احذر التصَّدر قبل التأَّهُّل
"احذر التصَّدر قبل التأَّهُّل؛ هو آفة في العلم والعمل. وقد قيل: من تصدًّرقبل أوانه؛ فقد تصدَّى لهوانه"
قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى- معلقاً:
"مما ينبغي الحذر منه: أن يتصدَّر الإنسان قبل أن يكون أهلًا للتصَّدُّر؛ لأنه إذا فعل ذلك كان هذا دليلًا على أمور:
الأمر الأول: إعجابه بنفسه، فيرى نفسه عَلَمَ الأعلام.
الأمر الثاني: عدم فقهه ومعرفته للأمور، لأنه لإذا تصدَّ،ربَّما يقع في أمر لا يستطيع الخلاص منه، فتَرِدُ عليه من المسائل ما يُبيِّن عواره.
الأمر الثالث: التقوُّلُ على الله ما لا يعلم، لأن الغالب أن من كان قصده التصدُّر لا يُبالي، فيُجيب عن كل ما سُئل، ويخاطر بدينه وبقوله على الله عز وجل.
الأمر الرابع: أنه لا يَقبلُ الحقَّ في الغالب، فيظنُّ -بسفهه- أنه إذا خضع لغيره لو كان معه الحق كان دليلًا على أنه ليس بعالم.
فالتصدُّر فيه آفات عظيمة؛ ولهذا يُروى عن عمر -رضي الله عنه - أنه قال:" تفقَّهوا قبل أن تَسُودوا"،"أو تُسَوَّدوا".وكلاهما صحيح.
[والأثر أخرجه البخاري معلقا:كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم والحكمة].
يعني: اطلبوا العلم، وتفقَّهوا في دين الله، قبل أن يُعرف وقبل أن يُسَوَّدَ يكون وقته واسعاً يقضي حاجاته، لكن إذا عُرف صار للناس وليس لنفسه.
ثم قال المؤلف:" وقد قيل: من تصدَّر قبل أوانه ؛ فقد تصدَّى لهوانه"؛ هذا سجعٌ طيِّبٌ، وفيه أيضاً جناس غير تام، وابن رجب -رحمه الله- في قواعد الفقه يقول: "من تعجَّل
شيئاً قبل أوانه عُوقب بحرمانه". [القواعد لابن رجب : ص262)]
ولهذا لو قَتل المُوصَى له المُوصِي بطلت الوصية. فلو أوصى إنسان وقال: إذا مِتُّ فأعطوا فلاناً عشرة آلاف فعَلِمَ المُوصَى له، وكان هذا المُوصَى له محتاجاً وطال به الزمن،
أطال الله عمر المُوصِي فذهب المُوصَى له فقتله فلا يُعطى الوصية، وتَبطُل الوصية؛ لأنه تعجَّل شيئاً قبل أوانه على وجه محرَّم، فعُوقب بِحِرمانه؛ ولهذا كان من موانع الإرث
القتل لئلا يتعجَّل الوارث موت مُوَرِّثه.
مسألة: لو تصدَّر طالب علم بإقامة بعض الكلمات والوعظ والتذكيربغير توسُّع، فهل يدخل في التصدَّر المذموم؟
والجواب: التصدُّر له أشكال منها:
1- أن يبادر الإنسان بإلقاء الدروس علناً، وهو لم ينضج.
2- إذا جلس في المجلس جعل الكلام له، ولم يسمح لأحد أن يتكلم، وكان شيخُنا عبد الرحمن بن سعدى - رحمه الله - يُدرِّسُ الطلبة كما حكي لي بعض كبار الطلبة أول ما
بدأ يُدَرِّس في زاوية بعيدة في المسجد عن النظر، فإذا أقبل أحد قال: تعالوا اجلسوا جانبي، ثم يتبادل أطراف الحديث، كأنهم جالسين يتحدثون أو يقرؤون القرآن أو ما أشبه
ذلك. خوفاً من التصدُّر؛ لأن التصدُّر - في الحقيقة - بلاء يحمل الإنسان على العُجب، وعلى أن يقول: أنا أنا.
مسألة: لو قال قائل: في بعض البلاد لا يوجد علماء أوطلبة علم كبار، فإذا كان الطالب عنده شيء من العلم، فهل له أن يتصَّدرلهذه العلَّة؟
والجواب: التصدُّر من غير المتأهل خطر، وفيه محاذير فإذا تصدر الإنسان ولو بين من دونه في العلم فقد اغترَّ بنفسه فيقول:أنا شيخ هؤلاء، وفوق كل ذي علم عليم، وأنا
فوقهم، فيُصَدِّر نفسَه.
نعم لو وجدنا الإنسان ورعاً يجلس للناس يُعلِّمه، لكن إذا سُئل عن مسألة لا يعرفها قال: أمسكوا حتى أسأل العلماء فهذا طيِّب" .أ.هــ
[شرح حلية طالب العلم ص294-295. ط.مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية]
![]()