لحظات الانتظار في محطة الوقت البطيء جدا بتوقيت ساعة قلبها وظنونها كلما غاب عنها
هي المسرح الواهي الذي يحتضن شخصيات شكوكها فيه ، حيث غدت أسيرة لها تحترق
بجحيمها . مع علمها أنها تسبح في فضاء من خداع الوهم
.
وكلما حاولت التخلص من سوء الظن تجللها هاجس الخوف من المستقبل .
جربت معه كل فنون الضغط لينفجر ليثور فيبدي لها ما يخفيه عنها أوتستدل بخيط يريحها
من ألم الشك وعذاب الوهم . تدور حول نفسها , فلقد بدأ الليلة على غير عادته . بالغ كثيرا
في هندامه وأناقته . عدد عطره , وتبخر . وظهرت وسامته تسر الناظرين . وهو حلو الحديث
قادر على استمالة القلوب . فلابد أن شيئا يدبره هذاالرجل .
تتناول هاتفها النقال ــ بعد أن قدرت وقتا يكفي لا صتياده متلبسا بجرمه ــ واتصلت به .
هلا هلا يا قرة العين وزهرة العمر . تدللي !!
نتظرك على العشاء !!
لا. ربما أتأخر بعض الوقت !!
كم يعني . ساعة !!
حسب ما يفرضه شغلي الآن !!
إذن لك الوقت كله ... يابو شغل !!
وتنهي الاتصال بطريقة مستفزة ليتصل بها ويلومها على هذه الطريقة . لكنه لم يفعل .
وهنا تجذر في نفسها الشك .
تأرجحت ما بين أن تكون واهمة وبين أنها على يقين . فالرجال صناديق مقفلة .
وهو من الرجال المعروفين بالرزانة والثقل .
آآآه والله يبطن سرا خطيرا .. ويحه . ما الحيلة التي أستطيع أن أصل بها لمعرفة سره .
طريقة الفوضى والاتهام أصبحت طريقة عقيمة لا تجدي معه . سأجرب طريقةأخرى .
وأقلب وأجعله هو من يشك .
يا الله الجو تغير صوت رعد مخيف وعاصفة هوجاء ومطر واكف يغرق أسطح المنازل
ويغسل أعمدة الإنارة على جوانب الطرق . وبذلك لن يرد على اتصالي بحجة الطقس .
خرجت من غرفتها لتقعد في الصالة وأنفاسها المضطربة تكاد تقتلع صدرها المشحون
بأعتى الشك القاتل فيه .
كان نظرها مقسوما مابين ساعة الحائط وجرس الباب ولم يطل بها الوقت فصوت جرس الباب
أعلن وصوله . تفز وتفتح الباب . دلف للمنزل مبتسما .
السلام عليكم ..آسف كان الجو عاصفا فمكثت عن المنزل غير بعيد حتى تسكت الريح عن زمجرتها .!!
المهم أنك وصلت . ولم تفقد أناقتك !!
نظر إليها طويلا وابتسم .
خير مالك . هل غلطت .. فيه شيء يستدعي ابتسامتك !!
لا . بس أرى تحولا جميلا ومفرحا فيك ... أو لعلي في حلم !!
وهنا وجدت في رده فرصة سانحة لتحويل الموقف لضده .
ماذا تعني يا أستاذ بقولك !!
لاشيء . توقعت محضر استجواب مطول !!
لا تراوغ . أنت شكاك !!
على رسلك .. هذه الكلمة اعتادها سمعي . !!! يمسك كفها في كفه ..
كفك باردة جدا يا حبيبتي !!!
لأنها لامست قلبك البارد فبردت !!
سأمنح كفك الدفء فلا تكوني من القانطين !!
وقفت في منتصف الصالة بينما تراخى هو على الكنبة المقابلة لها وسمرنظره في قسماتها .
اضطربت .. سألته بحدة :
تعشيت طبعا .. بطنك مليئة وقلبك مليء !!
بطني خاوية على عروشها . فعشيني .. وقلبي والله عامر بالعشق والحب !!
ياسلام .. يعني عاشق وتحب !!
أكيد .. وأذووووب في الحب !!
يعني فيه وحدة في حياتك !!!
أي والله فيه وحدة وعذبني حبها !!
تزوجها وريح نفسك من هذا العذاب !!!
مستحيل . لأنها أنت ياجنة المأوى !!
أستدارت وأقبلت تحمل له طعاما وشاركته العشاء . وبخبث فتحت محورالحديث .
أقول ... الليلة الجو روعة وأنت شاعر ماراح تفوتها تريد أن تكتب قصيدة ...
ما راح أزعجك !!
صح ... وأبيات القصيدة ستشاركيني فيها !!
بس أنا يا أستاذ تلميذة بليدة جدا في اللغة !!
ما رأيك نسمع لمحمد عبده !!
لابأس نسمع يا أستاذ !!
يفتح اليوتوب . ويشدو محمد عبده في " يا زاهي الكحل " . نظرت إليه في حنق .
لماذا اخترت هذه الأغنية ؟!!
يضحك .. لأن الكحل الجذاب أغراني بالإبحار في عمق العيون !!
سأغسل وجهي !!!
لا لا خلاص نغير الأغنية ونسمع " يابنت النور " !!
أووه منك .. تريد أن تقهرني !! إذا لم تفسر لي اختيارك لها سأقفل غرفتي وأنام !!!
النور الذي عانقني ولهفة الانتظار التي قرأتها في ملامحك .!!!
أف ... أنت وغد .. قم اكتب قصيدتك .. لا أريد سماع الأغاني !!
حاضر بس بشرط !!!
ما شرطك !!
أكتب القصيدة أمامك ... وتقومين بتلحينها ... وأغنيها لك !!
ابتسمت .. واكتفت بأن هزت رأسها .
وشرع في نسج فنونه أمامها ووفت بوعدها . وكم كان بارعا في غنائه لها ...
وتراخى شكها ولاذ بخيبة أمله حين وسدت رأسها ساعده . وطار بها جناح الحنان
لتتربع على عرش الحب . وكانت آخر كلماتها قبل أن تغفو ...
أحــــــــبـــك أحــــبـــــــك ....