مصر .. انقلاب عسكري بالحركة البطيئة

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

حشود من المصريات يشاركن في المظاهرات المعارضة للرئيس المصري محمد مرسي في ميدان التحرير أمس. الفرنسية


رولا خلف من لندن

كانت الحشود من الضخامة بحيث دفعت بعضهم إلى الاعتقاد بأنها أكبر من التظاهرات التي أسقطت حسني مبارك في ساحة التحرير منذ سنتين. وكانت الهتافات المناوئة للرئيس الحالي، محمد مرسي، والإخوان المسلمين عنيفة مثل تلك التي طالبت بإنهاء نظام مبارك في عام 2011. مثلت هذه الملايين من المصريين الذين تدفقوا على ميادين المدن المصرية يوم الأحد ثورة ثانية، لكنها هذه المرة ضربة قاسية موجهة للإسلام السياسي. وليس من المستغرب أن يكون ثمن الشعور الثوري المصري عالياً جداً. وما يحمله المستقبل، على الأقل في المدى القريب، هو قفزة أخرى في المجهول. وبحلول بعد ظهر أمس الأول، عاد الجيش مرة ثانية للظهور بعد أن تم إرساله إلى ثكناته في العام الماضي، معلناً نفسه أنه سيكون الحكم في السياسات السامة السائدة في البلاد، قائلاً إنه يستبيب لتطلعات الشعب.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

امرأة منقبة معارضة للرئيس.

وكما كان يحدث في أي منعطف سابق في تاريخ مصر الحديث، عاد الجيش المصري مرة ثانية ليتولى زمام الأمور. ويقول خليل العناني، وهو محلل سياسي: ''هذا قطعاً انقلاب عسكري''، فيما وصف أحد المراقبين الغربيين ما يحدث بأنه انقلاب ''بالحركة البطيئة''. وليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان تحذير الجيش للطرفين بأن لديهما فرصة مدتها 48 ساعة لحل خلافاتهما قبل أن يسلك خريطة طريق خاصة به، يعني مغادرة مرسي لكرسي الحكم.
وكان عبد الفتاح السيسي، قائد الجيش، قد حصل على ترقية إلى هذه الرتبة العام الماضي من قبل الرئيس، الذي ضمن بقاء ميزانية الجيش محمية من تدقيق مجلس النواب، حتى في الوقت الذي أكد فيه على سلطته المدنية. لكن في الوقت نفسه ازداد قلق الجيش من عجز الحكومة، وتفاقم الخلافات السياسية في البلاد، ومغازلة مرسي أخيرا للجهاديين السابقين. وحتى لو دعت خطط الجيش فقط الرئيس إلى تقديم تنازلات، فإنها ستعتبر تدخلاً عسكرياً يمكن أن يفضي إلى تحجيم الإخوان المسلمين. صحيح أن مصر لا تستطيع في الحقيقة تحمل مزيد من عدم الاستقرار، فاقتصادها على حافة الانهيار، واحتياطياتها من العملة الأجنبية في مستويات منخفضة بصورة خطرة، والمجتمع في حالة استقطاب، حتى أن شيخ الأزهر حذر في الأسبوع الماضي من شبح حرب أهلية. ونجح مرسي في استعداء كثير من قطاعات المجتمع وعمل في الأساس على دمج ثورة مضادة من قبل مؤيدي النظام السابق بثورة ليبرالية يسارية جديدة. والمعارضة لمرسي مدفوعة بعدد من المظالم تراوح من شعور بعضهم بأن الإخوان المسلمين هم مجموعة تحتكر السلطة، إلى أولئك الذين سئموا من الصعوبات الاقتصادية التي تضخمت منذ ثورة 2011. وتستغل عناصر من أمن الدولة، ممن لا يزالون موالين للنظام السابق، الاستياء الشعبي وتحاول من خلاله ترتيب العودة إلى السلطة. ويبدو أن الاستراتيجية المشتركة الوحيدة بين جميع هذه الجماعات هي تشجيع الجيش على التدخل. وتقول مصادر دبلوماسية غربية إن الجيش غير راغب في العودة إلى السياسة، بالنظر إلى الطريقة التي أساء فيها الجنرالات عملية الانتقال بعد أن أزاحوا مبارك. والواقع أنهم خلال أشهر أصبحوا هدفاً لسخط المصريين. وتقول المصادر الدبلوماسية إن خطتهم هذه المرة هي هندسة انتقال يكون المدنيون هم أهل السلطة فيه. لكن إذا كان الجيش يعتزم إزاحة مرسي، فإن إخراج الرئيس المنتخب بالقوة، حتى بعد التظاهرات العارمة المؤيدة لخروجه، سيشكل نكسة قوية لفرص مصر في إنشاء نظام ديمقراطي، ويمكن أن يخاطر بتحويل الإسلاميين إلى التطرف. وشدد مسؤولو الإخوان في الأيام الأخيرة على شيء واحد: أن مرسي هو الرئيس الشرعي. وهم يجادلون بأنه إذا أُخرِج بعد سنة من توليه الحكم فلن يكون هناك شيء يمنع الجيش من فعل الشيء نفسه مع الرئيس المقبل بمجرد أن يعتبر أنه يعاني الإخفاق. وبلغت الاختلافات في مصر نقطة جعلت من الضروري اللجوء إلى وسيط. لكن إذا كان هذا يعني العودة لحكم العسكر، فإن أولئك الذين يحيون الجيش اليوم ربما سيكون مصيرهم الشعور بخيبة أمل مريرة.