لا اريدُ أن أغادِرَ بيتي الهادِئ , ولا ذِكرياتِي الكثيرة
لا أريد أن أحزِمَ حقائِبِي وألملِمَ أشيائِي وأودّع ذِكرياتِي وأقبّلَ وجُوهَ إخوتِي وأفرِغَ خزانتي وصناديقي الكثيرة المُمتلِئَة!
لا أريد أن أفتحَ دفاتِرِي القديمة ويوميّاتي الّتي خبّأتُها طويلاً , وأنبِّشُها قبلَ أن أحملها معِي أو أودعها قلبَ أختِي
لا أريدُ أن أعيدَ قراءَة أحلامِي المُدوَّنَة وأقبّلُها طويلاً وأحتضِنها
لا اريدُ أن أحمِلَ معِي الكثير من الذكريات لأنّي بكُلّ وضُوح لا أريد أن أنبّشَ في الماضِي طويلاً !
أريدُ أن أتذكّرَ أنّني حلمتُ طويلاً وأصبحتُ كثيراً ممّا أردت
أريدُ أن أحلُمَ أحلاماً جديدة , وأحملَ معِي فقَط ما تيسّرَ من أحلامِي الّتي ما زلتُ متمسكَة بها لليوم واللحظة !
العودة للذكريات للماضي يُعيدُ كثيراً من الأحاسيس الّتي يصعبُ إزالتها من جديد !
يخلقُ شعوراً آخراً لا أعرفُ ما هو ولذلك لا أريدُ أن أفتحَ صفحات الماضِي الطويلة ..
لا أريدُ أن أغادر حيِّنا الّذِي أحببتهُ , لا أريدُ أن أصبحَ بعيدةً عن طفُولتي ! الّتي أراها في عينِ أمّي !
كيفَ لأشياء بسيطة كغرفة صغيرة وخزانة والكثير من العُلب وباقات الورد المجففة والهدايا القديمة
وزجاجات العطر الفارغة والرسائل القديمة أن تُشكّل حيّزاً كبيراً في دواخلنا!
كيفَ لأشياء كهذه أن تكون حياةً يصعبُ التسربُ منها لحياةٍ أخرَىَ ..
ليسَتِ الجمادات هيَ المُشكلة وإنّما نحنُ الّذِينَ بثثنا فيها رُوحاً وأعطيناها حياةً
الأشياء الّتي ربطتنا بآخرين سكنُوا أرواحنا
الآخرُون هُم من أعطوها قيمةً كبيرة لحدّ أنّنا لا نستطيع أن نُودعها المقابر بسهُولة ! ..
كيفَ لي أن أودّع أزمنةً كثيرة عشتها في غرفة واحدة احتوتني بدفء ,بزمنٍ بسيطٍ جدّاً
حينما أفكّرُ بهذا التعقيد أتذكّرُ أنّ الحياة لن تنتظِرَني لأفكّرَ طويلاً , وأبكي طويلاً
الحياة أصبحت أسرعَ من كُلّ شيء
حتّىَ أنَا الّتي كنتُ أتأمّلُ كُلّ شيء وأبكيه بلا صوت !
أصبحتُ الآن أخشىَ أن يسرقَ الوقتُ منّي عُمراً ..
ولكنّني أعُودُ لأبكي ..
لأنّي لا استطيعُ إلاّ أن أبكي أشيائي
ما الوقتُ ما الزمَن ؟ إلاّ إحساسنا الّذِي يجب أن لا يتغيّر مُستواهُ !
إحساسنا بكُلّ شيء هُو الحياة لكُلّ شيء.