على أرجوحة الذكرى ..
مكثت كثيراً .. تسترجع جميع ذكرياتها التي احتضنتها الأحزان والأفراح ..
ما أجمل زمناً قد ولى وذهب دون رجوع .. لفظ أنفاسه الأخيرة .. ثم اختبأ حيث لا ظهور ..
أغمضتْ عينيها وراحت بخيالها هناك .. حيث القرية المهجورة .. التي عاشت فيها عمراً طويلاً..
المسافة تقصر .. المباني تَمرُّ بها وتنصرف .. واحداً تلو الآخر .. إلى أن ظهر أخيراً مبنى كبير قديم .. مهجور وغارق في الظلام .. موصد الباب والنوافذ .. كئيب مرعب وميت .. تحف به أشجار جافة بلا أوراق ولا ثمر .. أشجار ماتت واقفة وبعثرت الريح أوراقها على المجرة منذ سنين .. وضلت واقفة ..
قامت الحرب .. وقعدت الحرب .. وظلت هي واقفة في انتظار عودة سيدي المنزل .. لتنحني أمامهما محييةً مرحبة ..
يا أشجار بيتها العزيز .. ستضلين واقفةً ما امتد بك الدهر .. لأنَّ السيدين الذيْنِ تنتظرين عودتهما .. لن يعودا أبداً ..
وظلت هي متسمرة في مكانها كالباب الذي تقف جواره طويلا .. حزنت حزنا شديدا على والديها الذين فارقا الحياه .. بسبب تلك الحروب المدمرة .. وحتى شوارع المدينة لم تتغير الكثير من الحفريات والإصلاحات مبعثرة على الشوارع .. لا تزال بعض المباني منهارة كما خلفتها يد الحرب .. ولا تزال تثير الرهبة في قلوب الناظرين ..
هذه مدينتي ..
قالت تلك الكلمة وهي تخاطب قلبها الذي كان يشاهد المناظر وكأنه واقع مخيف مرير يخشى تلقيه بمفرده ..
وأي ذكرى تحمل هذه المدينة من ألم وذكرى وبصمات الماضي مما يجعل قلبها يتصدع من مجرد ذكر اسمها .. كانت تتمنى أن تذهب إلى مكان واسع تعبث تيارات الهواء في سمائه بحرية ..
إلى البحر حيث تلقي بأثقال جسدها وهموم صدرها ..
ويبنما هي تتجوَّلُ في ردهاتِ منزلها القديم ... إذ لمحت صورة من بينِ الصور .. دُوِّنت عليها عبارة ..
شقَّتْ سكونَ الكونِ بجمالها ..
نعم ... هي التي كتبها لها والِدها قبْلَ أن يموتَ بِبِضعِ ساعاتٍ ..
أهيَ كرياتِ الدَّمِ في عروقها ... أم شحنات الكهرباءِ في أعصابِها ... أمْ تيَّارات الهواءِ في صدرها ...
جعلتْها تدعْ لعقلها المفقود لحظة التَّفكير ومن دونِ تردُّدٍ تمسك بِتلكَ الصُّورةِ .. وتحتظنها لصدْرها .. وهيَ
تمتمُ .. لا بدَّ من الأملِ .. لا بدَّ من الأملِ ..
..إلى الخارجِ يا دموعي وآلامي ... إلى الخارجِ يابقايا اليأس ... إلى الخارجِ يا حزني وكلَّ ما يختزنُ جسمي من ذرَّاتِ الألمِ ...
تلكَ الفتاة .. أطلقتِ العنانِ لصوتِها الأشِج .. حتَّى تعدَّى صداهُ أسْوارَ المنزلِ المهْتَرئ ...ليصلَ نداؤها كلِّ أقطارِ الدُّنيا
أن لا يأسَ من رحمةِ اللهِ ... فالأملُ لا زالَ يخطُّ أوراقه على أرضِ الحقيقة ..
وبعد تلكَ الذِّكرياتِ القاسية لفتاةِ سوريا المسكينـــة ... عادَ لها الأملُ على قِطارِ النَّجاةِ ... يدعوها لتركبَ معه الى عالمٍ مليءٍ بالأحلامِ والأماني .. لتخبرَ كلَّ فتيات سوريا .. بأنَّهُ لا زالَ هُناكـَ أمل من الإنتصار ..
فتلك هيَ البُشرى ...
وإذا كانَ الأمل .. قد عادَ لفتاةٍ فقدتْ والديها .. وطنها .. أهلها .. قريتها .. منزلها الصَّغير ...
ألا يجدر بكِ انتِ أن تعضي بنواجذ قلبك على الأمل .. دونَ خوفٍ أو قنوط ... ألا تعلمينَ أنَّ الأملَ عنوانُ الحياة السعيدة ..
الأمل جمــــالُ القلبِ .. وأجملُ ابتِسامات القدر .. الأملُ نبراسٌ في غيهب اليأس .. الأمل ضحكات ترتسم رغمَ الضيق والكدر ..
بقلم ... فارس الكلمة