(مدخـــل ......
تكفن الليبرالية حروفها بالتبغ
ودخان الرؤى الفاسدة
فيشربها صغار الحي
مسكونين بأوجاعهم البلهاء.....
( نايف الجهني )
لم يكن قد بلغ العاشرة من عمره عندما لاحظ أهله وكبار الحي انه يختلف عن أقرانه ... وانه يتمتع بسلوك وأفكار تنبأ عن قدوم إنسان قد يكون له نصيب الأسد من اسمه في المستقبل ....!
فقد كان ( فايز ) الذي يعيش في احد الأحياء العتيقة... في منزل متواضع ... طفلا .. عجيبا .. يجمع بين الوداعة والشراسة ... يطرح أسئلة حول كل مايثير استغرابه ... يصرخ في وجه من كل يخدش أخلاقه وكرامته ...!
ومع كل ذلك كان بارا بأمه وأبيه ... محبا لأبناء الحي ... يلعب معهم بكل لطف ... يتعاطف معهم ... لايقبل أي تجريح لأي منهم ...!
ومما زاد من يقين تلك الملاحظة عند الأهل وكبار الحي ... ذلك الموقف الذي تصرف معه بشكل لائق ينم عن أخلاقه واحترامه للآخرين ... وقد كان ذلك عندما بلغ الثامنة عشر من عمره ... وبعد أن بدأت مداركه وتوجهاته في الاتساع رويدا .. رويدا ... من خلال ما يتلقاه في المدرسة.. وما يقرأه في الصحف اليومية التي كان لايتوانى في لملمتها من أزقة الحي ... فضلا عن قراءته لبعض الكتب التنويرية الحديثة ... حيث كان جالسا ذات مساء تحت إحدى " لمبات " الحي كعادته يلوك فترة المساء الهامدة ... يتأمل وجوه المارة من أبناء الحي وغيرهم ... فإذا به يشاهد ثلة من اقرانه يتحرشون بإحدى فتيات الحي ... يهمزونها بكلمات الغزل المشين ... يعبثون بكرامتها ... مما أثار غضبه فنط عليهم وراح ينهرهم ويصرخ في وجوههم ... قاذفا عليهم ببعض الحجارة الصغيرة ... مما اضطرهم لترك الفتاة والالتفات إليه ... ليتلقى منهم ضربا مبرحا لن ينساه ما حي ... ولينتشر الخبر في أرجاء الحي ... ليصبح بطلا مغوارا ... خاصة في نظر أمهات وآباء الحي الذين قدموا له أسمى آيات الشكر والعرفان ... معلقين أمر حماية فتياتهن عليه بعد الله ...!
تلوك الأعوام بعضها البعض ... وهاهو ( فايز ) يتربع أرقى المناصب الاداريه في المدينة بعد أن انتقل بأسرته إلى المنزل الجديد في أرقى الأحياء ... حاملا معه هم الأبناء ... وهم الاسره التي غادرها الأب إلى مثواه الأخير بعد صراع طويل مع المرض .... ومع كل ذلك مازالت طموحاته وآماله تسير للأمام ... فلم يكتف بالمنصب الإداري الذي يشغله ... ولم يكن ذلك طمعا بقدر ما كان رهانا على المستقبل ...!
انطلق ( فايز ) يمارس هوايته التي أحبها منذ صباه .... حيث تمكن من الانضمام إلى إحدى الصحف اليومية ... وراح يركض في ميادين المجتمع ينقل آمالهم وآلامهم ... حتى أصبح صاحب عمود صحفي شهير يسطر فيه أفكاره النيرة ويختلف فيه مع الكثير ... جاعلا من التخلف الذي يلاحظه في بيئته قضيته التي يسعى للخروج منها واستبدالها بتباشير النجاح والتقدم ....!
وبين اتساع رقعة اهتماماته الاسريه ... وبين مرض أمه العجوز .... رأى أن الوقت قد حان للتوقف عن ذلك الركض الذي يضطره للغياب عن المنزل ساعات وساعات .... مكتفيا بالإشراف على احد المنتديات الثقافية... ليديره من المنزل قريبا من أسرته دونما أي ركض أو غياب ....!
ورغم كل ما يعيشه من رغد ونجاح إلا انه لم ينس أبناء الحي القديم الذي ترعرع فيه ... فقد كان يقوم بزيارتهم كلما وجد فراغا في وقته المزحوم .... ونظرا لما يتمتع به من علاقات اجتماعيه جيده فقد ساهم في مساعدة الكثير منهم في الحصول على وظيفة ... خاصة وان اغلبهم لم يحصل على شهادات عاليه ....
ومع الأيام عادت سيرته على ألسنة شوارع الحي العتيق ... وراح الكل يشاركه الهموم ... يسطرونها في ذلك المنتدى الالكتروني يقلدونه في كل شئ... ويتفقون معه في كل شئ .... حتى في أفكاره النيرة ...!