متتوج لا تكلّمني !
فهد عافت
الدروب الخضراء تقرأ ما كُتب على الأحذية: نعتذر، هذه أقدام غير قابلة للعثرات !،
ولكي يُتاح للجميع قراءة ما سبق دون أن يحَنْي جِبَاه، اضطر لاعبو نادي النصر السعودي لاعتلاء منصّة التتويج !، أحياناً: عليك أن تهزم الآخرين، احتراماً لهم !،
وهذا بالضبط ما فعله نادي النصر السعودي، فمثلما أنه هناك ما يسمى بالهبوط الاضطراري، هناك ما يمكن تسميته بالصعود الاضطراري أيضاً !،
مجبراً، كان على النصر أن يصعد، أن يُحلّق عالياً، فبغير ذلك لا إمكانية متوفرة لقراءة الفضاء، وهو الأمر الذي أجادت جماهير الشمس إعادة صياغته ليصير متاحاً للجميع !، من قال إن الجموع حين تحتشد لا يُمكن لها تقديم فوضى أفراحها بترتيب أنيق ؟!، جماهير النصر فعلت ذلك بأناقة أبهرت الجميع، بفعل غريزي عجيب أنجزت الأمر، أفرغت الترتيب من كل شيخوخة مدّعية للحكمة، و قدّمت مباهجها بطفولة بريئة سمحة وشديدة الظُّرف والطرافة: يد تمتد لقطف برتقالة وبعد تقشيرها تكتشف أن بداخلها ورقة: متصدّر لا تكلمني !، رجل يفتش عن رزقه في تراب صحراء عانقها المطر في وقت مناسب، تتشقق الأرض عن كمأٍ «فقعٍ» وعن ورقة: متصدر لا تكلمني !، حيّة صغيرة لم ترتكب إثمها الأول بعدُ، يلحق بها شاب في مقتبل العمر ليثبت لأصدقائه شجاعة وبراعة مبكرتين، يُمسك بها، وعلى بطنها ناعمة الملمس تنزلق عبارة ولا تنزلق: متصدر لا تكلمني !، رجل يقرر إكرام ضيفه. يسلخ ذبيحته، وقبل أن يُخرج الكِليتين لصغاره، يُخرج لهما ولكاميرا صغيرة في جهاز اتصال، شالاً نصراوياً، كُتب عليه: متصدر لا تكلمني !، شيخ دين جليل، سبق له أن أَمّ الناس في الحرّم الشريف، يبتسم لمحاوره في لقاء صحفي ويمنحه مانشيت الموسم: متصدر لا تكلّمني !، شاب جسور يرمي بنفسه من طائرة، يسبح في الفضاء الرحب، وفوق الغيوم يرفع شعار النصر، الشاب يرفرف والشعار يبتسم: متصدر لا تكلمني !، سائح يكتشف أن للسفر فائدة ثامنة، يدس في جيب عازف عود مبلغاً من المال، وبصوت مبحوح وعلى أوتار غير مدوزنة بعناية يتم الغناء: متصدر لا تكلمني !، حارس آسيوي يرعى أغنام رجل، يدخل عليه فيجده نائماً، يحاول عبثاً إيقاظه، يرفع الراعي طرف الغطاء عن رأسه و بغضب حميم ولهجةٍ تطوي الأحرف طيّاً ينهر: متصدّر لا تكلّمني !، وهكذا حيث يصعب الحصر والعّدّ والإحصاء، تتنقّل هذه العبارة في دروب الحياة، تتشكل في مواقف طريفة، مبهجة، عظيمة المَسَرّات، بعد أن خرجت من يرقة هاشتاق صغيرة، مَن هذا الذي يقدر على تحويل كل يرقة إلى ورقة، وكل ورقة إلى مراجيح وأفق، غير المشجع النصراوي ؟!، ذلك المشجّع الذي يأتي من كل فج، إلى ملاعب المباريات ليشكل أكثر اللوحات الجماهيرية بهاء، حتى صارت كلمة «التيفو» النصراوي عرضاً مسرحياً أسبوعياً في المملكة العربية السعودية، أفضل تعاريف الغريزة أنها: ذاكرة النوع، والجمهور النصراوي فعل كل ذلك وأكثر بغريزته، لم يُسئ لأحد، تذكّر نوعه ليس أكثر !،
ما قدمه جمهور النصر هذا الموسم لا يمكن وصفه بغير المبهر المثير، غير أنه ما كان له القدرة على تقديم ما قدّم، لولا أن كرنفالات ساحرة الضوء أشعلها الداهية كارينيو في ساحات اللعب، عبر حسين عبد الغني ومحمد نور وغالب والعنزي وشراحيلي والشهري والسهلاوي ورفاقهم، الذين أعادوا لكرة القدم قدرتها على إدهاش الآخرين، فقد أعادوا كرة القدم إلى فطرتها الأولى: اركض، وكن كريماً وحاسماً حين يلزم الأمر !
بقي من أمر الكتابة: اعتذار أقدمه لفيصل بن تركي الذي كنت شخصياً شديد القسوة عليه في مواسم رئاسته السابقة، طالبته بالرحيل، وكتبت ساخراً: امنحنا فقط فوزاً متواصلاً لثلاث مباريات منتالية وشكراً !، فكافأني ومن معي من جماهير النصر بسنة وأكثر من الانتصارات المتواصلة، وبحصاد أولى مسابقات الذهب، والبقية في الطريق بإذن الله، اليوم أتقدم منه معتذراً وشاكراً ممتناً لكل ما فعله لهذا الكيان الشامخ، هامساً في أذنه: ليس كافياً، نريد أكثر!