لونك المفضل

المنتديات الثقافية - Powered by vBulletin
 

النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: دراسة فنية لرائعة البارودي في رثاء زوجته

  1. #1
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية أبومناف
    تاريخ التسجيل
    07 2014
    المشاركات
    16

    دراسة فنية لرائعة البارودي في رثاء زوجته

    البحر : كامل تام
    ( أيدَ المنُونِ قدَحتِ أى َّ زِنادِ ** وأطرتِ أى َّ شعلةٍ بفؤادى )
    (
    أوهَنتِ عزمى وهو حَملةُ فيلقٍ ** وحَطَمتِ عودى وهو رُمحُ طِرادِ )
    (
    لمأدرِ هَلْ خَطبٌ ألمَّ بِساحتى ** فَأَنَاخَ ، أَمْ سَهْمٌ أَصابَ سَوَادِي ؟ ) 4
    (
    أَقْذَى الْعُيُونَ فَأَسْبَلَتْ بِمَدَامِعٍ ** تجرى على الخدَّينِ كالفِرصادِ ) 5
    (
    ماكُنْتُ أَحْسَبُنِي أُراعُ لِحَادِثٍ ** حتَّى مُنيتُ بهِ فأَوهَنَ آدى ) 6
    (
    أَبلتنى الحسراتُ حتَّى لم يكد ** جِسْمِي يَلُوحُ لأَعْيُنِ الْعُوَّادِ ) 7
    (
    أَسْتَنْجِدُ الزَّفَراتِ وَهْيَ لَوافِحٌ ** وَأُسَفِّهُ الْعَبَرَاتِ وَهْيَبَوَادِي ) 8
    (
    لا لوعتى تدعُ الفؤادَ ، ولا يدى ** تقوَى على ردِّالحبيبِ الغادى )
    (
    يا دَهْرُ ، فِيمَ فَجَعْتَنِي بِحَلِيْلَةٍ ؟ ** كانَتْ خَلاصَةَ عُدَّتِي وَعَتَادِي )
    (
    إِنْ كُنْتَ لَمْ تَرْحَمْ ضَنَايَلِبُعْدِها ** أفلا رحِمتَ منَ الأسى أولادى ؟ )
    1(
    أَفْرَدْتَهُنَّ فَلَمْ يَنَمْنَتَوَجُّعاً ** قرحَى العيونِ رواجِفَ الأكباد )
    (
    أَلْقَيْنَ دُرَّ عُقُودِهِنَّ ،وَصُغْنَ مِنْ ** دُرِّ الدُّموعِ قلائدَ الأجيادِ )
    (
    يبكينَ من ولهٍ فراقَ حَفيَّةٍ ** كانتْ لَهنَّ كثيرةَ الإسعادِ )4
    ( فَخُدُودُهُنَّ مِنَالدُّمُوعِ نَدِيَّةٌ ** وقًلوبُهنَّ منَ الهمومِ صوادى
    ( أسليلةَ القمرينِ ! أى ُّ فجيعةٍ ** حَلَّتْ لِفَقْدِكَ بَيْنَ هَذَاالنَّادِي
    أعزز على َّ بأنأراكِ رهينةً ** في جَوْفِ أَغْبَرَ قاتِمِ الأَسْدَادِ ! )
    قبل السوح في الأفياء وعناق النص شوقا للقاء لابد من تقرير أمر لكل عين تزور نتشرف بها ونمرح
    أن تمنح واحتنا شرف الحضور .
    ومن حقها علينا ألا نشح في القرى . ولكل قرى مايسبقه من مقبل به تتسع الشهية فمتى ماحضر أطال الضيف
    تناوله والتذ بموائده .
    وكذلك الأدب ومن لوازم مايستقبل به ضيوفه مائدة تعريف لمويحه لأنه غذاء روح وترقيق ذوق
    ومائدة حس وشعر .
    ولقد جرت العادة في عرض أي مائدة أدبية أن تقدم لوحة تعرف بالأديب وسير حياته وماقدمت مشاعره من
    من فن رفيع للإنسانية عبر سيره عدد سنين .
    ولعلي هنا أعرض نصا شعريا ليس بدعا أو مكنون عن أعين عشاق الأدب فهم به جاهلون .
    فنحن عندما نعرض لوحة عن البارودي سيرة وظروفا لن نعدوا حقائق تتناقلها شفاه الألياف وذبذبات
    الأثير كل حين .
    وتمطرها سحب المعلومات على شاشات عرض السائلين . فشيخهم " قوقل " يمدهم بما يخصب كل صماء
    بشرية دون عناء .
    هذا الجانب الأول في رحلتنا لعلنا خرجنا منه سالمين .
    ويأتي جانب آخر عن النص ز فلا شك إنه لقي عناية قوقلية من عدة باحثين بطرق شتى .
    فهل يا تري سآتي بما لم يعرف قوقليا ؟! وإني لقوقل من القالين ...!
    ولقائل أن يقول : ماذا تريد . بهرج تجمع به قراء ومامن من جديد . !
    نص في الرثاء . ذو تركيب تقليدية ومفردات معجمية وصورة مكررة لعصور عليها الزمان غفى .
    وآخر يرى أن حب الظهور دافع للعطاء عن طريق قص ولصق وما من عناء ...
    ولعمري إن لكل رؤية من هذه الرؤى وجاهتها ولها من البراهين مايقوي حجتها .
    فالنص ضارب في التقليدية ولتراكيبه ومفرداته مايجعل المتعطش يقف منه موقف الأثر الأدبي
    كشاهد على نهج البارودي في محاكاة الشعر القديم غرضا وتركيبا ومفردة ومعنى .
    ولعل المناسبة تلعب دورا في رسم ملامح العاطفة .
    ولعل حتى بسط معنى اللوعة والصور التي حملتها لم تخرج عن صور كررها شعراء العصر
    العباسي ونلمح أثرا ما للوعة ابن عباد.
    لكن إطلالتي من ثنايا النص تشرق من ركام سحب الغربة غير المكانية . ومن صورة حرقة حاضرة
    ومن أمل اجتثت يد الدهر عراه . إنه يتم العزيز ووفاء العشير .
    إنه صورة نفس صارعت أحداث زمانها بإيمان . فتحليلنا ينثبق من شعورنا بحس من ثكل ونكل به
    الدهر فما لان له جانب .
    وتحليلنا هنا بكر حمله طاهر وسرباله لسان عربي مبين .
    بهذه التوطئة أردت تمهيد سبل النص وطمعا مني في قربكم مني لأني بكم أتم فلا تبخلوا
    علينا برأي أو توجيه ... .
    ( أيدَ المنُونِ قدَحتِ أىَّ زِنادِ ** وأطرتِ أى َّ شعلةٍ بفؤادى )
    أي عظمة تنطوي عليها جوانحك يا محمود , تنادي الدهر نداء
    تعترف بانتصاره عليك .
    وآه حين يكسر الفارس . أنداء المعاتب هنا أم نداء المستغيث
    يد المنون المبسوطة تريشسهامها وتقدح زنادها لتزيد من
    جراحات شاعرنا تقذف شعلةعلى فؤاد محترق وهشيم
    تكمن نار الألم في أحشائه .
    لتأتي على ما بقي به منحياة .وهي تعلم يقينا أنها :
    ( أوهَنتِ عزمي وهو حَملةُ فيلقٍ ** وحَطَمتِ عودي وهو رُمحُ طِرادِ )
    توهن عزمه . وقوع فعل الوهن على العزيمة هو قوة العزم لتقبل
    النفس كل خطب . وتعطيدلالة على قوة الإيمان .
    التمرد على لحظات الضعف الإنساني خلقت الرد على شخص
    المنون الذي خاطبه الشاعرمن خلال أداة النداء المحذوفة
    في أولالبيت الأول
    هي اعتراف صريح بأن الخطب أقوى من قدرة تحمل
    الشاعر . وعزمه الذي يقفندا بحجم فيلق من
    الجيش وحطم قامة
    عزمه المنصوبة رمحا في ساحات الوغى .
    وهنا السؤال : هل سبب هذاالوهن العشق والضجر أم له بعد
    إنساني آخر .؟
    الإجابة تجود بها الأبياتالقادمة .
    ( لم أدرِ هَلْ خَطبٌ ألمَّبِساحتى ** فَأَنَاخَ ، أَمْ سَهْمٌ أَصابَ سَوَادِي ؟ ) 4
    (
    أَقْذَى الْعُيُونَ فَأَسْبَلَتْ بِمَدَامِعٍ ** تجرى على الخدَّينِ كالفِرصادِ ) 5
    (
    ماكُنْتُ أَحْسَبُنِي أُراعُ لِحَادِثٍ ** حتَّى مُنيتُ بهِ فأَوهَنَ آدى ) 6
    (
    أَبلتنى الحسراتُ حتَّى لم يكد ** جِسْمِي يَلُوحُ لأَعْيُنِ الْعُوَّادِ ) 7
    (
    أَسْتَنْجِدُ الزَّفَراتِ وَهْيَ لَوافِحٌ ** وَأُسَفِّهُ الْعَبَرَاتِ وَهْيَبَوَادِي ) 8
    (
    لا لوعتى تدعُ الفؤادَ ، ولا يدى ** تقوَى على ردِّالحبيبِ الغادى )
    لاحظنا في اليبتين السابقين أن الشاعر خاطب الدهر متوجعا دون ضعف بدهشة أن الحدث
    فوق صبره . حيث يستدرك ذلك في توجيه سؤالا حائرا لنفسه عن نوعية هذا المصاب .
    فإن كان خطب . فالخطوب هي كثيرة في حياته وقد جربها والخطوب يقارعها تنيخ بساحته
    وتزول . لكنه سهم أصاب مقتله . فجعله في حالة اتزان .
    يتنامى هنا الصراع مابين بسط النفس للإستسلام لإنسانيتها والتمرد عليها من خلال موروث الفروسية
    التي تنطوي عليها النفس .
    فيقرر لنا أن هذا السهم بالنسبة لنفسه هو قذى أصاب عينه فاسبلت مدرار دموعها .
    لماذا هذا التعالي عن الاعتراف بحزنك ومصابك .فيجيب بأنه كان يرى مثل هذه الأحداث قادرة
    على قهره حتى بلاه الدهر بها . ليجد خطأ ظنه ويقينه بأثرها على النفس . مما يستدعي
    بسطها ليخف عنها ألمها .
    لكن عزمه وشكيمته تأنف أن ترى عين الشفقة والعطف تحوطه . فهو يحاول أن يوطن نفسه
    لقبول الحدث وتحجيمه .
    ولقد وفق في نعبيره باتزان مما يدل على طبع الشاعر في شعره وصدقه في يسط مشاعره في بوتقة
    القالب التقليدي .
    هذا الصراع الجميل هو نكهة هذه القصيدة ولذلك جعله الصراع في غيبة عين الرقيب نهبا لتك
    الحسرات التي حبستها همته وأغلق عزمه عليها الأبواب .
    ولعل تلك الزفرات والعبرات لاتفي بحجم ثكله .
    ليثور بقوة في وجه الدهر في استفهام إنكاري تعجبي :
    يا دَهْرُ ، فِيمَ فَجَعْتَنِي بِحَلِيْلَةٍ ؟ ** كانَتْ خَلاصَةَ عُدَّتِي وَعَتَادِي )
    الحدث هنا فجيعة . وكأنه يمسك بتلابيب الدهر ليعترف له عرف
    من أين يؤتى . فكل تلك الخطوب
    التي جندها الدهر في حربه لم تفت في عضده . فأتاه من حيث
    لا يحتسب . فصوب إليه فجيعة .
    والفجائع تختلف عن بعضها البعض . فهي لا تأتي متوقعة ولكنها
    تأتي بغتة . وكذا فجيعة الموت .
    ولذلك تجاوزت عند الشاعر مخلفات الخطب .
    لأن أثرها لا يزول .
    أن الفجيعة في الزوجة التي قد تترك فراغا عاطفيا عند
    الزوج فيدرك أثر ذلك فيعبر عنه .
    بفيض من خصال أغلبها يصب في تباريح الحب
    والصبابة وقد اخفى تماما هذا الجانب عند البارودي
    حيث عبر عنها بحليلة .
    والحليلة الحبيبة جديرة بموكب من تعداد
    الخصال الجمالية والمشاعر
    الوجدانية ليعرف الكل مدى تمكنها من قلبه .
    فاختصر علينا الشاعر البحث عن تفصيل صفاتها
    عندما وصفها بأنها عدة له وعتاد .
    ونقف هنا دهشة ! أنثاه حولها لترسانة تكتظ بالمعدات التي
    تمد بها المحارب . أهي كل هذا عنده .
    أين هي كأنثى . هذه دلالتها مناسبة لصهيل الخيول ووقع
    السيوف . لا تناسب مشاعر الحزن والثكل . فما المبرر لها ؟
    وإنا لنجد لها مخرجا فالفارس لا تكون حليلته إلا على شاكلته .
    فمن تتحمل حياة محارب إلا من كانت
    بالفعل عدة وعتاد .
    عديلة باشا تلك المرأة العظيمة تشكلت على يديها ملامح هذا
    الفارس في ساحات النضال وسلطان القلم
    هي وقود همته وقوة عزمه كفته هم الحياة وجعلت نصب عينه
    رسالته . منحته الحب والثقة
    والإيمان . سمت بنفسها عن الانصياع لغرائز الأنثى القاصرة من
    خلال قريناتها . لأنها أدركت
    الاختلاف بين رجلها ورجالهن وذلك الإدراك خولها لتكون بحق
    عدة له وعتاد تمده بالحماس والعزم
    إما أحست منه فتورا .
    فالتعبير هنا في منتهى الصدق والشفافية وقد وفق في هذا
    الوصف . وبه تميزت مرثيته عن كل
    كل مرثية عرفها الشعر العربي .
    ولعل البعض يرى أن البيت تقليد لهمة المتنبي وصورة من
    استفهامه للحمى :
    أبنت الدهر عندي كل بنت .... فكيف وصلت أنت من الزحام ؟
    اتفقا في الهمة والعزيمة والقالب لكن دلالة المعاني عن العاطفة
    تختلف . استفهام الباردي
    بعيد وإن تكن الأبيات السابقة أرهصت لتشابه
    ما بين قصيدته وقصيدة المتنبي .
    وبعد استفهامه الثائر تخف حدة الخطاب للدهر بشيء من الانكسار
    والاعتراف بأثر الفجيعة عليه
    وذلك أمر لا مناص منه فالدهر لن يترضاه وإن أرغى وأزبد .
    فراح يستعطف الدهر بلغة حزينة وكأن الدهر قد ناصبه ندا فكسره
    فهو يعترف له بأنه كسره
    ندرك لهجة العتاب :
    إِنْ كُنْتَ لَمْ تَرْحَمْ ضَنَايَلِبُعْدِها ** أفلا رحِمتَ منَ الأسى أولادى
    يخبر الدهر بتباريح ألم الفراق لبعدها بعدا زمانيا وليس مكانيا .
    البعد الذي كان يضنيه غربة
    روح وحنين إليها , هذا البعد كان مغيبا عنه لم يدرك لسعة لهبه إلا
    بموتها , وكأن الدهر قطع
    عليه مدى صدقه في ذلك أو أن مكانتها السامية تمردت عليه أن
    يجعلها شريكة للنساء في رغبات الجسد
    فهي حليلة أم لولد هم أقدس رباط بينهما .
    فلابد أن تكون رحمة الدهر بمن هم أحق ببقائها منه لأتها آمنت
    برسالتها العظيمة بأن تقيه حمل همومهم
    فينكس عن أمجاده . وذلك وفاء تقدمه الزوجة وهذا أوان
    الاعتراف بجميل وفائها .
    ( أَفْرَدْتَهُنَّ فَلَمْ يَنَمْنَ تَوَجُّعاً ** قرحَى العيونِ رواجِفَ الأكباد )
    (
    أَلْقَيْنَ دُرَّ عُقُودِهِنَّ ، وَصُغْنَ مِنْ ** دُرِّ الدُّموعِ قلائدَ الأجيادِ )
    (
    يبكينَ من ولهٍ فراقَ حَفيَّةٍ ** كانتْ لَهنَّ كثيرةَ الإسعادِ )4
    ( فَخُدُودُهُنَّ مِنَالدُّمُوعِ نَدِيَّةٌ ** وقًلوبُهنَّ منَ الهمومِ صوادى
    هذا الوتر المؤثر الذي تحول إليه الشاعر لرسم لوحة أثر فجيعته
    كانت أبلغ فيما لواستمر في وصف أثرها على شعوره .
    فهناك من سيتمكن منهم الأسى طويلا لذلك فالرحمة بهم
    أولى بكثير من الرحمة به .
    ومن هم أنهن بنيات ما اعتدن الشقاء فهذا الرزء الذي حل بهن
    نثر عقدهن المنظوم ( أفردتهن ) إما بجمعهم على حزن لا يشاركهن فيه
    من حولهن فهن سجيناته مادمن على قيد الحياة . وإما انفردت كل واحدة
    منهن بلوعة تختلف في تأثيرها النفسي عن لوعة أختها .
    فهاهن تتجافى جنوبهن عن المضاجع من شدة ألم الوجع
    الذي شد على منامهن جيوشه فما استطعن رده .
    تقرحت تلك المآقي التى يغازلها الهناء بالحزن المبرح يدميها
    نصل الدموع التى لاعهد لهن به .
    تزلزل منه أكبادهن الغضة زلزالا شديدا .
    وبنظرة لإستخدامه للفظ ( أفردتهن) نجده قد أوحى لنا بمدى
    الوحشة لمن اعتاد الأنس . فكانت دلالته أقوى في رسم ملامح ذلك الحزن
    وماتتركه الوحدة من خوف وهلع ومتى يكون أشد على النفس .
    فالابن بحاجة الأم في كل حين ولكنه يكون أشد حاجة لأنسها ودفء أنفاسها
    حين يخلع الليل عليه عباءته . فشبح الخوف منه والحاجة فيه أقوى من أي
    وقت سواه .فامتناع النوم عن عيونهن مرهون بألم الإفراد لينفي الأرق أو السمر
    عنهن بكونه وجع لاتنتهي تباريح بهن . هذه الألفاظ التى ترى أنها تقليدية عبرت
    عن شعوره بدقة ليتوجها استخدامه للفظ (الرجف) حيث رسم شدة أثر الفجيعة
    وهو قوي جدا في دلالة معناه يقع هذا الرجف على أكباد غضة .
    وتتنامى معزوفة الحزن تلون اللوحة بما يجعل لها أثرا إنسانيا لكل من قرأ
    القصيدة . فجيادهن المزينة بدر الجواهر التى تدل على ماكن فيه
    من سعادة وخلو بال ، أصبحت مسرحا لرقص عقود من دموع تجاوزت
    حدودها الطبيعية على صحن الخدود لتغرد كل جيد منهن بوافر
    من عقود . وجعله الدمع عقودا أبلغ تعبيرا وتأثيرا لأن العقد طوق يحلي
    الجيد واستبداله بعقد من آخر هو الدمع رسم بدلالته بقاء الحزن
    عليهن أبديا . فيكون لبكاهن مايبرره ففجيعتهن لا تضاهيها فجيعة !
    فالمفقود حفية بهن مبالغة في رعايتهن .
    والحفي خلاف المحب . فكل مايقدمه للمحتفى به هو إدراك منه
    لقيمته عنده فهي حفية بهن لكونهن بناتها ولكونهن بنات من أحبت
    فاحتفاؤها بهن وفاء للعشير في حفظ الأمانة الملقاة على عاتقه
    ونحس هنا بما تحسه من ألم أيها الشاعر الموجوع .
    هذه الحفية كانت اليد الحانية تطرز لهن ثوب حياتهن بخيوط السعادة الزاهية
    فلم يشعرن بفجوة بعد الأب المناضل النائي عنهن في منفاه .
    فهول المصاب خاط لهن ثوب السواد . فكان لذرف دموعهن عواصف ورعود
    تزمجر في أكبادهن فتمطر سحب الأسى والحزن مطرا جارفا . سيله حمم تنصب
    جحيما على تلك الخدود الغضة الرطبة الناعمة .فهي ندية بغرقها في بحر الدموع
    وهي بما كانت عليه من نعومة ونداوة تغرقها أنهار السعادة والمرح .
    لقد رسم لنا استخدام لفظ ( ندية ) بعدا متضادا في باعث النداوة في الخد
    فالندي ناعم . يقول أحد الشعراء :
    قطرات النسيم تجرح خديه ... ولمس الحرير يدمي بنانه
    فكيف بسيل الدمع ؟!
    لقد كانت هذه الخدود ندية في باطنها يتدفق في شعيرات شريانها
    ماء الحياة فهي ندية الباطن جافة في ظاهرها .
    وهي ندية بدموعها ظاهرا لتجف عندما يتمكن الحزن منها فتتجعد
    وتبدو ندوب اُثر الدمع فيها .
    ويعطف على صورة الخدود بنفس التركيب اللغوي مستخدما لفظ (صوادي)
    فهي عطشى لزلال السعادة العذب الذي جفف نبعه الدهر ليبدلهن نهرا
    من أجاج الهموم كلما نهلنا منه زادهن عطشا .
    فالدموع جعلت تلك الخدود في حنين لنظارة الحياة في كنف الأم .
    وتلك الهموم جعلت قلوبهن صوادي لعذب زلالها .
    فأي ثكل بعد هذا الثكل وأي لوعة تضاهي هذه اللوعة .
    استطاع البارودي التعبير عن مشاعر الحزن في هذه اللوحة بعمق
    واسعفته لغته الرفيعة وألفاظه الفخمة الموحية وألوانه البلاغية
    في رسم مشهد إنساني بالغ التأثير على العاطفة لكل من لامس
    هذا الشعور .
    ونجح في تبرير استفهامه العنيف للدهر إذ فجعه في حليلته بما قدمه
    من أثر جسيم ، فكان تبريره مقنعا وصادقا في تأثيره العاطفي ومرضٍ
    لإشباع عاطفة لوعته وتضخيمه لماهية هذا الحدث الذي بقي محور
    حيرته في لوحته الأولى من بداية القصيدة حتى وصل بنا إلى قوله :
    يادهر فيم فجعتني بحليلة ....
    ونحن نطارد معانيه علنا نلمس ذلك الحدث هز أركان عزمه وهمته .
    لنتحول معه لمشهد استسلام مشاعره لطبيعتها الإنسانية التى
    خلقها الله عليها .
    ليفيض نبع شعوره الإنساني في منتهى الصدق والتأثر .
    لتكون لوحته الثانية رسم يدلنا على مدى تأثير تلك الفجيعة
    عليه دون سواه . ويسعفه صدق عاطفته أن يخلع مايحسه من حزن
    على عديلة باشا على شعور بناته . ليضفي على هذه اللوحة
    حسا أكثر صدقا وإنسانية . فيتمه وانفراد مشاعره وانغلاقها
    عن غير عديلة خاضعة للتحول بعدما تخف تيارات الحزن
    عن نفسه فيجد بديلا يؤنس وحشة مشاعره بفقدها .
    فنجح في تأكيد صدق عاطفته حين خلع هذا الشعور
    على بناته . وكلنا يدرك أن عاطفة الحزن عند الأنثى أشد
    فهن أكثر تأثرا من الذكور وأقل صبرا في تحمل الأرزاء
    فكان مصيبا في اختياره لوسيط من أبرز سماته الضعف
    والحاجة والأقرب إلى البوح باالشكوة والانهيار
    أمام الفجائع .
    فحاجتها للبكاء والجزع ملحة لما يزيل عنها شبح
    الحزن وتبسط لوعجها معلنة حزنها الشديد .
    ولعل تلك المعاني التي لمسناها في اللوحة الثانية
    وحملها تراكيبه لرسم أثر المصاب على بناته هي أقوى
    الأدلة على شعوره هو وحزنه عليها .
    فلو بسطها بضمير الأنا لكانت النظرة إليها مختلفة
    ولعددناها من المبالغة في الحزن ولخفت حدة تأثرنا
    بعاطفة النص . ولكنه بخلع تلك المشاعر على بنياته
    جنب عاطفة النص هذا الحكم وأجبر عواطفنا على
    مشاركته هذا الشعور الحزين من خلال وسائطه .
    ويتوج هذا التدفق الإنساني الصادق بهذين البيتن :
    أسليلةَ القمرينِ ! أى ُّ فجيعةٍ ** حَلَّتْ لِفَقْدِكَ بَيْنَ هَذَاالنَّادِي
    أعزز على َّ بأنأراكِ رهينةً ** في جَوْفِ أَغْبَرَ قاتِمِ الأَسْدَادِ !
    كخاتمة طبيعية ومقنعة ومكملة لجمع اللوحتين معا .
    فتعبيره لوصفها بسليلة القمرين يفي عن كل خصلة تأتي بعده
    وزادها باستخدامه أي . التي أعلقت كل وصف يأتي
    لقد وفق ببراعة لاستخدامه ( أسليلة القمرين )
    ولذلك يعترف بقلة حيلته وإيمانه بحتمية الموت باعتذاره
    لها في البيت الأخير .
    لعلنا أرضينا الذائقة بما قدمنا من تحليل .
    للنص .
    وسنعقب عليه بوقفات مختارة لبعض الجوانب المتعلقة بالشكل
    وفيها تنجلي رؤية مختلفة عما عرض له البعض .
    ظلم الدارسون شعر البارودي كثيرا حيث انصبت تلك الدراسات
    على الشكل متجاهلة المضمون ملغية تجربة الشاعر .
    وصدرتأحكامهم على شعره أنه انتفاضة لبعث القصيدة
    من مرقدهاوبث الروح فيها ليتجاوز بها عصور الركاكة
    والضعف .
    فركزوا علىجزالة أ لفاظه وفخامتها وتمكنه من استخدام
    الألوان البلاغية . واستخدامه لاستقلالية ابيات القصيدة
    فهو صورةمكررة لعصر المتنبي وأبي فراس الحمداني
    فكان فيشعره وما يطرقه من معاني صورة لفروسية
    أبي فراس .
    ونحن عندما ننظر لهذا الشاعر من واقعه نجده بعيدا كل
    البعد عن معترك الحياة الأدبية وخوض غمارها .
    فهوشاعرمطبوع ساهمت ثقافته وموهبته وعشقه
    لشعر ابي فراس ان تكون قصائده مصاغة في هذا الشكل
    وتجاربه هيتجارب حقيقية ومضامين شعره
    صورة تعكس معانته فهي جديرة بالدراسة المتعمقة .
    وريادته للشعر كانت برسمه نهجا للشعراء في عصره
    للسير على خطاه . فشوقي شاعر تقليدي واضح المعالم
    وديوانه مليء بقصائد المعارضات ولقي عناية
    فائقة من الدارسين .
    لاأطيل فهذه قضية يطول شرحها .
    مايهمني هنا هو هذا النص . فهذه القصيدة لفتت انظار الدارسين .
    وحظيت بحضور جيد .
    إلا أنا لدراسات سارت بها في دائرة الشكل على حساب ما تحمله القصيدة
    من قيم إنسانية ومعانة حقيقة . إن الدراسة لها سارت في ترجمة ثم بيانالمفردات
    وإشارة موجزة لدلالة المعنى وبسط لأساليب البلاغة .بسطحية
    كدرس عملي لتقليدية البارودي .
    علينا أننعي أن مقاييس اللغة من قواعد وتراكيب وألوان بلاغية هي أدوات
    استخدمها امرؤ القيس واستخدمها بحذافيرها بلند الحيدري .
    فهي موجودة في كل نص شعري أو نثري أدبي أوعلمي .
    ما الغرض منها ؟ الغرض عرض المعنى في صورة بيانية
    تتشكل للذهن فيستحضرها وتؤثر في عاطفته .
    وهناسأكتفي بإيراد شاهد بلاغي من النص
    وأبين مالعبه في رسم لوحة فنية وقد أشرنا إليه في تحليلنا للقصيدة
    من الألوان البلاغية الكثيرة في النص أسلوب الإنشاء .
    نلاحظه فيقوله
    : لم أدريهل خطب ألم بساحتي ... فأناخ أم سهم أصاب فؤادي ؟
    ولاشك أنه ظاهر قوقليا .حيث اعتبره أحد الدارسين خطأ وقع فيه الشاعر وصوابه أنيكون
    الإستفهام بالهمزة .
    فهل أصاب هذا الدارس في حكمه ؟
    الإجابة لا . لأن الإستفهام في الأسلوب الإنشائي لاينفصل عن الحالة الشعورية التي بينتها.دلالته
    فما الحالةالشعورية التي كان عليها الشاعر قبل أن نصل معه لهذا البيت .
    كنا نسيرمع البارودي في تتبع نفس ثائرة متمردة تضخم حدثا ما عصف بالشاعر
    نجهله نسعى للوصول إليه نخمن أنه خطب .
    فكان استفهامه بهل ؟ فحجم الخط حقير قليل بالنسبة لما أناخ عزيمته وهد قواها .
    هذهالإ ثارة أنسب أسلوب إنشائي لها هو استخدام هل .
    لأن من أهم أغراضهاالتشويق
    ولأن عنصرالتشويق متحقق من خلال فضولنا لمعرفة ماهية الحدث العائم عبر أبيات
    اللوحةألاولى .
    وإذا كان الغرض التشويق الذي تحقق لنا من خلال خطابه الحاد للدهر بلفظ الفجيعة وعليه.
    يكوناستخدام هل أفضل من استخدام الهمزة .
    وهنا نحكم بأن البارودي وفق في استخدام هذ الأسلوب ووضفه بإتقان .
    وحكم على النص بأنه حقق وحدة عضوية وهذا غير صحيح القصيدة
    قائمة على اسقلالية الأبيات . ربطها شعور واحد مزيج بين التمرد والاستسلام .
    والدليل أن القصيدة كانت عرضة لزيادة أبيات تفتقر لأضعف دليل على أنهاللبارودي
    ناهيك أنتكون من صلب القصيدة .
    هناك جانب آخر هو مقارنة لوحة ثكل بناته بحال بنات المعتمد بن عباد
    فملامح الحالة فيما بيته وبين المعتمد بن عباد متشابهة فقلده .
    فأي ظلم طال هذا الشاعر .
    إن الحالةفيما بينهما مختلفة فالمعتمد كان حاكما وقوض ملكه فغدا سجينا . سلب ملكه
    فكان تأثيرذلك مباشرا على أسرته فبناته الأميرات غدون من طبقات المجتمع البائس .
    فحالتهن انحدرت من نعيم لبؤس فعندما رزنه يوم العيد رأى ما آل إليه حالهن
    فرثى لبؤسهن في لغة تشير إلى تأنيب الضمير .
    فحالةحزنهن من تأثر تبدل حسي في حياتهن انعكس على عواطفهن .
    بينماالبارودي لم يكن لنفيه أثر على حياة بناته كبشوات فهن في نعيم حتى بعد
    موت عديلةباشا
    فرثاه لحالهن منبعث من غربة أرواح ويتم عزيز .فهو تأثر معنوي نفسيانعكس
    حسيا على حياتهن .
    فلا تقليدهنا بقدر ماهو تيار لغوي أصيل نقل عاطفة صادقة التعبير عن شاعرية
    البارودي
    فلماذايستهلك شكل القصيدة عند البارودي كل هذه الدراسات على حساب عواطفه وتجاربه .
    يجب أن يعي الجيل أن القالب وعاء يحمل حسا وهو أولى ببسطه .
    اللهم أ وزعني أن أشكر نعمتك ولا تجعلني من الجاهلين .
    نسأل الله أن ينتفع به كل زائر ومطلع .وصلى الله علىسيدنا محمد وآله وصحبه .

  2. #2
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية جيزانيه عسل
    تاريخ التسجيل
    07 2013
    المشاركات
    434

    رد: دراسة فنية لرائعة البارودي في رثاء زوجته

    من اجمل قصائد شاعر السيف والقلم محمود سامي البارودي واطول قصيدة رثاءبالشعر العربي ربما لونقلت لقسم الشعر لكان افضل يعطيك العافيه على اختيارك الرائعنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية خالد معافا

    منتدى الحياة الفطرية
    تاريخ التسجيل
    03 2011
    المشاركات
    11,808

    رد: دراسة فنية لرائعة البارودي في رثاء زوجته

    بارك الله فيك وجزاكم الله خير
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    kkm.rzeg سابقاً

  4. #4
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية أبوإسماعيل
    المشرف العام
    تاريخ التسجيل
    06 2003
    الدولة
    صامطة
    المشاركات
    28,227

    رد: دراسة فنية لرائعة البارودي في رثاء زوجته

    منذ أن طرحت هذه الدراسة قبل يومين
    وأنا أتردد عليها قارئا ومطلعا ومستمتعا
    وكلما نويت أن أرد وأعلق أجد حرفي قاصرا أمام هذه البلاغة وهذا التحليل الأدبي العميق
    مائدة عامرة بكل ما لذ وطاب من الفنون أحسّ أنني لم أشبع منها بعد
    مع أنني قد قرأت هذه القصيدة أكثر من مرة منذ سنوات
    ولكني مع هذه الدراسة وكأنني أول مرة أقرأها وأستنطق معانيها
    وأستكشف فنونها وتبرز أمامي معانيها وجمالها وقوتها .

    الأستاذ والأديب / عبده يحيى صميلي
    كم سعدنا بانضمامك إلى ركب منتدياتنا
    وكم دهشت بأول أطروحة لك
    فمرحبا مليون
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية أبومناف
    تاريخ التسجيل
    07 2014
    المشاركات
    16

    رد: دراسة فنية لرائعة البارودي في رثاء زوجته

    أختي الفاضلة جزانية
    ممنون لك هذا الحضور فجزيل الشكر

  6. #6
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية أبومناف
    تاريخ التسجيل
    07 2014
    المشاركات
    16

    رد: دراسة فنية لرائعة البارودي في رثاء زوجته

    أخي خالد
    شرف لي أن تتفضل علي بدعائك
    فلك ضعف دعائك أضعافا مضاعفة
    فشكرا لك

  7. #7
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية أبومناف
    تاريخ التسجيل
    07 2014
    المشاركات
    16

    رد: دراسة فنية لرائعة البارودي في رثاء زوجته

    أستاذي الكريم أبو اسماعيل :
    أجد حرفي عاجزا عن شكرك
    منحتني الكثير من الفرح والثقة
    رفع الله قدرك في العالمين

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •