فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الأسارى
كان يمن على بعضهم ويقتل بعضهم ويفادي بعضهم بالمال وبعضهم بأسرى المسلمين وقد فعل ذلك كله بحسب المصلحة ففادى أسارى بدر بمال وقال لو كان المطعم بن عدي حيا ، ثم كلمني في هؤلاء النتنى ، لتركتهم له
وهبط عليه في صلح الحديبية ثمانون متسلحون يريدون غرته فأسرهم ثم من عليهم .
وأسر ثمامة بن أثال سيد بني حنيفة ، فربطه بسارية المسجد ثم أطلقه فأسلم .
[ أسارى بدر ]
واستشار الصحابة في أسارى بدر ، فأشار عليه الصديق أن يأخذ منهم فدية تكون لهم قوة على عدوهم ويطلقهم لعل الله أن يهديهم إلى الإسلام وقال عمر : لا والله ما أرى الذي رأى أبو بكر ولكن أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها ، فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قال عمر فلما كان من الغد أقبل عمر فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي هو وأبو بكر فقال يا رسول الله من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة ، وأنزل الله ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض [ الأنفال 67 ] .
وقد تكلم الناس في أي الرأيين كان أصوب فرجحت طائفة قول عمر لهذا الحديث ورجحت طائفة قول أبي بكر لاستقرار الأمر عليه وموافقته الكتاب الذي سبق من الله بإحلال ذلك لهم ولموافقته الرحمة التي غلبت الغضب ولتشبيه النبي صلى الله عليه وسلم له في ذلك بإبراهيم وعيسى ، وتشبيهه لعمر بنوح وموسى ولحصول الخير العظيم الذي حصل بإسلام أكثر أولئك الأسرى ، ولخروج من خرج من أصلابهم من المسلمين ولحصول القوة التي حصلت للمسلمين بالفداء ولموافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أولا ، ولموافقة الله له آخرا حيث استقر الأمر على رأيه ولكمال نظر الصديق فإنه رأى ما يستقر عليه حكم الله آخرا ، وغلب جانب الرحمة على جانب العقوبة .
قالوا : وأما بكاء النبي صلى الله عليه وسلم فإنما كان رحمة لنزول العذاب لمن أراد بذلك عرض الدنيا ، ولم يرد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر وإن أراده بعض الصحابة فالفتنة كانت تعم ولا تصيب من أراد ذلك خاصة كما هزم العسكر يوم حنين بقول أحدهم ( لن نغلب اليوم من قلة ) وبإعجاب كثرتهم لمن أعجبته منهم فهزم الجيش بذلك فتنة ومحنة ثم استقر الأمر على النصر والظفر والله أعلم .
واستأذنه الأنصار أن يتركوا للعباس عمه فداءه فقال " لا تدعوا منه درهما
واستوهب من سلمة بن الأكوع جارية نفله إياها أبو بكر في بعض مغازيه فوهبها له فبعث بها إلى مكة ، ففدى بها ناسا من المسلمين وفدى رجلين من المسلمين برجل من عقيل ورد سبي هوازن عليهم بعد القسمة ، واستطاب قلوب الغانمين فطيبوا له وعوض من لم يطيب من ذلك بكل إنسان ست فرائض وقتل عقبة بن أبي معيط من الأسرى ، وقتل النضر بن الحارث لشدة عداوتهما لله ورسوله .
وذكر الإمام أحمد عن ابن عباس قال كان ناس من الأسرى لم يكن لهم مال ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة وهذا يدل على جواز الفداء بالعملكما يجوز بالمال .
[ الاسترقاق ]
وكان هديه أن من أسلم قبل الأسر لم يسترق وكان يسترق سبي العرب ، كما يسترق غيرهم من أهل الكتاب وكان عند عائشة سبية منهم فقال أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل
وفي الطبراني مرفوعا : من كان عليه رقبة من ولد إسماعيل ، فليعتق من بلعنبر
ولما قسم سبايا بني المصطلق ، وقعت جويرية بنت الحارث في السبي لثابت بن قيس بن شماس ، فكاتبته على نفسها ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابتها وتزوجها ، فأعتق بتزوجه إياها مئة من أهل بيت بني المصطلق إكراما لصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهي من صريح العرب ، ولم يكونوا يتوقفون في وطء سبايا العرب على الإسلام بل كانوا يطئونهن بعد الاستبراء وأباح الله لهم ذلك ولم يشترط الإسلام بل قال تعالى : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم [ النساء 24 ] فأباح وطء ملك اليمين وإن كانت محصنة إذا انقضت عدتها بالاستبراء وقال له سلمة بن الأكوع ، لما استوهبه الجارية الفزارية من السبي والله يا رسول الله لقد أعجبتني ، وما كشفت لها ثوبا ولو كان وطؤها حراما قبل الإسلام عندهم لم يكن لهذا القول معنى ، ولم تكن قد أسلمت لأنه قد فدى بها ناسا من المسلمين بمكة ، والمسلم لا يفادى به وبالجملة فلا نعرف في أثر واحد قط اشتراط الإسلام منهم قولا أو فعلا في وطء المسبية فالصواب الذي كان عليه هديه وهدي أصحابه استرقاق العرب ، ووطء إمائهن المسبيات بملك اليمين من غير اشتراط الإسلام .
فصل [ لا يفرق في السبي بين الوالدة وولدها ]
وكان صلى الله عليه وسلم يمنع التفريق في السبي بين الوالدة وولدها ، ويقول من فرق بين والدة وولدها ، فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة وكان يؤتى بالسبي فيعطي أهل البيت جميعا كراهية أن يفرق بينهم .