وقوله تعالى : { وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا } أي : فقد خسر الدنيا والآخرة ، وتلك خسارة لا جبر لها ولا استدراك لفائتها.
وقوله : { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا } وهذا (3) إخبار عن الواقع ؛ لأن الشيطان يعد أولياءه ويمنيهم بأنهم هم الفائزون في الدنيا والآخرة ، وقد كذب وافترى في ذلك ؛ ولهذا قال : { وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا } كما قال تعالى مخبرًا عن إبليس يوم المعاد : { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ [إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ] (4) إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [إبراهيم : 22].
وقوله : أي : المستحسنون له فيما وعدهم ومناهم { مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } أي : مصيرهم ومآلهم يوم حسابهم { وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا } أي : ليس لهم عنها مندوحة ولا مصرف ، ولا خلاص ولا مناص.
ثم ذكر حال السعداء الأتقياء وما لهم في مآلهم من الكرامة التامة ، فقال : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } أي : صَدّقت قلوبهم وعملت جوارحهم بما أمروا به من الخيرات ، وتركوا ما نهوا عنه من المنكرات { سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ } أي : يصرفونها حيث شاءوا وأين شاءوا { خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } أي : بلا زوال ولا انتقال { وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا } أي : هذا وعد من الله ووعد الله معلوم حقيقة أنه واقع لا محالة ، ولهذا أكده بالمصدر الدال على تحقيق الخبر ، وهو قوله : { حقا } ثُمَّ قَال { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا } أي : لا أحد أصدق منه قولا وخبرًا ، لا إله إلا هو ، ولا رب سواه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته : "إن أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهَدْي هَدْي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور مُحْدَثاتها ، وكل مُحْدَثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار".