عياذا بالله من ذلك [بلطفه الجزيل] (3).
{ إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42) }
يخبر تعالى أنه لا يظلم عبدا من عباده يوم القيامة مثقال حبة خردل ولا مثقال ذرة ، بل يوفيها به ويضاعفها له إن كانت حسنة ، كما قال تعالى { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ [لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ] (4) } [الأنبياء : 47] وقال تعالى مخبرًا عن لقمان أنه قال : { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ [إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ] (5) } [لقمان : 16] وقال تعالى : { يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ. فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }
وفي الصحيحين ، من حديث زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يَسَار ، عن أبي سَعِيدٍ الخُدْري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة الطويلِ ، وفيه : فيقول الله عز وجل : "ارْجِعُوا ، فَمَن وجدتم في قلبه مثقالَ حبة (6) خردل من إيمان ، فأخرجوه من النار". وفي لفظ : "أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه من النار ، فيخرجون خلقًا كثيرًا" ثم يقول أبو سعيد : اقرؤوا إن شئتم : { إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ[وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا] (7) } (8).
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشَجّ ، حدثنا عيسى بن يُونُس ، عن هارونَ بن عنترة (9) عن عبد الله بن السائب ، عن زَاذَانَ قال : قال عبدُ الله بن مَسْعُود : يُؤْتَى بالعبد والأمَة يومَ القيامةِ ، فينادي منادٍ على رءوس الأولين والآخِرين : هذا فلانُ بنُ فلانٍ ، من كان له حق فليأت إلى حقه.
فتفرحُ المرأةُ أن يكون لها الحق على أبيها أو أخيها أو زوجها. ثم قرأ : { فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ } [المؤمنون : 101] فيغفر الله من حقه ما يشاء ، ولا يغفر من حقوق الناس شيئا ، فينصَب للناس فينادَي : هذا فلانُ بن فلانٍ ، من كان له حق فليأتِ إلى حقه. فيقول : رَبّ ، فَنِيَت الدنيا ، من أين أُوتِيِهْم حقوقَهم ؟ قال : خذوا من أعماله الصالحة ، فأعطوا كلَ ذي حق حقه بقدر طلبته فإن كان وليًّا لله ففَضَلَ له مثقالُ ذرة ، ضاعفها الله له حتى يدخلَه بها الجنة ، ثم قرأ علينا : { إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا } قال : ادخل الجنة ؛ وإن كان عبدًا شقيا قال الملك : ربِّ فنيت حسناته ، وبقي طالبون كثير ؟ فيقول : خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ، ثم صُكُّوا له صَكًّا إلى النار.
ورواه ابن جَرِيرٍ من وجه آخر ، عن زاذان - به نحوه. ولبعض هذا الأثر شاهد في الحديث الصحيح.