ولهذا قال تعالى : { فَإِنْ لَمْ (5) تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } فالتيمم في اللغة هو : القصد. تقول العرب : تيممك (6) الله بحفظه ، أي : قصدك. ومنه قول امرئ القيس (7) وَلَمَّا رَأتْ (8) أنَّ المَنِية ورِدُها... وأن الحصَى من تحت أقدامها دَامِ...
تيممت العين التي عند ضارج... يفيء عليها الفيء عَرْمَضها طام...
والصعيد قيل : هو كل ما صعد على وجه الأرض ، فيدخل فيه التراب ، والرمل ، والشجر ، والحجر ، والنبات ، وهو قول مالك. وقيل : ما كان من جنس التراب فيختص التراب والرمل والزرنيخ ، والنورة ، وهذا مذهب أبي حنيفة. وقيل : هو التراب فقط ، وهو مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهما ، واحتجوا بقوله تعالى : { فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا } [الكهف : 40] أي : ترابا أملس طيبا ، وبما ثبت في صحيح مسلم ، عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فضلنا على الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا ، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء" (9) وفي لفظ : "وجعل ترابها لنا طهورا إذا لم نجد الماء". قالوا : فخصص الطهورية بالتراب في مقام الامتنان ، فلو كان غيره يقوم مقامه لذكره معه.
والطيب هاهنا قيل : الحلال. وقيل : الذي ليس بنجس. كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا ابن ماجه ، من حديث أبي قلابة عن عمرو بن بُجْدان (10) عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الصعيد الطيب طهور المسلم ، وإن لم يجد الماء عشر حجج ، فإذا وجده ، (11) فليمسه بَشرته ، فإن ذلك خير له".
وقال الترمذي : حسن صحيح : وصححه ابن حبان أيضا (12) ورواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده عن أبي هريرة (13) وصححه الحافظ أبو الحسن القطان. وقال ابن عباس : أطيب الصعيد تراب
الحرث. رواه ابن أبي حاتم ، ورفعه ابن مَرْدويه في تفسيره (1).
وقوله : { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ } التيمم بدل عن الوضوء في التطهر (2) به ، لا أنه بدل منه في جميع أعضائه ، بل يكفي مسح الوجه واليدين فقط بالإجماع ، ولكن (3) اختلف الأئمة في كيفية التيمم على أقوال.