( عزيز جار لو الليل استجار به ... من الصباح لعاش الناس في الظلم )
    قلت هذا الغلو هنا مقبول في مديح النبي غير لائق بممدوحه الذي أشار إليه في موشحه بقوله
    ( ولو أتاه الليل مستجيرا ... آمنه من سطوات الفجر )
    فقد تقرر أن الناظم إذا قصد الغلو في مديح النبي فلا غلو
    وبيت العميان في بديعيتهم يقولون فيه عن النبي
    ( تكاد تشهد أن الله أرسله ... إلى الورى نطف الأبناء في الرحم )
    فنسبة الشهادة إلى النطف وهي في الأرحام لا تمكن عقلا وما استحال عقلا استحال عادة وهذا الغلو هنا مقبول في مديح النبي وقد زاد الناظم تقريبه بكاد ولكن ذكر الأرحام والنطف في المدائح النبوية ما يخلو من قلة أدب
    وبيت الشيخ عز الدين في بديعيته يقول فيه عن النبي
    ( في مدحه نفحات لا غلو بها ... يكاد يحيي شذاها بالي الرمم )
    نفحات هذا البيت عطرت الوجود بالمديح النبوي وغلوها فيه ملحوظ بعين القبول وتقريبها بكاد أحرز قصبات السبق ولا أقول كاد وهذا البيت عندي مقدم على بيت الشيخ صفي الدين وبيت العميان لالتزامه بتسمية النوع البديعي مورى به من جنس المديح مع انسجامه ورقته
    وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي
    ( بلا غلو إلى السبع الطباق سرى ... وعاد والليل لم يجفل بصبحهم )
    هذا الغلو يرخص عنده بانتظامه في سلك المدائح النبوية كل غلو فإنه لو كان في غير النبي استحال عقلا وعادة ونعوذ بالله من نسبته إلى غيره فإنها تؤدي إلى الكفر المحض وحصره في النبي متفق عليه عقلا ونقلا وقولي عند نظم هذا النوع بلا غلو ويعلم طالب هذا العلم طريق سلوك الأدب وهذا البيت من خلاصات المدائح النبوية فنرجو الله أن تشملنا بركة ممدوحه والله أعلم
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  16. #256
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية البحري.
    تاريخ التسجيل
    09 2012
    المشاركات
    2,553

    رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب

    ذكر ائتلاف المعنى مع المعنى

    ( سهل شديد له بالمعنيين بدا ... تألف في العطا والدين للعظم )
    هذا النوع وهو ائتلاف المعنى مع المعنى ضربان فالأول في الاصطلاح هو أن يشتمل الكلام على معنى معه أمران أحدهما ملائم والآخر بخلافه فيقرنه بالملائم واستشهدوا عليه بقول أبي الطيب المتنبي
    ( فالعرب منه مع الكدري طائرة ... والروم طائرة منه مع الحجل )
    وقالوا إن تقوية المعنى الأول مناسبة القطا الكدري مع العرب لأنه يلائمهم بنزوله في السهل من الأرض وينفر من العمران ويستأنس بالمهمه ولا يقرب العمران إلا إذا زاد به العطش وقل الماء في البر ومناسبة الحجل مع الروم أنها تسكن الجبال وتنزل في المواضع المعروفة بالشجر
    والضرب الثاني هو أن يشتمل الكلام على معنى وملائمين له فيقرن بهما ما لاقترانه مزية واستشهدوا على هذا الضرب الثاني بقول أبي الطيب المتنبي أيضا
    ( وقفت وما في الموت شك لواقف ... كأنك في جفن الردى وهو نائم )
    ( تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ... ووجهك وضاح وثغرك باسم )
    وقالوا إن عجز كل من البيتين يلائم كلا من الصدرين وما اختار ذلك الترتيب إلا


    لأمرين أحدهما أن قوله كأنك في جفن الردى وهو نائم تمثيل السلامة في مقام العطب ولهذا قرر له الوقوف والبقاء في موضع يقطع على صاحبه فيه بالهلاك أنسب من جعله مقررا لثباته في حال هزيمة الأبطال والثاني أن في تأخير التتميم بقوله ووجهك وضاح وثغرك باسم عن وصف الممدوح بوقوفه ذلك الموقف وبمرور أبطاله كلمى بين يديه ما يفوت بالتقديم ولعمري إن الضرب الثاني من ائتلاف المعنى مع المعنى أبدع من الضرب الأول وأوقع في القلوب وأقرب إلى مواقع الذوق وعليه نظمت بيت بديعيتي ويأتي الكلام عليه في موضعه ولكن هنا نكتة تزيد بديع الضرب الثاني إيضاحا وترشح قصد المتنبي في ترتيبه الذي تقدم عليه الكلام
    حكي أن سيف الدولة بن حمدان ممدوح المتنبي قال عند إنشاده إياه هذين البيتين يا أبا الطيب قد انتقدنا عليك كما انتقد على امرىء القيس في قوله
    ( كأني لم أركب جوادا لغارة ... ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال )
    ( ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل ... لخيلي كري كرة بعد إجفال )
    فقال المتنبي أيها الأمير إن صح أن البزاز أعلم بالثوب من حائكة فقد صح ما انتقد على امرىء القيس وعلي فإن امرأ القيس أحب أن يقرن الشجاعة باللذة في بيت واحد وهو الأول وقد وقع مثل هذا في الكتاب العزيز وهو قوله تعالى ( إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ) فإنه تعالى لم يراع فيه مناسبة الري بالشبع والاستظلال باللبس في تحصيل نوع المنفعة بل راعى مناسبة اللبس للشبع في حاجة الإنسان إليه وعدم استغنائه عنه ومناسبة الاستظلال للري في كونهما تابعين اللبس والشبع
    قلت وأما جواب المتنبي عن قول امرىء القيس
    ( كأني لم أركب جوادا لغارة ... ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال ) فهو الافتنان بعينه وهو نوع من أنواع البديع العالية وقد تقدم وبيت الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته على هذا النوع قوله
    ( من مفرد بغرار السيف منتثر ... ومروج بسنان الرمح منتظم )
    قد كثر تكرار القول بأن المراد من بيت البديعية أن يكون شاهدا على نوعه وإن لم يكن صالحا للتجريد لم يصح الاستشهاد به على ذلك النوع وبيت الشيخ صفي الدين الحلي هنا غير صالح للتجريد وعدم صلاحه للتجريد هو الذي عقده وحجب إيضاح معناه عن مواقع الذوق
    والعميان ما نظموا هذا النوع في بديعيتهم وبيت الشيخ عز الدين الموصلي في بديعيته يقول فيه عن النبي
    ( ذو معنيين بصحب والعدا ائتلفا ... للخلف ما أشهب البازي كالرخم )
    قلت إن هذين المعنيين لشدة العقادة أتعبت الفكر فيهما على أن يتضح لي منهما معنى فعجزت عن ذلك والله أعلم وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي
    ( سهل شديد له بالمعنيين بدا ... تألف في العطا والدين للعظم )
    وقد تقدم قولي إن بيت بديعيتي منظوم في سلك الضرب الثاني لكونه أبدع وأوقع في الذوق من الضرب الأول وهو أن يشتمل الكلام على معنى وملائمين فيقرن بهما ما يلائم ويظهر باقترانه مزية فسهولة النبي قرنتها بالعطاء وناهيك بهذه الملاءمة وشدته قرنتها بالدين لعظمه فأكرم بها ملاءمة وشرف قران وقد ورد نص الكتاب بذلك في قوله تعالى ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) وقولي في القافية للعظم بعد ثبوت الشدة للدين في غاية التمكين والله أعلم
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  17. #257
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية البحري.
    تاريخ التسجيل
    09 2012
    المشاركات
    2,553

    رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب

    ذكر نفي الشيء بإيجابه

    ( لا ينتفى الخير من إيجابه أبدا ... ولا يشين العطا بالمن والسأم )
    نفي الشيء بإيجابه هو أن يثبت المتكلم شيئا في ظاهر كلامه وينفي ما هو من سببه مجازا والمنفي في باطن الكلام حقيقة هو الذي أثبته كقوله تعالى ( ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ) فإن ظاهر الكلام نفي الذي يطاع من الشفعاء والمراد نفي الشفيع مطلقا وكقوله تعالى ( لا يسألون الناس إلحافا ) فإن ظاهر الكلام نفي الإلحاف في المسألة والباطن نفي المسألة بتة وعليه إجماع المفسرين
    وذكر ابن أبي الأصبع في كتابه المسمى بتحرير التحبير أنه منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما وهذا هو الحد الذي قرره ابن رشيق في العمدة فإنه قال نفي الشيء بإيجابه إذا تأملته وجدت باطنه نفيا وظاهره إيجابا واستشهد عليه بقول زهير
    ( بأرض خلاء لا يسد وصيدها ... علي ومعروفي بها غير منكر )
    فأثبت لها في الظاهر وصيدا ومراده في الباطن أن ليس لها وصيد فيسد
    وألطف ما رأيت من شواهد هذا النوع أعني نفي الشيء بإيجابه قول مسلم بن الوليد


    ( لا يعبق الطيب خديه ومفرقه ... ولا يمسح عينيه من الكحل )
    فإن ظاهر الكلام نفي عبق الطيب ومسح الكحل والمراد نفي الطيب والكحل مطلقا
    ومثله قول أبي الطيب المتنبي
    ( أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها ... مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب )
    ( ولا برزن من الحمام مائلة ... أوراكهن صقيلات العراقيب )
    فظاهر الكلام عدم بروزهن من الحمام على تلك الهيئات والمراد في باطن الكلام عدم الحمام مطلقا فإنهن عربيات كظباء الفلاة ولهذا قال ذو الرمة ( بالله يا ظبيات قلن لنا ... ليلاي منكن أم ليلى من البشر )
    والقصد أن حسنهن لم يفتقر إلى تصنع ولا إلى نظرية بدخول الحمام
    وبيت الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته على هذا النوع أعني نفي الشيء بإيجابه يقول فيه عن النبي
    ( لا يهدم المن منه عمر مكرمة ... ولا يسوء أذاه نفس متهم )
    فظاهر الكلام في بيت الشيخ صفي الدين الحلي أن النبي لا يتبع المكرمة بمن وحاشاه من ذلك ولا يصدر منه لنفس متهم إساءة والمراد في الباطن نفي المن والإساءة مطلقا فإن مقام النبي في الكرم والحلم فوق ذلك
    والعميان لم ينظموا هذا النوع في بديعيتهم وبيت الشيخ عز الدين غفر الله له يقول فيه عن النبي
    ( لم ينف ذما بإيجاب المديح فتى ... إلا وعاقدت فيه الدهر بالسلم )
    هذا البيت ليس له تعلق بهذا النوع فإن مشايخ البديع تواردوا في حده على عبارة واحدة لم تختلف بحرف بل الجميع قالوا نفي الشيء بإيجابه هو أن يثبت المتكلم شيئا في ظاهر كلامه وينفي ما هو من سببه مجازا والمنفي في باطن الكلام حقيقة هو
    الذي أثبته وأوردوا على ذلك ما تقدم من شواهد القرآن العظيم والشواهد الشعرية التي زادت النوع إيضاحا ولم يتضح لي في بيت الشيخ عز الدين غفر الله له لمعة استضيء بها في ظلمة هذه العقادة إلى تقرير هذا النوع في البيت المذكور فلم يسعني غير النظر في شرحه فوجدته قد قال ما نفي الذم بإيجاب المديح كريم إلا وكان النبي قد عاقد الدهر بالسلم على ذلك المعنى قبل الذي فعل هذا الفعل المحمود فإنه هو الأصل في الأسباب الخيرية جميعها فما علمت ما مراده في النظم ولا في الشرح ولا أين استقر نفي الشيء بإيجابه والله أعلم
    وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي
    ( لا ينتفي الخير من إيجابه أبدا ... ولا يشين العطا بالمن والسأم )
    الذي أقوله إن محاسن هذا البيت ببركة ممدوحه تغني عن التطويل في شرحه وسهولة مأخذ النوع منه لم تفتقر إلى زيادة إيضاح وما أحقه هنا بقول القائل
    ( وقد ظهرت فلا تخفى على أحد ... إلا على أكمه لا يعرف القمرا )
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  18. #258
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية البحري.
    تاريخ التسجيل
    09 2012
    المشاركات
    2,553

    رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب

    ذكر الإيغال

    ( للجود في السير إيغال إليه وكم ... حبا الأنام بود غير منصرم )
    هذا النوع مأخوذ من إيغال السير فإنه يقال أوغل في المسير إذا بلغ غاية قصده بسرعة ولهذا قلت للجود في السير إيغال إليه ومعنى ذلك أن المتكلم أو الشاعر إذا انتهى إلى آخر القرينة أو البيت استخرج سجعة أو قافية يريد معنى زائدا أو كلا منهما فكأن المتكلم أو الشاعر قد تجاوز حد المعنى الذي هو آخذ فيه وبلغ مراده فيه إلى زيادة عن الحد
    وهذا النوع مما فرعه قدامة وفسره بأن قال هو أن يستكمل الشاعر معنى بيته بتمامه قبل أن يأتي بقافيته فإذا أراد الإتيان بها ليكون الكلام شعرا أفاد بها معنى زائدا على معنى البيت كقول ذي الرمة
    ( قف العيس في اثار مية واسأل ... رسوما كأخلاق الرداء المسلسل )
    فتم كلامه قبل القافية فلما احتاج إليها أفاد بها معنى زائدا وكذلك صنع في البيت الذي بعده حيث قال
    ( أظن التي يجدي عليك سؤالها ... دموعا كتبديد الجمان المفصل )
    فإنه تم كلامه بقوله كتبديد الجمان واحتاج إلى القافية فأتى بما يفيد معنى زائدا ولو لم يأت بها لم يحصل انتهى


    والفرق بين الإيغال والتتميم أن التتميم يأتي إلى المحتاج فيتممه كقول الشاعر وقد تقدم
    ( أناس إذا لم يقبل الحق منهم ... ويعطوه غاروا بالسيوف القواضب )
    فإن المعنى بدون قوله ويعطوه ناقص والإيغال لا يرد إلا على المعنى التام فيزيده كمالا ويفيد فيه معنى زائدا غير أن بين الإيغال والتكميل تجاذبا يكاد أن ينتظم كل منهما في سلك الآخر ولكن رأيت الناس قد سلموا إلى قدامة ما اختاره وفرعه هنا فمشيت مع الناس واستشهدوا على الإيغال بقوله تعالى ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) فإن الكلام تم بقوله تعالى ( ومن أحسن من الله حكما ) ثم احتاج الكلام إلى فاصلة تناسب القرينة الأولى فلما أتى بها أفاد معنى زائدا قلت ولعمري لو طلب التكميل حقه من هذا الشاهد لم يمنعه الذوق السليم ومثله قوله تعالى ( ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ) فإن المعنى تم بقوله تعالى ( ولا تسمع الصم الدعاء ) ثم أراد وهو أعلم إتمام الكلام بالفاصلة فقال ( إذا ولوا مدبرين )
    وقد حكي عن الأصمعي أنه سئل من أشعر الناس فقال الذي يأتي إلى المعنى الخسيس فيجعله بلفظه كثيرا وينقضي كلامه قبل القافية فإن احتاج إليها أفاد معنى زائدا فقيل له نحو من فقال نحو الفاتح لأبواب المعاني وهو امرؤ القيس حيث قال
    ( كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب ) ومثله قول زهير
    ( كأن فتات العهن في كل منزل ... نزلن به حب الفنا لم يحطم )
    فكلام امرىء القيس انتهى إلى وله الجزع وزيادة المعنى في قوله الذي لم يثقب ولا يخفى على حذاق الأدب ما فيها من المحاسن ومعنى قول زهير انتهى في

    كلامه إلى قوله حب الفنا وزيادة المعنى في قوله لم يحطم فيها نكتة بديعية غريبة وأنا أذكرها هنا تنبيها على ما قرره الأصمعي وما ذاك إلا أن زهيرا شبه ما تفتت من العهن بحب الفنا والفنا شجر ثمره حب أحمر وفيه نقط سود وقال الفراء هو عنب الثعلب فلما قال زهير بعد تمام معنى بيته لم يحطم أراد أن يكون حب الفنا صحيحا لأنه إذا كسر ظهر له لون غير الحمرة
    وقال ابن أبي الأصبع في كتابه المسمى بتحرير التحبير ولقد أحسن ابن المعتز في إيغاله بقوله لابن طباطبا العلوي
    ( فأنتم بنو بنته دوننا ... ونحن بنو عمه المسلم )
    فإنه تحيل على المساواة بأن قال ونحن بنو عمه المسلم والكلام تم قبل الإتيان بالقافية فلما أتى بها أفادت معنى إذ لا طريق له إلى التفضيل بزيادة في حسن الجد
    والذي وقع اتفاق البديعيين عليه أن أعظم ما وقع في هذا الباب وأبلغ قول الخنساء أخت صخر
    ( وإن صخرا لتأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار )
    فإن معنى جملة البيت كامل دون القافية فوجودها زيادة لم تكن له قبلها وهذه المرأة لم ترض لأخيها أن يأتم به جهال الناس حتى جعلته يأتم به أئمة الناس وهذا تتميم ولم ترض تشبيهه بالعلم وهو الجبل المرتفع المعروف بالهداية حتى جعلت في رأسه نارا
    ويعجبني من أمثلة هذا النوع في شعر المتأخرين قول الباخرزي من قصيدة
    ( أنا في فؤادك فارم طرفك نحوه ... ترني فقلت لها وأين فؤادي ) ومثله قول الآخر
    ( تعجبت من ضنى جسمي فقلت لها ... على هواك فقالت عندي الخبر ) وبيت الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته يقول فيه عن النبي
    ( كأن مرآه بدر غير مستتر ... وطيب رياه مسك غير مكتتم )
    الإيغال مع الشيخ صفي الدين في غير مستتر وغير مكتتم والعميان ما نظموا هذا النوع في بديعيتهم
    وبيت الشيخ عز الدين الموصلي في بديعيته يقول فيه عن النبي
    ( أضحت أعاديه في الأقطار طائرة ... وأوغلت في الهوى خوفا مع العصم )
    قال الشيخ عز الدين غفر الله له في شرحه إن الإيغال الذي أفاد في بيته معنى زائدا بعد تمامه قوله خوفا مع العصم وذكر أن العصم هي الجوارح من الطيور التي تفرخ في العوالي والله أعلم
    وبيت بديعيتي أشير فيه إلى النبي بقولي
    ( للجود في السير إيغال إليه وكم ... حبا الأنام بود غير منصرم )
    فمعنى بيتي انتهى إلى قولي عنه حبا الأنام بود ولما قلت بعد ذلك غير منصرم إشارة إلى ود النبي ظهر لي من زيادة المعنى ما أقام قواعد بيتي وملأ الدنيا بهجة بمحاسن الصفات النبوية والله أعلم
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  19. #259
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية البحري.
    تاريخ التسجيل
    09 2012
    المشاركات
    2,553

    رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب

    ذكر التهذيب والتأديب

    ( تهذيب تأديبه قد زاده عظما ... في مهده وهو طفل غير منفطم )
    نوع التهذيب والتأديب ما قرروا له شاهدا يخصه لأنه وصف يعم كل كلام منقح محرر وهو عبارة عن ترداد النظر في الكلام بعد عمله والشروع في تهذيبه وتنقيحه نظما كان أو نثرا وتغيير ما يجب تغييره وحذف ما ينبغي حذفه وإصلاح ما يتعين إصلاحه وكشف ما يشكل من غريبه وإعرابه وتحرير ما يدق من معانيه وإطراح ما يتجافى عن مضاجع الرقة من غليظ ألفاظه لتشرق شموس التهذيب في سماء بلاغته وترشف الأسماع على الطرب رقيق سلافته فإن الكلام إذا كان موصوفا بالمهذب منعوتا بالمنقح علت رتبته وإن كانت معانيه غير مبتكرة وكل كلام قيل فيه لو كان موضع هذه الكلمة غيرها أولو تقدم هذا المتأخر وتأخر هذا المتقدم أو لو تمم هذا النقص بكذا أو لو تكمل هذا الوصف بكذا أو لو حذفت هذه اللفظة أو لو اتضح هذا المقصد وسهل هذا المطلب لكان الكلام أحسن والمعنى أبين كان ذلك الكلام غير منتظم في سلك نوع التهذيب والتأديب
    وكان زهير بن أبي سلمى معروفا بالتنقيح والتهذيب وله قصائد تعرف بالحوليات قيل إنه كان ينظم القصيدة في أربعة أشهر ويهذبها وينقحها في أربعة أشهر ويعرضها على علماء قبيلته في أربعة أشهر ويروى أنه كان يعمل القصيدة في شهر وينقحها ويهذبها في أحد عشر شهرا ولا جرم أنه قلما يسقط منه شيء ولهذا كان الإمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع جلالته في العلم وتقدمه في النقد يقدمه على سائر الفحول من طبقته وما أحسن ما أشار أبو تمام إلى التهذيب بقوله
    ( خذها ابنة الفكر المهذب في الدجى ... والليل أسود رقعة الجلباب )
    فإنه خص تهذيب الفكر بالدجى لكون الليل تهدأ فيه الأصوات وتسكن الحركات فيكون الفكر فيه مجتمعا ومرآة التهذيب فيه صقيلة لخلو الخاطر وصفاء القريحة لا سيما وسط الليل والنفس قد أخذت حظها من الراحة بعد نيل قسطها من النوم وخف عليها ثقل الغذاء وصح ذهنها وصار صدرها منشرحا وقلبها بالتأليف منبسطا وما قدموا وسط الليل في التأليف على السحر مع ما فيه من رقة الهواء وخفة الغذاء وأخذ النفس سهمها من الراحة إلا لما يكون فيه من انتباه أكثر الحيوان الناطق وارتفاع معظم الأصوات وجرس الحركات وتقشع الظلماء بطلائع الأضواء وبدون ذلك ينقسم الفكر ويشتغل القلب ووسط الليل خال مما ذكرناه ولهذا خص أبو تمام تهذيب الفكر بالدجى عادلا عن الطرفين لما فيهما من الشواغل المذكورة
    وحكت الثقات عن أبي عبادة البحتري الشاعر قال كنت في حداثتي أروم الشعر وكنت أرجع فيه إلى طبع سليم ولم أكن وقفت له على تسهيل مأخذ ووجوه اقتضاب حتى قصدت أبا تمام وانقطعت إليه واتكلت في تعريفه عليه فكان أول ما قال لي يا أبا عبادة تخير الأوقات وأنت قليل الهموم صفر من الغموم واعلم أن العادة في الأوقات إذا قصد الإنسان تأليف شيء أو حفظه أن يختار وقت السحر وذلك أن النفس تكون قد أخذت حظها من الراحة وقسطها من النوم وخف عنها ثقل الغذاء وصفا من أكثر الأبخرة والأدخنة جسم الهواء وسكنت الغماغم ورقت النسائم وتغنت الحمائم
    وإذا شرعت في التأليف تغن بالشعر فإن الغناء مضماره الذي يجري فيه واجتهد في إيضاح معانيه فإن أردت التشبيب فاجعل اللفظ رقيقا والمعنى رشيقا وأكثر فيه من بيان الصبابة وتوجع الكآبة وقلق الأشواق ولوعة الفراق والتعلل باستنشاق النسائم وغناء الحمائم والبروق اللامعة والنجوم الطالعة والتبرم من العذال والوقوف على الأطلال
    وإذا أخذت في مدح سيد فأشهر مناقبه وأظهر مناسبه وأرهب من عزائمه ورغب في مكارمه واحذر المجهول من المعاني وإياك أن تشين شعرك بالعبارة الردية والألفاظ الوحشية وناسب بين الألفاظ والمعاني في تأليف الكلام وكن كأنك خياط تقدر الثياب على مقادير الأجسام وإذا عارضك الضجر فأرح نفسك ولا تعمل إلا وأنت فارغ القلب ولا تنظم إلا بشهوة فإن الشهوة نعم المعين على حسن النظم وجملة الحال أن تعتبر شعرك بما سلف من أشعار الماضين فما استحسن العلماء فاقصده وما استقبحوه فاجتنبه انتهت وصية أبي تمام
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  20. #260
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية البحري.
    تاريخ التسجيل
    09 2012
    المشاركات
    2,553

    رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب

    وأورد العلامة زكي الدين بن أبي الأصبع في كتابه المسمى بتحرير التحبير وصية لنفسه أوردها أيضا على نوع التهذيب والتأديب فاخترت منها ما هو اللائق بالحال وأولها ينبغي لك أيها الراغب في العمل السائل عن أوضح السبل أن تحصل المعنى قبل الشروع في النظم والقوافي قبل الأبيات قلت وهذا مذهبنا ثم قال ابن أبي الأصبع ولا تكره الخاطر على وزن مخصوص وروي مقصود وتوخ الكلام الجزل دون الرذل والسهل دون الصعب والعذب دون المستكره والمستحسن دون المستهجن ولا تعمل نظما ولا نثرا عند الملل فإن الكثير معه قليل والنفيس معه خسيس والخواطر ينابيع إذا رفق بها جمت وإذا كثر استعمالها نزحت واكتب كل معنى يسنح وقيد كل فائدة تعرض فإن نتائج الأفكار كلمعة البرق ولمحة الطرف إن لم تقيدها شردت وندت وإن لم تستعطف بالتكرار عليها صدت والترنم بالشعر مما يعين عليه فقد قال الشاعر
    ( وتغن بالشعر إما كنت قائله ... إن الغناء لقول الشعر مضمار )
    وقد يكل خاطر الشاعر ويعصى عليه الشعر زمانا كما روي عن الفرزدق أنه قال لقد يمر علي زمان وقلع ضرس من أضراسي أهون علي من أن أقول بيتا واحدا وإذا كان كذلك فاتركه حتى يأتيك عفوا وينقاد إليك طوعا وإياك وتعقيد المعاني وتقصير الألفاظ وتوخ حسن النسق عند التهذيب ليكون كلامك بعضه آخذ بأعناق بعض وكرر التنقيح وعاود التهذيب ولا يخرج عنك ما نظمته إلا بعد تدقيق النقد وإمعان النظر انتهى
    قلت وهذا لعمري هو المراد من النوع الذي نحن في شرحه أعني نوع التهذيب والتأديب لا كقول الفرزدق
    ( وما مثله في الناس إلا مملكا ... أبو أمه حي أبوه يقاربه )


    فإن الممدوح إبراهيم بن هشام المخزومي خال هشام بن عبد الملك وأما التقديم والتأخير ففي قوله وما مثله البيت فإن تقديره وما مثله في الناس حي يقاربه إلا مملكا أبو أمه أبوه وسلوك طريق التعقيد في قوله أبو أمه أبوه وكان يجزيه قوله جده وهذا لعمري هو التعقيد الذي بينه وبين التهذيب والتأديب الذي قررناه بعد المشرقين وقد تقدم قولي إن البديعيين أجمعوا على أن هذا النوع ليس له شاهد يخصه لأنه وصف يعم كل كلام منقح فاختصرت الشواهد ليظهر للمتأمل من أحرز قصبات السبق من نظام البديعيات في هذا النوع أعني التهذيب والتأديب
    ولكن رأيت العلامة زكي الدين بن أبي الأصبع قد استحسن من الشواهد اللائقة بهذا النوع قول القاضي السعيد بن سنا الملك
    ( تغنى عليها حليها طربا بها ... وفاحت فقلنا هذه الروضة الغنا )
    قال وقوله صحيح لو لم تقدم في صدر البيت لفظة مشتقة من الغناء حصل بها في البيت من الرونق ما لا يحسن بدونها وكان البيت خاليا من التهذيب فإن بوجودها حصل في بيته تصدير وتجنيس وائتلاف وتهذيب وانتفى عنه من العيوب عدم الائتلاف وقلق القافية وبذلك تقدم التهذيب فإنه لو قال
    ( زهت بأزاهير الجمال وحسنها ... وفاحت فقلنا هذه الروضة الغنا )
    وبيت الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته على هذا النوع يقول فيه عن النبي
    ( هو النبي الذي آياته ظهرت ... من قبل مظهره للناس في القدم )
    قد تكرر قولي أنني لم أكثر من شواهد هذا النوع إلا ليظهر فيه من أحرز قصبات السبق من نظام البديعيات
    والعميان لم ينظموا هذا النوع في بديعيتهم وبيت الشيخ عز الدين الموصلي في بديعيته يقول فيه عن النبي
    ( والله هذبه طفلا وأدبه ... فلم يحل هديه الزاكي ولم يرم )
    وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي
    ( تهذيب تأديبه قد زاده عظما ... في مهده وهو طفل غير منفطم )
    هذا البيت يشتمل ببركة من أدبه ربه فأحسن تأديبه وهو الممدوح على عشرة أنواع من البديع أولها النوع الذي هو شاهد عليه وهو التهذيب والتأديب والانسجام والسهولة والتورية بتسمية النوع والتتميم والتكميل والتمكين والإيغال والائتلاف والمبالغة ولولا الخوف من الإطالة لذكرت كل نوع في موضعه ولكن في نظر أصحاب الذوق السليم من علماء هذا الفن ما يغني عن ذلك والله أعلم
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

صفحة 13 من 16 الأولىالأولى ... 31112131415 ... الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •