لونك المفضل

المنتديات الثقافية - Powered by vBulletin
 

صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123
النتائج 41 إلى 57 من 57

الموضوع: قرأت لكم .. " سلسلة الأدب العالمي "

  1. #41
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية Fifi Maria

    التنمية البشرية
    تاريخ التسجيل
    03 2012
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,905

    رد: قرأت لكم .. " سلسلة الأدب العالمي "

    لا زلنا نقرأ رواية " حلم رجل مضحك " ...


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    أذكُرُ أنني لمحتُ في ذلك الظلام الشديد نجماً، فسألتُ رغماً عني: "أهذا نجم سيروس؟" ذلك أنني ما أحببتُ أن أتوجَهَ إلى من يحملني بأي سؤال، فأجابني قائلاً:‏

    "لا، إنهُ النجمُ نفسه الذي رأيتَهُ بين السحاب حين كنتَ عائداً إلى منزلك، كنتُ أعلم أن لهذا الكائن هيئة إنسان، ومن غريب الأمر أنني ما أحببتُ هذا الكائن، بل شعرتُ تجاهَهُ بكرهٍ شديد. لقد انتظرتُ العدمَ المطلق ولأجل ذلك أطلقتُ رصاصةً في قلبي، فإذا بي بين يدي كائنٍ؛ هو بالتأكيد لا إنساني ولكنهُ "موجود".‏

    فكّرتُ بخفّة الحلمِ العجيبة: "إذاً هناكَ وراء القبر حياةٌ أخرى!"، لكنَ ميزتي الأساسيّة ظَلّت في أعماقي: "إذا كان لا بُدَّ أن (أوجدَ) ثانيةً ـ فكّرتُ ـ بإرادةِ أحدٍ ما فإنني لن أكونَ مَغلوباً ومُذلاًّ".‏

    "أنتَ تعلم أنني أخافك، ولهذا أنتَ تحتقرُني"، قلتُ لرفيقي، دون أن أستطيع كبح هذا السؤال المُذل، الذي ينطوي على اعتراف و ينغرس في قلبي كإبرةٍ سببها الجبن.‏

    لم يجبني عن سؤالي، ولكنني شعرتُ فجأةً أنه لا يحتقرني، ولا يضحَكُ من فعلي، ولا يرثي لي في الوقت نفسه، وأن لدربنا هذا غاية ينتهي إليها، سريّة غير معروفة ولا تعني أحداً سواي، ازدادَ الرعبُ في قلبي، ونفذَ صمتُ صاحبي إلي عميقاً ومؤلماً.‏

    واجتزنا فضاءاتٍ مظلمةٍ ما رأتها عين، وما عدتُ أرى نجوماً مألوفة من قبل.‏

    وكنتُ من قبلُ أعلم أن في أعماق الفضاء توجدُ نجومٌ لا تصلُ إلينا أنوارها إلا بعدَ آلافِ وملايين السنين، لعلّنا قد قطعنا تلك الفضاءات، كنتُ أنتظرُ شيئاً ما في وحدة قلبي العميقةِ والمخيفة، وفجأةً وبينما أنا كذلك إذا بعاطفةٍ معروفةٍ تهزّ كياني وتوقظ ماضيّ بقوةٍ: لقد رأيتُ فجأةً شمسنا! كنت أعلمُ أنها لا يمكن أن تكون (شمسنا)، شمسنا التي ولدت أرضنا، وأعلم أننا نبعدُ عن شمسنا مسافاتٍ لا نهائية، لكنني كنت أحسُّ بكل جوارحي أنها تشبُهُ شمسنا تمام الشبه، وهي نسخة عنها، ونظير لها. إحساسٌ لذيذٌ حلوٌ غَمَر روحي: وقوّة الضياء الخلاقة التي ولدتني، ترجّعت في قلبي وبعثتهُ من جديد، فأحسستُ بالحياة تعودُ إلى عروقي، لأوّل مَرّةٍ بعدَ أن قُبِرت.‏

    ـ ولكن إذا كانت هذهِ هي الشمس، إذا كانت شمساً كشمسِنا تماماً ـ هتفتُ به، فأين هي الأرض إذاً؟‏

    فأشار مُرافقي إلى نجمةٍ تُشّعُ في الظلمةِ بضياءٍ زُمردّي اللون، وكنا في الآن نفسه نتجهُ نحوها.‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    ـ هل من الممكن أن يحدثَ مثلُ هذا التكرارِ في الكون؟ وهل هو قانون الطبيعة؟ وإن كانت تلك هي الأرضُ، فهل هي أرضٌ كأرضنا تماماً، مثلها تعيسة، وفقيرة، ومثلها غالية ومحبوبة أبد الدهر، وقادرة على استدرار حُبِ أبنائها وحتى أكثرهم جحوداً؟ ـ قلت ذلك هاتفاً وأنا أرتعشُ جراءَ حُبٍ طاغٍ وشديد تجاه تلك الأرض التي ولدتُ عليها وهجرتُها، وكانت طيف تلك الطفلة البائسة التي أهنتُها يخفقُ أمام عيني.‏

    ـ سترى كل شيء ـ أجابَ مُرافقي وكانت كلماتُهُ تشي بحزنٍ ما.‏

    ولكننا كنا نقتربُ بسرعةٍ من الكوكب، فيكبُرُ حجمُهُ في عينيّ، ثمّ مَيّزتُ المحيط وحدود أوروّبا، فاشتعلت غيرةٌ غريبةٌ ومقدّسةٌ في قلبي: "كيف يمكن أن يحدث مثل هذا التكرار؟ ولأية غاية؟ أنا أحبُ... أنا أستطيع أن أحب تلك الأرض التي تركتُها ورائي، تلك الأرض التي تناثَرَ دَمي فوقها، عندما أطلقتُ الرصاص في قلبي جاحِداً كل شيء، ومنهياً حياتي، ولكنني لمْ أتوقّفْ عن حبّها أبداً، وحتى في تلك الليلة التي فارقتها فيها فقد شعرتُ بحبّها أشدُ تعذيباً لي من أي وقتٍ مضى، هل ثمّة عذاب على هذه الأرض الجديدة؟ على أرضنا لا نستطيع أن نحب إلا مع الألم والعذاب، وفقط من خلالهما، وإلا فإننا لا نستطيع أن نحب، بل لا نعرفُ حُبّاً آخر، لهذا أنا أطلبُ العذابَ كي أتمكّن أن أحب، كم أتعطّشُ في هذهِ اللحظة أن أقبلَ الأرضَ وأغسلها بدموعي، تلكَ الأرض التي هجرتها والتي لا أريدُ، بل لا أستطيع العيش إلاَّ عليها فقط!".‏


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    لكن مُرافقي كان قد تركني وحيداً. وأصبحت فجأةً ـ وكما لو أنني لم أنتبه لذلك ـ أقفُ على تلك الأرض الأخرى غارقاً في نور شمسٍ ساطع، في يومٍ نعيميٍ رائع. لقد وقفت على ما أظنُ على أرضِ جزيرةٍ من تلكَ الجزر التي تشكّل أرخبيل(2) اليونان، أو على شاطئ أرضٍ تشرِفُ على ذاك الأرخبيل. كل شيء كان يشبُهُ ما ألفناهُ على أرضنا تماماً.‏

    وتراءى لي أن حبوراً وعيداً يشعُّ في كل مكان حتى يبلغُ الأمرُ مرحلةَ النشوة والروعة.‏

    والبحرُ الزمرديُ اللطيف يُداعبُ الشاطئ بحبٍ واضحٍ عن وعيٍ تقريباً.‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    يتبع ....
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيمركز

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تحميل الصور

  2. #42
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية Fifi Maria

    التنمية البشرية
    تاريخ التسجيل
    03 2012
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,905

    رد: قرأت لكم .. " سلسلة الأدب العالمي "

    وأشجارٌ باسقةٌ عاليةٌ رائعة انتصبت في المكان غزيرة الأوراق وكثيفتها وبَدَتْ لي وكأنها تحييني بمودّة بحفيفها الصامت الرقيق، وتخاطبني بكلمات الحب. واشتعَلَ المرجُ أزهاراً عَطِرةً مضيئة، أما العصافيرُ فكانت تطيرُ نحوي أسراباً مطمئنةً آمنة وتحطُ على كتفيَّ ويديَ مصفّقةً بأجنحتها الصغيرة مغنيةً لي. وأخيراً رأيتُ وعَرَفت بشَرَ تلك الأرض. لقد جاءوا إلي بأنفسهم، أحاطوا بي، وقبّلوني.‏

    أبناءُ الشمس، أبناءُ شمسهم ـ كم كانوا رائعين! ما رأيتُ في حياتي جمالاً كجمالهم على أرضنا، وهل بالإمكانِ أن تجدَ صورةً ولو باهتةً من جمال هؤلاء الأطفال في أطفالِنا حديثي الولادة! عيون هؤلاء البشر السعداء كانت تشعُّ ضياءً ونوراً.‏

    ووجوههم تشرقُ حكمةً ووعيّاً، يبلغُ أقصى حدود الهدوء والرزانة، في أصواتهم وكلماتهم كانت ترنُّ نغمةُ سعادةٍ طِفْليّة. وقد فهمتُ كل شيءٍ من النظرة الأولى إلى وجوههِم. إنّها الأرضُ؛ قبل أن تلطّخها الخطيئة، وعليها يعيشُ البشرُ دون خطيئةٍ، يعيشونَ في هذهِ الجنّة؛ التي تناقَلَ البَشَر أن أجدادنا عاشوا فيها قبل أن يرتكبوا آثامَهم، مع فرقٍ واحدٍ، هو أن هذهِ الأرض هُنا، إنّما هي جنّة في كل جنباتِها وجهاتِها. كان هؤلاء الناس يضحكونَ من حولي بجذلٍ ومَرَحٍ، يقتربونَ مني ويمازحونني، ثُمَّ مضوا بي إلى منازلهم وكُلّ منهم يحاولُ أن يرفّه عني ويسلّيني، وما سألوني عن أي شيء، وكأنهم كانوا يعرفونَ الأشياء جميعها؛ هذا ما بدا لي. لقد كان همّهم أن يطردوا تعابير العذاب عن ملامح وجهي.‏


    يتبع ....
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيمركز

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تحميل الصور

  3. #43
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية Fifi Maria

    التنمية البشرية
    تاريخ التسجيل
    03 2012
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,905

    رد: قرأت لكم .. " سلسلة الأدب العالمي "

    مسآكم حلآ


    توقفنا لفترة عن قراءة الروايات .. و ها نحن نعود اليوم لنستكمل رحلتنا مع حلم رجل مضحك :


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    إنكم ترونَ مَرّة أخرى: وليكن أن ما شاهدتُهُ كان مُجرّد حُلم! لكن إحساسي بمحبّة أولئكَ الناس الأبرياء الرائعين انغرسَ في قلبي إلى الأبد، وما زلتُ أحسُ أن حبّهم يتدفّق نحوي من هناك حيث هم موجودون، لقد رأيتهم بنفسي وعرفتهم وتألمتُ لأجلهم بعد ذلك، آه لقد أدركتُ لحظتَها أنني لا أفهمهم حق الفهم، لقد بدا لي ـ أنا التقدمي الروسي الحديث، والبطرسبورغي العفن ـ بدا لي وبشكلٍ معقّد أنهم ورغم معرفتهم الكبيرة يجهلونَ علومَنا. ثُمّ ما لبثتُ أن أدركت أن معارفهم هم اكتملت وتشبّعت بمدركاتٍ واختراقاتٍ مختلفةٍ تماماً عَمّا لدينا على الأرض، وتطلعاتهم أيضاً مختلفة عن تطلّعاتنا لقد كانوا هادئين بلا رغبات، ولم تكن لديهم تلك المحاولاتُ لمعرفة ِالحياة، كما هو الحالُ عندنا، لأن حياتهم كانت كاملة، ومعرفتهم أكثر عُمقاً وسُمّواً من عِلمنا، لأن علمنا إنما يسعى لمعرفةِ الحياة وشرحها، لتعليم الآخرين، أما هم فقد عرفوا كيف يعيشونَ ودون علم، وهذا ما عاينتُهُ بنفسي، لكنني لم أستطع أن أفهَمَ معارِفَهم.‏

    لقد أروني أشجارَهم، لكنني لم أستطع أن أفهم درجةَ الحب السامية التي كانوا ينظرونَ من خلالها إلى تلك الأشجار: وقد تحدّثوا إليها كما يتحدّثونَ إلى أشباههم من البشر.‏

    ولا أخطئُ لو قلت إنهم وجدوا لغةَ الأشجار وتكلّموها. نعم اكتشفوا لغة الأشجار وقد فهمتِ الأشجارُ بدورها كلامهم. لقد نظروا إلى الطبيعةِ بهذهِ الصورة ـ إلى الحيوانات التي عاشت معهم بسلام؛ ما هاجموها ولا هاجمتهم، بل أحبوها وبالحبِ، روّضوها. لقد أروني النجوم وحَدّثوني عنها حديثاً لم أفهمهُ، لكنني واثِقٌ من أنهم على تماسٍ حي مع نجوم السماء تلك وليس الأمرُ مجردُ تماسٍ أو رباطٍ فكري. أوه لم يسعَ أولئكَ الناس لجعلي أفهمهم، بل أحبّوني دون ذلك، وقد فهمتُ بالمقابل أنهم أحياناً ما استطاعوا استيعابي، رُبّما لأنني تقريباً لم أحدثهم عن أرضنا، لكنني قبّلتُ تلك الأرض التي يقفونَ عليها، ودونَ كلماتٍ شعرتُ باحترامٍ ومودّة تجاههم، وقد شعروا بذلك فتركوا لي أن أحبّهم وأودّهم دون شعورٍ بالحرجِ من قَبلهم، لأنهم هم أنفسهم كانوا ممتلئينَ بالحب.‏


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    لم يتعذّبوا لأجلي حين قبّلتُ أقدامهم أحياناً ودموعي تغطيّ وجهي، لكنني كنت أشعر بسعادة مَبْعَثُها إحساسي بمقدار قوّة الحب التي سيعوّضونني بها عن كل ذلك. كنت أتساءل أحياناً بشيءٍ من الدهشة: كيف استطاعوا طوال الوقت ألا يسيئوا إلى واحدٍ مثلي، وألا يبعثوا فيَّ شعوراً بالغيرةِ أو الحسد ولو لمرّة واحدة؟ وقد سألتُ نفسي مراراً، كيف استطعتُ أنا المتباهي الكذّاب ألا أحدّثهم عن مداركي ومعارفي التي بطبيعة الحال لا يعرفونَ عنها أيّ شيء؟ كيفَ لم أشعر برغبة في إدهاشهم حتى ولو من قبيل الحب نحوهم؟ لقد كانوا فرحين مرحين كالأطفال، يطوّفونَ في أرجاءِ أحراجهم وغاباتهم، ويغنونَ أغنياتهم الرائعة، ويكتفونَ بثمار أشجارهم وعَسلِ غاباتهم وحليب حيواناتهم المحبوبة؛ مما هو خفيفُ المأكل لأجلِ طعامِهم وكسائِهم ما كانوا يعملونَ إلا قليلاً، كانوا يعيشونَ الحب وينجبونَ الأطفال ولكنني لم ألاحظ لديهم في يومٍ من الأيام اندفاعات تلك اللذة "القاسية"، التي يبلغها تقريباً كل شخصٍ على أرضنا، وتعتبَرُ مصدر كل آثامِ وأخطاء الإنسانيّة.‏

    كانوا يفرحونَ بولادةِ أطفالهم كمشاركين جدد في أعياد مسراتِهم، وما رأيتُ بينَهم حسداً أو خصومات، بل ما كانوا يعرفونَ معنى هاتين الكلمتين، وكان طفلُ أحدهم طفل الجميع، صانعين بذلك أسرةً واحدةً، المرضُ تقريباً لم يكن لَهُ وجود عندهم، مع أن الموتَ موجود طبعاً، كان الشيوخ منهم يموتونَ بهدوء وكأنهم ينامون محاطين بذويهم الباسمين المباركين، وعلى شفاههم أنفسهم علائم البسمة. لم أرَ حداداً أو دموعاً خلال ذلك، بل حُبّاً يزدادُ حتى يصل مرحلة الهيام والوجد الهادئ الرصين والكامل؛ حتى يدفعك كل هذا إلى التفكير بأنهم يظّلونَ على صلة مباشرة مع موتاهم بعد أن فارقوا الحياة، وأن الموتَ لا يستطيعُ أن يقطعَ أو يُبترَ الوحدةَ الأرضيّة التي تربط بينهم، لم يفهموني تقريباً حين كنت أسالهُمُ عن الحياة الأبديّة، ولكنهم على ما يبدو كانوا مقتنعين بها عن غير وعيٍ بطريقةٍ كفتهم ضرورة طرح السؤال.‏




    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



    لم تكن لديهم معابد، لكنهم كانوا يعيشونَ في اتحادٍ كامل متواصلٍ مع "الكون الكلّي"، لم يكن لهم دينٌ محدد، بل ثقةٌ راسخة، بأنهم حين يبلغونَ أو يحققون فرحتهم الأرضيّة حتى أقصى حُدودِ الطبيعةِ الأرضيّة، فسيحققون جميعاً ـ الأحياء منهم والأموات ـ أقصى درجاتِ التواصِلِ والاتحادِ مع "الكون الكلّي". كانوا ينتظرونَ تلكَ اللحظة بفرحة ودونِ تعجّل، ودون عذابِ الانتظار، كما لو أنهم قد قبضوا على تلك اللحظة بنبوءاتِ قلوبهم، وتناقلوها فيما بينَهم.‏

    كانوا قبل أن يذهبوا إلى النوم يحبونَ تشكيل جوقاتٍ جماعيّة منظّمة، تُردِدُ أُغنيات تبثُّ إحساساتهم التي تراكمت خلال النهار في نفوسهم، وبذلكَ يباركونَهُ ويودّعونَه. يباركونَ الطبيعةَ والأرضَ والبحر والغابات. كانوا يحبّونَ تأليفَ الأغنيات أحدهُم عن الآخر، فيُثني واحدهم على زميلِهِ ويمتدحُهُ كالأطفال فيما بينَهم، كانت تلك أغنيات بسيطة، ولكنّها مؤثرة لأنها نابعة من القلوب، وما كانوا يلاطفونَ بعضهم بالأُغنيات فحسب، بل في كافةِ وجوهِ الحياة، فهم ينفقونَ الحياة في حبِ بعضهم بعضاً.‏

    غير أني لم أفهم تقريباً أغنياتِ النشوة والانتصار التي كانوا يؤدّونَها، ورغم معرفتي بمعاني كلمات تلك الأغنيات غير أني لم أستطع أن أنفذَ إلى عمق دلالاتِها ومعانيها الكليّة، لقد بقيتْ قصيّةً عما يستطيعُ عقلي أن يبلُغَه، لكنَ قلبي بالمقابل استطاعَ أن ينفذَ إلى تلك المعاني ويتشبّع بها أكثر فأكثر، قلتُ لهَمُ مراراً أنني ومنذ زمن بعيد قد تنبأتُ بكل ذلك، وأن ذلكَ الحبور وتلك السعادة قد تكشفا لي على أرضنا بصورة حنينٍ جارف، يبلُغُ أحياناً درجةَ الألم الذي لا يُحْتَمَل، وأنني تصوّرتهم وتصوّرتُ مجدَهم مُسْبقاً في أحلام طفولتي، وأمنياتِ عقلي، وأنني ما كنتُ أستطيع النظر وأنا على الأرض إلى الشمس الغاربة إلا وتمتلئ عيوني بالدموع... وأن بغضي لأهل الأرض كان دائماً ممتزجاً بالألم: لماذا لم أستطع أن أكرههم، أو أحبّهم؟، لماذا لم أستطع أن أسامحهم؟ ولماذا يمتزجُ ودّي لهم بالألم؟ لماذا لا أستطيع أن أحبّهم أو أكرههم؟.‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    يتبع ...









    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيمركز

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تحميل الصور

  4. #44
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية Fifi Maria

    التنمية البشرية
    تاريخ التسجيل
    03 2012
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,905

    رد: قرأت لكم .. " سلسلة الأدب العالمي "

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    كانوا يستمعونَ إلي وكنتُ أرى أنهم لا يستطيعونَ تصوّر ما أقوله، ولكنني لم أندم على ما قلتُهُ لهم. وعلمتُ أنهم يفهمونَ قوّة حنيني إلى أولئكَ الذين فارقتهم.‏

    بلى؛ عندما كانوا ينظرونَ إليّ بنظراتِ محبّتهم النفّاذةِ العذبة، فأحسُ أن قلبي في حضرتهم يصبُحُ بريئاً وصادقاً كقلوبهم كنتُ حينها لا أشعُرُ بالندم أنني لا أفهمُهم. وتحت تأثير الإحساسِ بامتلاء الحياة بينهم كانت تتقطّعُ أنفاسي وأبدأُ بالصلاةِ لأجلِهم صامتاً.‏

    [...> أتعلمونَ؛ سأبوحُ لكم بسر: رُبّما كل ما سبق لم يكن حُلماً! لأن ما حَدَثَ كانَ مهولاً وفظيعاً في حقيقتِهِ، بحيث لا يمكن أن يتراءى في حُلم.‏

    ولنفترض أن حُلمي هذا كان وليدَ قلبي، فهل باستطاعة قلبي منفرداً أن يلدَ تلك الحقيقة الهائلة، التي تحققت بعد ذلك؟ كيفَ كانَ بإمكاني أنا وحدي أن أتخيّل كل ذلك، أو أن أَحْلُمَ بهِ في فؤادي؟ وهل باستطاعةِ قلبي الصغير، وَعَقْلي الضحل المُتَقلّب أن يتساميا إلى تلك السويّةِ من معرفةِ الحقيقة؟ احكموا على ذلك بأنفسكم: أنا حتى هذهِ اللحظة كتمتُ الكثير عنكم، لكنني الآن سأقول كل الحقيقة.‏

    الأمرُ وما فيه أنني... قد أفسدتُ الجميع!‏

    نعم، نعم، لقد انتهى بي الأمرُ إلى إفسادهم جميعاً! كيف حدث ذلك ـ لا أعلم!‏

    لا أذكرُ تماماً. لقد طار الحُلمُ عابراً ألوف السنوات وتركَ في نفسي إحساساً مُتكامِلاً فحسب. ما أعلَمُهُ أنني أنا نفسي سبب الإثم الأوّل. فكدودةِ خنزير، كذرّة طاعونٍ، يمكن أن تُعدي بلداً كاملاً، أمَرضتُ بحضوري أرضاً سعيدةً لا خطيئةَ فيها.‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    لقد تعلَّموا الكذب وأحبّوه وعَرَفوا مواطن الجمال فيه. رُبّما بدأ الأمرُ (بريئاً) على سبيل المزاح، أو الغنجِ والدعابة واللعب، وحقيقة الأمرُ أن البداية كانت ذرةً؛ لكن ذرّة الكذب تلك تسرّبت إلى قُلوبهم وأعجبتهم. بعد ذلك ظهرت اللذّة بسرعة، واللذّةُ ولّدت الغيرة، والغيرةُ بدورها ـ وّلدت القسوة... آه، لا أعلم؛ لا أذكر ولكن بعد ذلك بقليل سُفِحَ الدمُ الأوّل: فدهشوا وذعروا، وتفرّقوا، وتباعدوا عن بعضهم. ثُمّ ظهرتِ التحالفات، ولكن الواحدَ ضد الآخر، وبدأت المعاتباتُ والتقريعات. وعرفوا الخجل، الذي أمسى فضيلةً، وظهَرَ مفهومُ الشرف، ورفَعَ كل حِلفٍ رايتَهُ الخاصة. وبدؤوا يعذّبون الحيوانات، ففّرت منهم إلى الغابات وأصبحت عدواً لهم، ثم بدأت المعركةُ لأجلِ "الانفصال" و"الفرديّة" و"الشخصيّة" لأجلِ: هذا لك وهذا لي. وأخذوا يتحدّثونَ بلغاتٍ مختلفة، وعرفوا الاكتئاب، وأحبّوه.‏

    وتعطّشوا للعذاب، فقالوا إن الحقيقة لا تُبْلَغُ إلا بالعذاب. وعند ذلك ظهرَ العِلمُ عندهم، وعندما أصبحوا أشراراً أخذوا يتحدّثونَ عن الأخوّة والإنسانيّة وفهموا تلك الأفكار. وعندما أصبحوا مجرمين اخترعوا العدالة، وكتبوا قوانينَ تصونها، ولأجلِ تطبيق القوانين نصبوا المقصلة. وما تذكّروا إلا قليلاً ما فقدوه ورفضوا أن يصدّقوا أنهم كانوا ذات يوم بريئين وسعداء، بل سخروا من إمكانية تحقق نموذج سعادتهم القديمة وسمّوه حُلماً، وعجزوا عن تصوّرِهِ في شكلٍ أو هيئةٍ محسوسة، ومن غريب الأمور: أنهم رغمَ فقدانهم الإيمان بسعادتهم البائدة، وتسميتهم إياها حكاية أو خُرافة، ظلّوا يتوقونَ بقوّة إلى استعادةِ براءتهم وسعادتهم، وسجدوا ثانيةً أمامَ أمنياتِ قلوبهم تلك كالأطفال، وألّهوا تلك الأمنيات، فبنوا مَعابِدَ وراحوا يصلّون فيها لتلك الأفكار، لتلك "الأُمنيات"، مَعَ علمِهم أنها غير قابلة للتحقق، ولكن الدموع مع ذلك ظلّت تُرافق صلواتهم وخشوعهم، ورغم ذلك لو كان باستطاعتهم العودةَ إلى تلك الحالة من البراءة والسعادة، التي فقدوها، وتمكّن أحدٌ ما من وضع تلك الحالة أمامهم وسألهم: هل يرغبون بالعودة إليها؟ ـ لأجابوا أغلب الظن بالرفض. ولقالوا: "فليكن أننا كذابون، أشرار، وغير عادلين، (نعلمُ ذلك) ونبكي ونعذّب أنفسنا بسببهِ، ونعاقبُ ذواتنا بصورة أشد بكثير مما يمكن للدّيانِ الرحيم أن يفعل بنا حين يحاسبنا، وما زلنا لا نعرفُ اسمَه.



    يتبع ... نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيمركز

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تحميل الصور

  5. #45
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية Fifi Maria

    التنمية البشرية
    تاريخ التسجيل
    03 2012
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,905

    رد: قرأت لكم .. " سلسلة الأدب العالمي "

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    لكن لدينا العلم الآن، وسنبحَثُ بواسطتِهِ عن الحقيقة من جديد، فنعتنقها بوعي هذه المرّة المعرفةُ فوقَ الإحساس. الوعي بالحياة فوق الحياة نفسها، العلمُ يمنَحُنا الحكمة والحكمة تكشف لنا القوانين، ومعرفة قوانين السعادة فوق السعادة".‏

    هذا ما قالوه، وبعد تلك الكلمات ارتفعت نرجسيّةُ كلٍ منهم فوق الآخرين، وما كان بمقدورهم أن يتصرّفوا بغير ذلك. وازدادت غيرةُ كلٍ منهم على شخصيّتِهِ وأصبح يسعى إلى إذلالِ شخصيّات الآخرين والخفض من شأنها، واعتمد على بقائه الشخصي فحسب، وظهرت العبوديّة، بل العبوديّة الطوعية أيضاً: فخضَعَ الضعفاءُ للأقوياء طوعاً، طمعاً في مساعدتهم على سحقِ من هم أكثر منهم ضعفاً. ظهَرَ نفرٌ من الصالحين؛ ممّن قدموا على هؤلاء البشر والدموع في عيونهم ناصحين لهم؛ فحدّثوهم عن صلفهم، عن فقدانِهم الاعتدال والاتساق (الهارمونيا)، عن فقدانهم الخجل، فسخروا منهم، وقذفوهم بالحجارة أحياناً، فسال الدمُ المقدّسُ على عتباتِ المعابد. وبالمقابل ظهَرَ نفرٌ من الناس راحوا يفكرونَ: كيف يعيدونَ الوحدة بين الناس، بحيث يبقى الواحدُ من البشر يحبُ نفسه أكثرَ من الجميع، ولكن لا يقفُ في طريق غيره، فيعيشُ الجميعُ في مجتمعِ الوئام.‏

    واندلعت حروبٌ كاملة بسبب هذهِ الفكرة، وكانَ كلُ المحاربين يؤمنون بقوّة أن العلم والحكمة والرغبةَ في البقاء ستجبرُ الإنسان في النهاية على الاجتماع في مجتمعٍ عاقلٍ ومبنيٍ على الوفاق، ولأجلِ هذهِ الغاية، سعى "الحكماءُ" بسرعةٍ إلى تصفيةِ "غير الحكماءِ" جميعاً، ممّن لا يفهمونَ أفكارهم، كي لا يعيقوا الانتصار.‏

    لكن رغبة البقاء الذاتي سرعان ما ضعُفت، لينهضَ المعتزّون بأنفسهم، المتجبّرون المندفعون خلف ملذّاتهم، والذين يطلبونَ كلّ شيء أو لا شيء، ولأجلِ الحصولِ على كل شيء لجؤوا إلى الوحشيّة ـ فإن لم يبلغوا غايتهم فإلى الانتحار!‏

    ظهرت دياناتٌ تدعو إلى العدم وتدمير الذات لأجلِ الراحة الأبديّة في اللا وجود.‏


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    وأخيراً تعب هؤلاء البشر من عملهم اللا مجدي، وظهرت على وجوههم علائم المُعاناة، فنادوا بأن العذاب والمعاناة هما الجمال، لأن الفكَرَ في العذاب. ومضوا يغنونَ الألمَ في أغنياتهم. وكنتُ أتجوّل فيهم منحنيَ اليدين؛ باكياً لأجلهم، وشاعراً بالحب نحوهم رُبّما أكثرَ من ذي قبل، حين لم يكن العذابُ يعلو وجوههم، وكانوا بريئين رائعين. وأحببتُ الأرضَ التي دنّسوها أكثرَ مما مضى؛ يومَ كانت جنّةً، لأن الألمَ قد ظهَرَ على سطحها، وآ أسفاه لقد أحببتُ الألمَ والعذابَ دائماً، أحببتُهما لنفسي، لنفسي فحسب، أما لأجلهم فقد بكيتُ ورثيت. ورحتُ أبسطُ يدي نحوهم مديناً نفسي، لاعناً ومحتقراً إيّاها حتى الهذيان، قلت لهم إن كل هذا إنما صنعتُهُ أنا، أنا وحدي، وأنا الذي حملتُ إليهم الفساد، والعدوى والكذب وتضرّعت إليهم كي يصلبوني وعَلَّمتُهم كيف يصنعون الصليب. لم أكن من القوّة بالمقدار الذي يجعلني أقتلُ نفسي، لكنني أردتُ أن أحمِلَ عذاباتِهم جميعها، وكنت أتحرّقُ للألم والعذاب، وأتمنى أن يسفح دمي حتى آخر قطرة في سبيل ذلك، ولكنهم ما زادوا عن الضحكِ مَما أفعله، ثم اعتبروني مجنوناً مجذوباً في النهاية، واعترفوا لي قائلين أنهم حصلوا على ما تمنّوه لأنفسهم فحسب، وأن كل ما هو موجود الآن؛ ما كان بالإمكانِ إلا أن يوجد. في النهاية أعلنوا إنني أصبحتُ خَطِراً عليهم، وسيحبسونني في بيت المجانين، إن لم أصمت، عندها نفذَ الحزنُ إلى نفسي بصورةٍ شديدةٍ، أحسستُ أن قلبي جراءَها قد انقبَضَ بقوّة، وأنني أموت... وعندها، في تلك اللحظة صحوتُ من النوم.‏

    كان الوقت فجراً، والضياءُ لم يعمَّ بعد، الساعة تقاربُ السادسة، وجدّتُني جالساً على المقعدِ نفسه، والشمعَةُ قد احترقت حتى النهاية، في غرفة الكابتن الكل ينام، والهدوءُ يعمُّ كما لا يحدثُ عادةً في بيتنا هذا.‏

    أوّل شيء فعلتُه هو أنني قفزتُ واقفاً واعترتني دهشةٌ غريبة، فأنا لم يسبق أن حدثَ لي ما حدث اليوم، حتى بخصوصِ الصغائرِ: كأن أنام على مقعدي جالساً. حين وقفتُ واستعدتُ رشدي لاحظتُ مسدّسي المحشو الجاهز ـ فأبعدتُهُ جانباً بسرعة آه.. الحياةُ الآن.. الحياة! رفعتُ يديّ مبتهلاً للحقيقة الأبديّة، بل باكياً باكياً باندفاعٍ شديد لا حدود له، رَفَعَ وجودي كُلَّه، نعم عليّ أن أحيا ـ وأُبشّر!‏

    آه حول التبشير حسمتُ موقفي في اللحظةِ نفسها، وبالطبعِ حتى نهاية حياتي!‏

    سأنطلقُ مبشِّراً، وأريدُ أن أبشّر ـ لكن بماذا؟ "بالحقيقة!"، فقد رأيتُها، رأيتها بعينيَّ، رأيتُ مجدها كُلّه!‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    وهكذا ومنذ ذلك الوقت رحتُ أُبشّر!، ووجدتُني أُحبّ أولئكَ الذين يسخرونَ مني أكثر بكثير ممّا أحبُ غيرهم، أما لماذا ـ فلا أعلم ولا أجدُ تفسيراً لذلك، ولكن فليكن ما الضير! يقولونَ الآن إنني ضللتُ الطريق، وما دمتُ قد فعلتُ ذلك الآن فإلى أين سأصل؟ وهذه حقيقةٌ لا غبار عليها: لقد ضللتُ وقد تسوءُ الأمور أكثر في المستقبل. ولا شكَ أنني سأضيعُ أكثر من مَرّة قبل أن أهتدي إلى سواء السبيل، فأعرف كيف عليّ أن أبشّر وبأيةِ كلماتٍ وأفعال، لأن هذا الأمر في غاية الصعوبة، وأنا أعلمُ هذا وأراهُ واضحاً كالنهار منذ الآن، لكن اسمعوا: من مِنّا لا يضل الطريق! ومع ذلك نسيرُ جميعاً إلى غايةٍ واحدة، أو لنقل يسعى الجميعُ إلى نهايةٍ واحدةٍ، من الحكيم حتى آخرِ مجرم، وإن اختلفت السُبُل، رُبّما كانت هذهِ حقيقةٌ قديمة، ولكن إليكم الجديد: أنا إن خُدعتُ ـ فليسَ إلى زمنٍ طويل، لأنني رأيتُ الحقيقةَ، لقد رأيتُ وعرفتُ أن البشر يمكن أن يكونوا رائعين وسعداء دون أن يفقدوا القدرة على الحياة فوق سطح الأرض.‏

    أنا لا أريدُ ولا أستطيعُ أن أصدّق أن الشر حالة طبيعيّة للإنسان، غير أنّهم جميعاً إنّما يسخرون مني بسبب اعتقادي هذا، ولكن كيفَ بإمكاني ألا أؤمن بذلك: لقد رأيتُ الحقيقة ـ ولم أختلق الأمرَ ذهنيّاً، لقد رأيتُها.. رأيتُها، وامتلأت روحي "بأُنموذجها الحي" إلى الأبد. شاهدتُها في تجلّيها المطلق، ولم أصدّق أنها لن تتحقق عند البشر. وهكذا، كيفَ لي ألا أضل؟ وأنحرف، بالطبع سيحدُثُ ذلك أكثر من مَرّة، وقد أتحدّثُ بكلامٍ غريب، ولكن ليس لوقتٍ طويل: فالأنموذج الحي الذي رأيته سيبقى معي دائماً؛ يُصححُ لي ويوجّهني. ها أنذا شجاعٌ، وفي نضارة الشباب وسأمضي وأمشي ولو ألف سنة، هل تعلمون؛ لقد أردتُ في البدايةِ حتى إخفاء خبرِ إفسادي لهم جميعاً، وقد كانت تلك غلطة ـ أوّل غلطةٍ لي!‏

    لكن "الحقيقة" سرعان ما وشوشتني: إنني "أكذب"، وبالتالي حفظتني وسددت خُطاي. كيف يمكن أن نبني الجنّة ـ لا أدري، لأنني لا أستطيعُ أن أعبّر عن ذلك بالكلمات، بعد حُلمي ذاك ضيّعتُ الكلمات، على الأقل؛ الكلمات الرئيسةُ كُلّها، الضروريّة جداً. ومهما يكن: سأمضي وأتحدّث دونَ كلل، لأنني قد عاينتُ بعينيَّ هاتين، حتى ولو لم أستطع وصف ما رأيت.‏

    ولكن المستهزئين في كل الأحوال لن يفهموا: "حُلمٌ، هذيان، هلوسة". إيخ... هل هذا من الحكمةِ في شيء؟! وسيعتزّونَ بكلامهم كثيراً!. حُلم؟ وما هو الحلم؟‏

    وهل حياتنا أكثر من حلم؟ وسأقول أكثر من ذلك: فليكن أن كل ذلك لن يتحقق وأن الجنَّة لن توجد أبداً (وأنا أفهم تماماً ذلك) ـ لكنني ورغم ذلك سأنطلقُ مُبشِّراً، فما أسهل الأمر رغم كل شيء: فمن الممكنِ في يومٍ واحد، بل (في ساعةٍ واحدة) ـ أن يُعَادَ بناء كل شيء وبالسرعة القصوى؛ وإنما المهم ـ أن تحبَّ الآخرين كما تحب نفسك، وهذا هو الأمرُ الرئيس ، الذي لا يعدِلُهُ أمر: فمتى حققتموهُ بنيتُم الجنَّة. وبالمناسبة هذهِ حقيقةٌ قديمة قرأها البشَرُ ورددوها بلايين المَرّات. فكيف إذاً يمكن التعايشُ مع الفكرة التي تقول: "إن وعي الحياة فوق الحياة نفسها، ومعرفة قوانين السعادة ـ هي أعلى من السعادة" ـ إن ما يجبُ النضال ضده هي هذهِ الفكرة بالتحديد! وسأفعل ذلك. ما أن يَرغبَ الجميعُ في شيء حتى يتحقق من لحظتِها.‏

    أما تلك الطفلة فسأجدها... سأمضي... وأمضي وأمضي!‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تمَّت .


    إلى اللقاء في رواية أخرى أحبّتي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيمركز

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تحميل الصور

  6. #46
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية Fifi Maria

    التنمية البشرية
    تاريخ التسجيل
    03 2012
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,905

    رد: قرأت لكم .. " سلسلة الأدب العالمي "


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    تحية محبة للجميع ...



    ها نحن نعود من جديد لنقرأ معا بعض ما جاد به الأدباء العالميون من روائع ، و اخترت لكم هذه المرّة شيئا مختلفا


    أطول رسالة في العالم

    - قصّة طويلة -



    نيكول سشيني غاوس

    ترجمة / وفاء شوكت



    شوكس.. Chouk's‏

    ( " يا حبيبتي "، إنه لمضحك، إذ أدعوكِ شوكس بفاصلة في نهاية الاسم لتحديد الملكية - كما في اللغة الانكليزية - إضافة إلى أن اسم " شوكس " أنيق، أليس كذلك ؟ ! ).‏

    يجب ألاّ نبدأ إطلاقاً رسالة ما بهلالين، أعرف، لكنني فعلت ذلك. من يمنعني سأكتب في هذا الدفتر كل ما أريد، مثلما أريد، ومتى أريد. وسوف أقدمه لكِ يوم زفافنا. ستكون أكبر رسالة في العالم !‏

    إنني لا أعرفك، لكنني، على الأقل، أعلم أنك ستكونين يوماً مازوجتي. لقد قررت أن أكتب لك ابتداءً من اليوم، لكي تعرفي من أنا، الآن، وكل الذي يحدث لي، وأنا لا أزال في الحادية عشرة من عمري.‏

    إذا كانت توقعاتي صحيحة، فأنت قد ولدت، وعمرك يتراوح بين ثماني وعشر سنوات. تذهبين إلى المدرسة، تأكلين، وتنامين في مكان قريب من هنا، أو ربما في أمريكا، سأعرف ذلك في المستقبل.‏

    مازلت أتساءل، في بعض الأحيان عن وجود " إله " يطوف في الفضاء، وينظر إلى الأشياء والكائنات، أو يتأملها فقط. إذا كان الجواب " نعم "، فإنه ربما يراقب كلاً منا في مكانه، وهو يعلم تماماً أننا سنلتقي معاً في يوم من الأيام.‏

    إنني أود كثيراً أن يوجد هذا الـ " إله "، ولكن يصعب جداً علي أن أؤمن به في الوقت الحاضر.‏

    عندما تحدثت مع جدتي عن هذا الموضوع، رمتني بنظرة باردة، وجملة غريبة : " إن الذين لايؤمنون بالله لايملكون خيالاً واسعاً، إن الخيال هو دليل أكيد على وجود الله ! " لوفهمتِ شيئاً من هذا الكلام ياشوكس، اعلميني بذلك عندما نكبر.‏

    إنني، في هذه اللحظة، في غرفتي، حقيبة كتبي جاهزة للغد، وجدي يعتقد أنني نائم.‏

    يعمل جدي في مكتبه، بعد العشاء. في الصباح، نتناول فطورنا معاً، على عجل فور وصول "جوليا"، ثم استقل الباص، مع " نيللي " و " لولو " إبنا الجيران، للذهاب إلى مدرسة " كليرمون ". أنا في الصف السادس. أتناول طعامي في مقصف المدرسة، وفي الساعة الخامسة وعشر دقائق، نأخذ الباص من جديد، لنعود إلى بيوتنا.‏

    إذا كان جدي موجوداً، عند وصولي إلى البيت، يستقبلني، ويطبع قبلة على خدي، ويسألني عن سير دروسي. في المساء، نتناول طعام العشاء منفردين، ونتفرج على التلفزيون الملوّن.‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    إنني إذ أكتب لك، فلأنني، في الحقيقة، أعاني مشكلة، منذ ثمانية أيام، إنني لا أقدر أن أحكي. لقد بدأ جدي يقلق كثيراً علي، ولكن بلا جدوى. أشعر أنني مغلوب على أمري، وقد قال الطبيب : " إنها الصدمة ! لا تعذب نفسك، سينصلح كل شيء خلال وقت قصير "‏

    وخلال هذه الوقت أناساكت. هذا أمر محيّر جداً، لأنني كنت ثرثاراً جداً، قبل ذلك، ولأن هذا يجعلني حزيناً، فقد كانت جدتي - عندما كانت لا تزال على قيد الحياة - قد أوصتني، وطلبت مني الاهتمام بجدّي، والترويح عنه - بعد ذهابها - أعرف أنها طلبت الشيء نفسه من "جوليا "، لكن " جوليا " لاتبقى معنا طوال الوقت.‏

    لقد توفيت جدتي منذ ثمانية أيام. إنها لن... تعرفك!!‏

    بالتأكيد، قبل أن نتزوج، نكون قد تعارّفنا منذ زمن طويل، وأكون قد شرحت لك لماذا جدي وجدتي هما اللذان قاما بتربيتي. لكنني حين أكتب لكِ تختلط أفكاري. أكلمك، أحياناً، كما أنت الآن، وأحياناً أخرى مثلما ستكونين فيما بعد. وإذا متّ قبل أن أعرفك، فكيف لي أن أعطيك، وأسلمك هذا الدفتر ؟ لن يعرف أحد أنك أنت التي ستصبحين زوجتي في المستقبل. هنا، أفقد صوابي.‏

    ببساطة، كنت أريد أن أقص عليك حكايتي. إن قصتي تؤثر في ّ مثل حكايات الجدات تماماً، أؤكد لك ذلك، لأني أعرفها، وعندي شعور أني قد قرأتها في كتاب، وأتمنى أن تنتهي بعبارة : " وعاشوا سعداء "، ورزقوا بعدد كبير من الأولاد "، وأن تتضح الأشياء، وتنجلي الأمور لي.‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    أما فيما يخصّني، فلا تتوقعي سماع اعترافات خارقة، ولكنك سترين أني قد دخلت هذا العالم بقدمي اليسرى !‏

    لقد كنت أعتقد أن والديّ متوّفيان، لأن جدتي كانت تجعلني، دائماً، أتلو صلاة صغيرة لهما. كما كنت أعتقد أن حادثاً وقع لهما في قطار، على السكة الحديد.‏

    وكنت أقول لنفسي، دائماً : كان من سوء حظ والديّ أنهما ركبا هذا القطار بالذات " وهذا فقط. ( عندما تكون صغيراً، فإنك لا تسأل نفسك أسئلة كثيرة ).‏

    وحلّ اليوم الذي جاء فيه " آرتوربون " الأبله، ليسألني: لماذا أدعى " نيقولا دولوز " أي : " دولوز "، مثل جدي وجدتي، ومثل أمي، وليس مثل أبي.‏

    لقد تطلب ذلك مني بعض الوقت لأتحقق من أن ذلك ليس شيئاً طبيعياً.‏

    أنتِ تعرفين، هنا، في " برامفان "، كل الناس يعرفون منزل " دولوز " وعائلة " دولوز " وتجرأت يوماً، وواجهت جدتي بهذا الموضوع، فاحمّر وجهها. أكثر من العادة، قليلاً، ثم أمسكت بيدي، وقالت :‏

    - تعال، سنتحدث عن هذا مع جدّك.‏

    لحسن الحظ، لم يكن عند جدي زبائن، فأمكن أن يستقبلنا فوراً، كما لو كنا على موعد مسبق، وجلسنا في مكتبه. بدأت جدتي : " نيقولا، يريد أن يعرف لماذا يدعى " دولوز " ؟ وفهمت أنهم سيعلمونني شيئاً مهماً، فللدخول إلى هذا المكتب، يجب دفع بابين مدروزين بالمسامير، الواحد بعد الآخر. إنه مكان لم يسمح لي إطلاقاً بالدخول إليه بحرّية، بسبب الزبائن.‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    عطس جدي، ثم أوضح الأمور لي كما يلي :‏

    - " إن هذا بسيط جداً يا نيقولا : إن الطفل عموماً يحمل اسم والده، ولكنه يستطيع أن يحمل اسم أمّه، إذا لم تكن متزوجة. بفضل هذا، كما ترى، عندي حفيد يدعى باسمي، أنت تدعى " دولوز "، لأن أمك كانت تحمل هذا الإسم، وعندما ولدت أنت، لم تكن قد تزوجتْ أباك بعد. وقد حصل حادث القطار بعد ولادتك. وعندما أصير في عداد الأموات، سوف يبقى نيقولا دولوز آخر على الأرض ( إن جدي يدعى أيضاً نيقولا ). هل تريد معرفة المزيد حول هذا الأمر، مادمنا نتحدث فيه ؟ ".‏

    - معرفة المزيد ؟ كلاّ، شكراً ! كنت أستطيع أن أسأل : لماذا والديّ لم يكونا متزوجين ؟ لكن هذا القدر من الشرح كان يكفيني ذاك اليوم. حتى إنني فكرت أنه لم يكن ضرورياً لهذا الحد، الذهاب إلى المكتب، لأسمع أقوالاً بسيطة كهذه، ولم أُعِدْ إلى فتح هذا الموضوع بتاتاً.‏

    قد تعتقدين أن أهلي عاشوا فترة قصيرة من الزمن فقط، أو أنهم بالكاد وجدوا. لكنني، في الحقيقة، لم أكن أفكر بهم كثيراً، حين كنت صغيراً. وبعد ما بدأت أكبر، أمكن أن تتضّح لي بعض التفاصيل الغامضة، وبمحض الصدفة مثلاً، في المقبرة - حيث كنت أذهب، مع جدتي أغلب الأحيان، كان فقط اسم أمي وليس اسم أبي. في البداية ظننت أنه قد دفن في قريته، ثم شيئاً فشيئاً، فهمت ( لا أعرف كيف، صدقيني ) أن أمي أنجبت طفلاً، أي أنا، وأنها توفيت في قطار نعم هكذا، لكن أبي لم يكن عندئذ معها، لأنه لم يكن هناك أب، بكل بساطة ؟ والآن، حتى لو أنني أعرف أنه يوجد بالضرورة أبٌ في مكان ما، كيف تريدين أن أهتم به، بعد كل الذي يجري في البيت. إن جدتي قد توفيت، ياشوكس !‏

    أبي موجود، ولكنني لا أعرف من يكون !‏

    أنا موجود، وأبي لا يعرفني.‏

    آمل ألا يكون شخصاً سيئاً أو أحمق ! وأن يكون بصحة جيدة. هذا كل ما أستطيع أن أفعله لأجله.‏

    إنني أفضل أن أفكر بك على أن لا أفكر به. إن هذا يدخل السرور في نفسي. أستطيع أن أحلم كيف ستصبحين بعد أن تكبري !‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    شوكس،‏

    انتهيت الآن، من إعادة قراءة مقدمة رسالتي، وأنا خائف من أن تشفقي علي، أو تظني أنني عشت طفولة تعيسة مثلاً، لهذا أود أن أثبت لكِ العكس !‏

    أن ترزق امرأة غير متزوجة طفلاً أصبح أمراً مألوفاً، بالرغم من كل شيء في وقتنا الحاضر.‏

    وإن يقع حادث قطار، هذا ممكن أيضاً.‏

    أن يفقد المرء جدته، هذا أمر عادي.‏

    إنني لم أتألم من شيء أبداً، في حياتي . عدا هذه الأيام بالتأكيد !.‏

    حسناً، ياشوكس، إنني إذ أكتب هذه التوضيحات، فلكي تعلمي أنني عشت دائماً مع جدي وجدتي، وهما لم يكونا أبداً عجوزين، بالرغم من كونهما جدّين، عدا هذه السنة، ربما. هذه السنة السيئة !‏

    لقد حدث ذلك بكل هدوء، الصيف الماضي، بهدوء شديد لدرجة أني لم ألحظه، كانت جدتي تسعل، وكانت تعبة، تعبة كثيراً، وصارت تبقى في سريرها أو مقعدها فترات أطول و أطول. وبدأ الشعر الرمادي يغزو رأس جدي، ولكن، كيف أعبر عن ذلك ؟ إن جدتي كانت دائماً هي جدتي، حتى إني أشعر بالسعادة لأنني كنت أعلم أنني سأجدها في البيت، فور نزولي من الباص، لأنها قبل أن يقعدها المرض، كانت دائماً ذاهبة في اتجاه أو آخر، معها كانت الحياة عنيفة ! لقد كَرِهَت بشدة الخمول والكسل، وحتى الليونة، والميوعة. وأنامثلها، أيضاً على ما أعتقد.‏

    لا أستطيع أن أقول إني كنت متفاهماً معها، أو إني كنت أخشاها، حتى ان هذا السؤال لم يتبادر إلى ذهني. مع جدتي، كان إجبارياً - إذ صح القول أن يسلك المرء سلوكاً حسناً. إذا، كان سلوكي جيداً. حتى إذا كنت لا ترغبين في تذوق طبق من أطباقها، السبانخ مثلاً، فقد كانت تستطيع أن تقنعك بأنه رائع، بسبب الكريما التي تغطيه، أو فتات الخبز المحمصة والبيض المسلوق. بكلام آخر، كانت متحمسة طوال الوقت، وكنت أنا أفعل مثلها، إنها العدوى !‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    عندما مرضت جدتي، تغيرت حياتنا. كنت أجلس قرب مقعدها، وكنا نثرثر. " جوليا " كانت تحضر لنا " التوست " مع شاي، فأنا أحب الرفاهية، وأحب مشاهدة التلفزيون. كان يسرني أن تكون جدتي لطيفة معي إلى هذه الدرجة، ولم تعد تجبرني على الخروج للعب. على كل حال، ليس لدي أصدقاء هنا، تقريباً. " نيللي " و " لولو " في الصف الرابع، إنهم يصفونني " بالبليد "، والأطفال الآخرون ما زالوا يذهبون إلى المدرسة الابتدائية. أمّا أنا فإنني لا أصفهم بالبلادة، لأنني لا أجرؤ على ذلك.‏

    اليوم، لم تعد لي رغبة في الحديث عن جدتي، بالرغم من أني أفقتدها كثيراً، وسوف أشعر بأنني طبيعي جداً، لو استعدت فقط مقدرتي على الكلام.‏

    في الحقيقة، أستطيع الكلام، ولكن بصوت منخفض. إنني أتكلم بدون صوت مع أنني، يوم الدفن، كنت بحالة طبيعية جداً.‏

    لقد كنا - جدي وأنا - شجاعين جداً، الكل قال ذلك. ولكن، في اليوم التالي، تك! لا صوت لي. وعندما أردت أن أتحدث، أن أصرخ: غير ممكن. كان صوتي " لا يخرج"!‏

    ومنذ ذلك الحين، ألاحظ أن جدي يتألم، يباغتني بين حين وآخر، ويقترب مني بهدوء، دون صوت، ويسألني إن كنت رأيت نظاراته، أو أي شيء آخر أو أنه يغضب أكثر من العادة، إذا تركت دراجتي مرمية في الساحة. أو أيضاً يحدثني بصوت منخفض جداً، وبكل لطف، وأنا لا أستطيع أن أرد عليه إلا هامساً.‏

    أمس، ذهبنا إلى عيادة طبيب مختص، قال إن الحبال الصوتية لم تعد تلتقي. ياللاكتشاف ! إنني أتناول شراباً، وحبوباً، وأشياء أخرى، دون فائدة. لقد أعطاني جدي رسالة للمعلمين:‏

    " أرجو التكرم بقبول عذر " نيقولا "، لعدم قدرته على التعبير شفوياً، بسبب اختفاء صوته ".‏

    إنني أحاول التأقلم مع هذا الوضع. إن الأصدقاء لايهتمون كثيراً بذلك، ولي ميزة إعفائي من التسميع عن ظهر قلب. منذ مدة قريبة بدأوا يعطونني امتحانات كتابية مخصصة لي وحدي، وإذا حدث وفشلت في واحد منها، أشعر أن شخصاً آخر هو الذي حصل على علامة سيئة، وليس أنا. وذلك منذ أن فقدت القدرة على الكلام.‏




    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    يتبع ... نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيمركز

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تحميل الصور

  7. #47
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية Fifi Maria

    التنمية البشرية
    تاريخ التسجيل
    03 2012
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,905

    رد: قرأت لكم .. " سلسلة الأدب العالمي "


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    يجب أن تتعرفي على الأشخاص الذين يعيشون حولي.‏

    يمكننا أن نرتبهم في ثلاث فئات :‏

    1. أفراد العائلة الذين يعيشون في " سان فلور " أوحولها. إنها على بعد مئة كيلومتر. نراهم، فقط، في العطل.‏

    2. جيران البلدة " برامفان - بوب دودوم ".‏

    3. زملائي في الصف، وأساتذتي.‏

    من الجيران، توجد السيدة " بويار "، هي التي تعطي الأبر في المنزل. ويقول جدي إنها تعرف كل أرداف القرية. وهي أيضاً لها حفيد في باريس ليس له أب. وربما لهذا السبب تحبني كثيراً. . وأنا كذلك.‏

    من العائلة، يوجد العم " جان "، أخو جدتي. إنه يضرط، ويتجشّأ، ويدخن كثيراً، ويقول " عاهرة " و " قواد" ثلاث مرات في جملتين. عنده أحفاد - إنني أعيد أشجار نسب العائلات - " جوجو " و " ليلي " : إنني لا أتفاهم معهما تماماً، لأنهما يخافان من فقدان أغراضهما. وما إن يفقد أحدهما شيئاً، حتى يتشاجرا - ودائماً، يجدان سبباً لإيقاف اللعب، أنت تعرفين هذا النوع من الأولاد.‏

    في الصف، الشخص الذي أكن له إعجاباً كبيراً، هو " أنجلوبورتوليتو ".‏


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    " أنجلو " لديه حس العدالة. إنه يضرب فقط من الأمام. هناك أشخاص يستغلون انخناءك للأمام - لعقد شريط حذائك مثلاً - فيركلونك بكعبهم من الخلف، أو تجدين من يسرقون حلوياتك في المقصف، بحجة أنهم يمازحونك ولكن ليس " أنجلو " مثلهم. لقد تم انتخابه ممثلاً عن الصف بالإجماع. وأنا رشحت نفسي أيضاً، لكنني لم أحصل إلا على صوت واحد : صوتي أنا. لقد آلمني ذلك كثيراً، ولم أقص ذلك على جدتي لأني جئت مع " التجميع المدرسي ". _ في المدرسة الابتدائية في " برامفان" كنت دائماً قائد الصف في " كليرمون " لا أحد يعرفني، وتم اختيار " ماريون دوك " مساعدة له. إنها في الحقيقة، تنفع، فقط، لتأخذك إلى غرفة العيادة، وهي تتكبر وكأنها ملكة بريطانيا، بينما " أنجلو " لديه، على الأقل، شيء يقوله في اجتماعات الصف. إنني أود كثيراً أن أكون صديقه.‏

    ومن المعلمين، السيد " دولا هي " هو الأكثر شهرة. إنه عصري جداً، فهو يريدنا أن نتحمل مسؤولية أنفسنا، وأن نصبح مستقلين في كل شيء. إننا نطبق ذلك في حدود ما هو إجباري، وإذا تراخى قليلاً، نعود إلى لا مبالاتنا المعهودة. وبشكل عام، فإن المرء يفضل الثرثرة مع جيرانه في الصف، أو قراءة مجلة القصص المصورة، على أن يرتمي بين الملفات. إنه يرسلنا غالباً للقيام " بأبحاث" في كل مكان تقريباً. حتى الآن، كنت أعتقد أنني أقدّر السيد " دولاهي "، أما الآن فلا أظن ذلك، بعد أن فكرت كثيراً. واعتقد أنني لست من نمطه، إنني أكره العمل مع مجموعة، والخطابة أمام الجميع، والقيام بالتحقيقات. إنني أفضل الكتابة منفرداً بنفسي. لقد كان يقول إنني لا أتكلم بما فيه الكفاية. أما الآن، بعد أن اختفى صوتي، فإنني لا أتكلم إطلاقاً، لقد انتهى الأمر. لا حظي أنه في هذه الفترة قد تغير معي، فهو يتركني وشأني، وكذلك أصبح لطيفاً جداً في معاملته لي.‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    عندما اكتشفته جالساً خلف مكتبه، بداية السنة الدراسية، قلت لنفسي على الفور : " أعتقد أنني قد رأيت من قبل هذا الشخص، في مكان ما ".. لقد طمأنني هذا، لأنك عندما تدخلين الصف السادس لاتعرفين أي شخص إطلاقاً. ولكنني لم أكن مخطئاً، وفهمت لماذا تألمت عندما قال " أنجلو " : " خذ، هذا مضحك إنك تشبه مدرس اللغة الفرنسية ". لقد تألمت لأن السيد " دولاهي " لم يكن جميلاً جداً، لدينا نوع النظارات نفسه، وهذا كل شيء.‏

    والأساتذة الآخرون مضجرون بدرجة أو بأخرى، حسب الظرف.كل واحد له ميوله المفرطة الصغيرة. فمدّرس التاريخ والجغرافيا يشخر. ومدرس البيولوجيا يداعب ربطة عنقه أو يلوح بها، ومدرس الانكليزية يقص سيرة حياته بالفرنسية، ومدرس الرسم يحك عنقه بقلم ماركة HB، ومدرس الرياضيات يحك رأسه بأصابعه، وأغلبهم يقول : " أليس كذلك " أو " هل هذا مفهوم " مئة مرة في الساعة.‏

    ***‏

    إنني لا أسجل تاريخ اليوم عندما أكتب لك. ودعينا لا ننسى أنها الرسالة الأطول في العالم. على كل حال، أنا أكره التواريخ، والساعات. نستطيع أن نعيش بدونها بشكل جيد جداً، إنني أكتب لك عندما أشعر بالرغبة في ذلك.‏

    بخصوص جدتي، لم تجر الأمور بشكل سييء إلى الدرجة التي قد تظنين، مع العلم أن الموت شيء رهيب بحد ذاته.‏

    لقد انتهى بها الأمر إلى أنها لم تعد تخرج أبداً، وفي كل صباح، وكل مساء، كانت السيدة " بويّار " تأتي لتعطيها الحقنة. لديها قبعة مدورة، وثوب بنفسجي، تدق الجرس، وتدخل وهي تقول : " هذا أنا ". إنها هي دائماً، عندما تسمع " هذا أنا " على الباب.‏

    الأربعاء والأحد صباحاً، كنت أبقى في سرير جدتي، للحقنة. وكانت جدتي تقول : " إن جلدي بدأ يتجلط يا سيدة " بويّار "، لقد أصبح يشبه صلصة " البشاميل " المتخثرة.‏

    بعد ذلك كنت آخذ " المحقن " لأقذف به في الماء.‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    في النهار، كانت جدتي ترتدي ثيابها، ولكنها، شيئاً فشيئاً، صارت ترتدي البنطال بدلاً من الفساتين الجميلة. لقد كانت تتلقى العديد من الزيارات، وكان الناس يتوافدون للبقاء بصحبتها أو لتسليتها. لقد كان ذلك قاسياً على جدتي، لأنها، من جهة، لا تستطيع أن تنكر وجودها في المنزل، ومن جهة أخرى، كانت ترفض رفضاً قاطعاً أن تكون متعبة. أما أنا فكنت أكره الزيارات.‏

    إنني اعتقد أن بعض الاشخاص كانوا يأتون بسبب الفضول.‏


    وصارت فترة بقائها في السرير تزداد شيئاً فشيئاً. ثم وجب أن تذهب إلى المستشفى بانتظام، أسبوعاً كلّ أربعة أسابيع. وبسبب ذلك، قرر جدي أن يتقاعد تقاعداً نصفياً، وانخفض، بالتالي، عدد زبائننا كثيراً. الشيء الجيد الذي كانت تتمتع به جدتي، هو أننا بقينا نأكل داخل المنزل كالسابق. وعدا أنها كانت تتنفس بصعوبة، فإنها لم تكن تشتكي مطلقاً.‏

    كانت دائماً تقول إننا سنذهب إلى " سان فلور " الشهر القادم.‏

    ومنذ ذلك الحين، وهي تكره الذهاب إلى المستشفى. والذي نكّد عليها عيشها أكثر، كان تفكيرها بذلك الأسبوع الذي يسبق ذهابها إليه، والأسبوع الذي يليه، مما كان يسيء كثيراً لصحتها، ويزيد من مرضها.‏

    سوف تسألين نفسك عمّا إذا كان الذهاب إلى المستشفى يستدعي كل هذا التعب.‏

    خلال أيام المستشفى، كان جدي يأتي، ليأخذني من المدرسة، ونذهب لرؤيتها معاً.‏

    وفي إحدى الليالي، عندما وصلنا، كانت تنتقي شعراً مستعاراً، فقالت لي : يا نيقولا، هذا الدواء اللعين سوف يفقدني شعري، لهذا سأضع شعراً مستعاراً منذ الآن، وهكذا ستتعودون عليه.‏

    لقد كانت جميلة بشعرها المستعار، ولكن. ليس كثيراً.‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    في المستشفى، كنت أتكلم كثيراً، وكنت أتعمد المرح، لأنني لاحظت أن جدي كان يرغب في قراءة الجريدة. إذا جلست اليوم بأكمله، في غرفة واحدة، وحتى مع شخص تحبينه كثيراً، فسوف تجدين نفسك في النهاية لا تعرفين ما الذي ستتحدثين عنه.‏

    وفي المنزل، كان الوضع مشابهاً، كان جدي يسعد عند وصولي إلى المنزل، إذ يتاح له الذهاب إلى مكتبه، لأنه لم يكن يترك جدتي وحدها أبداً.‏

    لقد نقص وزنه كثيراً، هو أيضاً.‏

    حالتي سيئة كثيراً، في هذه الفترة.‏

    لم " أنطق " حتى الآن، ليس لي أية رغبة، إن هذا مريع حقاً.‏

    إن الحياة تسئمني. أجد كل شيء صعباً وقاسياً : النهوض، الأكل، الذهاب إلى المدرسة...‏

    جدي أصبح عصبياً. أمس، صفعني على خدي، لأنه فاجأني. وأنا أتظاهر بأنني " أنازع " على الكنبة. وبعدها قال لي إن حالتي مربكة، ولكن دواء فعالاً تم اكتشافه، وهو علاج ناجح لإعادة الصوت :‏

    أنبوب واحد، وينتهي الأمر : سوف أشفى، أنبوب واحد خلال أسبوع واحد. لكن هذا لم يأت بنتيجة تذكر. بعد ذلك قرر جدي شيئين : فمن جهة علي أن أبدأ إعادة تأهيل، وعلاجاً من جهة أخرى.‏

    الثلاثاء، أذهب إلى المستوصف، بدلاً من الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية. وهناك، السيدة التي تجعلني أقرأ مقطعاً من الكتاب ذاته، في كل مرة بنبرة مستوية تماماً. أو أيضاً مع نهايات الجمل التي تعلو صوتياً. إنني أنفذ ذلك بصوت منخفض، أما بصوتٍ عال، فمستحيل.‏

    الجمعة، أذهب إلى الدكتور " بالان " أجلس على كرسي، وأقص عليه أحلامي أو أرسم. وهو يقول فقط " آه.. نعم ‍ " من وقت لآخر. إنه يريد أن يعرف ما هو رأيي بوالدي . كيف يريد ذلك ؟ ليس لي والدان، إن جدي وجدتي هما والداي. لقد كنت دائماً مسروراً منهما. صحيح أن جدتي لم تكن من النوع الذي يعانقك في السرير، ولكنني أنا أكره أن يقبلني أحد، وخاصة النساء: خدودهن لينة.‏

    جدي يوجه لي لكمات، ويشعث شعري عندما يكون سعيداً، وأنا أقابله بذلك. مع جدي، توجه لنا دعوات كثيرة، وهي بالنسبة لي أصعب من امتحان بسبب مشكلة صوتي. أفضل أن نبقى وحدنا نحن الاثنين. إنني سعيد هنا في المنزل. نشاهد التلفزيون معاً، وهذا يشغلنا. إن الحياة هنا تتكرر، وتعيد نفسها باستمرار.‏

    المنزل هو فقط الذي تغير، لقد أصبح خاوياً، لقد صغر.‏


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    وضعت " جوليا " أغراض جدتي، على السقيفة، في خزانة ثم قفلتها بمفتاح. والآن، أتجول في البيت حسبما أريد. أفتح الدروج، توجد قطع قماش. وأصواف، وخيوط، ودانتيلات، في كل مكان. إننا نترك هذه الأشياء في مكانها هنا، لم يتغير شيء، سوى أنها لم تعد تتحرك أبداً.‏

    جدي بخير. لنقل : بوضع جيد، أو أنه ببساطة ليس مريضاً.‏

    إنني أتجول داخل نفسي، كما لو كنت شخصاً آخر. لقد فقدت قوتي وحيويتي.‏

    عندما أفكر في هذا " الصوت " الذي لا يعود، أشعر بالخجل...‏

    إنني لا أعرف ماذا أفعل، يا شوكس.‏

    على الأقل، لا زلت أستطيع أن أكتب لك. ومع ذلك، عند المساء، وفي سريري، أحلم بنفسي، وكيف سأصبح بعد عشر سنوات. أي أنني أحلم بك أنت يا شوكس، وعندها أشعر بأنني أقوى قليلاً، وأكثر صلابة.‏

    عندما نتزوج، سآخذك بين ذراعي، وأمرر يدي في شعرك، على خديك على فمك، وعلى كل جسمك.‏

    إنني أرغب في ضمّك بين ذراعي أكثر من أي شيء آخر.‏

    سوف تكونين جميلة جداً، ناعمة جداً ياشوكس‏

    سوف تكونين مضحكة، سنأكل أطناناً من البطاطا المقلية، وحدنا. وسنذهب إلى البحر بمفردنا، سوف نركب الدراجات، وحدنا . سوف أصحبك للرقص. وسيكون لنا ستة أطفال، مع منزل كبير، في حديقة واسعة، بالقرب من مدينة مليئة بصالات السينما. سوف يكون في الحديقة جدول ماء، وصخرة أتمنى أن نصبح أغنياء، ولكنني لا أعرف، حتى الآن، المهنة التي سأود ممارستها.‏

    ملاحظة : لقد قبلّت فتاة في المدرسة الابتدائية. اسمها ( كاترين )، كانت تعيرني أقلامها، وكنت أقدم لها السكاكر التي آخذها، خلسة، من خزانة جدتي. وفي أحد الأيام، كتبت لها ( كلمة صغيرة )، رسالة حب صغيرة، ووقعتها بالحرف الأول من اسمي، وأعطيتها أياها عند ما خرجنا من الفصل، لجمع أوراق الشجر، لدرس العلوم. لم تقل شيئاً، ولكنها، في اليوم التالي، قدّمت لي ملصقاً رائعاً . وبعد ثلاثة أيام، خرجنا من جديد، لجمع أنواع أخرى، من الأوراق التي تنقصنا، وفي لحظة معينة، كنا متفرقين في الغابة، تعمدت أن أكون معها خلف كومة من الأغصان، وفجأة ‍ هجمت عليها، وقبلتها صفعتني وراحت راكضه، وبعدها، لم يكلم أحدنا الآخر أبداً.‏

    ليس من الضروري أن تغاري منها، لم أعد أحبها على الإطلاق.‏

    الآن، أحب أن أقابلك، وأقبلك، ولكن ليس بمثل تلك السرعة.‏

    وبدلاً من أن تصفعيني، سوف تمسكين بيدي، ونمضي معاً.‏

    المشكلة هي أنني لا أعلم إذا كنت جميلاً بلا نظارات. لقد حاولت مراراً أن أنظر لنفسي، على حين غرة، في المرآة، ولكنني لا أستطيع أن أرى نفسي، كما لو كنت شخصاً غريباً.‏





    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    يتبع ... نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيمركز

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تحميل الصور

  8. #48
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية Fifi Maria

    التنمية البشرية
    تاريخ التسجيل
    03 2012
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,905

    رد: قرأت لكم .. " سلسلة الأدب العالمي "




    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    إن كل شيء فيّ عادي : الأنف، العينان، الفم، الشعر، إنني أتساءل كيف يستطيع الناس التعرف إلي، وأنا عادي إلى هذه الدرجة.‏

    إن شعري ليس مجعداً، ولا يوجد نمش في وجهي، وليس عندي شيء كبير جداً، أو صغير جداً. إنني لست سميناً ولا نحيفاً، شعري كستنائي وعيناي عسليتان. كم أود أن يكون عندي ندبة، أو أي شيء آخر يميزني عن الآخرين، خاصة، في مدرسة " كليرمون ".‏

    هنا، في " برامفان "، أنا " دولوز الصغير " وهذا معناه : حفيد جدي. وجدي شخصية معروفة، وإذن، أنا مثله.‏

    جدتي كانت تقول له دائماً : أنت أنيق جداً. إن جدي يرتدي، دائماً، بزة مع صديري من اللون نفسه، وربطة عنق مناسبة، إنه رائع. وأنا أحب كثيراً أن أتنزه معه، إن هذا يعطيني بعض الأهمية.‏

    جدتي أيضاً، كانت مميزة جداً، أما أنا، فلا أعتقد ‍ إنني غير ملفت للنظر. وسوف أحاول أن أعدّل ذلك، عندما أصبح كبيراً. أود أن أصبح لائقاً وجذاباً. لقد فات الأوان لأتمنى أن أصبح نجماً : لست جيداً في الشفهي، وأغني بشكل وسط، لا أعزف على أية آلة موسيقية، غير الهارمونيكا. إن عمي " جان " هوالذي علمني العزف عليها. وعندما أخبرت أستاذ الموسيقا بذلك، لم يبد عليه أنه وجد ذلك مميزاً البتة.‏

    وبالإضافة إلى الهارمونيكا، أصّفر، إنني أعشق التصفير، خاصة الآن، وأنا لا أستطيع الكلام.‏

    عندما أصل إلى " برامفان " مع باص المدرسة، أركض إلى المنزل، وأصفر " دو - فا - مي "، فإذا كان جدي موجوداً، يجيبني بالطريقة ذاتها هو الآخر. وإذا كان غائباً، فهذا لايهم، أصعد إلى غرفتي. وعندما يعود أسمع صوت أقدامه على الدرج، مما يثير في نفسي شعوراً غريباً، لأنه في زمن جدتي، لم يكن يصعد إلى فوق أبداً.‏

    إن سماع وقع أقدامه يجعلني اضطرب. إنني أشعر بالرغبة في البكاء إذا كانت حالتي سيئة كما في مثل هذه الأيام.‏

    في الواقع، أشعر بالخجل أمام جدي، ومع ذلك، فهو مرح، ولطيف جداً، بعض الأحيان، وليس غالباً، نلعب معاً بورق اللعب.‏

    يكون مستحيلاً ألا تحبي جدي، الجميع يحبونه.‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    هذه المرة، سأقص عليك شيئاً طريفاً :‏

    مدرّسة الرياضيات تدعى الآنسة " بوز". إنها متوحشة، والجميع يكرهونها، ويحتقرونها. إذا رأيتها تحك رأسها، فهذا فأل سييء ! إنها تحك رأسها، دائماً، عندما تريد أن تقذف جملة لاذعة أو جارحة لواحد منا نسي كتابة واجبه، أو " يلعب دور الأحمق " على كرسيه.‏

    حتى الأولاد الكثيرو الحركة، مثل " لودفيك " يخافون منها. إنها قادرة على جعلك أضحوكة. أو أن تجعلك تشعرين بالخجل بمجرد النظر إليك فقط.‏

    والحالة هذه، تخيلي أنه توجد في الصف - نحن دائماً نبقى في الصف ذاته لأن مدرستنا قديمة وكبيرة جداً - توجد فتاة داخلية : إنها سمكة حمراء موضوعة في حوض بلوري. لقد قدّمناها لمدرس اللغة الفرنسية بمناسبة أعياد الميلاد، ولكنه شرح لنا أن ابنته لديها قطة قد تأكل السمكة " نيمو " إذا أخذها إلى منزله. فقررنا أن نبقيها في الصف إن السيد " دولاهي " هو الذي يشتري لها طعامها، ونحن نغير لها الماء من وقت لآخر. وفي أيام العطل، نختار بالقرعة الشخص الذي سيأخذها للإقامة عنده.‏

    هاهي " بوز " تأخذ مكانها على المنصة، وتجلس، بينما نحن نجمد على مقاعدنا، لأن هذه هي اللحظة التي ستختار فيها من سيكتب على السبورة. وتمر إصبعها على دفترها، وتعرف، وتقول لنفسك : هنا تجاوزت حرف النون، بعد ذلك تْراك تعود للصعود. أنت تعرف : إنها سادية.‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    - هذا الصباح، تقول، " دوبو " !‏

    أوف، تصوري الصف خمساً وعشرين مرة، دون " دوبو " الذي يقف وكأنه شهيد. يأخذ الطبشورة، وتتراجع " بوز " قليلاً على المنصة، دون أن تنهض، لتفسح له المجال للمرور. استمعي جيداً : إنها تتراجع تتراجع كثيراً جداً، وتهوي رجل من أرجل الكرسي في الفراغ : فتتأرجح " بوز " وتتمسك بالمكتب، ويتبعها المكتب، وحوض السمكة أيضاً... وخلال ثانية واحدة أصبح كل شيء على الأرض، و" نيمو " معهم !‏

    لا يمكنك تصور الانفعال الذي حدث ! لقد كدنا نموت لعدم قدرتنا على الضحك علناً. واندفع الطلاب الجالسون في الصفوف الأولى لمساعدة الآنسة " بوز " في النهوض. كانت ذراعها تؤلمها، المسكينة، ولكنها استقامت ووقفت دفعة واحدة وهي تطلب من عريفي الصف أن يعيدا المكتب إلى موقعه الأول، ومن كل واحد أن يجلس مكانه.‏

    ومن أجل " نيمو " اضطررنا للذهاب إلى المطبخ، لإحضار وعاء مربى فارغ، لأن وعاءها كان قد انكسر فعلاً .‏

    بعد ذلك، صفقتنا بمذاكرة كتابية، لمدة ساعة. إنها مسألة استعادة هيبة. لقد كانت هذ الحادثة أقوى من قدرتنا على التحمل بكثير، فمن حين لآخر، كان واحد منا ينفجر ضاحكاً، بشكل عصبي، دون أن يتجرأ على رفع رأسه. وحتى النهاية، تصنّعت " بوز " عدم ملاحظتها أي شيء.‏

    لقد توقفت عن الكتابة لكِ، منذ أكثر من شهر. لم أعد أستطيع تحمل نفسي، وجدي لم يعد يستطيع تحملي. إنني أغرق نفسي في الصمت، لأنني خجل جداً من هذا الصوت المرتعش. إنك الشخص الوحيد الذي أرغب في التحدث إليه، دون أن أكون مجبراً، إذن، لو توقفت عن الكتابة لك فسوف أنتهي. وبالإضافة لذلك، إذا لم يعد صوتي إلي، فلن توافقي على الزواج مني، ولن يكون لنا أطفال. سوف أصبح بائراً، أخرس يضع نظارات، ونظارات سميكة جداً.‏

    لم أعد أعرف ماذا علي أن أفعل،‏

    وكذلك جدي.‏

    وكذلك الدكتور " بالان "‏

    وكذلك أخصائي السمع.‏

    كلهم يدّعون أنني " لا أشكو من شيء "‏

    إذا كنت " لا أشكو من شيء "، فهذا يعني أنني " مجنون " سوف ينتهون إلى وضعي في مصحة المجانين. إنهم يتصورون أن صمتي هذا يلائمني لسبب لا أعرفه.. ولهذا أشعر بالخجل.‏

    بالطبع، أنا أتكلم بصوت منخفض. ولكن بمثل هذا الصوت لن تستطيعي مناقشة أو محادثة سوى شخص واحد، وهو يحاول أن يصغي إليك بانتباه، وفي مكان خالٍ من الضجة. إنني، عملياً، لا أتكلم إلا مع جدي، وأيضاً، ليس كثيراً، لأن هذا يؤلمه. إنني أتكلم أيضاً مع " جوليا " هي، على الأقل، تعتقد أن الأمر ليس خطيراً. وأصدقائي يعتقدون ذلك أيضاً، على ما أظن. ولكن، بما أنه ليس لدي أصدقاء حقيقيون، فإن زملائي في الصف، لا يعيرونني أي انتباه، والأمر سيان بالنسبة لهم لو تكلمت بصوت عال، أو منخفض، أوسكتُ.‏

    أشعر أنني دخيل عليهم.‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    إنني واثق من أن جدتي كانت ستعرف ماذا تفعل، هي. لقد كانت تجد دائماً حلاً. كانت تعرف، مسبقاً، أجوبة المسائل، وكان ذلك أحياناً، بطريقة مبالغ فيها، لأنه لم يكن لديك الوقت الكافي لإيجادها بنفسك.‏

    أنا وجدي أقل منها ثقة بأنفسنا، وهذا بطبعنا. مثلاً، نذهب إلى المقبرة. يجب أن نتذكر أخذ الورود من الحديقة، نفعل ذلك. ولكن إبريق الماء، ننساه، أغلب الأحيان، وهكذا، يجب أن نعود إلى الصنبور الموجود في الطرف الآخر، وكذلك، يلزمنا مكنسة صغيرة، لتنظيف القبر من الأوساخ، ولا نحضرها أبداً معنا، فلهذا نمسح القبر بخنشار الزهرية التي قمنا باستبدالها.‏

    ثم نتلو صلاتين : جدي واحدة، والأخرى أنا، وإلا سوف يكون مخيفاً أن نبقى جامدين هنا، كلّ يفكر مع نفسه. بعد ذلك نذهب، ولا يعود لنا تنفسنا الطبيعي، حتى نصل أمام محل صانع الأحذية.‏

    كل يوم تسألنا "جوليا " عما نريد أن نأكل في اليوم التالي. لا توجد لدينا أفكار أبداً.‏

    ***‏

    حاولي يا شوكس : إنني بحاجة إليك !‏

    حاولي أن تدخلي تاريخ حياتي، قبل الوقت الطبيعي. سوف تكونين رؤيا، وعند حدوثها، معجزة ! سوف أتكلم من جديد. إنني أفكر في هذه الجملة من الكنيسة : " قل فقط كلمة واحدة، وسوف تشفى نفسي ".‏

    ولكن بالنسبة لي سوف تكون بالعكس : " أعطني، فقط، نفسك، وسأنطق." .‏

    إنني أقول لك " أنتِ " يا صديقتي الصغيرة في المستقبل. يجب ألا أتوقف عن الكتابة في هذا الدفتر. إنني افضّل أن أكتب لك، أكثر من الذهاب المتكرر إلى الدكتور " بالان " مثل " كره الصوف ". ومع ذلك، فالدكتور " بالان " يهتم بي كثيراً وفي هذه الفترة، يطلب مني كتابة الجمل التي لفتت انتباهي خلال النهار، على ورقة. اليوم كتبت:‏

    " - حزمة ضائعة‏

    - دون حق في الإعادة، أو رسم أمانة.‏

    - العلامات الفارقة لاشيء ".‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    يتبع ... نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيمركز

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تحميل الصور

  9. #49
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية Fifi Maria

    التنمية البشرية
    تاريخ التسجيل
    03 2012
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,905

    رد: قرأت لكم .. " سلسلة الأدب العالمي "


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



    وبدا الدكتور سعيداً جداً. بعد ذلك طلب مني أن أقص عليه ( بصوت منخفض ) قصة، مستعملاً هذه الكلمات. فقصصت عليه قصة زجاجة عادية جداً، لدرجة أنه لم تكن لها " علامات فارقة " وقد كتب عليها " دون حق في الإعادة، أو أية تعليمات أخرى ". وقد أُلقِيَتْ هذه الزجاجة في صندوق للقمامة، وكانت رائحتها عفنة جداً. وكانت تعيسة جداً لفكرة أنها ستقضي آخر أيامها في مكان القاء القمامة التي تعج بالغربان.‏

    لم تكن تريد أن تدفن تحت الأنقاض، أو أن تتكسر إلى آلاف القطع.‏

    هنا، ترددتُ في المتابعة وبعد ذلك كدت أن أتوقف، ولكن السيد " بالان " ابتسم لي الابتسامة الأكثر إشراقاً، وهو يقول كعادته : يا للأمر !‏

    وتابعت عندئذ قصتي، بسبب هذه الابتسامة، إن الميزة الوحيدة التي يتمتع بها هذا الشخص هي ابتسامته.‏

    البقية كانت سطحية : فتاة صغيرة تدعى " شوكس " تريد تزيين غرفتها بالورود، ولكنها لا تملك سوى واحدة منها، لونها زهري، وليس لديها مزهرية عنقها طويل، ورفيع لحمل الساق، فترفع غطاء صندوق القمامة في الطريق، وتجد تلك الزجاجة. لا حظي، أنها زجاجة جميلة، من الخزف الملون، صغيرة قليلاً، ودون فتحة فم واسعة. فتأخذها لمنزلها، وتنظفها، وتصبح الزجاجة لائقة، حسنة المظهر، مثل مزهرية، وتضع الفتاة وردتها فيها، والكل على منضدتها.‏

    بدا " بالان " أكثر سعادة.‏

    ولكني أنا، وبما أنني لست مجنوناً أبداً، فهمتُ وبالضبط ما كنت أقصه تباعاً، لأنني كنت أفكر فيك.‏

    إنني أتحسن قليلاً.‏

    جدي بدأ يعتاد على الوضع.‏

    إنه إنسان له عاداته الثابتة. إنه منظم ومرتب جداً. إنه يدوّن كل ما عليه أن يفعله على ورق، ويضعه في ملفات خاصة، ثم يصنفها في ملفات أكبر، أويضعها في بعض الأحيان في حقيبته. إنه لايقول " رتّب " بل " اطو "، " هل طويت أغراضك في حقيبتك، يا نيقولا ؟ "‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    سابقاً، كنت أذهب لشراء الحاجيات، هنا في "برامفان ". والآن، نذهب أنا وجدي إلى " كاموت "، ونشتري كل ما نريد. إن " جوليا " هي التي تكتب القائمة. ولكن، بالإضافة لذلك، يأخذ جدي أشياء كثيرة، عن الرفوف. أحياناً، أخاف ألا نتمكن من تسديد ثمنها، فأمتنع عن شراء الشوكولا.‏

    أما فيما يخص الثياب، فليست لديه أفكار مثل جدتي، مما يدعوني لاختيارها بنفسي. لقد وافق على شراء بنطال جينز " رانغلر " وحذاء رياضة. إنني استعملهما دائماً، حتى في الأيام الممطرة. جدتي لم تكن لتوافق على ذلك. ارغب كذلك في شراء سترة جلدية، ولكنني لا أجرؤ على طلبها من جدي، فنحن لسنا أغنياء كثيراً.‏

    منذ حصولي على الجنيز، ازداد شبهي بالآخرين أكثر كثيراً، وشعرت بتحسن كبير، ثم إنني أركض، مثل " حمار الوحش ". إنه يّدفعني للحركة والنشاط. إنني أمثّل لنفسي. ما رأيك لو اشتغلت في السينما الصامتة ؟‏

    للأسف، لقد أصبَحَتْ موضة قديمة، وانتهى عهدها. ولكنني أحب كثيراً رقص " الروك ". فيما بعد، سنحضر حفلات كثيرة، سوف أمرجحك، أرفعك وأمررك فوق كتفي. هوب ! لن أرقص إلا معك. هناك أولاد في صفي يتحدثون عن حفلات " بوم " راقصة، ولكنني لم أدع إليها أبداً. إن أولاد " المجمع المدرسي " هم كالفقراء في " كليرمون ".‏

    قمت، مع جدي، بغربلة جميع الصور التي تظهر فيها جدتي، لتكبير الصورة الأجمل بينها. توجد صورها ( القبل ) و ( البعد ) : قبل مرضها، وبعده. جدي يحب صورها القديمة، أما أنا فلا. عندما كانت جدتي بصحة جيدة، لم أكن أعرف أنني أحبها إلى هذا الحد، ولا أنها تحبني لهذه الدرجة. ولكن بعد أن نحفتْ، ولم تعد تخرج، أصبحنا، نحن الاثنين، كأننا شخص واحد.‏

    كانت تحب الاشياء التي أحبها ذاتها : مشاهدة التلفاز، الثرثرة، اللعب، الجلوس بهدوء، وأنا أصبحت أكثر حيوية. لقد تملكتني الرغبة في القيام باكتشافات، كي يتسنى لى أن أقصها عليها عند عودتي إلى المنزل. كانت تستمع إليّ، وكان هذا يسعدها. كنا نتكلم معاً عدة ساعات. وكنا متأكدين تماماً من أنها سوف تشفى، مع كل الأدوية التي كانت تتناولها.‏

    إن الموت هو سوء حظ رهيب، ولكن الشيء الأكثر رهبة هوأن نولد ! ألستِ من رأيي ؟!‏

    إنني أتساءل : لماذا وقعتُ على نفسي ؟ كنت أفضّل أن أكون شخصاً آخر، مثلاً " أنجلو " ! للأسف، ليس لنا الخيار !‏


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    هذه قصتي المرعبة، يا شوكس : ولدان في نفس العمر، يصابان بحادث في الوقت نفسه، أحدهما يموت، والثاني يحتضر، نرفع دماغ الميت لأنه سليم ونضعه في جمجمة الحي، لأن دماغه معطوب جداً. لنقل إنني الثاني... من أكون ؟ هو أم أنا ؟ !‏

    لقد حدثت لي " واقعة ". لو أنك فقط تستطيعين أن تقولي رأيك بها.. إنني لا أريد، مطلقاً، التحدث عنها مع الدكتور " بالان ".‏

    بعض الأحيان، ألعب في السقيفة، عندما لا تكون جوليا موجودة. جدتي لم تكن تحب أن أقترب منها، لأنها كانت تحب النظام، حتى تحت السقف. بالتأكيد، أعرف كل شيء هناك، عن ظهر قلب : الكتب القديمة، أدوات المطبخ القديمة، الألعاب المكسرة، والعلب والثياب البالية وقطع القماش... ولكنني لم أتجرأ أبداً، على النظر داخل الخزائن التي وضعت جدتي عليها ملصقاً كتبت عليه:‏

    " لا تزعج ". هذه المرة، فتشتُ بداخلها، وجدت ثياباً، حتى ثوب زفاف جدتي، وكذلك علب قفازات، وأحزمة، وقبعات... واكتشفت تحت هذه الكومة علبة كرتون، كتب عليها " ماري " !‏

    " ماري " هي والدتي. وجدت داخل العلبة أوراقاً، ودفاتر مدرسية، وبطاقات تهنئة بعيد الأم، وقميصاً صغيراً، وكذلك رزمة رسائل.‏

    ماذا كنت تفعلين لو كنت مكاني ؟ لقد فتحت الرسائل، وحاولت قراءتها، لأنها كانت بخط غير واضح. ووجدت بين الرسائل رسالة بدت لي مهمة.‏

    أخذتها إلى غرفتي. إنني لا أنسخها لك، بل ألخصها: كتبت أمي لجدي وجدتي أنها قابلت رجلاً، أحبها وأحبته، وأنها تنتظر مولوداً، وأنها لا تستطيع الزواج من هذا الرجل، وستقول لهما السبب، الأحد المقبل . وبعد ذلك لم يعد هناك شيء حول هذا الموضوع. كانت رسالة حزينة، حزينة جداً.‏

    لم أكن أتصور أبداً أن أمي كانت تعيسة. لقد هزتني هذه الفكرة مع ذلك، ومنذ ذلك الحين، وأنا أود أن أعرف لماذا لم يكن أبي يريد أن يتزوج أمي إذا كان يحبها. لقد كانت جميلة، أليس كذلك ؟ أنا كنت أظن أنهما كانا ينويان الزواج يوماً ما، ولكنها توفيت قبل ذلك، وأن أبي لم يُرِد أن يتعب نفسه بولد، لأنه كان يحب أن يذهب إلى آخر العالم، مثل قائد طائرة. والحقيقة أني لم أكن اعتقد شيئاً، لأنني لم أجد الرغبة في التفكير بهذا الموضوع.‏

    ( ليست لك الرغبة في التفكير بأن والدك هو من النوع الذي يذهب، دون أن يترك عنواناً ).‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    كنت أقول لنفسي : أمي، على الأقل، اعتنت بي طوال حياتها، وكذلك جدتي وجدي، بينما هو لم يكن بحاجة لي.‏

    تبّاً له :‏

    إن الشيء الذي أدهشني في الرسالة هو أنهما كانا متحابين، هي التي كتبت ذلك. لو أن جدي وجدتي كانا يعرفان من هو والدي، لماذا لم يحدثاني عنه ؟ هل هو غير لائق ؟ هل هو دنيء ؟ هل هو أكبر سناً من جدي ؟!‏

    اعتقد أن كل العائلة على علم بالموضوع.‏

    سوف أحاول أن أسال العم " جان ". إنه يأتي الأحد. أما جدي، فلن أتجرأ على سؤاله أبداً.‏

    ***‏


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    لم أستطع. إنك لاتسطيعين سحب شخص، مثل العم " جان " إلى غرفتك دون أن يعلن على الملأ أنه ذاهب إلى غرفتك، تاركاً الأبواب مفتوحة.‏

    لقد أريته طائرة الورق التي صنعتها في حصة الأشغال اليدوية. هذا كل شيء.‏

    ***‏

    ماهو الفرق بين مكبر الصوت، ومصغِّر الصوت، وصوت جميل ؟ !‏

    سؤال بمائة فرنك !‏

    إنني لازلت لا أتكلم.‏

    قلت لك، في المرة الماضية، إنني أردت معرفة شيء ما عن أبي، والآن، ليذهب عني.‏

    أنا عندي جدي مثل أب. إنه أب ممتاز. إنه يربيني جيداً، حتى بدون جدتي.‏

    عندي شعور بأن والدي محبوس في علبة، لو فتحناها، سينطلق منها عفريت. لدينا، في البيت، ما يكفينا من المتاعب، بعد جدتي وصوتي اللذين رحلاً !‏

    أنت على الأقل، يا عزيزتي، سوف أختارك بنفسي، وأنت سوف تختار ينني بنفسك. إنني أكره والدي. نقطة (وكفى).‏

    إنني لا أمتّ له بأية صلة، ولا حتى اسمه. إن اسم عائلتي هو " دولوز "، سوف تدعينني " دولوز" أنت أيضاً. ربما " ليندون - دولوز " حتى إنه اسم جميل.....‏

    ***‏

    لا أريد أن أعرف شيئاً عنه، ولكنني أفكر بهذا دون توقف.‏

    إنني مشاكس. عندما كانت جدتي على قيد الحياة، كنت أقل إثارة للمشاكل. كنت أتكلم " عالياً ". كان لي جد وجدة، مثل الأهل تماماً. لم أكن أفكر بالماضي.‏

    كنت " الصغير دولوز "، ولكن " الآلة " أصابها العطب. والآن، الذهاب إلى " كليرمون " قاسٍ، ثم الباقي...‏

    أستطيع الادعاء أن جدي بخير، ولكننا، نحن الاثنين معاً، لسنا سعيدين. إن موضوع حبالي الصوتية هوالذي يثير سخطه. في اليوم الماضي، عندما وصلت، سمعته يقول للسيدة " بويار " - " لا يمكن لهذا الوضع أن يستمر، ربما يجب اتباع هذا الحل ".‏

    بدا عليهما الضيق، لدى رؤيتي.‏

    هل كانا يقصدانني ؟‏

    يا صغيرتي " شوكس، ما هو لون عينيك ؟!‏

    لو كنت أنا...‏


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    لقد أردت كتابة : " شوكس " لو كنت مكانك، لظهرت في أحلام " نيقولا دولوز " تعالي لزيارتي.‏

    في الليل، أحلم كثيراً. إنه عالم مختلف، يسير على طريقته بشكل جيد. بعض الأحيان، أشاهد أحلامي كما لو كنت في السينما، إنني ممثل ومتفرج في آن. وفي أحيان كثيرة، أكون بداخلها سعيداً، سعيداً.. وعندما يرن جرس المنبه... يالخيبة الأمل ! يجب أن أعود إلى العيش، حياة طبيعية من جديد، قليلاً، أو كثيراً.‏

    إنني واثق من أن جدتي كانت تحلم في أيامها الأخيرة. كانت في الجهة الأخرى من نفسها ولكنها كانت نفسها أيضاً. كانت ترى الأشياء بالمقلوب، مثلي عندما أسير ليلاً في نومي.‏

    إنني أسير في نومي، يا شوكس. بين وقت وآخر، أنهض، وأرتدي ثيابي وأظن نفسي في مكان آخر، وأتجول في غرفتي، دون أن أصطدم بشيء. وفي إحدى المرات، كنت وحدي، في شقة " سان فلور" وكان جدي وجدتي قد ذهبا إلى السينما، فذهبت، وطرقت باب الجيران، من نفس الطابق، وأنا نائم. وعندما ظهرت السيدة أمام بابها، في قميص النوم، استيقظت ! قبلتني، فأصبت بصدمة رهيبة، ( ومنذ ذلك الوقت وأنا أتحاشى قُبَل السيدات، إنني أمد يدي). ثم أجلستني في صالونها، حتى عودة العائلة .كنت أموت خجلاً.. ( إنه لمن الصعب أن تعرف ماذا يجري في الرأس ) في الواقع، لايهمني إطلاقاً أنني أسير خلال نومي، بشرط ألا يأتي أحد ويفاجئني.‏

    غالباً ما يسمعني جدي، فيصعد، ويوقظني وقع أقدامه على الدرج، فأسرع إلى سريري، وأتظاهر بالنوم، ولكن قلبي يدق دقاً عنيفاً، واضطرب كثيراً، فيظن أنه أخطأ، وينزل. أف !‏

    في آخر مرة حدث ذلك، كنت ألبس حذائي، كنت أحلم بأننا ذاهبون لجمع الفطر، لا أعرف مع من. وفي الغد، تساءلت " جوليا " لماذا يوجد تراب في سريري.‏

    فيما بعد، إذا رأيتني أسير في نومي، لا تتحركي. ولا تشعلي الضوء. وفي اليوم التالي، ستخبرينني ماذا صنعت. أحب كثيراً أن أشاهد نفسي....‏

    أنني أتكلم كثيراً أيضاً وأنا نائم، كما يبدو. ربما أعرف أسراراً، ستقولينها لي.‏

    لو كنت أنا، يا شوكس، سوف أكون كما في الأحلام السعيدة.‏

    الكوابيس نادراً ما تحدث لي.‏

    تعالي لرؤيتي عندما أنام، سوف نحلم الأحلام ذاتها نحن الأثنين. سوف نتنزه في الليل نفسه.‏

    إنني أعرف، يا شوكس، يدي، وعيني، وجلدي.... ولكن الداخل هو أنا أيضاً. إن جلد معدتي هو نفسه جلد وجهي. إنني أمضي وقتاً طويلاً في التفكير بغرابة كوني هذا الحيوان... وأنت ؟!‏

    تصوري حيواناً، أياً كان، ليس عليه وبر ولاريش، ولكن فقط جلد مثلنا هذا فظيع، أليس كذلك ؟ أو تصوري أن يكون جلدنا شفافاً، وأن نرى كل الآلية من خلاله.. هذا أفظع بكثير، لا ؟‏


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    يا شوكس، ماذا لو كنا قططاً ؟!‏

    لقد ذهبت اليوم لحمل وعاء، يحتوي خياراً مخللاً، للسيدة " بويار " من عند " جوليا "، فقدمت لي شوكولا ساخنة مع الكاتو، في غرفة طعامها.‏

    كنا نحن الاثنين معاً. لم يكن هناك ضجة. وفجأة سمعت نفسي أسألها ( بصوت منخفض، بالتأكيد ) : - يا سيدة " بويار "، من هو أبي ؟‏

    فتحت عينيها، وقالت : - لماذا لا تسأل جدك ؟ سوف يقول لك حتماً.‏

    وقد يواسيه أنك تود معرفته بسبب صوتك.‏

    أنا - بسبب صوتي ؟‏

    هي - صوتك، ليس خطيراً. ليس عندك شيء معطوب. لست محللة نفسانية، لكن ربما كان اختفاء السيدة " دولوز " قد ذكّرك باختفاء أمك، حتى لو أنك لا تتذكرها. برأيي، إنهم يحيطون ولادتك بغموض كبير، سيكون من المستحسن أن يخبرك جدك، بالضبط ماذا حدث في الماضي.‏

    وهكذا تتجمع عندك كل العناصر لحل مشكلتك، حتى لو كان الأمر لن يسرك أو كنت لا ترغب بذلك. إن جدك يخاف فقط أن يرهق أعصابك أكثر فأكثر. هل تود معرفة ذلك ؟‏

    أنا - كلا ‍ كنت أريد، فقط، أن أتأكد من أنك أنت أيضاً تعرفين، لكن ذلك لايهمني.‏

    وذهبت...‏

    لم أتصرف بشكل لائق.... لم أكمل قطعة الحلوى.‏

    والآن، لم أعد أجرؤ على النظر إلى السيدة " يويار "وجهاً لوجه.‏


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



    يتبع ... نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيمركز

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تحميل الصور

  10. #50
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية Fifi Maria

    التنمية البشرية
    تاريخ التسجيل
    03 2012
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,905

    رد: قرأت لكم .. " سلسلة الأدب العالمي "


    في الصف، الحالة كما هي، يا شوكس، لم يعد أحد يتوقع مني أن أتكلم بشكل طبيعي، من جديد. مع ذلك، أصبح لي صديق. إنه " مارك بيلو " المشهور بـ " ماركو بولو ". ونحن الاثنين نشكل ثنائياً فريداً في نوعه، لأنه يتمتم، قليلاً فقط. وتصوري أنه اكتشف أنه، عندما يحدثني، بصوت منخفض ودون وجود أي شخص حولنا، لا يتلعثم أبداً في جمله. نحن نتبادل الملصقات والرسوم المتحركة، إنه مغرم بها، أما أنا فلا. وبعض الأحيان نتهاتفا، ونتحادث همساً... عدة ساعات. إنني لا أحب أن أتمتم.‏

    إنه يثير ضحك الآخرين. عدا عن ذلك، فإن " ماركو " لطيف جداً.‏

    إنني أتلقى دروساً خاصة في اللغة الانكليزية، مع مدرسة اسكتلندية ندعوها " مس " . إنني أتقدم بخطى خارقة. هذه الـ " مس " هي كريما انكليزية حقيقية (أواه). إنها لطيفة، ومضحكة جداً، لدرجة أنني عندما أفكر بعض الأحيان، أفكر بها. أود لو أستطيع مقابلتها صدفة في الشارع. لقد سألتني عن مكان سكني، وأرادت أن تعرف إذا كان لي أخوة صغار، كي تعلمني ألحاناً للأطفال، إنها أغانٍ للحاضنات.‏

    وافقت على ذلك من أجل طفل " جوليا ". لجوليا طفل اسمه " فيكتور " ليس له شعر.‏

    أمس، فاجأت الـ " مس " بأن أخذت الهارمونيكا، وعزفت عليها، لحناً غنته في اليوم السابق. إنني أعشق أن تغني هذه الأغنيات.‏

    ... ... ...‏

    هذه الليلة حلمت بجدتي.‏

    ربما بسبب الشعر، لقد أصبحت جدتي هي طفل "جوليا" وكنت أغني لها هذه الأغنيات. في أيامها الأخيرة، لم تعد جدتي تتحمل لا باروكة الشعر ولا الوشاح.‏

    وأصبحت عيناها سوداوين جداً. لم نعد نرى سوى عينيها.‏

    عيناها، كنت أحبهما أكثر من الحياة نفسها.‏

    ***‏

    إنني أتحسن كما يبدو، لكن هذا ليس أكيداً!‏

    جدي هو الأكثر سعادة، وهاكم لماذا.‏

    مساء الأحد، وأثناء العشاء، فتح محفظته على الطاولة، وقال لي:‏

    -خذ، يا نيقولا، لقد وجدت صورة لوالدتك، وهي في مثل عمرك. انظركم تشبهها.‏

    كنا نأكل عجة نرويجية، كان جدي قد اشتراها من المخزن دون علم "جوليا"التي كانت تكره بشدة أن نخونها مع تحلية من هذا النوع، إنها تقول: "هذه كلها عبارة عن قذارة! ". وقلت لجدي إن أمي شقراء، شعرها أجعد، ولا تضع نظارات. أجابني بكل هدوء، قائلاً: "إن والدك هو الأسمر..."‏

    وضعت أنفي في صحني، وقلت: "لماذا لم يتزوجا؟"‏

    لم ينظر جدي إلي، وراح يشرح لي السبب، وهو يرسل تنهيدة طويلة:‏

    -لقد كان والدك متزوجاً، وزوجته كانت صديقة لأمك، وله منها طفلة صغيرة. لهذا السبب قررت والدتك أن تربيك بمفردها، ثم كان الحادث، فاحتفظنا بك... كان باستطاعتنا إعادتك لوالدك.. ربما كانت زوجته ستقبلك، لأنها كانت تعلم بوجودك -ولكننا، أنا وجدتك، فكرنا أننا مازلنا شباباً، وأنك سوف تكون سعيداً معنا...‏

    وهكذا يا نيقولا... أنت تعرف كل شيء الآن...‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    أنهينا العجة بصمت.‏

    صعدتُ إلى غرفتي.‏

    كنت أشعر أنني متجمد، ليس بارداً فقط، بل قاسياً مثل الحصى، ولا أستطيع أن أحدد لك ما إذا كان هذا الخبر يسعدني، أم يحزنني، لم أكن أشعر لم أكن أشعر بشيء!‏

    واشتغلت على مكتبي.‏

    فجأة، بدأت أغني لحناً، لحن أغنية كانت جدتي تحبها منذ زمن بعيد.‏

    وها أنا أسمع نفسي أغنيها بصوتٍ عالٍ، وبقيت أغني:‏

    "كل الأجراس تدق، تدق" (هذه هي اللازمة).‏

    يسمعني جدي، ويصعد بهدوء، وشرع يغني، وهو يفتح الباب، باب غرفتي، المقطع الأول للأغنية: "ياقرية في قلب الوادي..." وهو يشير لي أن أغني معه. لم أستطع إكمال المقطع؛ كان صوتي منخفضاً جداً. ولكن اللازمة كنت أعود وأغنيها مع جدي بملء حنجرتي.‏

    والمقطع الختامي رددناه ثلاث مرات: "كل الأجراس تدق، تدق،‏

    والصوت من صدىً، لصدى‏

    يقول للجمع الذي اندهش‏

    إنها لجان فرانسوا نيقولا"‏

    كانت الدموع تملأ أعيننا، وتوقفنا، وقبلني جدي ثم قال:‏

    - هل كنت تفكر بأبيك، عندما تذكرت هذا اللحن؟‏

    - كلا، بجدتي، دعنا لا نعد للحديث عن أبي.‏

    ومنذ ذلك الحين، قمنا بتجارب أخرى، أستطيع أن أغني بصوتٍ أعلى، ولكن ليس بصوت قوي. كنت أتوصل إلى ذلك مع أغاني الـ "مس"، وقد دُهِشتْ كثيراً وهي تسمعني، وفي الواقع، عندما أتحدث معها بالانكليزية، فإن صوتي يخرج أحسن بكثير منه في الفرنسية، إنها ظريفة، فهي تتظاهر بأنها لم تلحظ شيئاً، لن أقول ذلك للدكتور "بالان". سوف يفسد عليَّ الـ"مس" الصغيرة.‏

    إنني مستمر معه، ولكنني توقفت عن "ممارسة النطق الصحيح". كنت أفضل الذهاب إلى المعهد الرياضي، ثم إن القراءة في كتاب "قمم هورلوفان" لم أعد أستطيع تحملها. ووافق الدكتور "بالان" أن أتركه.‏

    الدكتور "بالان" صار، بشكل طبيعي، يجعلني أغني.. وهكذا، سوف يقول إن التحسن تمّ بفضلة. لكن هذا ليس صحيحاً على الإطلاق. إنه بفضل جدتي وأغاني الحاضنات على ما أعتقد.‏


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي




    في الصف، الحالة كما هي، يا شوكس، لم يعد أحد يتوقع مني أن أتكلم بشكل طبيعي، من جديد. مع ذلك، أصبح لي صديق. إنه " مارك بيلو " المشهور بـ " ماركو بولو ". ونحن الاثنين نشكل ثنائياً فريداً في نوعه، لأنه يتمتم، قليلاً فقط. وتصوري أنه اكتشف أنه، عندما يحدثني، بصوت منخفض ودون وجود أي شخص حولنا، لا يتلعثم أبداً في جمله. نحن نتبادل الملصقات والرسوم المتحركة، إنه مغرم بها، أما أنا فلا. وبعض الأحيان نتهاتفا، ونتحادث همساً... عدة ساعات. إنني لا أحب أن أتمتم.‏

    إنه يثير ضحك الآخرين. عدا عن ذلك، فإن " ماركو " لطيف جداً.‏

    إنني أتلقى دروساً خاصة في اللغة الانكليزية، مع مدرسة اسكتلندية ندعوها " مس " . إنني أتقدم بخطى خارقة. هذه الـ " مس " هي كريما انكليزية حقيقية (أواه). إنها لطيفة، ومضحكة جداً، لدرجة أنني عندما أفكر بعض الأحيان، أفكر بها. أود لو أستطيع مقابلتها صدفة في الشارع. لقد سألتني عن مكان سكني، وأرادت أن تعرف إذا كان لي أخوة صغار، كي تعلمني ألحاناً للأطفال، إنها أغانٍ للحاضنات.‏

    وافقت على ذلك من أجل طفل " جوليا ". لجوليا طفل اسمه " فيكتور " ليس له شعر.‏

    أمس، فاجأت الـ " مس " بأن أخذت الهارمونيكا، وعزفت عليها، لحناً غنته في اليوم السابق. إنني أعشق أن تغني هذه الأغنيات.‏

    ... ... ...‏

    هذه الليلة حلمت بجدتي.‏

    ربما بسبب الشعر، لقد أصبحت جدتي هي طفل "جوليا" وكنت أغني لها هذه الأغنيات. في أيامها الأخيرة، لم تعد جدتي تتحمل لا باروكة الشعر ولا الوشاح.‏

    وأصبحت عيناها سوداوين جداً. لم نعد نرى سوى عينيها.‏

    عيناها، كنت أحبهما أكثر من الحياة نفسها.‏

    ***‏

    إنني أتحسن كما يبدو، لكن هذا ليس أكيداً!‏

    جدي هو الأكثر سعادة، وهاكم لماذا.‏

    مساء الأحد، وأثناء العشاء، فتح محفظته على الطاولة، وقال لي:‏

    -خذ، يا نيقولا، لقد وجدت صورة لوالدتك، وهي في مثل عمرك. انظركم تشبهها.‏

    كنا نأكل عجة نرويجية، كان جدي قد اشتراها من المخزن دون علم "جوليا"التي كانت تكره بشدة أن نخونها مع تحلية من هذا النوع، إنها تقول: "هذه كلها عبارة عن قذارة! ". وقلت لجدي إن أمي شقراء، شعرها أجعد، ولا تضع نظارات. أجابني بكل هدوء، قائلاً: "إن والدك هو الأسمر..."‏

    وضعت أنفي في صحني، وقلت: "لماذا لم يتزوجا؟"‏

    لم ينظر جدي إلي، وراح يشرح لي السبب، وهو يرسل تنهيدة طويلة:‏

    -لقد كان والدك متزوجاً، وزوجته كانت صديقة لأمك، وله منها طفلة صغيرة. لهذا السبب قررت والدتك أن تربيك بمفردها، ثم كان الحادث، فاحتفظنا بك... كان باستطاعتنا إعادتك لوالدك.. ربما كانت زوجته ستقبلك، لأنها كانت تعلم بوجودك -ولكننا، أنا وجدتك، فكرنا أننا مازلنا شباباً، وأنك سوف تكون سعيداً معنا...‏

    وهكذا يا نيقولا... أنت تعرف كل شيء الآن...‏

    أنهينا العجة بصمت.‏

    صعدتُ إلى غرفتي.‏

    كنت أشعر أنني متجمد، ليس بارداً فقط، بل قاسياً مثل الحصى، ولا أستطيع أن أحدد لك ما إذا كان هذا الخبر يسعدني، أم يحزنني، لم أكن أشعر لم أكن أشعر بشيء!‏

    واشتغلت على مكتبي.‏

    فجأة، بدأت أغني لحناً، لحن أغنية كانت جدتي تحبها منذ زمن بعيد.‏

    وها أنا أسمع نفسي أغنيها بصوتٍ عالٍ، وبقيت أغني:‏

    "كل الأجراس تدق، تدق" (هذه هي اللازمة).‏

    يسمعني جدي، ويصعد بهدوء، وشرع يغني، وهو يفتح الباب، باب غرفتي، المقطع الأول للأغنية: "ياقرية في قلب الوادي..." وهو يشير لي أن أغني معه. لم أستطع إكمال المقطع؛ كان صوتي منخفضاً جداً. ولكن اللازمة كنت أعود وأغنيها مع جدي بملء حنجرتي.‏

    والمقطع الختامي رددناه ثلاث مرات: "كل الأجراس تدق، تدق،‏

    والصوت من صدىً، لصدى‏

    يقول للجمع الذي اندهش‏

    إنها لجان فرانسوا نيقولا"‏

    كانت الدموع تملأ أعيننا، وتوقفنا، وقبلني جدي ثم قال:‏

    - هل كنت تفكر بأبيك، عندما تذكرت هذا اللحن؟‏

    - كلا، بجدتي، دعنا لا نعد للحديث عن أبي.‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    ومنذ ذلك الحين، قمنا بتجارب أخرى، أستطيع أن أغني بصوتٍ أعلى، ولكن ليس بصوت قوي. كنت أتوصل إلى ذلك مع أغاني الـ "مس"، وقد دُهِشتْ كثيراً وهي تسمعني، وفي الواقع، عندما أتحدث معها بالانكليزية، فإن صوتي يخرج أحسن بكثير منه في الفرنسية، إنها ظريفة، فهي تتظاهر بأنها لم تلحظ شيئاً، لن أقول ذلك للدكتور "بالان". سوف يفسد عليَّ الـ"مس" الصغيرة.‏

    إنني مستمر معه، ولكنني توقفت عن "ممارسة النطق الصحيح". كنت أفضل الذهاب إلى المعهد الرياضي، ثم إن القراءة في كتاب "قمم هورلوفان" لم أعد أستطيع تحملها. ووافق الدكتور "بالان" أن أتركه.‏

    الدكتور "بالان" صار، بشكل طبيعي، يجعلني أغني.. وهكذا، سوف يقول إن التحسن تمّ بفضلة. لكن هذا ليس صحيحاً على الإطلاق. إنه بفضل جدتي وأغاني الحاضنات على ما أعتقد.‏


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    يتبع ...

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيمركز

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تحميل الصور

  11. #51
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية Fifi Maria

    التنمية البشرية
    تاريخ التسجيل
    03 2012
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,905

    رد: قرأت لكم .. " سلسلة الأدب العالمي "




    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    توجد بالإضافة إلى أبي شخصية يزعجني التفكير بها، إنها "نصف -شقيقتي" ليست شقيقة، بل أخت. الأكبر أو الأصغر برأيك؟‏

    هل توافقين على زوج يغني، ولكن لا يتحدث؟ ويغني فقط النغمات الثاقبة وليس القوية.‏

    في النهاية ظلت جدتي في المستشفى، لم تعد تأكل، ولكنني كنت أعتقد دوماً أنها سوف تشفى. لم أكن أعلم أن الحياة تتوقف، هكذا، فجأة.كنت أفكر فيها مساءً، وأنا في سريري، لم أكن أستطيع أن أصلي لأجلها خوفاً من الفشل. ولكنني كنت أرسل لها إشارات حنان برأسي، وأدفعه باتجاهها. إنني لا أستطيع قص ذلك إلا عليك، كنت واثقاً من أن حناني يذهب باتجاه المستشفى، ويمر فوق الغابة، والقرى الأخرى، ويستطيع شفاءها.‏

    في الأسابيع الأخيرة، جاءت العمة "إيرا" لتسكن معنا، إنها شقيقة جدي. وهكذا كانا يتناوبان الذهاب إلى "كليرمون" في الليل. وإلا لما استطاع جدي أن يتحمل أكثر.‏

    ومساء يوم، في "كليرمون"، فهمت أن جدتي مريضة جداً. طلبت مني ثلاث مرات أن أرفع نظارتيها، لم تكن هناك نظارات، كانت تظن أن الأنبوب الصغير الذي يدخل أنفها هو نظارتها. كانت تأمل دائماً العودة إلى البيت. لكن هذا صار مستحيلاً، وشيئاً فشيئاً لم تعد تأمل، بل فقدت الأمل على ماأظن، لأنها لم تعد متماسكة، كانت تتكلم بصورة مستمرة، لم تعد ترغب في البقاء على سريرها، وكانت تحاول أن تمسك بأشياء لا وجود لها. ولكن أنا، كانت تعرفني دائماً، وكانت تحبني دائماً. لقد فهمت أن المرض يمكن أن يمنعكِ من التفكير بشكل طبيعي، ولا يمنعك أن تحبي.‏

    كان جدي شديد التجهم، وكان يفضل ألا يصطحبني إلى المستشفى، ولكني كنت أريد أن أبقى مع جدتي. أعطتني سبحتها، كانت تدعوني "ياحبيبي" وائتمنتني على جدي. ومع ذلك كنت أعتقد أنها ستشفى، لأنني شاهدت صوراً للعم "جان" يوم كان في الأسر-إنه عجوز، لقد حارب-وكانت حالته سيئة مثل جدتي، ولكنه تحسن، بَيد أن جدتي لم تتحسن.‏

    لا أستطيع الكتابة لك، لوصف ليلة وفاة جدتي، لا أستطيع، لقد حاولت.... تم دفنها.‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    لقد كنا، أنا وجدي، شجاعين، الكل قال ذلك، لم نبكِ.‏

    في البدء، أردت رؤية جدتي، على سريرها، سمح لي جدي، لقد كانت فعلاً ميتة، لم يبق أدنى شك، ولم أعد أعرف ماذا أفعل بحبي لها.‏

    لم أعد أعرف ماذا أفعل، بتاتاً.‏

    كانت جدتي تعرف دائماً ماذا تفعل.‏

    لقد افتقدناها كثيراً يوم الدفن.‏

    حتى الآن لا أتكلم، ومن المضحك: غناء "أعطني الماء".‏

    انتظر أن أكبر.‏

    آمل أن يتحمل جدي الصدمة، وإلا ماذا سيحل بي؟‏

    وهناك صدمة قوية أخرى، لعينة! أين أذهب؟ ماالذي سيحل بي؟‏

    اسمعي:‏

    قيل لنا، الساعة الثانية عشرة ظهراً أن أستاذ البيولوجيا مريض.‏

    إنه يوم الخميس: أعرف أن والدة " نيللي" تأتي لتأخذها عن الرصيف، بعد المطعم، وتعود إلى "برامفان" فأسرعت، وعدت معهما، كي لا أنتظر ساعة الباص.‏

    أصل إلى البيت. ماذا أرى؟‏

    سيارة مدرس اللغة الفرنسية، أمام منزلنا.‏

    هكذا إذاً؟!‏

    هل يأتي لزيارة جدي دون علمي؟‏

    أنا غاضب.‏

    أدخل الكراج، وأدلف إلى المطبخ.‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    لا أحد في قاعة الاستقبال. "جوليا" ليست هنا، الصالون يطل على مكتب جدي، ولكن الأبواب المبطنة لا تسمح بسماع أي شيء.‏

    على جدار مكتب جدي توجد خزانة أدوات المائدة. أفتحها، وأقترب، حتى أقرب حد ممكن من عمقها، وأنا أنحني.‏

    هناك صوت.‏

    إنك واثق من سماع صوت السيد "دولاهي" ومع ذلك، مستحيل أن تفهم ماذا يقول.‏

    إنني مضطرب.‏

    أحاول أن أحرك مجموعة من الصحون، دون إحداث ضجة، وفي هذه اللحظة، كراكْ على الفور! تفتح أبواب المكتب، وها هما الاثنان أمامي.‏

    كنت مذعوراً جداً، مذعوراً من الخجل.‏

    -ماذا تفعل هنا؟ دهش جدي.‏

    أخرج من الخزانة، شعرت بوجهي مثل الحصى، مستحيل أن أحرك فيه عضلة واحدة.‏

    استعاد السيد "دولاهي" توازنه، مد يده وشددت عليها.. قال:‏

    - ألم يكن عندك درس هذا العصر؟‏

    أشرت برأسي: لا...‏

    ورجاني جدي أن أجلس...‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    سوف ألخص لك المحادثة، شوكس.‏

    جدي- نيقولا، السيد "دولاهي" جاء لرؤيتي، كي نتحدث بخصوصك، وقد فهمت منه أنك مجتهد، لا توجد مشكلة كي تنجح إلى الصف الخامس ولكنني كنت أتساءل إذا كان اختفاء صوتك لن يؤثر على دراستك من هذه الناحية، لا يوجد تحسن، إذاً، لو طال الأمر، سوف ينحدرمستواك التعليمي، ويجب أن تعرف ذلك.‏

    السيد "دولاهي" - وأيضاً، يا نيقولا، كنت أريد التحدث مع السيد "دولوز" في موضوع آخر، شخصي. اعذرني لصراحتي القاسية، ولكني من نفس عمر والدك، وأنا أعرفه منذ زمن طويل.‏

    والآن، وبعد وفاة جدتك، ولكونك قد أصبحت كبيراً لتستوعب الأمر، فهو يسألك، إذا كنت تود مقابلته. صدقاً، لقد جئت من أجل ذلك.‏

    أنا -(بصوت منخفض، قلت للسيد "دولاهي"): أريد أن أتحدث مع جدي، ولكن ليس معك.‏

    السيد "دولاهي" كما تريد. أنا مندهش من ردة فعلك، ظننت أنه من المفيد أن أهزك، لكن على مايبدو، ليست هذه هي الطريقة الصحيحة. على كل حال، يا نيقولا، سوف تبدأ العطلة الصيفية بعد خمسة عشر يوماً، وسوف تدرس اللغة الفرنسية مع الآنسة "كلوستر" لقد وزعنا الطلاب على الصفوف، إذا كان ذلك يطمئنك.‏

    أنا-طيب، (لم أتجرأ على القول "أحسن" مع ذلك).‏

    جدي -اذهب، وأحضر لنا كوكا كولا، يا فهمان!‏

    شربا، وهما يتحدثان عن الطقس، لم أكن ظمآن... كنت متجهماً، وذهب السيد "دولاهي".‏

    إن جدتي لم تكن لتقبل أبداً أن يتدخل أحد في كل هذا، وأستاذي بالذات.‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    ***‏

    إن الأمر متداخل في رأسي:‏

    عندي أخت، يا صغيرتي شوكس.. وماذا؟‏

    لست بحاجة لأخت، أو أخ، أو أب!‏

    إنني بحاجة إليك!‏

    أنتِ!.... أفعل مثل جدتي؛ أركز جيداً جداً، وأفكر في شوكس . توجد في الحياة ألغاز كثيرة. ربما سيصلك حناني، ويسعدك، ولو لم تعرفي أنه آتٍ من عندي.‏

    أنت موجودة بالتأكيد، لأنني عندما أكبر، سوف تعود إلي قدرة النطق، وسوف ألتقي بك، وسوف يحب الواحد منا الآخر بقوة، وسوف نتزوج، وإذا قدِّر لك أن تموتي قبلي، فسأستلقي بجانبك، وسوف آخذ، عن قصد دواء، ونموت سوية، وهكذا، لن تشعري بالخوف، سوف نكون متقدمين كثيراً في السن، لدرجة أنه لن يكون من الضروري أن نحاول البقاء.‏

    هل تعرفين؟ إنني أفكر في شيء واحد: لقد تحدث أستاذ البيولوجيا أمس، عن المكان والزمان، وكان يقول إنه ربما كانت واحدة من هذه النجوم التي ترينها في السماء، ترينها بملء عينيك، لم يعد لها وجود منذ مئات السنين أو ملايين السنين، لأنها قد انفجرت.‏

    حسناً!! إذا تصورت العكس، أي كوكباً يعيش عليه أناس أكثر ذكاءً منا، فمن المنطقي عندئذ، أن ينظروا إلى الأرض، مثلما كانت في الماضي.‏


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    يتبع ... نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيمركز

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تحميل الصور

  12. #52
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية Fifi Maria

    التنمية البشرية
    تاريخ التسجيل
    03 2012
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,905

    رد: قرأت لكم .. " سلسلة الأدب العالمي "




    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    يوجد إذاً، على الدوام، مكان من العالم، يستطيعون منه رؤيتنا نعيش، بشرط أن يستخدموا مناظير قوية بما فيه الكفاية، ربما تكون هذه هي الآخرة. ليس من مصلحتنا أن نقوم بحماقات، أو سفالات، لأنها تُسجِّل في المكان، على شريط كاسيت أو فيلم مثلاً إذ وجد.‏

    إنني لا أستوعب لماذا لن يكون هناك أناس من خارج الأرض، في العالم الخارجي، في مكان ما من السماء، على كبرها.‏

    أو لماذا، إذا لم يكونوا موجودين الآن، سوف يوجدون في يوم من الأيام، إنني أود أن أقول: "في أي وقت لا على التعيين".‏

    ماذا تعتقدين؟ ماهو رأيك حول هذا الموضوع؟‏


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    إن علم الفلك يسبب الدوار، كما أعتقد، ولكنني أحبه جداً، ومن المفترض أن نشفى من الدوار، وأن نعتاد على فكرة أننا لسنا مجرد شيء " في بحر العوالم اللامتناهية"، كما يقول الأستاذ، وإلا أُصِبْنا بالجنون، لهذا ترينني بعض الأحيان، أغار من القطط. هنا ليس لدينا قطط؛ لكن قطة الجيران تأتي دائماً لتنام تحت شجرة الصنوبر "الزرقاء" في الحوش. إنني أداعب بطنها، كانت جدتي لا تحب القطط، لكن، ربما سيسمح لي جدي بالاحتفاظ بواحدة من الصغار التي سوف تلدهم، إنها تدعى "مينيت" إن شعرها كثيف كالدببة. هذا سخيف! عندما أنظر إليها فترة طويلة أظنها السيد. إنها تبدو أعلى وأسمى من الواقع...‏

    سوف أدعو قطتي الصغيرة "شوكس" ذكرى لك.‏

    غالباً ما أكتب لك أشياء أتحدث عنها مع "بالان"، الفرق هو أنني أحبك أنتِ، أما هو فلا، مرة حلمت أنه والدي، قال: "آه: نعم؟!" مثل العادة.‏

    إذا ظن أن هذا كان مدحاً له فإنه مخطئ!‏

    بالان، بالان.. إنني أسخر منه!‏

    اليوم تحدثت معه حول هذه الجملة:"لا يوجد مشترك للرقم الذي طلبته". وعوضاً عن شرح ما تعنيه لي هذه الجملة، كما كان يريد، أخذت حقيبة كتبي وذهبت، وأنا أردد:"لا يوجد مشترك للرقم الذي طلبته". ولكني أخطأت، وقلت: "لا يوجد رقم للمشترك الذي طلبته، شيء سخيف! ياللسخرية!‏

    شوكس، أنت موجودة، أنتِ تعيشين، يوجد لديك حتماً هاتف، يوجد رقم هاتف لك؟ قولي!‏


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    منذ المقابلة اللعينة مع السيد "دولاهي"، وأنا أعلم، يا شوكس، أنه ينبغي أن أتحدث مع جدي، أعرف هذا، وإلا فلن يكون سعيداً، لكنني كل يوم أؤجل ذلك، وأجد أعذاراً، مثلاً، أقول لنفسي: لدي وظائف كثيرة متراكمة. وقد دعوت "ماركو بيلو" من مساء الثلاثاء، حتى الخميس صباحاً، وقد كان جدي فرحاً بذلك، ذهبت مع "ماركو" إلى الغابة، لاصطياد عصافير "الدوري" مع أن بارودتي تعمل بالهواء المضغوط. عادةً، اصطاد بالبطاطا: تأخذين قطعة بطاطا وتشقينها برأس فوهة البارودة، فتبقى بداخلها، تطلقين طلقة طَقْ! وتنطحن البطاطا على الهدف. لكننا هذه المرة أخذنا رصاصاً (خردقاً) وافق جدي على ذلك، واصطدنا اثنين منها.‏

    تباً لهما، لم أشعر تجاههما بالشفقة مطلقاً، إذا كان ذلك يحزنك فأرجو أن تسامحيني، يوجد من نوع الطيور هذا الكثير، وفي كل مكان.‏

    وقد سعدت بالحصول عليهما، أنا الذي اصطدت الاثنين. و"جوليا" تعرف وصفة: فهي تنتف ريشهما، وتضعهما على حبة بطاطا ضخمة مكتفين، و.. هوب، تدخلهما إلى الفرن.‏

    أكلنا، أنا وماركو، العصفورين ، كان طعمهما لذيذاً، إن جدي، في الصيد يقتل أي شيء، سوف أذهب، بعد فترة، إلى الصيد من جديد، وسأقتل الغربان فقط، لأن الغربان التي تحلق فوق أكوام النفايات مقرفة. النفايات تقع مباشرة بعد المقبرة. وقد كنت، من قبل، أذهب إليها كثيراً، لجلب أشياء، الآن: أبداً!‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    " يا سيدتي شوكس، يا طفلتي شوكس‏

    أنت قدري‏

    وأنا "كاوبوي" مسكين، ووحيد‏

    يضع نظارتين على أنفه". (أغنية بالإنكليزية).‏

    انظري كم تقدمت في الانكليزية.‏

    مرت ثلاث أشهر وأنا لا زلت أتكلم دون صوت!‏

    دون صوت، توجد أشياء كثيرة لا تستطيعين فعلها:‏

    -التبضع، عدا مخازن "كاموت".‏

    -مخاطبة أشخاص لا تعرفينهم، للسؤال عن شيء ما.‏

    - الرد على الهاتف.‏

    -الاشتراك في مناقشة مع مجموعة من الناس.‏

    إنها عاهة!!‏

    منذ حضوره إلى المنزل، لم تعد الأمور تسير كما يجب بيني وبين السيد "دولاهي". لتحيا العطلة! إنني أتعمد أن أكون بغيضاً معه. أما هو، فإنه محرج. هذا واضح.‏

    ومع جدي، أيضاً، لا تسير الأمور على مايرام، إنني أهرب منه.‏

    أعتقد أنه غاضب مني.‏

    أنا وهو نعلم السبب جيداً.‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    إذاً كان يود تقديمي لوالدي، لماذا احتاج للتحدث عن ذلك مع أستاذي، وليس مع شخص آخر، أستاذ وصديق يشكلان اثنين، والأنكى من هذا، أمس، تصوري يا صغيرتي "شوكس" وأنا عائد من عند "بالان"، وذاهب لأستقل الباص، قطعت شارع "جود".... ماذا أرى على الرصيف المقابل لي؟ بالطبع، السيد "دولاهي" مع فتاة لها ضفائر على ظهرها. إنها في مثل سني، أو أكبر قليلاً، كان يتحدث معها، وأنا كنت أمام متجر أحذية. لقد تملكني الذعر، وخفت من أن يراني، فدخلت المتجر بأقصى ما أستطيع من سرعة. هنا، كان الموقف مريعاً‍.‏

    وقعت البائعة على رأسي، فاحمر وجهي أو اخضر، لا أدري، وفتشت بيأس عن أي شيء؛ غير الأحذية، موجود في المخزن، كي أعطي نفسي الوقت الكافي للانتظار فيه، حتى ابتعاد السيد "دولاهي"، وأخيراً، أشرت للبائعة بإصبع، وبالإصبع الأخرى لحلقي، وطلبت بصوت منخفض زوجاً من شريط ربط الحذاء. لحسن الحظ، كانت معي بعض النقود. واشتريت شريطاً أحمر اللون، لأن شريط حذائي لم يكن مقطوعاً. ربما إنها لم تستطع أن تفهم أنني أود شريطاً آخر أبيض اللون.‏



    ***‏

    أنا وجدي متخاصمان.‏

    أنا و "بالان" متخاصمان.‏

    أنا وأنا متخاصمان.‏

    ولكن، أنتِ: أحبك.‏

    لولا "جوليا" كنا هلكنا، "جوليا" هي التي تهتم بشؤون المنزل، تماماً مثل جدتي. نحن نلاحظ ذلك يوم الأحد، لأنها لا تحضر في هذا اليوم. تبدو الغرف أكثر اتساعاً من العادة.‏

    هذا الصباح، تناقشنا، أنا وإياها، مناقشة لعينة، مناقشة في غاية الأهمية! يا شوكس، أنا أحمق، لحسن الحظ أن "جوليا" افهمتني ذلك.‏

    كنت أنتظر أن يبرد شراب الشوكولا الساخن، لأنني كنت لا أريد الأكل، كان جدي قد ذهب إلى المكتب منذ فترة، وفجأة نظرت "جوليا" إلى كأسي، نظرت إلي، ثم انفجرت قائلة:‏

    - نيقولا، هذا يكفي، الآن ستشرب شرابك، هل تعرف ماذا يجري؟‏

    - أنا - ماذا؟ ما الذي يجري!؟‏

    جوليا- جدك، سوف ينتهي الأمر بمرض جدك، لكثرة مايعانيه بسببك.‏

    أنا لدي أذنان تسمعان في كل مكان، أسمع أشياء كثيرة، لقد أصبحت صعب المراس، سييء الطبع، حزيناً، حتى أنك تهدم كل العالم من حولك. وحتى أنا، فإنك تثير غضبي. إنك لا تأكل، ولا تتكلم، وتبدو وكأنك صنم. ألا يكفي السيد "دولوز" بؤساً أن يعيش أرملاً ؟ هل تعتقد أن جدتك ستكون سعيدة لما تفعله؟ إنك تخرب حياة جدك. وأنا أعلم مالذي سيحدث.‏

    في يوم من الأيام، سوف يطفح الكيل به، وسيرسلك إلى مكان آخر. هل تفهم مالذي أريد قوله؟ " إلى أي مكان آخر". أنا أفهم ذلك.‏

    أنا - إلى مدرسة داخلية؟ إلى منزل معاقين؟‏

    جوليا - لم لا؟ إلى مدرسة داخلية!!‏

    يا صغيرتي شوكس، لقد أخذت كأس الشوكولا، وألقيت به في حوض المطبخ بقوة، فانكسر، وهربت إلى غرفتي فوراً.‏

    صعدت "جوليا" ورائي راكضة؛ وقالت:‏

    - "نيقولا، ربما أكون مخطئة، لكن، عليك أن تنتبه لجدك".‏

    بكيت. حاولت أن أنادي جدتي، ولكن من غير جدوى، لقد ماتت.‏

    إذاً، هذا مايحاول الجميع فعله؟ إرسالي إلى مكان آخر، إلى مدرسة داخلية! أنا أفضل أن أموت، إنني غبي!‏

    أكتب لك بصوت منخفض.‏

    عندما توفيت جدتي، كان الوقت ليلاً، يا شوكس، مثل الآن.‏

    كنت أنام في سريري. وجدي في غرفته. كان دور العمة "إيرا" في المناوبة في المستشفى. (كنت قد ذهبت في اليوم السابق لرؤية جدتي، لم تكن واعية، ولكنها كانت تحبني، كانت تحبنا، وكان ذلك واضحاً، كانت لا تزال تملك حياتها وصوتها لنفسها. كانت تقول أشياء كثيرة مثل السابق، ولكن دون ترتيب. كانت جميلة. وكانت تضع على رأسها وشاحها الذي تزينه العصافير)‏

    سمعت صوتاً تحت، نهضت مختبئاً، نزلت دون أن أظهر نفسي، رأيت العمة "إيرا" تدخل على رؤوس أصابع قدميها.‏

    تبعتها في العتمة.‏

    ذَهَبَتْ إلى مخزن البياضات، أخذت بعض الأغراض، وذهبتْ.‏

    لكن الباب الخارجي للبيت صرَّ، عندها استيقظ جدي. وثب في الممر وشعره مشعث. نظرت العمة "إيرا" نظر الواحد للآخر، وهي تقول:‏

    - انتهى الأمر.‏

    أنا أقول - ماهو الأمر الذي انتهى، وذلك في الوقت نفسه الذي فهمت فيه.‏

    وضممنا بعضنا بعضاً. كانت العمة "إيرا" تبكي وحدها.‏

    جدي وأنا كنا جافين.‏

    العمة "إيرا" كانت صارمة، أرسلتنا، أنا وجدي، إلى النوم، طالبة منا الانتظار حتى الفجر، وعادت هي إلى "كليرمون".‏




    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    يتبع ... نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيمركز

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تحميل الصور

  13. #53
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية Fifi Maria

    التنمية البشرية
    تاريخ التسجيل
    03 2012
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,905

    رد: قرأت لكم .. " سلسلة الأدب العالمي "




    نمت مكان جدي، كان جدي يدعوني "يا صغيري نيقولا"، وانتهى الأمر بي إلى النوم على صدره، عندما استيقظت، شعرت بالخوف، كان خوفاً رهيباً.‏

    لم يكن جدي موجوداً! ولحسن الحظ، "جوليا" كانت موجودة، شرحت لي إنهم سيعيدون جدتي إلى هنا. قمت وارتديت ملابسي، وعندما نزلت رأيت جدتي، قلت ذلك لك على ما أظن. ثم وضعوها في التابوت، ووضعوا التابوت على حامل، وضع عمداً، في منتصف الصالون. بَقِيَتْ في الصالون يومين.‏

    كان الناس يقفون بالصف للصلاة عليها. كانوا يتحدثون بصوت منخفض.‏

    أنا كنت أفضل ألا يروا جدتي، بسبب الفضول الذي لا أحبه. ثم إن "الباروكة" لم تكن موضوعة بالطريقة التي تحبها.‏

    ثم إنها كانت ميتة جداً.‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    يا شوكس المستقبل.‏

    نحن الآن في العطلة تقريباً.‏

    يجب أن آخذ "نيقولا دولوز" في نزهة، كما يأخذ المرء كلبه للنزهة.‏

    جدي شجاع جداً. إنه منظم، لكنني خائف، من الشعور بأنه لم يعد يحبني. خائف من أن يرسلني إلى مدرسة داخلية، في أول السنة الدراسية القادمة. ومن أنه يريد أن يعرفني بوالدي، كي يعلن هو الخبر لي. هكذا هو الأمر.‏

    هذا هو، هذا هو يا شوكس.‏

    إن المدرسة الداخلية ترعبني، هناك لا أستطيع البقاء أبداً وحدي، لن تبقى لي غرفتي المستقلة. ولن أستطيع الكتابة لـ "شوكس" عندما يكون جدي في مكتبه، وهو يظن أني نائم.‏

    إذا وضَعُوني في المدرسة الداخلية، فسوف أهرب.‏

    أين أذهب؟‏

    أعود إلى هنا، وأختبئ في السقيفة، وسوف آخذ ما آكله من الثلاجة عندما تكون جوليا غائبة، وسوف أرفض كل شيء: الدكتور "بالان"، أن أعمل، ' أن آكل.... كل شيء.‏

    أو أذهب، سيراً على قدمي، وأجول العالم، وأبحث عنك، أبحث عنك حتى أجدك.‏

    إنني واثق من ِأنني سأتعرف عليك.‏

    ولكن أنتِ؟‏

    أنا سطحي جداً!‏

    مر شهر آخر دون الكتابة إليكِ.‏

    وثم...‏

    شوكس، شوكس، شوكس.‏

    لو كنت تعلمين.‏

    استمعي لي جيداً، بعينيك الواسعتين المفتوحتين كصحون صغيرة، بدلاً من الآذان (مهلاً، مهلاً، نيقولا دولاز!) لنستعد الأمور من البداية.‏

    الليلة الماضية، وأنا عائد إلى المنزل، فاجأت جدي جالساً إلى طاولة المائدة، وهو يحمل رأسه بين يديه، كان يجلس بهذا الشكل ولا يتحرك.‏

    عطستُ، لكنه لم ينتبه، عندئذ، صعدت إلى غرفتي.‏

    كنت مضطرباً، لقد فهمت للتو أن فقدان الزوجة أصعب كثيراً من فقدان الجدة (لكن جدي شجاع، ومنظم جداً، حتى ظننت أنه كان يتحمل المأساة). وعلى الفور قررت، وقلت لنفسي:‏

    "نيقولا، لقد بلغتَ أقصى مداك؛ يجب أن تتكلم مع جدك".‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    بعد العشاء، سألته إذا كنا نستطيع التنزه في الحديقة، بعد تناول الطعام، لمشاهدة النجوم. كنت أحاول أن أبدو سعيداً، لكن ذلك كان صعباً، وأعتقد أيضاً أن جدي كان متعباً.‏

    في الطريق توصلت للقول:‏

    - لماذا يا جدي تريدني حتماً أن أتعرف إلى أبي؟ لقد استغنينا عنه جيداً حتى الآن!‏

    أجابني جدي - يا نيقولا، عمري ستون عاماً، لست صديقاً لولد في مثل سنك، إنك تصادف متاعب كثيرة منذ وفاة جدتك، إن كل مانحاول فعله لإخراجك من محنتك يذهب سدى. أنا والدكتور "بالان" نعتقد أنه من الواجب تغيير حياتك، ومعرفة والدك هي الحل. وهو نفسه يرغب في ذلك. وأيضاً زوجته. إن لهما فتاة لطيفة جداً، أنت تعلم هذا، ولم تحاول أن تعرف اسمها أو عمرها أو أي شيء آخر عنها.‏

    (وها أنا من جديد عاجز عن النطق، يا شوكس، مستحيل أن أنطق بكلمة) وتابع جدي، (وكلما زاد غضبه، زاد سكوني):‏

    - وفي النهاية، يا نيقولا، سوف أضطر إلى اتخاذ القرار بدلاً منك، وخلافاً للسيد "دولاهي" أعتقد أننا لا نحتاج لانتظار "أن يبدي السيد نيقولا رغبته في الخروج من نفسه" (هذه قالها بقسوة).‏

    أنا - أوه!! ذاك السيد "دولاهي" أتركه وشأنه. أكره أن يتدخل في شؤوني.‏

    توقف جدي فجأة، وهو الإنسان الهادئ اللطيف، وهاهو يثور غاضباً:‏

    - ثم في البدء، من هو الذي يقول لك أنني أرغب في تربيتك؟ وهل تظن أن لعب دور المربية يسعدني؟ أم اهتمامي بمذاكرتك أو عطلتك أو أخذك إلى أي مكان أذهب إليه، أو التحدث بصوت منخفض؟‏

    وإذا متُّ يا نيقولا، من الذي سيهتم بك؟ قل لي!‏

    الجد لا يؤلف عائلة. وجدك ذاق الأمرّين من حفيده (حضرتك)! نعم ذقتُ الأمّرين! أنا لا أستطيع تحملك بهذا الشكل بعد اليوم! إذا كان يود والدك أن يأخذك، فليفعل!‏

    أنظر إلى جدي، كنت مذهولاً، وفي ثانية واحدة، حملتُ ساقيّ وركضت، وركضت، وركضت.جدي لن يحاول الإمساك بي. إنني حتى لم أنظر لأتأكد إن كان يتبعني.‏

    إلى أين أنا ذاهب؟‏

    ليس إلى المنزل، ليس إلى شخص محدد، ليس إلى الغابة، أتخذ طرقاً معقدة أركض كمجنون، أذهب إلى المقبرة، بابها لا يزال مفتوحاً، سأذهب لرؤية جدتي، أنا أبكي، أقول لها إن جدي رجل سييء، وأن أبي هو رجل سييء أيضاً، وأنه كان عليها أن تبقى بدلاً من أن تموت.‏

    أنا في أقصى حالات اليأس.‏

    أودّ دخول التابوت والبقاء ميتاً تماماً بجانب جدتي.‏


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    أقرر أنني ميت!‏

    أنام على التابوت، أركز بكل قوة، وأصبح ثقيلاً مثل الحجر كي ألتصق به.‏

    أتوقف عن التنفس، عن الحركة، عن التفكير، لكن هذا مستحيل؛ إنني محشو كبيضة.‏

    أنا لا أستطيع إيقاف تنفسي".‏

    لا أستطيع أن أموت.‏

    توجد في رأسي صور عديدة. تنتقل بداخلي من قمة رأسي إلى أخمص قدمي.‏

    أنا مادة متفجرة لا تنفجر.‏

    إنني بائس، مشوَّش، ومجروح.‏

    لا أشعر بالألم في أي مكان من جسمي، وفي كل مكان منه‏

    أنا مستلق كجدتي.‏

    أنا قاس مثلها.‏

    لا أجرؤ على التفكير بأمي التي توجد تحتها منذ سنوات عديدة.‏

    لكن انتبه، لست ميتاً.‏

    يجب أن يكون لدينا زر نضغط عليه إذا أردنا الموت.‏

    أنا حي بالرغم مني.‏

    والأنكى من ذلك أن الجو بارد.‏

    والأدهى منه أن الظلام دامس.‏

    ماذا سأصبح؟ هل أضرب رأسي بالرخام؟‏

    أنتفض واقفاً، فجأة، أصبحت مجنوناً‍‍‍ أرى زهريات الورد، ألتقطها وأقذف بها فوق اسم أمي على لوحة الرخام، إنني أشخر، أفتعل ضجة كبيرة لدرجة إنني لم أعد أسمع شيئاً، أبكي بشدة حتى أنني لم أعد أرى شيئاً، لقد انفجرت.‏

    وعندما أصبح كل شيء حطاماً، صرخت صرخة مدوية، واستدرت لأتأكد أن الليل مازال ليلاً.‏

    هل تعرفين من وجدت ورائي؟‍!‏

    جدي! لقد كان هنا!‏

    صرخت "جدي!" لقد صرخت بصوت، بصوت حقيقي، وارتميت عليه وأخذت أضربه بقبضتي، وأركله بقدمي. كان صعباً عليه الاحتماء مني، ثم صرت أضربه بقوة، أقل، لأنه كان يحتضنني:‏

    - ياصغيري نيقولا؛ يا صغيري نيقولا!‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    كان يبكي.‏

    كانت سيارته أمام المقبرة، أعادني إلى البيت، وكنت لا أزال أنتحب. قام جدي بتغيير ملابسي، ووضعني في سريره. وضمني بذراعيه مثلما فعل ليلة وفاة جدتي. ثم كلمني، وقال لي إنه لم يكن يريد أن يفارقني، وأنني كنت كل مابقي له في هذا العالم. وأنه غضب مني، لأنه كان هو أيضاً يعود طفلاً، من وقت لآخر.‏

    وقال لي أننا سوف لن نفترق أبداً، إلا إذا كنت أريد ذلك، أنا.‏

    وقال لي إنه أبي، وأبي وحده الآن.‏

    بعد ذلك، أضاف، أنه كان لابد من التعرف على أبي الحقيقي وزوجته وأختي، لأنه هو أيضاً، سيختفي في يوم من الأيام، كما فعلت جدتي (نعم قال "يختفي") وأنه، بعد ذلك، سأحتاج إلى عائلة.ثم أضاف إنه بصحة جيدة، وأنه لن "يختفي" الآن، ولكن من واجبه أن يفكر بذلك وهو في هذه السن.‏

    داعب شعري. كنت بحالة جيدة.‏

    وقد كدنا ننام قبل النهاية، ولكن لحسن الحظ، استدركت هذا، وقلت بصوت مسموع:-ياجدي، أعدك بأن أقابل والدي، إذا وعدتني بأن أبقى معك. وقد وافق، وافق بحق، لم يكن هذا مزاحاً. لم تكن لديه أبداً فكرة إرسالي للعيش عند والدي، أو في مدرسة داخلية، كان هذا فقط ضرباً من الغضب.‏

    ومنذ ذلك الحين. عدت أتكلم يا شوكس، إنني أتكلم!‏

    وأخيراً، إنني أتكلم نوعاً ما، ومن وقت لآخر صار "صوتي يتفخم".‏

    وعلى أية حال، وكما لم يبق لنا سوى خمسة أيام دراسية، مازلت أهمس في المدرسة: ليس من الضروري أن أثير الجماهير. عند العودة سوف يذهب ذلك مع "البرنزة" (الاسمرار)، أليس كذلك؟‏

    الأمور عادت بيني وبين جدي إلى أحسن حال. الآن نضحك معاً.‏

    كان "بالان" مندهشاً جداً، عندما دخلت إليه، وأنا أقول "صباح الخير يا سيدي" وبما أنه لم يفهم شيئاً بنفسه، شرحت له أنني قررت مقابلة أبي في يوم من الأيام، وأنني اتفقت حول ذلك مع جدي. وأضفت أنني لن أذهب للعيش معه، ولا مع أي شخص آخر، حتى أبلغ سن الرشد، لأن جدي سوف يحتاج كثيراً لعنايتي حتى ذلك الوقت. قال الدكتور "بالان":‏

    - "حسن، هذا جيد جداً" ثم " إلى اللقاء" سوف أذهب للعيادة مرة أو اثنتين قبل ذهابي مع جدي إلى البحر.‏

    نحن ذاهبان إلى البحر.‏



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    لقد أصبحت، يا شوكس، أكثر ذكاء، منذ أن عدت أتكلم، ومع ذلك، جدتي لا تزال غائبة، وعليَّ أن أقدّر كيف سأتصرف مع والدي، وأحل الوضع معه... لقد فكرت في ذلك كثيراً.‏

    سوف أكتب له. سأعطي "دولاهي" رسالة في آخر يوم من أيام الدراسة، هكذا سوف يرى أنني لست غاضباً منه لأنه تدخل في خصوصياتي.‏

    في الواقع إنه ألطف أستاذ عندنا، إذا فكرنا بالموضوع جيداً!‏

    جدي موافق على أن أكتب له، يقول إنه ليس هناك داعٍ للعجلة، وإنه يمكن أن أقابل والدي بعد الإجازة الصيفية، وأن علي الاعتياد على الفكرة أولاً، لقد أقسم لي أنني سأعيش عنده مادمنا سعداء معاً، ومادام قد بقي سليماً معافى، ولم يمرض.‏

    ثانية واحدة للدعاية:‏

    "لا يوجد نيقولا دون جد‏

    ولا جد دون نيقولا!"‏

    وكتبت رسالة لوالدي المساء ذاته، ووضعت ورقة كربون تحت الرسالة، كي أعطيك الصورة، لقد اجتهدت في الكتابة:‏

    "سيدي العزيز؛‏

    إنه لطف منك أن تشرفني بالاهتمام بوضعي حين أصبح بدون عائلة.‏

    لا تؤاخذني إذا تأخرت في الإجابة على طلبك في الأيام الأخيرة، لأنني كنت مشغولاً جداً بجدي بعد وفاة زوجته، الشيء الذي أثر فيّ أيضاً كثيراً ، ولكنني أصغر سناً منه.‏

    أفهم عدم حاجتك إلى الاهتمام بي من قبل، لأنني كنت بحالة جيدة جداً هنا، في البيت، والآن، إنني عاقل بما فيه الكفاية للتفكير في الوضع.‏

    إنني موافق على التعرف إليك، ولكنني أفضل أولاً، الكتابة إليك وأن ترد على رسالتي.‏

    لنفترض أن جدي "اختفى" على حد قوله، عندئذٍ سوف أكون بحاجة إليك. ولكنه الآن بصحة جيدة، يجب ألا نفكر بذلك، أعرف أن لك بنتاً، لنفترض أيضاً أنها "اختفت، عندئذٍ، أعدك أنني سوف آتي لزيارتك كثيراً، ولكن دون أن أعدك بالعيش معك، ودون أن أجرحك، لأنني اعتدت على الحياة بشكل مختلف.‏

    إنني أرسل لك صورتي بالنظارات، وإلا سوف تندهش عندما تراني أضعها يوم نتقابل. إن لها زجاجتين سميكتين.‏

    هلاّ أردت الإجابة على أسئلتي؟‏

    - كم عمر ابنتك؟‏

    - ماهي مهنتك؟‏

    - ماهي هواياتك؟‏

    - أين تسكن؟‏

    عندما نلتقي، أرجو ألا تتصرف كما لو كنت أبي، ولكن كصديق.‏

    وهكذا أستطيع في البداية أن أدعوك " ياسيدي" وهذا طبيعي أكثر عندما لا نعرف شخصاً، وبعد ذلك، إذا تفاهمت معي، وكذلك عائلتك، فسوف نلتقي من وقت لآخر للذهاب إلى السينما، أو المطعم.‏

    إنني خجول بمافيه الكفاية.‏

    أخيراً، شيء واحد أريد التأكد منه، وهو أننا لن نتكلم عن أمي، أو عن حادثة القطار.‏

    أرجو قبول فائق الاحترام.‏

    نيقولا دولوز".‏

    يا شوكس، لقد تم الأمر، وقد أعطيت الرسالة إلى السيد "دولاهي". احمرَّ وجههُ. وقلت له: "هذا لأبي" بصوت مسموع.‏

    لقد ظننت أنني سأدهشه أكثر حين سأتكلم بصوت مرتفع، ولكنه على مايبدو لم يلاحظ ذلك، كان ينظر للظرف الذي يضم الرسالة.‏

    وبما أنني لم أكن أعرف اسم أبي (عندما سألت جدي قال: ليس الآن، ليس الآن، سوف تكون مفاجأة: "له اسم غريب")؛ فقد كتبت على الظرف:‏

    "إلى سيدي والد نيقولا دولوز"‏

    كان بقية الأولاد قد ذهبوا؛ مددتُ يدي إلى السيد "دولاهي" لأقول. له "إلى اللقاء" ولكنه لم يمسك بها، وقال لي:‏

    " هذه هي العطلة الصيفية، إنني أقبّلك، سوف نتقابل حتماً"‏

    عدت إلى المنزل مع "التجميع المدرسي" الأخير في السنة الدراسية، تعرفين: يقولون ( تجميع) للتلاميذ مثلما يقولونها للقاذورات أو البطاطا إنها كلمة بشعة!!‏

    ياشوكس، يا غاليتي شوكس السرية، سوف أذهب قريباً مع جدي في أثناء العطلة، سوف نذهب إلى مركز من النوع الذي يكون لك فيه غرفتك الخاصة.‏

    وحيث يقدم لك الطعام، ونقوم بنشطات رياضية، سوف يكون هناك مجموعة للصغار وأخرى للكبار، هذا مافهمته من جدي، وهكذا سوف يستطيع جدي أن يكوّن لنفسه أصدقاء من جانبه، وأنا من جانبي. وسوف نلتقط صوراً كي أريك إياها فيما بعد.‏

    أرجو أن يرد أبي على رسالتي قبل ذهابنا.‏


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    تم الأمر، أحضر لي جدي الرسالة، وضعها على مكتبه وهو يبتسم، ولم يسألني شيئاً. أخذ قلبي يدق بسرعة.‏

    إنها مطبوعة على الآلة الكاتبة، وها إنني ألصقها هنا، تحت:‏

    "عزيزي نيقولا،‏

    لقد سررت جداً لاستلام رسالتك. اطمئن؛ لقد فهمت تماماً تمنّعك عن مقابلتي، لأن لديك كل أسباب العالم كي تكره أباً لم تعرفه أبداً:‏

    سوف لن نتكلم عن والدتك، موافق، إعلم فقط أنها كانت غالية جداً عندي، وأننا قد دفعنا ثمن هذه المرحلة من حياتنا آلاماً كثيرة، سوف أقول لك كل ماتود معرفته عندما تصبح في مثل عمري، إذا، طبعاً، أردت أنت ذلك".‏

    أشكرك على صورتك. إنك تبدو جيداً جداً، وهل لي أن أقول لك مع ذلك إنني كنت أعرفك من قبل. وإنني منذ اثني عشر عاماً (سنوات عمرك) قد تابعت خطوة بخطوة طفولتك، ولم أرد الدخول في حياتك الخاصة، لأنك كنت تبدو سعيداً تماماً مع جدّيك. لقد ربَّتك جدتُك، تماماً مثل ابنها.‏

    وعندما مَرضَتْ، هكذا فجأة، وجب عليها وعلى السيد "دولوز" أن يواجها مستقبلك بطريقة مختلفة، لقد تكلمنا معاً حول ذلك، واعتقدنا أنه من الأفضل أن تعرفني، وأن نتعلم كيف نحب الواحد منا الآخر‏

    ماهو صعب عليك، لن يكون سهلاً كذلك بالنسبة لـ "ديزي" "ديزي" هي ابنتي، إنها تجهل أن لها أخاً يصغرها بعامين. سوف أكون بحاجة لمعرفتك كي تعتاد على هذه الفكرة، فيما لو قدرنا أنا وإياك أن نحدثّها بذلك.‏

    أنا أدعى "إيف" وزوجتي "بريجيت" لن أريها رسائلك، اطمئن اطمئن. ولكنني قلت لها إنك كنت تفضل أن نتراسل في البدء، حتى نصبح كالأصدقاء، دون لعب دور الأب والابن الاجباريين). إنها ترى بذلك طريقة ممتازة في التصرف. يمكنك مناداتها "بريجيت" وأنا "إيف" إنها صحفية، أنا موظف.‏

    بالنسبة لاسم عائلتي فإنني مضطر للاحتفاظ به سرّياً بعض الوقت أيضاً.‏

    استمر بإرسال رسائلك إلى السيد "دولاهي" وسوف يوافيني بها. إننا نسكن في البناية نفسها. إنها صدفة غريبة، اكتب:‏

    إيف عن طريق السيد دولاهي.‏

    8، شارع سانت أوديل.‏

    كليرمون- فيران.‏

    ملاحظة: إنني أرسل لك صورة لبريجيت وديزي، ليس لدي صورة لي في الوقت الحاضر، لكنني سوف أذهب إلى المصوِّر خلال أيام.‏

    والدك: إيف".‏

    حدَّقت إلى الصورة، يا شوكس. الأم ترتدي بنطال جينز وكنزة، إنها بعمر كل الأمهات. لا يوجد تعليق، إنها مقبولة. لكن ديزي ليست واضحة تماماً؛ تبدو جميلة. شيء عجيب، إنني واثق، واثق جداً من أنني سبق ورأيتها في مكان ما، على كل حال ليس في المدرسة، لأنني كنت سأتذكرها ولاشك، إن الإنسان يتعرف على كل الوجوه التي يراها، ولكن أين؟‏

    اللعنة، أين؟ لا أستطيع أن أتذكر.‏

    أمَّا من ناحية أبي، فأنا مطمئن.‏

    سوف يكون صديقاً فقط، يمكنه أن يدعى "صندوق القمامة" وهذا سيان عندي، لن نقول شيئاً لابنته، لن أتكلم شيئاً مع زوجته. سوف نتصرف كما لوأنني فقط "دولوز" الصغير، حفيد جدي، نقطة.‏

    سوف يكون سراً بيننا نحن الاثنين: إيف وأنا نيقولا.‏

    سر أبوي.‏

    يوم زواجنا، يا شوكس، سوف أدعوه هو وزوجته وابنته "ديزي" سوف أريك إياه. سوف أقول لك: "يا شوكس، هذا هو والدي" ولن يعرف أحد شيئاً.‏


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    يا عزيزتي شوكس الصغيرة، لقد انتهى الأمر، حقائبي جاهزة، سوف نرحل، لن آخذ هذا الدفتر معي لأنه انتهى تقريباً، ' بقي منه ورقة بيضاء واحدة.‏

    أمس، أرسلت لوالدي كلمة صغيرة على ورقة كرتون:‏

    "هل أنت موافق على السر الأبوي بيني وبينك، مادام جدي على قيد الحياة؟"‏

    اتصل أبي هاتفياً، لم أكن موجوداً في المنزل، أستلم جدي الرسالة:‏

    " موافق على سر الأبوة- إيف".‏

    في الواقع كنت هناك، لكن جدي لم يجدني، أحسن!‏

    لكن الأكثر سرية من ذلك كله، يا شوكس، السر الذي أبوح به لكِ وحدك، والذي أحمله في حقائبي، إلى البحر، هو أنني بالأمس مساءً، وأنا أرتب أغراضي، وجدت شرائط الحذاء الأحمر؛ وفجأة، من الذي رأيته في الطريق، من الذي رأيت، احزري؟ هل حزرتِ، لا ؟‏

    آنسة لها ضفائر، بالقرب من "جود"... إنها هي نفسها التي تظهر في الصورة... "ديزي"!‏

    لن أخبر جدي بذلك مطلقاً خلال هذه الأيام.‏

    أنا بصحة جيدة الآن.‏

    بينما جدي لا يزال نحيفاً.‏

    ملاحظة: "جوليا" قالت لي إن قطتي "مينيت" تنتظر صغاراً، وسوف تحتفظ لي بواحدة منها حتى عودتي من العطلة.‏

    أقبلك، ياشوكس، بكل قوتي.‏

    نيقولا.‏

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    تمّت الرسآلة نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي




    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيمركز

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تحميل الصور

  14. #54
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية Fifi Maria

    التنمية البشرية
    تاريخ التسجيل
    03 2012
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,905

    رد: قرأت لكم .. " سلسلة الأدب العالمي "

    تحيّة مآطرة تصآفح حرارة أرواحكم و دفء قلوبكم ...


    سنقرأ اليوم للكاتبة الشهيرة " لويزا ماي ألكوت " إحدى رواياتها المعروفة .. لكن قبل ذلك دعوني أعرّفكم على الكاتبة في سطور



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي




    لويزا ماي ألكوت Louisa May Alcott (ولدت في 29 نوفمبر 1832 - توفيت في 6 مارس 1888) هي كاتبة وروائية أمريكية شهيرة. وهي ابنة الفيلسوف والمربي الأمريكي برونسون ألكوت.

    تطوعت للعمل كممرضة عند نشوب الحرب الأهلية الأمريكية. كما أنها من دعاة حقوق المرأة ومن أنصار حق المرأة في الانتخاب.

    أشهر آثارها روايتها "نساء صغيرات" Little Women التي ألّفتها (1868 - 1869) والتي ترتكز إلى حد ٍما على طفولتها هي نفسها وأخواتها الثلاث، وقد حققت هذه الرواية شهرة ً بالغة في أوساط الفتيات. كانت تشكو طيلة حياتها من الدوخة والصداع النصفي ولم تجد لهما علاج.

    وفي احدى ليالي 1888 خرجت من بيتها مسرعة ونسيت ان تضع الفراء حول كتفها فأصيبت ببرد شديد ورعشة عنيفة ونقلت إلى منزلها واختلف الأطباء حول ما اصابها هل هو ازمة قلبية أو جلطة أو ضعف عام وظلوا يتناقشون حتى سقطت بينهم وكانت اخر كلماتها: "لا اظن انني فهمت الرجال".


    أعمالها الروائية


    نساء صغيرات 1868
    رجال صغار 1871
    أولاد جو 1886

    كآنت تلك إذاً نبذة مختصرة عن الكاتبة لويزا ... و سنقرأ معا روايتها الشهيرة ' نساء صغيرات ' ..


    فانتظروني


    يتبع .. نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيمركز

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تحميل الصور

  15. #55
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية Fifi Maria

    التنمية البشرية
    تاريخ التسجيل
    03 2012
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,905

    رد: قرأت لكم .. " سلسلة الأدب العالمي "


    صبآحكم / مسآؤكم سكّر



    و لنستكمل معا قرآءة الروايات .. و اليوم إلى رواية " نسآء صغيرات "



    إليكم ملخصا عنها و عن أهم شخصياتها :


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    التاريخ، والنشر والتكملات
    لويزا ماي ألكوت كتبت نساء صغيرات خلال عام 1867 وأوائل عام 1868. ظلت تكتب بشراسة ودون توقف لمدة شهرين ونصف. ولفتت الانتباه بشدة إلى تشابه حياتها مع شقيقاتها الثلاث في بوسطن، ماساشوستس، وكونكورد، ماساتشوستس. مع أحداث الرواية. الرواية نشرت لأول مرة في 30 سبتمبر 1868، ولاقت النجاح بين عشية وضحاها، تم بيع أكثر من 2000 نسخة. الاستقبال كان حاسما وإيجابيا للغاية ؛ وسرعان ما دعي النقاد الرواية الجديدة بالرواية الكلاسيكية. القراء نادوا بضرورة اصدار جزء ثان يتم فيه زواج البطلة جو من صديق طفولتها لوري. وقد تلقت ألكوت رسائل كثيرة، وحتى زواراً في بلدها كونكورد طلبا للتكملة.
    و في استجابة لهذا الطلب، كتبت ألكوت الجزء الثاني بعنوان زوجات جيدات، والتي نشرت في عام 1869. تدور أحداث بعد ثلاث سنوات من الأحداث التي وقعت في الفصل الأخير من الجزء الأول ("العمة مارس تحل مسألة"). كلا الجزأين في نهاية المطاف يدعي نساء صغيرات أو ميغ، جو، بيث وايمي. بينما قاومت ألكوت المطلب الشعبي لرؤية زواج جو ووري، كتبت الزواج لشقيقات مارش الثلاث. وفي عام 1880، تم الجمع بين الجزئين في مجلد واحد، وصدرت على هذا النحو في الولايات المتحدة منذ ذلك الحين. اتبعت ألكوت نساء صغيرات على فترات مع اثنين من الروايات التي تكرر الأخوات مارش، رجال صغار (1871) أولاد جو (1886) التي تلت حياة أطفال الفتيات ولقد نزل منه مسلسل انمي ويدعى نوار

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    الشخصيات


    جوزفين "جو" مارش : بطلة الرواية والمشابهة في شخصيتها للويزا ماي ألكوت نفسها. جو هي المسترجلة والأخت البكر في الخامسة عشرة. صريحة جدا ولديها شغف بالكتابة. لها طبيعة جريئة غالباً ما تتسبب لها بالمتاعب. وهي قريبة من بيث أختها الأصغر، التي تحاول أن تساعدها على أن تصبح شخصاً ألطف. ترفض اقتراح الزواج من صديق العائلة لوري (على الرغم من العديد من الرسائل المرسلة إلى ألكوت ليتم ذلك في الجزء الثاني من الكتاب)، وبعدها تنتقل جو إلى مدينة نيويورك، وتلتقي في وقت لاحق بالبروفسور الألماني فريدريك بير ويتزوجان Bhaer.
    كتبت ألكوت في وقت لاحق : "جو ينبغي لها أن تظل الأدبية العانس، ولكن الكثير من السيدات الشابات المتحمسين كتبن لي رسائل صاخبة يطالبن فيها بأن تتزوج لوري، أو شخص ما، ولم أكن أجرؤ على الرفض والعناد ".
    مارغريت "ميغ" مارش : في السادسة عشرة، وهي الشقيقة الأكبر سناً. جميلة جداً، وإلى حد ما من الطراز القديم. فهي الأكثر مسؤولية وتساعد في القيام بالأمور المنزلية أثناء غياب والدتهن. ميج أيضا تحرس ايمي من غضب جو عندما يتشاجرن، تماماً كما تحمي جو بيث. نظراً لفقر الأسرة يتعين عليها أن تعمل بمثابة المربية لأسرة ثرية في المدينة. تقع في حب السيد جون بروك معلم لوري، وفي نهاية المطاف تتزوج منه وينجبان التوأم، مارغريت "الزهرة"، وجون لورانس "ديمي" (وهو اختصار لديمي جون). وهناك طفلة ثالثة، جوزفين (تسمى "جوسي")، تولد في الجزء الثاني رجال صغار و يكون هؤلاء الأطفال الثلاثة هم الشخصيات الرئيسية في رواية أولاد جو.
    اليزابيث "بيث" مارش : في الثلاثة عشر عاما، هادئة وتجيد العزف على البيانو تحب الدمى والقطط. مطيعة وخجولة بدرجة كبيرة، تفضل أن تكون من من يدرسون في منازلهم ويبتعدون عن الجمهور معظم الحالات. في بداية الكتاب، ألكوت تصفها باعتبارها فتاة حلوة ذو وجه شاب مستدير وشعر بني، مما يجعلها تبدو أصغر من سنواتها. وهي قريبة من جو، على الرغم من أن شخصياتهما مختلفة جدا. بيت تحب العمل الخيري وتساعد أمها في رعاية الأسر الفقيرة. عندما تذهب والدتهن لزيارة والدهن المريض في واشنطن، تصاب بيث بعدوىالحمى القرمزية من أصغر طفل في عائلة هاملزالألمانية الفقيرة. وعلى الرغم من بذل جو وميج قصارى جهدهما لتمريضها، إلا أن حالتها تسوء فتتضطران إلى استدعاء أمهن السيدة مارش حتى تتمكن تقول لها وداعاً. ومع ذلك، فور وصول السيدة مارش، تنتهي الحمى وتتماثل بيث للشفاء ولكن المرض يتركها ضعيفة بشكل دائم. في الجزء الثاني من الكتاب، عندما تبدأ أخواتها في مغادرة منزلهن، يكون كل ما تريد هو أن تبقى في المنزل مع والديها. عندما تتدهور صحتها مرة أخرى بعد اصابتها بالسل، تهرع جو في العودة إلى المنزل لتكون ممرضة لها، وإن كان الوقت قد فات لإنقاذها وإبقاءها على الحياة. كما بيث وفاة، وقالت انها تسمو على الخجل من خلال الانفتاح على جو عن أهميتها الروحية وفاتها. يشير بعض النقاد إلى أن ألكوت استخدمت وفاة بيث كإشارة إلى صعوبة بقاء الشخصيات التقليدية في عالم متزايد الصناعية.
    ايمي كورتيس مارش : الأخت الصغرى في سن الثانية عشرة عندما تبدأ القصة، فنانة موهوبة، تصفها ألكوت بأنها فتاة شابة ذات شعر مجعد وعيون زرقاء. أنفها مسطح، على ما يبدو بسبب أن جو اسقطتها عندما كانت طفلة. ايمي تنتبه بشدة الي هذا الخلل، وفي الفصول الأولى تسعى إلى "علاج" هذا الخلل من خلال ارتداء مشابك الغسيل على أنفها حين تنام. هي تهتم بعائلتها، ولكنها أيضا "باردة، ومحفوظة الدنيوية". في كثير من الأحيان "تتدلل" لأنها الأصغر وتميل إلى اصطناع نوبات الغضب عندما لا تسير الأمور في طريقها. علاقتها مع جو على وجه الخصوص هي غالبا ما تكون متوترة بسبب إغاظتها من قبل جو، لا سيما عندما تحاول ايمي استخدام الكلمات الكبيرة، فتتلفظ بها خطأ أو لا تحسن استخدامها بشكل صحيح. وتصل الأمور بينها وبين جو إلى ذروتها عندما تمانع جو اصطحاب ايمي إلى المسرح مع لوري.فتقرر ايمي الانتقام من جو باحراق روايتها غير المكتملة بعد. وعندما تكتشف جو فعلتها، تثور قائلة لها : "أنا لن اغفر لك ! أبدا! " تحاول ايمي الاعتذار من جو إلا أنها ترفض. وفي اليوم التالي، يذهب لوري وجو للتزلج وتلحق ايمي بهم ولكنها لا تسمع لتحذير لوري من الجليد في وسط البحيرة وتقع في بركة المياه الجليدية. هذة الصدمة تشعر جو بالذنب والحزن على ما بدر منها تجاه شقيقتها ونتيجة لذلك تصبحان اقرب لبعض. عندما مرضت بيث بالحمى القرمزية، ارسلت ايمي إلى العمة مارش حتى لا تصاب بالمرض. تصبح العمة مارش مولعة بها، وتختارها لاحقاً لتكون رفيقتها في أسفارها إلى أوروبا. على الرغم من أن ايمي تتمتع بالسفر، ولكنها بعد الاطلاع على أعمال فنانين مثل ميكلانجيلو ورافاييل، تقرر التخلي عن الفن، لأنها لا يمكن أبداً أن تكون جيدة بقدر ما تريد. خلال أسفارها، تلتقي بلوري، وبعد وقت قصير من وفاة بيث، يتزوجان. في وقت لاحق، ايمي تلد ابنتها اليزابيث (بيت) التي ترث جمال والدتها الطبيعي الكلاسيكي.
    مارغريت مارش : أم البنات ورب الأسرة بينما كان زوجها بعيداً. تشارك في الأعمال الخيرية ومحاولات لإرشاد الفتيات إلى الأخلاق وتشكيل شخصياتهن، من خلال تجارب حياتهن. بعد الشجار الكبير بين جو وايمي تسر الأم إلى جو أن لديها شخصية متقلبة مثل جو، ولكنها تعلمت كيفية السيطرة عليها لتتجنب ايذاء نفسها وأحبائها.
    روبن "الاب" مارش : من الأثرياء سابقاً، حيث ساعد الأصدقاء الذين لم يتمكنوا من سداد الديون، مما أدى إلى فقر الأسرة. هو رجل دين وبمثابة مرشد روحي لجيش الاتحاد.
    هانا البوري : الخادمة للأسرة مارش، وهي سيدة كبيرة في السن طيبة ومخلصة للأسرة.
    العمة جوزفين مارش : عمة السيد مارش، وهي أرملة غنية. تعيش وحدها في شقة وجو تعمل لديها. هي لا توافق على تصرفات الأسرة وضياع ثروتها من خلال العمل الخيري. هي مشاكسة ولكنها لا تخلو من الرحمة.
    ثيودور "لوري" لورانس : ساحر، لعوب، الشاب الغني الذي يعيش في المنزل المجاور للأسرة مارش. هو غالباً ما يساء فهمه من جانب جده بسبب محبة الجد المفرطة وخوفه على حفيده من أن يسير في خطى والده الذي كان شاب حر الروح هرب مع عازفة بيانو إيطالية، وبالتالي، تبرأ منه الجد. وعندما يتوفى الابن وزوجته يرسل لوري للعيش مع السيد لورانس. بعد أن ترفض جو الزواج من لوري، يسافر إلى لندن وبينما هو في أوروبا يلتقي بايمي التي تلد له في وقت لاحق ابنتهما إليزابيث (باس).
    السيد جيمس لورانس : الجار الثري وجد لوري. يعيش وحيداً في قصره، وغالباً ما يكون على خلاف مع حفيده الحماسي. هو يحمي الأخوات مارش في حين غياب والدهن ووالدتهن كما لو كن بناته تماماً. فهو صديق قديم للسيد مارش، ومعجب بأعمالهم الخيرية. يطور صداقة خاصة مع بيث، التي تذكره بابنته ميتا، ويعطي في نهاية المطاف بيث البيانو التي كانت تملكه ميتا لتعزف بيث عليه.
    جون بروك : على الرغم من أنه معلم لوري، إلا أنه يقع في حب ميغ. وعندما يرحل لوري للكلية، يعمل من أجل السيد لورانس كمساعد ومرافق للسيدة مارش إلى واشنطن عندما يكون زوجها مريضاً. في وقت لاحق في الكتاب، العمة مارش تمانع زواج ميج وجون لأنها تعتقد أن بروك كان مهتماً فقط بميراث ميج، وتهدد ميج بالحرمان من الميراث. عندما تعلم ميج جون بالخبر، يخبرها أنهما سيتحديان معا العمة مارش (التي تبارك في نهاية المطاف الزواج). ويتزوج من ميج بعد سنوات قليلة عندما تضع الحرب أوزارها، وتصبح في العشرين. مات من مرض لم يكشف عن اسمه في نهاية رجال صغار.
    هاملز : عائلة ألمانية مهاجرة فقيرة منكوبة تتكون من الأم الأرملة وسبعة أطفال. Marmee تتولى الفتيات مساعدتهم في الغذاء والحطب والبطانيات وغيرها من وسائل الراحة. ثلاثة من الأطفال يموتون من الحمى القرمزية التي تصيب بيث أثناء محاولتها العناية بهم.
    كنجز: الأسرة الغنية التي توظف ميج كمربية.
    الغاردنير : أصدقاء ميج الأغنياء الذين قبل أن يفقد مارش أموالهم كانت الأسرتان على قدم المساواة الاجتماعية. وGardiners والغاردنير عائلة طيبو القلب ولكنهم بغيضون نوعاً ما، يؤمنون بالزواج من أجل المال والمصالح. صديقة ميج سالي غاردينر في النهاية تتزوج صديقها نيد موفات، ولكنها تكون غير قادرة على إنجاب الأطفال، وتصبح غير سعيدة في زواجها الهش.
    السيدة كيرك Kirke : صديقة السيدة مارش والتي تدير منزلاً في نيويورك. كما أنها توظف جو كمربية لابنتيها كيتي وميني، لبعض الوقت.
    الأستاذ فريدريك "فريتز" بيير Bhaer : من الفقراء والمهاجرين الألمان والذي كان أستاذاً معروفاً في برلين، ولكنه يعيش الآن في منزل السيدة كيرك. ينشئ صداقة هو وجو، ويشجعها لتصبح كاتبة جادة بدلاً من كتابة قصص قصيرة لصحف الاثارة الأسبوعية.

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نبذة عن الرواية:

    تحكي هذه الرواية عن حياة أربع فتيات ( ميغ ـ جوـ بيث ـ آيمي...مارش ) عاشوا في زمن الحرب التي اندلعت بين الشمال والجنوب في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد رحل والدهم مع الجيش ليساعد في العناية بالمرضى والجرحى. وقد كانت عائلة مارش في الماضي من العائلات الغنية الا أن والدهم فقد أمواله وهو يحاول مساعدة صديق له.
    عانت العائلة من الفقر المتقع الا أن هذا لم يمنعها من مساعدة الفقراء والتخلي عن متعهن في سبيل اسعاد أي شخص محتاج. وبسبب طيبة قلبهن واخلاقهن تتعمق أواصر الصداقة بينهم وبين السيد العجوز وحفيده في المنزل المجاور.
    تمر العائلة بسلسلة من المواقف المحزنه ولكنها بالمقابل لا تخلو من الواقف السعيدة والمفرحة والتي تحرك مشاعر القارئ عند قراءته لهذه الرواية.
    تمر العائلة في الفصول الاخيرة من الرواية بحادثه مفجعة تدمع العين وهي وفاة احدى الشقيقات اثر اصابتها بالمرض. الا ان العائلة تواجه هذه الحادثة بصبر حتى وان كانت قلوبهن تتألم حزنا.
    الا ان الاحزان لا تدوم الى الابد فكل واحده من الشقيقات الثلاثة شقت طريقها في الحياة و كونت لها عائلتها الصغيرة الخاصة وحققن احلامهن وامانيهن.


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    و إلى اللقاء في رواية جديدة نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيمركز

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تحميل الصور

  16. #56
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية Fifi Maria

    التنمية البشرية
    تاريخ التسجيل
    03 2012
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,905

    رد: قرأت لكم .. " سلسلة الأدب العالمي "



    مرحبا أحبتي


    بعد انقطاع طويل و غياب .. ها نحن نعود للقراءة في رحاب الأدب العالمي


    الليلة سأقرأ لكم عن الكاتب الأمريكي إرنست همينغوي ... و سأختار لكم أجمل رواياته لنبحر في طياتها



    و قبل ذلك و كما عودتكم سأقدم بداية نبذة مختصرة عن سيرته الذاتيه .. فتفضّلوا :


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



    إرنست ميلر همينغوي (بالإنجليزية: Ernest Miller Hemingway، عاش بين 21 يوليو 1899 - 2 يوليو 1961 م) كاتب أمريكي يعد من أهم الروائيين و كتاب القصة الأمريكيين.كتب الروايات و القصص القصيرة. لقب ب "بابا". غلبت عليه النظرة السوداوية للعالم في البداية، إلا أنه عاد ليجدد أفكاره فعمل على تمجيد القوة النفسية لعقل الإنسان في رواياته، غالبا ما تصور أعماله هذه القوة و هي تتحدى القوى الطبيعية الأخرى في صراع ثنائي و في جو من العزلة و الانطوائية.شارك في الحرب العالمية الأولى و الثانية حيث خدم على سفينه حربيه أمريكيه كانت مهمتها إغراق الغواصات الألمانية, و حصل في كل منهما على أوسمة حيث أثرت الحرب في كتابات هيمنجواى و روايته.


    أدبه :


    عكس أدب همينغوي تجاربه الشخصية في الحربين العالميتين الحرب العالمية الأولى و الحرب العالمية الثانية والحرب الأهلية الإسبانية. تميز أسلوبه بالبساطة و الجمل القصيرة. و ترك بصمتة على الأدب الأمريكي الذي صار همينغوي واحدا من أهم أعمدته. شخصيات همينغوي دائما أبطال يتحملون المصاعب دونما شكوى أو ألم، و تعكس هذه الشخصيات طبيعة همينغوي الشخصية.


    أعماله الأدبية :


    ثلاث قصص و عشر قصائد (قصص قصيرة) 1923
    في وقتنا (قصص قصيرة) 1925
    سيول الربيع (رواية) 1926
    الشمس تشرق أيضاً (رواية) 1926
    رجال بلا نساء (قصص قصيرة) 1927
    وداعا للسلاح. (رواية) 1929
    الطابور الخامس (قصص قصيرة) 1930
    الموت بعد الظهر (رواية) 1932
    الفائز لا ينال شيئاً (قصص قصيرة) 1933
    تلال أفريقيا الخضراء (رواية) 1935
    أن تملك و الا تملك (رواية) 1937
    لمن تقرع الأجراس (رواية) 1940
    رجال عند الحرب 1942
    عبر النهر نحو الأشجار (رواية) 1950
    الشيخ و البحر (رواية) 1952
    ثلوج كلمنجارو
    القتلة
    وليمة متنقلة (رواية نشرت بعد موته) 1964



    تلك كآنت بعض محطات حياة الكاتب إرنست همينغوي .... و سأوافيكم لاحقا بقراءة لأهم رواياته فانتظروني



    دمتم رائعين كما أنتم نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيمركز

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تحميل الصور

  17. #57
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية Fifi Maria

    التنمية البشرية
    تاريخ التسجيل
    03 2012
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,905

    رد: قرأت لكم .. " سلسلة الأدب العالمي "



    مسآء معتّق بحلآ إحساسكم أحبتي



    دعونا نقرأ اليوم و كما وعدتكم سابقا إحدى قصص إرنست هيمنجوي ...


    و قد انتقيتُ لكم قصة له " رواية قصيرة " بعنوان : قطّة في المطر



    فاستمتعوا بقراءتها ..



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



    كان هناك أمريكيان فقط قد توقفا عند ذلك الفندق ،لم يتعرفا بأي أحد من النزلاء بعد ،فاتخذا طريقهما بين السلالم العليا، عابرين الممر المؤدي نحو غرفتهما في الطابق الثاني ، بمواجهة البحر ، والتي تطل أيضا على متنزه عمومي يتوسطه نصب تذكاري للحرب، حيث اصطفت عدة نخلات ،مع بضعة مصاطب طليت باللون الأخضر .
    دائما في الأجواء الصافية يرتاد أحد الرسامين المكان مصطحبا حاملةَ لوحاته ، فقد كان الفنانون يعشقون الطريقة التي نبتت بها أشجار النخيل العالية ، وألوان الفنادق البراقة المقابلة للحدائق والبحر.




    كان نفر من الإيطاليين قد جاؤوا من مناطق نائية بغية مشاهدة النصب البرونزي الذي أخذ شكله بالالتماع بعد تساقط قطرات المطر .والتي كانت تنثال من خلال شجيرات النخل ،مكونة بركاَ مائية ضحلة تجمعت بين الممرات المغطاة بالحصى ،وتحت وابل الأمطار أخذ البحر يتكسر في خط طويل متعرج وهو ينزلق عائدا نحو الشاطئ، ثم يندفع عاليا في خط طولي متكسر آخر متراجعا بعد اشتداد غزارتها .
    غادرت العربات ساحة النصب ، وفي المقهى عبر الساحة ، توقف احد الندل عند المدخل مصوبا نظراته الى الخارج ، حيث المكان الخالي.
    وقفت زوجة الامريكي عند شباكها ، متطلعة ،فخارجا أسفل الشباك ، عند اليمين جلست قطة صغيرة ، انكمشت مرتجفة تحت احدى الموائد الخضرالمبللة ،وهي تناظل ان لاتصيبها القطرات عند نزولها ، قالت الزوجة :
    - أنا ذاهبة تحت لجلب تلك القطيطة .
    عرض زوجها وهو في فراشه:
    - أنا سأذهب ..



    - كلا ، سوف آتي أنا بها ، المسكينة تحاول جاهدة تفادي البلل تحت المنضدة .
    عاد الزوج الى القراءة ، مستندا على وسادتين عند قدمي السرير ، قال لها:
    - حاذري ان تبتلي ..
    نزلت الزوجة الى الطابق الأول ، فتوقف صاحب الفندق العجوز الطويل وحياها بأنحناءة حين مرت بمكتبه، وقد كانت منضدته الى الركن القصي من غرفة الأدارة ، أحبت المرأة شكله ، قالت :
    - مساء الخير .
    - نعم ، نعم سنيورة ، ياله من جو فظيع .
    وبقي في مكانه عند الركن البعيد القليل الضوء من الغرفة ، بدت الزوجة معجبة به ،

    أعجبتها طريقته وجديته القاتلة حينما يواجه شكوى من احد ما ،اعجبها

    وقاره و أسلوبه في تقديمه الخدمات إليها، احترامه لمركزه في الادارة،

    كما أحبت شيخوخته ، صرامة وجهه ،ويديه الضخمتين .شعرت نحوه بميل كبير.
    ذهبت لفتح الباب وجالت ببصرها خارجا ، وقد اشتد في تلك الأثناء زخ المطر ، عبر رجل الساحة الفارغة امامها متجها صوب المقهى وقد أئتزر واقيا مطريا ،ستكون القطة قد اتخذت لها مكانا عند الجانب الايمن ،و ربما قد ابتعدت قليلا حيث الرواق، وبينما هي متوقفة عند المدخل ، فتحت مظلة الى جوارها من قبل خادمةالغرف ، (علينا ان لاندع البلل يصيبك) ابتسمت وهي تكلمها بالأيطالية ،بالطبع قد ارسلها مدير الفندق ، جدت في السير على الممر الحصوي ، تتبعها الخادمة باسطة المظلة فوقها ، حتى وصلت الى المكان الذي يقع اسفل شباكها تماما،وجدت الطاولة في موضعها خضراء لامعة وقد غسلها المطر ، غير ان القطة لم تعد هناك.
    أصيبت فجأة بالخذلان فنظرت إليها الخادمة متسائلة :
    - سنيورة ، هل فقدت شيئا ؟
    أجابت الفتاة الامريكية :
    - كانت هنا قطة .
    -قطة ؟
    - نعم قطة .
    - قطة ( ضحكت الخادمة ) قطة في المطر ..
    - نعم ( قالت ) أسفل الطاولة،بعد ذلك ، اوه ، أنا أريدها،أريد تلك القطيطة من كل قلبي .
    اقطبت ملامح الخادمة حين حدثتها بالانكليزية قالت:
    - سنيورة ، تعالي ..علينا أن نعود إلى الداخل ،سوف تبتلين .
    أجابتها الفتاة الامريكية :
    - أظن ذلك .


    سارتا عائدتين عبر ممر الحصى، دلفت المرأة خلال الباب بينما تأخرت الخادمة خارجا ، كي تغلق المظلة ، حالما عبرت الفتاة الامريكية مكتب الفندق بادرها المدير بانحناءةاخرى من خلف منضدته ، لازمها شعور بالانقباض ، واحساس داخلي بالغ الصغر ،فقد جعلتها انحناءة الرجل في تلك اللحظة تزداد ضئالة ولكنها في الوقت نفسه اشعرتها بأهميتها ومكانتها الحقيقية ،كان ذلك اشبه بشعور آني واحساس لامتناه بالوجود والرفعة والسمو. صعدت السلم ، وحين فتحت باب الغرفة ، كان جورج لايزال مستلقيا على الفراش مستمرا في قراءته .
    - هل جلبت القطة ؟ سألها وهو يضع الكتاب جانبا ،
    - لقد ذهبت .
    راح يفرك عينيه لأراحتهما من القراءة ،تساءل : - عجبا ، اين تراها ذهبت ؟
    جلست هي على حافة الفراش ،قالت :
    - كنت راغبة كثيرا بالاحتفاظ بها ،لاأعرف لماذا أردتها بهذا الاصرار ،اردت تلك القطيطة المسكينة ،.أتراه شيئا مسرا وجود قطيطة بائسة تحت الامطار؟
    عاد جورج الى المطالعة ، فانتقلت هي الى الجلوس امام منضدة مرآة الزينة،
    وطفقت تنظر نفسها في مرآة يد صغيرة ،تطلعت تدرس وجهها من الجانب ،
    بدأت اولا بأحد الجوانب ، ثم انتقلت الى الجانب الأخر ، بعد ذلك أخذت تتطلع بعناية الى مؤخرة رأسها وعنقها .


    - هل تعتقد انها فكرة جيدة لو جعلت شعري ينمو اطول ؟
    تساءلت وهي تنظر الى بروفيل وجهها ثانية .التفت جورج واخذ يتملى منظر عنقها من الخلف ، شعرها المقصوص مثل الاولاد .
    - احبه على هذه الحال .
    قالت : - لقد تعبت من ذلك ، تعبت من كوني ابدو اشبه بصبي.
    اعتدل جورج مغيرا وضعيته في الفراش ، فلم يعد لمشاهدتها منذ ان ابتدأت بمحادثته. قال :
    - ولكنك تبدين جميلة ولطيفةهكذا،سحقا .
    أعادت المرآة الى الجرارة ، وقامت متجهة نحو الشباك ، تنظر بعيدا وقد خيم خارج الغرفة الظلام .قالت :
    - ارغب ان ادفع شعري الى الخلف وأشده بنعومة ، اعمل منه عقدة كبيرة تنحدر الى الظهر ، تلك هي مشاعري ، ارغب بامتلاك قطة صغيرة اجلسها في حجري ، وتقر كلما ربتت فوق رأسها يداي .
    تمتم جورج وهو على فراشه :
    - نعم ...


    -كما أرغب تناول طعامي على مائدة بالأواني الفضية خاصتي تحت ضوء الشموع ، أرغب بمقدم الربيع ، وتمشيط شعري في الهواء أمام المرآة ،أريد قطة وبعض الفساتين الجديدة .
    - اوه ، اصمتي ، وخذي لك شيئا تقرأينه ..
    قال جورج ذلك وتابع قراءته ثانية .،فعادت هي تحدق خارجا من خلال النافذة ، كان الظلام قد ازداد حلكة و مازال المطر يتساقط باستمرار فوق الشجر:
    - على أية حال ، اريد قطة ،(قالت ) أريد قطة ، أريدها الآن ، إذا لم يكن بوسعي أن أحيا بسرور و أن أمتلك شعرا طويلا ،فبإمكاني الحصول على قطة صغيرة .
    لم يكن جورج مصغيا لكلامها وقد انشغل تماما بمطالعة كتابه ، فبقيت زوجته ترقب النافذة وتتطلع إلى الأنوار التي بدأت تغمر الساحة .بينما كان أحدهم يطرق الباب .
    -ادخل ..
    قال جورج ناظرا من فوق كتابه .كانت الخادمة تقف في الممر عند الباب ، ممسكة بقطة شعرها بلون درع السلحفاة ، تخلصت القطة من قبضتها بعناد وراحت تتأرجح عكس الأتجاه محاولة النزول :
    - عفوا ..(قالت ) طلب مني المدير إحضارها من أجل السنيورة .

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيمركز

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تحميل الصور

صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •