ضربة نجم.. عَصَفت بمثقفي جازان..؟!
![]()
علي الجبيلي
قبل نحو من (24) عاماً كنت أهم ذات ليلة في العودة من مدينتي صامطة .. إلى المدينة الأم جازان ..
كانت السماء تلبس ثوباً أسود قاتماً من السحب الداكنة غاب البدر باكراً وبدأ وميض البرق يلمع على الساحل.
نظر أبي بفراسته القديمة كفلاح "ربما" وبحاذقته إلى أعلى وقال الجو عاصف جداً هذا المساء ولن نسمح لكم بالمغادرة قلت في نفسي هذه قراءة متكررة تملؤها العاطفة والاحتراز، أصررنا على الذهاب أنا والزوجة في ذلك المساء .. لارتباطات عملية لنا في مدينة جازان ..
كان الأمر شبه اعتيادي حتى أصبحنا على مقربة من هدفنا ب20 كيلاً وإذا كل شيء ينقلب رأساً على عقب سبحان الله كل شيء كان مذهلاً .. هل قامت القيامة ..؟!!
في زمن أقل ما يحسب بالثواني انقلبت الدنيا إلى سواد هائل عصفت السماء هطلت أمطار مخيفة ضربت عاصفة قيل لاحقا إنها نادرة الحدوث بالمنطقة قدرت ب( 220 عقدة ) وانطفأت كل الأنوار أمامنا سقطت الأعمدة .. وتطايرت مباني شركات وبركسات ومالبثت العاصفة أن قذفت بنا بعيداً عن الطريق بثلاثين متراً.
في تفاصيلها اليوم التالي قالوا عاصفة رعدية شديدة جداً وكان لطف الله أسبق، وقال آخرون منهم صيادو أسماك من خبراء البحر إنها ضربة نجم..؟!!
إذا كان هذا الوصف الأكثر تشويقاً للنفس ولأجل ذلك التزم هؤلاء الخبراء البحريون أماكنهم ولم تستهوهم الأجواء الماطرة التوجه للنزهة االبحرية أو الصيد.
هذا ما قرأته ذاكرتي تماماً في صورة مقارنة منطقية بين هذا الموقف المناخي العاصف ومايشهده الحراك الأدبي والثقافي في جازان مخاضات أليمة يقود ركابها نادي جازان الأدبي بمجلس إدارته الأخير يقوض أركان تاريخ عريق من الإبداع الفني والأدبي والإنساني الرفيع
هل هذه المصادمات والملاسنات اجتماعياً وإعلامياً بين أعضاء المجلس – المستقيل – المقال – المكفوف.. هي نتاج لعبة انتخابات موضوعية أو رصيد جيل جديد لا يقيم وزنا ولا قيمة ولا اعتباراً لمن سبقوهم من أجيال أدبية رفيعة..
من يتوقع أن محددات أسماء لامعة في الأدب السعودي المتميز ينالهم نصيب من أذى وتهكم مجلس نادي جازان الأدبي الأخير وأعني بهم قامات شامخة نحتت في الصخر لصنع إبداعها وتميزها..
العقيلي – والسنوسي – وحجاب الأب – ود. حسن حجاب الابن – وعمر طاهر زيلع – وعبدالعزيز الهويدي والسنوسي - وزارع وعقيل وسلام ومفتاح والبهكلي وتطول القائمة.
منذ سنتين أو أكثر قليلاً وبينما كان رئيس النادي حينذاك الأستاذ أحمد إبراهيم الحربي مسجى جسده في غرفة عناية القلب بالتخصصي لبضعة.. أشهر حيث خضع لعمليات عدة في القلب وكان يصارع الموت كانت ألسنة المترشحين لعضوية النادي تلوك في لحمه وسمعته إعلامياً وهو في حالته تلك مما دفعني إلى إرسال رسائل عتب شخصية إلى البعض منهم..
والسؤال الذي يطرح نفسه ماالذي حققه المجلس الجديد للنادي منذ استلام مهامه برئاسة الشاعر والأديب الشاب محمد إبراهيم يعقوب غير المزيد من الانقسامات بين أعضائه والملاسنات بعد عجزهم عن إدانة من سبقوهم من مجالس سابقة.
وأين إنجازات المجلس الحالي في تشجيع ودعم واحتواء ناشئة الأدب والذائقة الثقافية والمعرفية.
وأين أخرى تتعلق بما تميز به النادي من نشاطات منبرية تثري الثقافة والإبداع وتستقطب أفضل الجمهور الذواقة الزاحفين إلى قاعات أي نادٍ أدبي على مستوى المملكة.
أرسل لي ذات يوم الأديب والمؤرخ الكبير محمد أحمد العقيلي يستدعيني إلى مكتبه لأمر "ما" وبعد مدة أرسلت له اعتذاراً لانشغالي عن زيارته، ولما شعرت أنني ارتكبت فعلاً أخرق بحق الرجل، توجهت إليه ذات صباح وهو الرجل الذي يضبط الجازانيون ساعاتهم على توقيت خروجه من منزله لمكتبه. إنه رجل يقدر قيمة الوقت بشكل نادر. فاستقبلني بابتسامته المعهودة ولما شرعت في سرد اعتذارتي التفت إليه فإذا عيناه تذرقان الدمع بألم قلت له: ما هذا يا أبا أحمد.؟! فقال: لقد قذفت برسالتك في المهملات ولم أكمل قراءتها لأنني لم أتوقع منكم مثل هذا. لقد أصبحت مثل البعض الذين ساعدتهم في الوصول والانتشار فلما أصبحوا في مواقع رفيعة إعلامياً أو رسمياً تجاهلوا مساعدتي لهم.. إنه العقيلي أصبح الآن مهمشاً من الغارقين في أوهام ذواتهم الرفيعة ويحسبون أنهم على شيء؟ الأمر ذاته ينطبق على الأديب طاهر عوض سلام في الأيام الأخيرة من حياته وكذا الكاتب محمد العابش لقد عايشت آلامهما عن كثب من جحود الجيل الصاعد المتجاهل لمنجزات جيل جازان الذهبي.
لقد عاصرت أكثر من خمسة مجالس أدبية لنادي جازان كانت جميعها مضرب المثل في التميز الأدبي والإنساني والإداري بالرغم من جسامة المسؤوليات الرسمية والاجتماعية لرؤساء النادي وأعضاء مجالس إدارتهم وبالرغم من أن الخلافات خبز العمل المملح فلم يكن ذلك ليطفو على السطح.
أديب كبير وشاعر فحل. هو حسن فرح الفيفي طريح الفراش في غيبوبة منذ شهرين بالعناية المركزة بمستشفي الملك فهد بجازان. أزعم أن معظم أعضاء مجلس إدارة نادي جازان الأدبي المتصارعين المنسحبين منهم والباقين لم يسمعوا به قط ولا يعرفون تاريخه الأدبي والثقافي الفريد وهو الذي عرف عنه أنه مربي أمراء وزراء ورجالات دولة، فهل سأل عنه الباحثون عن الكراسي والأضواء؟
ويا سمو أمير جازان المبدع والمتميز؛
تدخل بجرعة من قلمك الصارم تصحح بها وضع النادي
وتغيب من غيبوا ثقافة جازان وتاريخها الأدبي الناصع
وكان مجيئهم مجرد ضربة نجم في ليلة سوداء.
::