- كلنا نذكر كيف عطل عمر بن الخطاب إقامة الحدّ على السارقين بقطع اليدّ في عام الرمادة (2) عندما اضطر عدد من الناس أن يسرقوا ليأكلوا كيلا يهلكهم الجوع، ونذكر وصيته لأبي موسى الأشعري، سأله (ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب؟ قال أبو موسى : أقطع يده، قال عمر: فوالله إن جاءني منهم جائع أو عارٍ قطعت يدك، إلى أن قال: فاشغل هذه الأيدي بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية، بعض السلفيين التكفيريين يفسرون (الطاعة) بإقامة الشعائر من صوم وصلاة، وحسب.. وهي تعني هنا: تأمين فرص العمل وإيجاد وسائل للعيش.
فلماذا نرى في عدد من الدول العربية حتى (الغنية) منها جائعين، وعاطلين عن العمل؟جزاك الله كل خير عالاضافةقال الشافعي : بلغني أن رجلا من العرب قال لعمر حين ترحل الأحياء عن المدينة : لقد انجلت عنك وإنك لابن حرة . أي : واسيت الناس وأنصفتهم وأحسنت إليهم . وقد روينا أن عمر عس المدينة ذات ليلة في عام الرمادة فلم يجد أحدا يضحك ، ولا يتحدث الناس في منازلهم على العادة ، ولم يجد سائلا يسأل ، فسأل عن سبب ذلك ، فقيل له : يا أمير المؤمنين ، إن السؤال سألوا فلم يعطوا فقطعوا السؤال ، والناس في هم وضيق ، فهم لا يتحدثون ولا يضحكون . فكتب عمر إلى أبي موسى بالبصرة : أن يا غوثاه لأمة محمد . وكتب إلى عمرو بن العاص بمصر : أن يا غوثاه لأمة محمد . فبعث إليه كل واحد منهما بقافلة عظيمة تحمل البر وسائر الأطعمات ، ووصلت ميرة عمرو في البحر إلى جدة ومن جدة إلى مكة . وهذا الأثر جيد الإسناد ، لكن ذكر عمرو بن العاص في عام الرمادة مشكل ؛ فإن مصر لم تكن فتحت في سنة ثماني عشرة ، فإما أن يكون عام الرمادة بعد سنة ثماني عشرة ، أو يكون ذكر عمرو بن العاص في عام الرمادة وهما
[ ص: 70 ] وذكر سيف عن شيوخه ، أن أبا عبيدة قدم المدينة ومعه أربعة آلاف راحلة تحمل طعاما ، فأمره عمر بتفرقتها في الأحياء حول المدينة فلما فرغ من ذلك أمر له عمر بأربعة آلاف درهم ، فأبى أن يقبلها ، فألح عليه عمر حتى قبلها .
وذكر ابن جرير في هذه السنة من طريق سيف بن عمر ، عن أبي المجالد ، والربيع ، وأبي عثمان وأبي حارثة ، وعن عبد الله بن شبرمة ، عن الشعبي ، قالوا : كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب : إن نفرا من المسلمين أصابوا الشراب - منهم ضرار وأبو جندل بن سهيل - فسألناهم فقالوا : خيرنا فاخترنا ؛ قال : فهل أنتم منتهون [ المائدة : 91 ] . ولم يعزم علينا . فجمع عمر الناس فأجمعوا على خلافهم ، وأن المعنى في قوله : فهل أنتم منتهون أي : انتهوا . وأجمعوا على جلدهم ثمانين ثمانين ، وأن من تأول هذا التأويل وأصر عليه يقتل . فكتب عمر إلى أبي عبيدة ؛ أن ادعهم فسلهم عن الخمر ؛ فإن قالوا : هي حلال . فاقتلهم ، وإن قالوا : هي حرام . فاجلدهم . فاعترف القوم بتحريمها ، فجلدوا الحد وندموا على ما كان منهم من اللجاجة فيما تأولوه ، حتى وسوس أبو جندل في نفسه ، فكتب أبو عبيدة إلى عمر في [ ص: 71 ] ذلك ، وسأله أن يكتب إلى أبي جندل ويذكره ، فكتب إليه عمر بن الخطاب في ذلك : من عمر إلى أبي جندل ، إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [ النساء : 48 ] . فتب وارفع رأسك وابرز ولا تقنط ، فإن الله تعالى يقول قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم [ الزمر : 53 ] . وكتب عمر إلى الناس أن عليكم أنفسكم ، ومن غير فغيروا عليه ، ولا تعيروا أحدا فيفشو فيكم البلاء .
قال سيف بن عمرو ، عن سهل بن يوسف السلمي ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، قال : كان عام الرمادة في آخر سنة سبع عشرة ، وأول سنة ثماني عشرة ، أصاب أهل المدينة وما حولها جوع فهلك كثير من الناس ، حتى جعلت الوحش تأوي إلى الإنس . فكان الناس كذلك وعمر كالمحصور عن [ ص: 72 ] أهل الأمصار ، حتى أقبل بلال بن الحارث المزني فاستأذن على عمر ، فقال : أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك ، يقول لك رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، : " لقد عهدتك كيسا ، وما زلت على ذلك ، فما شأنك ؟ " . قال : متى رأيت هذا ؟ قال : البارحة . فخرج فنادى في الناس : الصلاة جامعة . فصلى بهم ركعتين ، ثم قام فقال : أيها الناس أنشدكم الله هل تعلمون مني أمرا غيره خيرا منه ؟ قالوا : اللهم لا . فقال : إن بلال بن الحارث يزعم ذيت وذيت . فقالوا : صدق بلال ، فاستغث بالله ثم بالمسلمين . فبعث إليهم - وكان عمر عن ذلك محصورا - فقال عمر : الله أكبر ، بلغ البلاء مدته فانكشف ، ما أذن لقوم في الطلب إلا وقد رفع عنهم البلاء . وكتب إلى أمراء الأمصار أن أعينوا أهل المدينة ومن حولها ، فإنه قد بلغ جهدهم . وأخرج الناس إلى الاستسقاء ، فخرج وخرج معه العباس بن عبد المطلب ماشيا ، فخطب وأوجز وصلى ، ثم جثى لركبتيه وقال : اللهم إياك نعبد وإياك نستعين ، اللهم اغفر لنا وارحمنا وارض عنا . ثم انصرف فما بلغوا المنازل راجعين حتى خاضوا الغدران .
ثم روى سيف ، عن مبشر بن الفضيل ، عن جبير بن صخر ، عن [ ص: 73 ] عاصم بن عمر بن الخطاب ، أن رجلا من مزينة عام الرمادة سأله أهله أن يذبح لهم شاة ، فقال : ليس فيهن شيء . فألحوا عليه فذبح شاة ، فإذا عظامها حمر ، فقال : يا محمداه . فلما أمسى أري في المنام أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول له : " أبشر بالحيا ، ائت عمر فأقرئه مني السلام وقل له : إن عهدي بك وفي العهد ، شديد العقد ، فالكيس الكيس يا عمر " . فجاء حتى أتى باب عمر فقال لغلامه : استأذن لرسول رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، . فأتى عمر فأخبره ففزع ، ثم صعد عمر المنبر فقال للناس : أنشدكم بالذي هداكم للإسلام ، هل رأيتم مني شيئا تكرهونه ؟ فقالوا : اللهم لا ، وعم ذاك ؟ فأخبرهم بقول المزني - وهو بلال بن الحارث - ففطنوا ولم يفطن . فقالوا : إنما استبطأك في الاستسقاء فاستسق بنا . فنادى في الناس ، فخطب فأوجز ، ثم صلى ركعتين فأوجز ، ثم قال : اللهم عجزت عنا أنصارنا ، وعجز عنا حولنا وقوتنا ، وعجزت عنا أنفسنا ، ولا حول ولا قوة إلا بك ، اللهم فاسقنا وأحي العباد والبلاد .
وقد قال عنه ابن حبان كان سيف بن عمر يروي الموضوعات عن الأثبات وقالوا إنه كان يضع الحديث واتهم بالزندقة، كما يقول عنه الحاكم النيسابوري اتهم سيف بالزندقة وهو بالرواية ساقط .ويقول عنه ابن عدي «بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها». ويقول عنه ابن معين «ضعيف الحديث فليس فيه خير» . وقال ابن أبي حاتم «متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي» . أما أبو داود صاحب السنن فقال عنه ليس بشئ. وقال عنه النسائي صاحب السنن ضعيف .