((وجاؤوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ماتصفون))
<<<من وحي اللحظة>>>
في أتون الفتنة ونيران الحقد وضرام الخبث تتأجج قلوبهم غيرة وحسدا ليوسف
إذْ تبوأ من أبيه تلك المنزلة الرفيعة التي لايملك يعقوب لها دفعا عن نفسه
فهي عاطفة الحب الجياشة التي تخالط بشاشة الروح والجسد
فتآمروا ودبروا الخطط واقترحوا المكيدة تلو المكيدة حتى أشار عليهم أدناهم حسدا وأقلهم كراهية
أن ينفذوا أبشع جريمة وأقبح فعلة عرفتها البشرية منذ قابيل وهابيل فسولت لهم أنفسهم ذلك الأمر الخطير
يا لهذا الأمر ما أشنعه!! ما أقساه!! ما أفظعه!! ما أقبحه !!
كان الليل يبرأ إلى الله من فعلتهم والنجوم تستغفر ربها وتستعيذ خوفا من أن ينزل العذاب
والأرض ترفع أكف الضراعة وأنامل البشرية تسبح إلا تلك الأنامل الخبيثة التي تلطخت بمداد الكبر والعناد
والحقد والحسد فدونوا في صحائفهم أبشع الحروف حتى برئت منهم أقلامهم وأدواتهم وركوباتهم التي أعدوها
للسباق.. السباق نحو المجهول الغامض والمصير المخيف الذي تقشعر الجلود عندما تتصوره
دبروها عشاء وأحفادهم اليوم يدبرونها غلسا
حين يتكاثف ظلام الخديعة وتضيع معالم الجريمة وتتلاشى بصماتهم ...
فعلوها كما ظن يعقوب ووجدوا فيما حذرهم منه عذرا لهم
فحكاية الذئب لم تكن لتقفز إلى أذهانهم لولا أن رادار الحسد والحقد التقطها
من فم أبيهم الطاهر فترجمها إلى حقيقة يتبرأ منها الخيال ذاته
وإلى صدق يفر منه الكذب مذهولا من هول الجرأة
ويلبسون مسوح الزهد والخشية والرفق ثم يمتاحون من بئر خبثهم ماء عيونهم الكاذب
الذي لا يروي ضميرا ولايشبع بطن الحقيقة وإذْ بأبيهم يدرك في قرارة نفسه أن في الأمر حيلة
فلم يصدق ما جاؤوا به من أيمان وعهود إذ كيف يثبت البطش والأكل بلا تمزيق ولاأثر
وأين هو يوسف ؟؟ إنه هناك في غيابة الجب يعاني مايعاني
والحيل والمكائد ترعد وتبرق في سمائه التي لايراها ..
حتى يشاء خالقه وربه الذي آواه وحباه وأنعمه أن يخرج من بئر مكيدتهم سليما معافى
لم يضره كيدهم ولا تدبيرهم ولا أيديهم التي امتدت لتعبث في صفحته البيضاء الناصعة
لتشوهها وتغير صورتها بل لتطمس هويتها من هذا الوجود
لكن عين الله تحرسه ورعاية مولاه تكلؤه إذْ ليس للشر أن يتمادى في ساحة الخير
وليس للباطل أن يتبختر في أرض الحق لكن إرادة الله وحكمته فوق كل شيء ..
.وهكذا يخرج يوسف منتصرا فقد أعلى الله ذكره وثبته في أمر هو أشد من القتل
ألا وهو أمر الغواية التي حاولت أيضا أن تقف بجانب الحقد والحسد
لتفتلع جذور يوسف من أصولها لكنه كان ببرهان ربه يرى الحقائق كما هي
ويرى الزيف كماهو بلا ألوان تخدع ولابريق يصرف ولا شهوة تغري
فثبت راسخا وعلا شامخا متعاليا فوق سفاسف الأرض ليعلن للبشرية كل البشرية
أن من كان مع الحق كان الله معه ومن عرف الله في الرخاء عرفه في الشدة
وتمر السنين ويظهر جسد الحقيقة عاريا من كل ساتر يستره
فإذْ بهم ينغضون رؤوسهم ويعضون أصابعهم ندما على فعلتهم الشنيعة
فما كان من يوسف إلا أن يسجل في رصيده انتصارا آخر أكبر من كل انتصار سبق
إنه انتصار العفو عند المقدرة
وهكذا يظل المؤمن يتسامى في مدارج النبل والعفة والصدق والطهر
حتى يرفعه الله فوق رؤوس الأشهاد في الدنيا والآخرة...