أوجاع الصحة (2)

حمود أبوطالب
استكمالاً لحديث يوم أمس عن لقاء وزير الصحة بمجلس الشورى وعرضه كثيراً من المشاكل التي تعيق الخدمات الصحية بشكل كبير، سوف نقول إن الحاجة قد أملت توسعاً كبيراً في إنشاء مستويات المرافق الصحية من مراكز ومستشفيات كي تتماشى مع الزيادة السكانية واتساع رقعة المملكة، ولكن هذا التوسع الكمي يحتاج بالضرورة إلى الإمكانات التي تتيح تقديم خدمة نوعية جيدة، وهو الأمر الذي لن يتحقق بسهولة في ظل بعض الأنظمة واللوائح المالية الراهنة، والتي أشار إليها الوزير تحت قبة مجلس الشورى..
من غير المعقول أبداً أن يكون نصيب الفرد السعودي من الدواء سنوياً 22 ريالاً فقط، أي 10% من الاحتياج الفعلي الذي يفترض أن تلبيه (900) مليون ريال بينما الميزانية المرصودة (90) مليوناً فقط.
ومن غير المعقول أبداً أن يظل سلم رواتب الأطباء والفنيين على ما هو عليه الآن في ظل سوق عالمية منافسة تقدم عروضاً مغرية، وفي ظل العدد القليل للكوادر الوطنية أمام الحاجة الضخمة. لقد أوضح وزير الصحة أن لجان التعاقد فشلت في استقطاب أطباء من آسيا وإفريقيا بسبب تدني الرواتب، وأن الاتجاه الآن إلى كوبا لعل وعسى، ولكن في كل الأحوال لسنا متفائلين، لأن مستوى الرواتب الحالي لن يكون مرضياً إلا لنوعيات غير جيدة، وبالتالي سوف تتكدس لدينا عمالة تفرز الأخطاء رغم وجود أحدث التجهيزات، وهذا وضع لا يبرره المستوى الاقتصادي الجيد للمملكة، ومن حيث النسبة الكمية فإن الخلل ما زال موجوداً إذ يوجد لدينا طبيب لكل ألف نسمة، بينما الحد الأدنى في الدول المتقدمة ثلاثة لكل ألف نسمة.
ومرة أخرى نؤكد ما قاله الوزير بأنه لا يجب أن يستمر تشغيل المستشفيات بواسطة الشركات التي ثبت أنها تسعى إلى الربح على حساب صحة المواطن، ولا بد من إعادة تنشيط برنامج التشغيل الذاتي، كما لا بد من استمرار التدريب العالي الذي اشترطت وزارة التعليم العالي شرطاً تعجيزياً لاستمراره وهو استقالة الأطباء قبل الابتعاث.
وفي ظل كل المعطيات السابقة يجب أن نكون واقعيين تماماً، ويجب أن نعترف بأننا سوف نتعايش مع منشآت مجهزة جيداً، ولكنها إما بدون كوادر أو بكوادر سيئة، بينما يتم صرف مبالغ هائلة على أمور لا ترقى إلى أهمية صحة المواطن، فما الذي يبرر الإصرار على تقليص اعتمادات القطاع الصحي؟ وما الذي يبرر الزج بصحة المواطن في هذا المأزق الحرج؟