57- باب صفة حجة النبي صلى اللّه عليه وسلم
1905ـ حدثنا عبد اللّه بن محمد النُّفيلي، وعثمان بن أبي شيبة، وهشام بن عمار، وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقيان، وربما زاد بعضهم على بعض الكلمة والشىء، قالوا: ثنا حاتم بن إسماعيل، ثنا جعفر بن محمد، عن أبيه قال:
دخلنا على جابر بن عبد اللّه، فلما انتهينا إليه سأل عن القوم حتى انتهى إليَّ، فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين، فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زِرِّي الأعلى، ثم نزع زِرِّي الأسفل، ثم وضع كفه بين ثَدْيَيَّ، وأنا يومئذٍ غلام شابّ فقال: مرحباً بك وأهلاً يا ابن أخي، سَلْ عمَّا شئت، فسألته وهو أعمى، وجاء وقت الصلاة فقام في نِسَاجةٍ ملتحفاً بها، يعني ثوباً مُلْفقاً، كلّما وضعها على منكبيه رجع طرفاها إليه من صغرها، فصلى بنا ورداؤه إلى جنبه على المشجب، فقلت: أخبرني عن حجة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال بيده فعقد تسعاً ثم قال: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج، ثم أُذنَ في الناس في العاشرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حاجٌّ، فقدم المدينة بشرٌ كثير كلهم يلتمس أن يأتمَّ برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويعمل بمثل عمله، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وخرجنا معه، حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عُمَيْس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: كيف أصنع؟ فقال: "اغتسلي واستذفري بثوبٍ وأحرمي" فصلّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في المسجد، ثم ركب القصواء، حتى إذا استوت به ناقته على البيداء، قال جابر: نظرت إلى مدِّ بصري من بين يديه من راكب وماشٍ، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بينن أظهرنا، وعليه ينزل القرآن وهو يعلم تأويله، فما عمل به من شىء عملنا به، فأهلَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالتوحيد: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك". وأهلّ الناس بهذا الذي يُهلون به، فلم يردّ عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شيئاً منه، ولزم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تلبيتَه،
قال جابر: لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى} فجعل المقام بينه وبين البيت، قال: فكان أبي يقول: قال ابن نفيل وعثمان: ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، قال سليمان: ولا أعلمه إلا قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقرأ في الركعتين بـ{ قل هو اللّه أحد} وبـ {قل يا أيها الكافرون} ثم رجع إلى البيت فاستلم الركنن، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: {إنَّ الصفا والمروة من شعائر اللّه} "نبدأ بما بدأ اللّه به" فبدأ بالصفا فرقيَ عليه حتى رأى البيت فكبّر اللّه ووحَّده وقال: "لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شىء قدير، لا إله إلا اللّه وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده" ثم دعا بين ذلك، وقال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبّتْ قدماه رمل في بطن الوادي، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة فصنع على المروة مثل ما صنع على الصفا، حتى إذا كان آخر الطواف على المروة قال: "إنِّي لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهديَ، ولجعلتها عمرةً، فمن كان منكم ليس معه هديٌ فليحلل وليجعلها عمرةً" فحلَّ الناس كلهم وقصروا، إلا النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم ومن كان معه هدي، فقام سراقة بن جُعْشُمٍ فقال: يارسول اللّه، ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أصابعه في الأخرى ثم قال: "دخلت العمرة في الحجِّ" هكذا مرتين "لا بل لأبد أبدٍ، لا بل لأبدٍ أبدٍ" قال: وقدم عليٌّ رضي اللّه عنه من اليمن ببُدْنِ النبي صلى اللّه عليه وسلم، فوجد فاطمة رضي اللّه عنها ممن حلَّ ولبست ثياباً صبيغاً واكتحلت، فأنكر عليٌّ رضي اللّه عنه ذلك عليها وقال: من أمرك بهذا؟ قالت: أبي، قال: وكان عليٌّ رضي اللّه عنه يقول بالعراق: ذهبت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مُحَرِّشاً على فاطمة رضي اللّه عنها في الأمر الذي صنعته مستفتياً لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الذي ذكرت عنه، فأخبرته اني أننكرت ذلك عليها، فقالت: إن أبي أمرني بهذا، فقال: "صدقت صدقت! ماذا قلت حين فرضت الحجَّ؟" قال: قلت: اللهم إني أهلُّ بما أهلَّ به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال: "فإِنَّ معي الهدي فلا تحلل" قال: وكان جماعة الهدي الذي قدم به عليٌّ من اليمن والذي أتى به النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم من المدينة مائةً فحلَّ الناسُ كلهم وقصروا، إلا النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم ومن كان معه هدي، قال: فلما كان يوم التروية ووجهوا إلى منى أهلّوا بالحج، فركب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فصلّى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقُبَّةٍ له من شعرٍ فضربت بنمرة، فسار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولا تشكُّ قريش أن النبي صلى اللّه عليه وسلم واقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فركب حتى أتى بطن الوادي فخطب الناس فقال إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وأول دم أضعه دماؤنا دم قال عثمان دم بن ربيعة وقال سليمان دم ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب وقال بعض هؤلاء كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وإني قد ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله وأنتم مسئولون عني فما أنتم قائلون قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ثم قال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب القصواء حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه فاستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حين غاب القرص وأردف أسامة خلفه فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله وهو يقول بيده اليمنى السكينة أيها الناس السكينة أيها الناس كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتى المزدلفة فجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين قال عثمان ولم يسبح بينهما شيئا ثم اتفقوا ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح قال سليمان بنداء وإقامة ثم اتفقوا ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فرقي عليه قال عثمان وسليمان فاستقبل القبلة فحمد الله وكبره وهلله زاد عثمان ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ثم دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن عباس وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظعن يجرين فطفق الفضل ينظر إليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل وصرف الفضل وجهه إلى الشق الآخر وحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الشق الآخر وصرف الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر حتى أتى محسرا فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى الذي يخرجك إلى الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي ثم الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها بمثل حصى الخذف فرمى من بطن الوادي ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنحر فنحر بيده ثلاثا وستين وأمر عليا فنحر ما غبر يقول ما بقي وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها قال سليمان ثم ركب ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت فصلى بمكة الظهر ثم أتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه
1906ـ حدثنا عبد اللّه بن مسلمة، ثنا سليمان يعني ابن بلال ح وثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبد الوهاب الثقفي، المعنى واحد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه
أن النبي صلى اللّه عليه وسلم صلّى الظهر والعصر بأذان واحدٍ بعرفة ولم يسبح بينهما، وإقامتين، وصلى المغرب والعشاء بجَمْعٍ بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما.
قال أبو داود: هذا الحديث أسنده حاتم بن إسماعيل في الحديث الطويل، ووافق حاتم بن إسماعيل على إسناده محمد بن عليّ الجعفي عن جعفر عن أبيه عن جابر، إلا أنه قال: فصلى المغرب والعتمة بأذان وإقامة.
1907ـ حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا جعفر، ثنا أبي، عن جابر قال:
ثم قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: "قد نحرت ههنا، ومنىً كلها منحرٌ" ووقف بعرفة فقال: "قد وقفت ههنا، وعرفة كلُّها موقفٌ" ووقف بالمزدلفة وقال: "قد وقفت ههنا، ومزدلفة كلها موقفٌ".
1908ـ حدثنا مسدد، ثنا حفص بن غياث، عن جعفر بإِسناده، زاد "فانحروا في رحالكم".
1909ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا يحيى بن سعيد القطان، عن جعفر، قال: حدثني أبي، عن جابر فذكر هذا الحديث، وأدرج في الحديث عند قوله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} قال: فقرأ فيهما بالتوحيد و{قل يا أيها الكافرون} وقال فيه: قال عليٌّ رضي اللّه عنه بالكوفة، قال أبي: هذا الحرف لم يذكره جابر: فذهبت مُحَرِّشاً، وذكر قصة فاطمة رضي اللّه عنها.
![]()