هنا تتجلى نظرة الأديب المسلم إلى حقيقة من أهم حقائق الكون ألا وهي حقيقة الموت وفناء هذه الدنيا فتبرز بجلاء ووضوح من أول وهلة من عنوان القصيدة ( تجليات) فهي إذن نظرة واضحة لا شك فيها ولا تخبط ولاضياع... هكذا ينظر الأديب المسلم إلى هذه الحقيقة ويصفها وصف المؤمن الحق المستسلم لقضاء الله وقدره إذهو لا يملك تجاهها إلا التسليم والرضا والدعاء في تضرع وخضوع لله عزوجل أن تكون نهاية المطاف في يسر وسلامة وطمأنينة.... جميل نصك يا يحيى ... فهو يجعل من الموت أمرا طبيعيا لنهاية الحياة ويكشف الحجب عما يرجوه المؤمن من ربه بعد الممات من المغفرة والعفو ومحو الذنوب والسيئات في بوح حزين دامع وإقرار بتلك الذنوب
إنه يشير إلى أن الموت إذا جاء فإن الحياة كلها تتبدل فيتجهم وجهها ويتبدل فرحها ولا يبقى في يديها إلا الهموم بكل ألوانها وأشكالها... ثم يصور غفلة الناس عن الموت وأنهم يتناسون الموت أحيانا فينغمسون في ملذاتهم وانظر لقوله " فنوغل" مما يدل على غفلة شديدة تعترينا حينما يبتعد الموت عنا قليلا وإن كان في الحقيقة ليس بعدا بقدر ماهو تجاهل وغفلة منا نحن فالموت كما ورد أقرب إلى الإنسان من شراك نعله فماالذي يجعلنا نحن بني البشر نتجاهل أو ننسى أمرا غاية في الأهمية كأمر الموت لا جواب إلا غفلتنا وطول أملنا في البقاء
لكن الشاعر يعود ليقرر أن الموت لا يعترف بكل قياساتنا لأنه يأتي في أوقاته المحددة له هو يباغتنا في غفلة منا فإذ بآمالنا كلها قد تحولت إلى وهم لا حقيقة له في الوجود وليس ثمة إلا حقيقة واحدة متجلية بوضوح ألا وهي حقيقة الموت ثم يتعجب كيف يعود الإنسان إلى غفلته بعد أن انتزع الموت منه أعز مايملك من أحباب فترانا غدا وقد عدنا كأن الموت لم يزرنا بالأمس وتجددت فينا روح التفاؤل من جديد وانغمسنا في أمور الدنيا وهكذا تدور العجلة بنا ... ثم يختم شاعرنا الفذ معزوفته الدامعة بتذكيرنا بتلك الحقيقة مرة أخرى وأن الأيام وإن حلا طعمها أو طابت نجواها ستنقلب في آخرها إلى حمى ساخنة الجوى تحرق ماتبقى من رفيف الآمال...
تحية لملك الإبداع / الشعبي


رد مع اقتباس