( يا أيُّها النَّبِي قُلْ لأزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِن َّمِن جَلابِيِبهِن َّذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْن َوكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً )
سورة الأحزاب (59)
رِسَالَةُ الحِجَابِ
إِلَى أَخَوَاتِي أُولاتِ الألْبَابِ
إعداد
محمد حسن نور الدين إسماعيل
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو عبده ورسوله وبعد ،
قال الله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) المائدة (2)
وقال سبحانه ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) آل عمران (104)
وقال صلى الله عليه وسلم ( الدين النصيحة . قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) رواه مسلم رحمه الله عن تميم الداري رضي الله عنه
فمن هذا المنطلق أختاه الكريمة أهمس في أذنيك وأذكرك بالله تعالى من باب قوله سبحانه (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) الذاريات (55) وأدعوك لطاعته والامتثال لأمره سبحانه الذي خلقك وكرمك ورزقك وعافاك وأسبغ عليك نعمه الظاهرة والباطنة .
فهذه رسالة إليك من أخ ناصح أمين أدعوك فيها إلى فرض من الفرائض وواجب من الواجبات التي أوجبها الله عليك كالصلاة والزكاة والصيام والحج وأرجو أن تعي ما فيها من ترغيب أو ترهيب أو وعد ووعيد باقتناع وقناعة قلبية وعقلية لما فيها من الأدلة الشرعية من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة ، وأن تقرأيها بعين رائدة إلى الخير تحبه وتسعى إليه وتهدف إلى الوصول لإرضاء الله عز وجل ، فقد بسطت فيها بعضا من الأدلة الشرعية على وجوب الحجاب الشرعي و بعضا من الفوائد والأمور التي لابد أن تكون في الاعتبار وخاطبت فيها عقلك بأسلوب بناء مهذب، والله
أسأل أن يهدينا وإياك إلى سواء السبيل وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتبه ؛
محمد حسن نور الدين إسماعيل
في السبت 21 من شهر شوال عام 1427 هـ
12 من شهر نوفمبر عام 2006 م
أختاه ....
إن الله تبارك وتعالى خلق الخلق ليعبدوه وبالإلهية يفردوه فأنزل الكتب وأرسل الرسل لهداية الخلق إلى مراده سبحانه ، وهو سبحانه أعلم بخلقه وأعلم بمواقع فضله وأعلم بما يصلح شئونهم وبما يفسد أحوالهم فشرع لهم شرائع وحد لهم حدودا وأمرهم أن لا يتعدوها فقال سبحانه ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ) البقرة (229 ) وقال (وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) الطلاق (1)
فأمرهم الله سبحانه بأوامر أن يأتوها ونواه ينتهوا عنها ووعد بالثواب في الدنيا والآخرة لمن أطاعه وتوعد بالعقاب لمن عصاه وخالف أمره فقال سبحانه ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) النحل (97) وقال جل وعلا ( فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزى من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ) طه (123-127) فانظري أختي الكريمة فالجزاء من جنس العمل فمن يعرض عن ذكر الله في الدنيا ولا يمتثل لأوامره وينسى (أي يترك) آيات الله ينسى في الآخرة ويهمل ولا ينظر إليه بعين الاحترام.
كما أمر سبحانه وتعالى بإتباع أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ونهى عن أن يؤخذ الدين بالرأي والهوى والرغبات والشهوات فقال سبحانه وتعالى ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) الأحزاب (36)
ومن العجب العجاب ومما يندى له الجبين وتدمع له الأعين والأفئدة أن نرى ونسمع بين الحين والآخر أناسا ممن ينتسبون إلى الإسلام ينكرون أمورا معلومة من الدين بالضرورة ، وآخرون يؤولون النصوص الشرعية من القرآن والسنة على حسب أهوائهم وما جهلوا من التشريع الإلهي ، وآخرون يرددون نعرات الجاهلية الحمقاء باسم التحضر والمدنية والحرية فينادون بتحرير المرأة ومساواتها بالرجل في أمور قد فصل فيها منذ أمد بعيد، ولا شك بأن المرأة حرة لكن في حدود ما شرعه الله تعالى لها وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، وآخرون يبيحون ما حرم الله وآخرون يفتون باستحباب ما هو واجب أو كراهة ما هو محرم ، وتارة يشنون الحرب الشعواء بكل ما لديهم من وسائل على الحجاب أو الختان أو اللحية وكأنهم أعطوا نصيبا من التشريع للخلق . وقد أنكر الله تعالى على أمثال هؤلاء ووبخهم فقال ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله..... ) الشورى (21) ويرجع ذلك إلى الجهل بدين الله جل وعلا والحكمة التي من أجلها شرع الشرائع لخلقه وكراهة ما أنزل الله وإتباع الشهوات والهوى وكثرة الفتن والشبهات التي أحاطت بأمتنا إحاطة السوار بالمعصم بعدما تباعدوا شيئا فشيئا عن دين الله تعالى واتبعوا كل ناعق من اليهود والنصارى ومن سار على دربهم وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال ( لتتبعن سنن* الذين من قبلكم، شبرا بشبر ، أو ذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه . قالوا : اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ ) رواه أحمد والبخاري ومسلم رحمهم الله تعالى عن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه . (أي نعم اليهود والنصارى) ومعنى (سنن) أي طرق والمفرد سنة . (والضب) نوع من الحيوانات ويدل الحديث على شدة حرص إتباع المسلمين في زمن من الأزمنة لهؤلاء وأظنه هذا الزمن الذي نعيش فيه وما أصابنا من الذل والهوان بسبب ذلك .
والواجب علينا جميعا تجاه هذه الفتن العارمة أن نتمسك بدين الله سبحانه وتعالى فهو عصمة من الزيغ والضلال والانحراف ، وأن نتجرد من العبودية إلا لله جل في علاه ، فهناك من يعبد الدرهم والدينار ومنهم من يعبد هواه ،ومنهم من يعبد غير ذلك . كما يجب علينا أن نسعى لتعلم العلم الشرعي من الأئمة المعتبرين لينير لنا الطريق ، وأن نخلص في النصيحة للمسلمين ودعوتهم لدين الله تعالى فالخير في هذه الأمة إلى يوم القيامة لكنهم يريدون من يأخذ بأيديهم ويدلهم على الخير بالحكمة والموعظة الحسنة والسلوك القويم والخلق الحسن وطلاقة الوجه وحسن الخطاب والصبر على من جهل منهم والتلطف معهم في المعاملة كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان يأتيه الأعرابي فيجهل عليه فما يزداد النبي صلى الله عليه وسلم إلا حلما ، وكما فعل مع الأعرابي الذي بال في المسجد .
وأقدم هذه الرسالة المتواضعة إلى أخواتي الفاضلات في دعوتهن إلى الستر والعفاف فأرغب المتبرجة في الحجاب الشرعي وأبشر المحجبة وأدعوها إلى الثبات وحسبك أختاه أن الله تعالى أمرك بما أمر به أطهر نساء العالمين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وبناته كما أحذرك من عذاب الله وأخوفك بالله أن تردى أمره ، فقد قال سبحانه ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) الأحزاب (36) ، وقال تعالى ( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون * ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون ) النور (51 - 52 )
أختاه ....
لقد أفادت التجارب المشهود لها بعين الاعتبار والصحة أن خروج المرأة من بيتها هو عنوان خراب البيت وضياع العيال وانقطاع الألفة والمحبة بينها وبين زوجها . وقد أخذ عقلاء اليهود والنصارى يشكون الويلات من جراء فساد أخلاق البنين والبنات ، وذلك أن البنت الغربية متى بلغت سن ست عشرة أو ثماني عشرة سنة خرجت من بيت أهلها ثم تتفق مع شاب يشاكلها وتعتزل معه يعملان ويأكلان وتمكث البنت بالسنة والسنتين لا تسأل عن أهلها ولا يسألون عنها ولا ترغب في الزواج الشرعي فإن تزوجت فإنها لا ترغب في الإنجاب لكون الحبل والإنجاب يعوقها عن الكسب ، كما أن الرجل لا يرغب أن يحمل أعباء تكفل العيال والمطالبة بمؤنتهم ومؤنة أمهم وأكثرهم يتمتع بالمرأة عن طريق الزنا وصاروا يرغبون في اقتناء الكلاب يتسلون بها عن تربية الأولاد ولنسائهم فيها مآرب أخرى.
وعلى إثر هذا انصرف الشباب والشابات عن التعلم في المدارس للصنائع وغيرها الذي دار عليها مدار قوتهم ورقيهم وثروتهم حتى قل مالهم وانقرض نسلهم وتعطلت صنائعهم .
فهذه الحالة المزرية هي نهاية المدنية والحرية التي يفتخر بها الغرب حتى صاروا لا يعدون الزنا جريمة لكونه بزعمهم من كمال الحرية التي تتمتع بها المرأة إلا إذا زنى بها مكرهة أو زنى بها على فراش الزوج مع العلم أن الزنا محرم في شريعتهم ولا نقول إنهم كلهم بهذه الصفة وإنما الغالب أو السائد على أخلاقهم . وإلا فقد يوجد بيوت يلتزم أهلها العفاف والحشمة والقيام بخدمة المنزل وحسن التربية ورعاية حق الزوج واحترامه ولا يزال عقلاؤهم وكتابهم والكاتبات المفكرات من نسائهم ينحون بالملام وتوجيه المذام على سوء تربية نسائهم وفساد أخلاقهن (1)
ونشرت جريدة ( لاغوس ويكلى ركورد ) نقلا عن جريدة ( لندن ثروت ) قائلة : ( إن البلاء كل البلاء في خروج المرأة عن بيتها إلى التماس أعمال الرجال ، وعلى إثرها يكثر الشاردات عن أهلهن واللقطاء من الأولاد غير الشرعيين فيصبحون كلا وعالة وعارا على المجتمع فإن مزاحمة المرأة للرجال ستحل بنا الدمار . ألم تروا أن حال خلقتها تنادى بأن عليها ما ليس على الرجل وعليه ما ليس عليها ؟ )
ونشرت الكاتبة الشهيرة ( مس إنى رود ) في جريدة ( الإسترن ميل ) : ( لأن يشتغل بناتنا في البيوت خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المعامل حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد . ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين(2) فيها الحشمة والعفاف والطهارة تتنعم المرأة بأرغد عيش تعمل كما يعمل أولاد البيت ولا تمس الأعراض بسوء . نعم إنه لعار على بلاد الإنكليز أن تجعل بناتها مثلا للرذائل بكثرة مخالطة الرجال . فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها (3)
لعمرك ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحيـاء
يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقى اللحاء
فالحياء كله خير وحسن وفى النساء أحسن والحياء من الإيمان .
__________________________________________
(1) مجموعة رسائل الشيخ / عبد الله بن زيد آل محمود ص (295 ، 296)
(2) هذا مصداق قوله تعالى ( ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) الحجر(2)
(3) مجموعة رسائل الشيخ / عبد الله بن زيد آل محمود ص (300)
أختاه ...... أيتها الجوهرة المكنونة
إن الأصل في المسلمين الستر والعفاف والحياء ، فالمرأة خلقت ضعيفة البنية تحتاج إلى من يُؤْوِيها ويصونها ويحميها ويعطف عليها ويتلطف معها ، لكنها إذا خالطت الرجال لا تسلم من شر الأشرار ومن في قلوبهم مرض وهذه الأعين الخائنة التي خانت أوامر الله سبحانه حين قال ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون ) النور (30) ، وكل مخالطة من خلوة أو دخول على النساء في البيت أو الجامعة أو المؤسسات الوظيفية أو أماكن البيع تعتبر مقدمات إلى ارتكاب المحرم ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن دخول الرجل الأجنبي ( غير المحرم ) على المرأة وحدها فقال ( إياكم والدخول على النساء . فقال رجل : يا رسول الله . أفرأيت الحَمْو ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : الحمو الموت ) رواه البخاري و مسلم رحمهما الله تعالى .
والحمو : هو قريب الزوج كأخيه وابن عمه ومثله أقرباء الزوجة كابن عمها وابن خالتها .
فالله عز وجل كفل لكِ الزوج الذي يصونك ويجعلك ملكة في بيتك قريرة العين بأولادك ومنزلك ، فالزوج هو الذي يشقى ويكد وينصب ليوفر لك الراحة . فلم تجهدين نفسك في السعي للخروج والاختلاط ومزاحمة الرجال ؟ فإن فعلت فإنك لن تسلمي من كلمة بذيئة تسمعينها أو نظرة مغرضة تحزنك أو لمسة فاجرة يتقطع بسببها قلبك حسرة وألما . فأنت في غنى عن ذلك والإسلام جعلك مكنونة في بيتك وأمرك بالإقرار فيه وحسبك أن الله أمرك بما أمر به أمهات المؤمنين وآل بيته رضي الله عنهن حينما قال سبحانه ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) الأحزاب (33) . فهل لك في نساء النبي صلى الله عليه وسلم وبناته أمثال خديجة وعائشة وفاطمة رضي الله عنهن الأسوة الحسنة ؟؟؟
وهل لك أسوة في بنتي الرجل الصالح وقيل إنهما بنتا شعيب عليه الصلاة و السلام اللتان ذهبتا لتستسقيا فوجدتا الرعاء يجتمعون على ماء مدين فانتظرتا حتى ينتهوا من السقاية ثم دار بينهما وبين موسى عليه الصلاة والسلام حديثا يضرب لنا أروع المعاني في الحياء والأدب والضوابط الشرعية ، فقال الله تعالى ( فجاءته إحداهما تمشى على استحياء ......... ) والقصة في سورة القصص من الآية ( 23 – 28 ) انظري تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى
أختاه ..... إياك والغفلة
كثير من النساء يمر عليهن اليوم واليومان والجمعة والجمعتان ولم تتصفح كتابا نافعا تتعلم فيه أمور دينها ، أو تقرأ سورة من القرآن الكريم تنال بها ثوابها ، أو حديثا من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تتعلم منه الحكمة . بل تقضى غالب يومها في عمل البيت والانشغال مع جارتها في القيل والقال ولا يسلم الحديث طبعا من الغيبة والنميمة فتعتاد على ذلك ويصبح دأبها وهى في غفلة وغبن فيما يمر من عمرها . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( نعمتان مغبون فيهما كثر من الناس : الصحة والفراغ ) رواه البخاري والترمذي رحمهما الله تعالى عن ابن عباس رضي الله عنه . ومعنى مغبون أي : مخدوع وغافل . وأصل الغبن الإخفاء والستر ( مختار الصحاح )
أختاه ....... ها هي الجنة
ألم تعلمي أنك ستدخلين الجنة ؟ إي وربى ... وقد تتسآلين قائلة : ومن يدرى هذا ؟ فإن هذا في علم الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله . أقول نعم . لكنى أبشرك بمفاتيح الجنة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا صلت المرأة خمسها ، وصامت شهرها ، وحصنت فرجها ، وأطاعت زوجها ، قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت ) رواه ابن حبان رحمه الله في صحيحه عن أبى هريرة رضي الله عنه وصحيح الجامع للألباني رحمه الله رقم (660)
فهذا الحديث بشرى عظيمة لكل زوجة لكن هذا الثواب وهو الجنة يقتضى الإقرار في البيت وعدم الاختلاط بالرجال . فالحفاظ على الصلوات الخمس في وقتها وطاعة الزوج وإحصان الفرج من لوازمه أن تقر المرأة في بيتها ، وإلا إذا كانت المرأة خَرَّاجَة ، وَلَّاجَة لا تستطيع الحفاظ على ذلك لما يحدث من الخلاف الدائم بين الزوجين لقلة اهتمام الزوجة بشئون البيت ورعاية الأولاد ، فتصرف الزوجة جل وقتها لعملها وعلاقاتها وشئونها الخاصة ، ومن هنا تبدأ المشاكل الزوجية التي لا حصر لها بسبب ماذا ؟؟ إنه الاختلاط وكثرة الانشغال وضياع الأوقات فيما هو ضره أكبر من نفعه .وناهيك أختاه عن رفيقات السوء اللائي يتحدثن بكل جرأة ودون حياء عما يحدث بينهن وبين أزواجهن فهذه تشتكى من قلة المؤونة ، وأخرى تشتكى من قلة اهتمام زوجها بها ولو نظرت نظرة إنصاف لوجدت أنها هي السبب فيما يحدث من معظم الخلافات بينها وبين زوجها ، فالله المستعان .
أختاه ...... احذري رد أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم
مما ينبغي أن يعلم أن الله تعالى أمرك بأوامر، لا لكي يكبت حريتك أو أن يقيدك فى سجن أو يحرمك من متاع الدنيا أو أن يقلص حظك ونصيبك وكرامتك ، كلا إنه سبحانه وتعالى أرأف بعباده وإمائه من الأم بوليدها ، وهو سبحانه أعلم بما يصلحهم وما يفسدهم فقال سبحانه ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) الملك (14)
اللطيف : هو الذي يلطف بأقداره على عباده .
الخبيـر : هو العالم ببواطن الأمور وأسرارها.
لذا أختاه إياك وأن يضيق صدرك من شرع الله وإياك أن تقولي الحجاب غير مناسب الآن ، أو إنه يكبت حريتي ، أو إن الناس سوف يسخرون منى ، أو تقولي إن آيات الحجاب خاصة بنساء النبي أو... أو... فهذا تسويف للتوبة واتباع للشيطان ورد لأمر الله تعالى وإعراض عما أمرك به وهذا قد يؤدى بك إلى الضلال المبين ، وإياك أختاه أن تكرهي ما أمر الله به من شرع حكيم ، فقد أخبر الله تعالى أن كراهية ما أنزل الله تحبط الأعمال ، فقال جل وعلا ( ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ) محمد (9) . وقال ( ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم ) محمد (28)
أختاه .. أمور لابد أن تعلميها :
(1) ما هو الفرض أو الواجب ؟
فالفرض أو الواجب هو ما أمر به الشارع ( الله ) على سبيل الحتم والإلزام بحيث يثاب فاعله ويمدح ، ويعاقب تاركه ويذم .
والقاعدة الأصولية تقول: الأمر يقتضى الوجوب ما لم تأت قرينة (دليل صحيح) ينقله من الوجوب إلى الاستحباب.
النهى يقتضى التحريم ما لم تأت قرينة (دليل صحيح) ينقله من الحرمة إلى الكراهــــــة .
فما دام الأمر في القرآن أو السنة الصحيحة التي هي وحى من عند الله كالقرآن سواء بفعل الأمر أو باسم فعل الأمر ، أو النهى عن فعل شئ ، فهذا يوجب صاحبه الإتباع ما لم يوجد آية أو حديث صحيح ينقل هذا الوجوب إلى الاستحباب ، أو الحرمة إلى الكراهة .كقوله تعالى :
( وأقيموا الصلاة ........) فهل هناك دليل يقول مثلا وأقيموا الصلاة إن شئتم ؟
(2) أن الاستدلال بالحديث الصحيح كدليل شرعي كالاستدلال بالآية القرآنية تماما من حيث الالتزام بالأمر والنهى لأن السنة وحى من الله تعالى أوحاها إلى النبي صلى الله عليه وسلم . قال تعالى ( ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحى يوحى ) النجم ( 2 - 4 )
(3) أن التسويف بالتوبة أو بفعل طاعة أو بترك معصية سبيل من سبل الشيطان وإتباع لخطواته التي نهى الله عنها حين قال سبحانه ( ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين* إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) البقرة ( 168- 169) . وإياكِ أختاه أن تقولي أنا أفضل من غيري فغيري يفعل كذا وكذا. فهذا الكلام تزكية للنفس وقد نهى الله سبحانه عن ذلك فقال ( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ) النجم (32)
(4) أن الأمر في الشرع قد يكون صريحا وقد يكون ضمنيا أو تلميحا ، فعندما نهى الله عن الزنى لم يقل ( ولا تزنوا ) وإنما نهى عن مقدماته التي تفضي إليه فقال سبحانه ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) الإسراء (32) . فمعنى لا تقربوا أي بالنظر أو المواعدة أو الخضوع بالقول . ونهى عن عقوق الوالدين ، فنهى عن أقل ما يقال لهما وهى كلمة ( أف) التي توحي بالضجر والضيق ، فمن باب أولى أن لا يقال ما هو أكبر من ذلك ، ناهيك عن الإساءة إليهما بالأقوال والأفعال 0 نسال الله السلامة .
(5) أن القرآن الكريم نزل بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فلا تقولي إن آيات الحجاب خاصة بنساء النبي . كلا فإن الخطاب القرآني موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونسائه ومن بعدهم من المؤمنين والمؤمنات والدليل مثلا قوله تعالى ( يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة .....) الطلاق (1). فالمنادى في الآية مفرد وهو النبي صلى الله عليه وسلم ، أما الفعل فقد جاء بصيغة الجمع (طلقتم) ولم يقل (طلقت) ، وقال (وأحصوا العدة) ولم يقل (وأحص العدة) . فهذا أمر من الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى المؤمنين جميعا ، ومثله قوله تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ........) آل عمران (110) ، فالآية نزلت على الصحابة رضي الله عنهم وهم أهل هذه التزكية لكنها تشمل أمة محمد صلى الله عليه وسلم كلها ، فكذلك الأمر بالحجاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم هو أمر لنساء المؤمنين جميعا.
(6) أن هناك ما يسمى بسد الذرائع وهو الشئ الذي يفضى إلى الوقوع في المحرم كنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة إلى القبور ، فهذا ذريعة وطريق قد تؤدى إلى الشرك المنهي عنه ، حينما يذهب بعض الناس إلى أصحاب القبور والأضرحة يسألونهم من دون الله تعالى أن يجلبوا لهم نفعا أو يدفعوا عنهم ضرا .
(7) أن الدين يؤخذ كله جملة واحدة بلا تبعيض ، فلا نأخذ ما يوافق هوانا وندع ما يخالفه ، لأن الآمر والناهي واحد هو الله سبحانه وتعالى فلا يليق بنا كمسلمين أن نطيعه في أمر ونعصيه في آخر فقد قال سبحانه ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون * أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون ) البقرة (85 ، 86)
فاعلمي أختاه أن الحجاب فريضة فرضها الله عز وجل على بنات آدم إذا بلغن المحيض وصرن مكلفات تكليفا شرعيا . وقد اهتم القرآن الكريم في آيات كثيرة بالدعوة إلى الستر والعفاف والحياء وعدم الخضوع بالقول والأمر بالحجاب ، كما اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بالوصية بالنساء ودعوتهن إلى ما دعا إليه القرآن الكريم
وحسبك أن الله تعالى سمى سورة في القرآن الكريم باسم سورة ( النساء) . وقد ورد في الوصية بالنساء والإحسان إليهن ومعاشرتهن بالمعروف وإعطاؤهن حقوقهن من قبل الزوج والمتعة والميراث والصداق (المهر) والنفقة في سور كثيرة من القرآن الكريم كسورة البقرة ، والنساء ، الأحزاب ، والنور ، الطلاق ، والتحريم . وأدعوك أختاه الكريمة لقراءة تفسير هذه السور لتعي فيها ما مدى اهتمام الشرع الحنيف بك ، وأنك لست مهملة أو منبوذة أو مهدورة الحقوق كما يدعى المدعون من الجهلاء والعلمانيين والمستشرقين ومن سار على دربهم .
فإليك أختاه الكريمة بعضا من الأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة الصحيحة وقول العلماء التي توضح لك حكم الحجاب الشرعي ، راجيا من الله جل وعلا أن تعيها وتعملي بها لتنقذي نفسك من عذاب الله وتنالي ثوابه الذي أعده لكِ حينما قال :
( فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض .....) آل عمران (195)
قال تعالى : ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ماملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون ) سورة النور (31)
قال ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى ( إلا ما ظهر منها ) : ظاهر الزينة الثياب ( تفسير القرطبي ) .
وقوله ( يغضضن ) أصل الغض : إطباق الجفن على الجفن بحيث تمنع الرؤية . والمراد به في الآية كف النظر عما لا يحل إليه بخفضه في الأرض أو بصرفه إلى جهة أخرى وعدم النظر بملء العين . فأمر الله النساء بغض البصر شأنهن كشأن الرجال من غض البصر وحفظ الفرج وبدأ بالأمر بغض البصر قبل الأمر بحفظ الفرج لأن البصر رائد للقلب .
ألم تـر أن العين للقلب رائـد فما تألف العينان فالقلب آلف
كما أن غض البصر واحترام النساء بعدم النظر إليهن معروف في الجاهلية فهذا عنترة بن شداد يقـــــول:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يوارى جارتي مأواهـا
ثم نهى الله تعالى المرأة أن تبدى زينتها إلا ما ظهر منها فقال سبحانه ( إلا ما ظهر منها )0 قال العلامة المودودى في تفسيرها : وهذه الجملة في الآية الكريمة ( إلا ما ظهر منها ) تدل على أن النساء لا يجوز لهن أن يتعمدن إظهار هذه الزينة غير أن ما ظهر منها بدون قصد منهن ، أو ما كان ظاهرا بنفسه لا يمكن إخفاؤه كالرداء الذي تجلل به النساء ملابسهن ( يعنى الملاءة) لأنه لا يمكن إخفاؤه وهو مما يستجلب النظر لكونه على بدن المرأة على كل حال ، فلا مؤاخذة عليه من الله تعالى وهذا هو المعنى الذي بينه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه والحسن البصري رحمه الله تعالى .
أما ما يقوله غيرهم إن معنى ( إلا ما ظهر منها ) ما يظهره الإنسان على العادة الجارية ثم يدخلون فيه وجه المرأة وكفيها بكل ماعليها من الزينة أي أنه يصح عندهم أن تزين المرأة وجهها بالكحل والمساحيق والصبغ ويديها بالحناء والخاتم والأسورة ، ثم تمشى كاشفة وجهها وكفيها . أما نحن فنكاد نعجز عن أن نفهم قاعدة من قواعد اللغة العربية ، يجوز أن يكون معنى ( ما ظهر منها ) ما يظهره الإنسان . فإن الفرق بين أن يظهر الشئ نفسه ، أو أن يظهره الإنسان بقصد واضح لا يكاد يخفى على أحد . والظاهر من الآية أن القرآن ينهى عن إبداء الزينة ويرخص فيما إذا ظهرت من غير قصد ، فالتوسع في حد الرخصة إلى حد إظهارها ( عمدا ) مخالف للقرآن ومخالف للروايات التي يثبت بها أن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ما كن يبرزن إلى الأجانب سافرات الوجوه . وأن الأمر بالحجاب كان شاملا للوجه ، وكان النقاب قد جعل جزءا من لباس النساء إلا في الإحرام (1)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين ) رواه البخاري رحمه الله تعالى
وبمفهوم المخالفة يدل الحديث على أنها إن لم تكن محرمة فإنها تنتقب وتلبس القفازين ، ثم قال تعالى ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن )
قال ابن كثير رحمه الله تعالى : الخمر جمع خمار ، وهو ما يخمر به أي يغطى به الرأس وهى التي تسميها الناس ( المقانع )
والجُيوب : النُّحُور والصدور وهى جمع ( جَيْب ) ، وضرب الخمار على الجيب هو إضفاؤه عليه مع إحكام الستر وهذا يلزم إلقاء الطرف الزائد من غطاء الرأس على نحورهن ليتم لهن بذلك كمال الستر للنحور والأعناق مع الرأس ، فلا يرى منها شئ.
روى البخاري في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت :
يرحم الله نساء الأنصار لما أنزل الله تعالى ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) شققن مروطهن فاختمرن به أي غطين به رؤوسهن . والمرط : كساء من صوف ونحوه يؤتزر بــه.
ثم قال تعالى ( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن . . . . . ) فأعاد الله تعالى اللفظ ليرتب عليه ما بعده من المحارم الذي يباح للمؤمنة أن تبدى زينتها إليهم ، وهذا يدل على أن الزينة الأولى غير الزينة الثانية المذكورة في نفس الآية ، فالآية الأولى عن الرجال جميعا من الأجانب والثانية للمحارم وهم :
الزوج ( البعل) ، والأب ، والجد وإن علا ، وأب الزوج وإن علا ، وابنها وإن سفل ، وأبناء الزوج وإن نزلوا ، والأخ لأب أو الشقيق لأم ، وأبناؤه وإن نزلوا ، وابن الأخ وإن نزل وسواء كان لأب أو لأم ، أو الشقيق ، وابن الأخت شقيقة أو لأب أو لأم ، والمرأة المسلمة من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
(1) تفسير المودودى
نساء المؤمنات ، وعبدها المملوك لها دون شريك لها فيه ، والتابع لأهل بيتها من شيخ هرم أصابه الخرف ، وعنين(1)، ومعتوه(2)، وطفل صغير لم يميز دون سن البلوغ ممن لا حاجة لهم في النساء لعدم الشهوة عندهم لكبر ومرض وصغر (3)
ثم قال تعالى ( ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن . . . . . . . . )
نهى الله تعالى المؤمنات أن يضربن الأرض بأرجلهن التي فيها الخلاخل لكي يعلم أنها ذات زينة في رجلها ، فلا يحل لها ذلك ولو لم تقصد إظهار زينتها ، ثم ختم الله تعالى الآية الكريمة بقوله ( وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون ) ، وهو أمر من الله تعالى بالتوبة وهى ترك ما من شأنه أن يغضب الله تعالى ، وفعل ما وجب فعله ، ومن ذلك غض البصر وحفظ الفرج والالتزام بالعفة والستر.
قال تعالى : ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى . . ) الأحزاب (33)
أختاه . . . .إذا قرأت الآية (30) من سورة الأحزاب وما تلاها من آيات كريمات ، ستجدين أن الخطاب الإلهي موجه من رب العزة من فوق سبع سماوات إلى أطهر نساء العالمين وهن آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن بقوله تعالى ( يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين) وما تلاها من آيات ، فإذا كان هذا الخطاب موجه لهؤلاء ، فما بالك أختاه بمن هن أدنى منهن منزلة ؟؟؟
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(1) العِنِّين : الذي لا يقدر على إتيان النساء، أوْ لا يشتهى النساء
(2) المعتوه : الناقص العقل
(2) أيسر التفاسير – الشيخ / أبو بكر الجزائري
وكما ذكرنا آنفا أن القرآن الكريم نزل بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فإن هذا النداء والأمر الإلهي موجه أيضا إلى من هن دونهن من النساء ، بل جمع الله تعالى في الآية (59) من سورة الأحزاب الأمر بالحجاب لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وبناته ونساء المؤمنين جميعا في نفس الآية . فهذه الآيات من سورة الأحزاب كرر الله تعالى النداءات إلى نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن أوصاهن قائلا ( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا ) الأحزاب (32)
أي لا تلين الكلمات وترققن الصوت إذا تكلمتن مع الأجانب من الرجال ( غير المحارم ) فيطمع الذي في قلبه مرض ، أي نفاق وضعف إيمان مع شهوة عارمة تجعله يتلذذ بالخطاب ، ثم أمرهن تعالى بقوله ( وقلن قولا معروفا ) وهو ما يؤدى إلى المعنى المطلوب دون زيادة ألفاظ وكلمات لا حاجة لها .
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه : المرأة تندب إذا خاطبت الرجال الأجانب إلى الغلظة في القول من غير رفع الصوت ، فإن المرأة مأمورة بخفض الكلام .
ثم أمرهن الله تعالى بالإقرار في بيوتهن فقال ( وقرن في بيوتكن ) أي اقررن بمعنى اثبتن فيها ولا تخرجن إلا لحاجة لابد منها ، ( ولا تبرجن ) أي إذا خرجتن لحاجة فلا تخرجن سافرات متطيبات متزينات . ( تبرج الجاهلية الأولى ) أي قبل الإسلام ، إذ كانت المرأة تتجمل وتخرج متبخترة متكسرة متغنجة في مشيتها وصوتها تفتن الرجال . ثم أمرهن سبحانه بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
ثم أخبرهن تعالى بالعلة في ذلك وهو إرادته تعالى بتطهيرهن من الدنس والآثام إبقاء على طهرهن ، لأن الخروج بكثرة ، وعدم إقرارهن في البيت قد يؤدى إلى الفتن التي لا تخفى على كل من له أدنى بصيرة ، ثم أمرهن أيضا بذكره سبحانه المتمثل في القرآن والسنة المطهرة الشريفة ( الحكمة ) على جهة الموعظة ، وختم الآية الكريمة بقوله ( إن الله كان لطيفا خبيرا ) أي لطيف بكم ، خبير بأحوالكم وما تؤول إليه الأمور من خير أو شر .
قال تعالى : ( ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن وكان الله غفورا رحيما ) الأحزاب (59)
( يدنين ) أي يرخين. والإدناء هو الإرخاء . والجلابيب : جمع جلباب وهو العباءة أو الملاءة تكون فوق الدرع السابغ الطويل . وهذه الآية تسمى آية الحجاب .
قال ابن أبى حاتم رحمه الله تعالى :
قالت أم سلمة رضي الله عنها : لما نزلت هذه الآية خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة ، وعليهن أكسية سود يلبسنها.
* قال العلامة الشيخ أبو بكر الجزائري في تفسيره ( أيسر التفاسير ) :
ومعنى هذه الآية أي يرخين على وجوههن الجلباب حتى لا يبدو من المرأة إلا عين واحدة تنظر بها إلى الطريق إذا خرجت لحاجة .
* قال الإمام ابن الجوزى رحمه الله تعالى في قوله تعالى ( يدنين عليهن من جلابيبهن ) :
أي يغطين رؤوسهن ووجوههن ليعلم أنهن حرائر ( أي عفيفات ) والمراد بالجلابيب الأردية .
* قال ابن أبى حبان فى ( البحر المحيط ) :
( يدنين ) شامل لجميع أجسادهن ، والمراد بقوله ( عليهن ) أي على وجوههن لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه والنحر ( الرقبة ) .
* قال أبو السعود في تفسيره :
الجلباب ثوب أوسع من الخمار ودون الرداء تلويه المرأة على رأسها ويتبقى منه ما ترسله على صدرها 0 ومعنى الآية : يغطين بها وجوههن وأيديهن إذا برزن لداعية من الدواعى.
- روى أبو داود رحمه الله تعالى في سننه أن عائشة رضي الله عنها قالت : كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزوا كشفنا .
- روى البخاري رحمه الله في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين ) أي لا ترتدي المرأة حال إحرامها النقاب ولا القفازين ، وبمفهوم المخالفة كما هو مقرر عند الأصوليين ، أنه في حالة عدم إحرام المرأة فإنها تنتقب وتلبس القفازين ، أي تغطى وجهها وكفيها .
- روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه أن عائشة رضي الله عنها حينما تخلفت عن الجيش في غزوة بني المصطلق ( المريسيع ) قالت : وسمعت استرجاع صفوان بن المعطل السلمي فخمرت وجهي لما سمعت صوته ، وكان قد عرفني قبل آية الحجاب . والقصة بطولها في صحيح البخاري في حادثة الإفك . وانظري تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير الآية ، ومعنى استرجاع : قول العبد ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) .
قال تعالى : (. . . وإذا سألتموهن متاعا فسئلوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن . . . ) الأحزاب (53)
أمر الله تعالى في بداية هذه الآية الكريمة بالاستئذان عند إرادة دخول بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعضا من الآداب الشرعية ، والأمر يشمل جميع المؤمنين في أي زمان ومكان بأن يراعوا الآداب الشرعية في حرمة بيوت المسلمين ، فقال ( وإذا سألتموهن متاعا . . . ) أي إذا طلبتم شيئا من الأمتعة التي توجد في البيت كالإناء ونحوه ( فسئلوهن من وراء حجاب ) أي باب وستر ونحوهما ، وقوله ( ذلكم أطهر لقلوبكم ) أنتم أيها الرجال ( وقلوبهن ) أيتها المؤمنات0 وأطهر : أي من خواطر السوء الفاسدة التي لا يخلو منها قلب الإنسان إذا خاطب فحل أنثى ، أو خاطبت امرأة فحلا من الرجال .
وفى هذه الآية الكريمة فوائد منها :
(1) مشروعية مخاطبة الأجنبية من وراء حجاب ستر ونحوه .
(2) بيان أن الإنسان لا يخلو من خواطر السوء إذا كلم امرأة ونظر إليها .
(3) أهمية سد الذرائع وسد مسالك الشيطان التي تؤدى إلى الوقوع في الرذيلة .
(4) بيان ما ينبغي للمؤمنين أن يلتزموه من الآداب في الاستئذان والدخول على البيوت فإن ترك هذا الأدب الضائع وإهماله أدى إلى فساد كبير ، وفتن عظيمة في بيوت كثير من المسلمين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وانظري أختاه الكريمة إلى هذه الحادثة التي حدثت في بني قينقاع والتي أخرجها الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه : أن امرأة مسلمة كانت تقضى بعض شئونها من سوق بني قينقاع ، وكانت امرأة ترتدي الحجاب الشرعي ساترة لوجهها ، فاعترضها رجل يهودي وسخر من جلبابــــــها وأراد أن يجبرها على كشف وجهها ولكنها أبت واستغاثت ، فكر على اليهودي رجل من المسلمين فقتله جزاء ما اقترفت يداه الآثمتان
فانظري أختاه إلى الرجولة والغيرة من رجال المسلمين على أخواتهم العفيفات ، فهذه الغيرة يحبها الله تعالى ، فقد روى البخاري رحمه الله تعالى عن أبى هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله يغار وإن المؤمن يغار وغيرة الله أن يأتي العبد ما حرم الله )
ومن العجيب أن يرى الرجل أهله على التبرج والسفور ويقره ، بل وبعضهم قد يفتخر بذلك ولا يدرى أنه سيحاسب عليهم أمام الله يوم القيامة . فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلـم :
( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته ، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها وهى مسئولة عن رعيتها ) رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي رحمهم الله عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما .
أختاه ..... مختارات من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
- ( صنفان من أهل النار لم أرهما ، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ) رواه مسلم رحمه الله تعالى
- ( أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية ) رواه النسائي رحمه الله تعالى
- ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم ، إلا مع ذي محرم ) رواه أحمد ومسلم وأبو داود رحمهم الله عن أبى هريرة رضي الله عنه
- ( لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة ، إلا ومعه رجل أو اثنان )رواه أحمد ومسلم رحمهما الله
- ( لئن يطعن فى رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ) رواه الطبراني رحمه عن معقل بن يسار رضي الله عنه
- ( لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم ) رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى
وقالت عائشة رضي الله عنها ( وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها ) رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى
أختاه ......
هذا غيض من فيض من الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وبعض أقوال العلماء على أن الحجاب فريضة وواجب أوجبه الله تعالى عليك ، فبادري أختاه وسارعي وقولي كما قال موسى عليه الصلاة والسلام ( وعجلت إليك رب لترضى ) طه (84)
وأخيرا أختاه إليك شروط الحجاب الشرعي :
(1) أن يبتغى به وجه الله تعالى فلا يرتدى لعرض من أعراض الدنيا ، كالشهرة والمال والجاه ، وأن توقني أن الحجاب فريضة من الله جل وعلا .
(2) أن يكون ساترا لجميع البدن سميكا لا يصف ما تحته .
(3) أن يكون فضفاضا واسعا غير ضيق .
(4) أن لا يجسد العورات بحيث يظهر مفاتن المرأة .
(5) أن لا يشبه زى الكافرات، وأن لا يشبه زى الرجال .
(6) أن لا يكون في نفسه زينة بحيث يكون ملفتا ألوان أو زخرفة .
كما ينبغي أختاه أن يكون سلوك المحجبة متمشيا مع حجابها إذ ظاهر حالها أنها ملتزمة بأوامر الله تعالى ، فلا تخوض مع الخائضين ، وتحافظ على الصلوات في أوقاتها ، وتكون مثالا طيبا يقتدى به بين أخواتها المسلمات
خاتمة
هذا أختاه ما تيسر جمعه وعرضه والدعوة إليه فما كان من توفيق فمن الله جل وعلا وحده ، وما كان من تقصير أو سهو أو نسيان فمن نفسي ومن الشيطان ، وأعوذ بالله أن أذكرك به وأنساه ، وأسأله سبحانه أن لا يجعل حظي من ديني قولي ، وهو وحده من وراء القصد ، وأساله أن تنال منك تلك الرسالة القبول والإذعان والحرص على طاعة الله سبحانه الذي قال ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم . . ) الأنفال (24)
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتبه؛
محمد حسن نور الدين إسماعيل
في 21 / 11 / 2006 م