كيف أخشع في صلاتي ؟ اثنا عشر سبباً من حققها لا يمكن أن يتخلف عنه الخشوع
لا شك أن الصلاة لها ثمار عظيمة تعود على العبد في الدنيا والآخرة ، ومن أعظم ثمارها أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر كما قال تعالى : ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) ، ولكن هذه الثمار لا ينالها العبد إلا بقدر خشوعه في صلاته ، لأن الخشوع روح الصلاة ، فالصلاة بدونه كالجسد الميت قال ابن القيم في زيد المعاد 1/ 283 : ( الْخُشُوعِ هُوَ رُوحُ الصّلَاةِ وَسِرّهَا وَمَقْصُودُهَا ) .
قال أبو العالية رحمه الله : إن الصلاة فيها ثلاث خصال فكل صلاة لا يكون فيها شيء من هذه الخلال فليست بصلاة: الإخلاص، والخشية، وذكر الله. فالإخلاص يأمره بالمعروف، والخشية تنهاه عن المنكر، وذكر القرآن يأمره وينهاه.
وقال العلامة السعدي رحمه الله في تفسيره : ثم قال: { وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ } لم يقل: يفعلون الصلاة، أو يأتون بالصلاة، لأنه لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة. فإقامة الصلاة، إقامتها ظاهرا، بإتمام أركانها، وواجباتها، وشروطها. وإقامتها باطنا بإقامة روحها، وهو حضور القلب فيها، وتدبر ما يقوله ويفعله منها، فهذه الصلاة هي التي قال الله فيها: { إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } وهي التي يترتب عليها الثواب. فلا ثواب للإنسان من صلاته، إلا ما عقل منها، ويدخل في الصلاة فرائضها ونوافلها.
وقال : ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أن العبد المقيم لها، المتمم لأركانها وشروطها وخشوعها، يستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتقل أو تعدم رغبته في الشر، فبالضرورة، مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه، تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها.
ومن هنا يتبين لك أيها المسلم أهمية الخشوع في الصلاة ، فما هي الأسباب المعينة على ذلك ؟
الأسباب كثيرة ومن أهمها :
1 ) التبكير إلى الصلاة وذكر الله قبلها بالنافلة والدعاء والقرآن والتذلل بين يدي الله بحيث لا يأتي وقت الصلاة إلا وقد حضر القلب ، قال ابن القيم في الفوائد : من الذاكرين من يبتديء بذكر اللسان وان كان على غفلة ثم لا يزال فيه حتى يحضر قلبه فيتواطئا على الذكر ومنهم من لا يرى ذلك ولا يبتدىء على غفلة بل يسكن حتى يحضر قلبه فيشرع في الذكر بقلبه فإذا قوى استتبع لسانه فتواطئا جميعا فالأول ينتقل الذكر من لسانه إلى قلبه والثاني ينتقل من قلبه إلى لسانه من غير أن يخلو قلبه منه بل يسكن أولا حتى يحس بظهور الناطق فيه فإذا أحس بذلك نطق قلبه ثم انتقل النطق القلبي إلى الذكر اللساني ثم يستغرق في ذلك حتى يجد كل شيء منه ذاكرا وأفضل الذكر وأنفعه ما واطأ فيه القلب اللسان وكان من الأذكار النبوية وشهد الذاكر معانيه ومقاصده
2 ) التفرغ من الشواغل كالطعام والأخبثين فيقبل على صلاته فارغ البال ، لذا جاء في حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان .
رواه مسلم .
قال أبو الدرداء رضي الله عنه : من فقه المرء إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ
رواه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم .
3 ) معرفة بين يدي من تقف وأنه عظيم سبحانه أعظم من جميع ما تشغل به من أمور الدنيا وحطامها ، لذا شرع التكبير في بدء الصلاة وعند الانتقال من ركنٍ لآخر ، قال بعض أهل العلم كالعلامة ابن باز رحمه الله : من حكمة ذلك تذكير العبد بأن ما ينشغل به في صلاته فالله أكبر وأعظم وأجل منه .
4 ) تذكر أنك تناجي الله كما قال عليه الصلاة والسلام : ( ألا كاكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعضٍ بالقرآن ) .
رواه ابو داود .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- : « قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِى وَبَيْنَ عَبْدِى نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ). قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَمِدَنِى عَبْدِى وَإِذَا قَالَ (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ). قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَثْنَى عَلَىَّ عَبْدِى. وَإِذَا قَالَ (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). قَالَ مَجَّدَنِى عَبْدِى - وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَىَّ عَبْدِى - فَإِذَا قَالَ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ). قَالَ هَذَا بَيْنِى وَبَيْنَ عَبْدِى وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ). قَالَ هَذَا لِعَبْدِى وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ ».
فكيف يليق بك أن تناجي الله ويناجيك ويخاطبك وأنت شارد القلب عن مناجاته وخطابه ؟! أرأيت لو فعلت ذلك مع ملك من ملوك الدنيا أيكون من تعظيمه وإجلاله ؟! لا والله ، فكيف بملك الملوك سبحانه وتعالى ؟! أيقبل عليك وتعرض عنه ؟! أيناجيك وتنشغل بغيره ؟! .
ولذلك جاء عند ابن سعد في الطبقات عن علي بن الحسين رحمه الله أنه : كَانَ إِذَا مَشَى لاَ تُجَاوِزُ يَدُهُ فَخِذَيْهِ، وَلاَ يَخْطِرُ بِهَا، وَإِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، أَخَذَتْهُ رِعْدَةٌ ، فَقِيْلَ لَهُ، فَقَالَ: تَدْرُوْنَ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ أَقُوْمُ وَمَنْ أُنَاجِي؟! .
5 ) تدبر الأذكار والأفعال فإذا قال سبخان الله وبحمده علم أن معناها تنزه الله عن النقائص واتصافه بالمحامد والكمال فيجد في قلبه التعظيم ، وإذا ركع تدبر أن هذه الهيئة هيئة ذل ، إذ لو قيل له أركع لفلان لرفض ، وإذا سجد تدبر أنه يمرغ أكرم اعضائه في التراب لله ، واستحضر عظمة الله كيف يسمع همسه ودعاءه بل يكون اقرب إليه من نفسه وهو على تلك الحال ، فسبحان من وسع سمعه الأصوات ، وإذا قال : رب اغفر لي ، استحضر خطر الذنوب عليه وفقره إلى الله في صرف غوائلها عنه ، وهلم جراً .
6 ) أن تستحضر أنه ليس لك من أجر صلاتك إلا بقدر الخشوع ففي سنن أبي داود عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : « إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها ».
وعن أبي اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : منكم من يصلي الصلاة كاملة ومنكم من يصلي النصف والثلث والربع حتى بلغ العشر .
رواه أحمد في مسنده .
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين : فإن قيل : مما تقولون في صلاة من عدم الخشوع في صلاته : هل يعتد بها أم لا قيل : أما الاعتداد بها في الثواب : فلا يعتد له فيها إلا بما عقل فيه منها وخشع فيه لربه قال ابن عباس رضى الله عنهما : ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها وفى المسند مرفوعا : إن العبد ليصلي الصلاة ولم يكتب له إلا نصفها أو ثلثها أو ربعها حتى بلغ عشرها وقد علق الله فلاح المصلين بالخشوع في صلاتهم فدل على أن من لم يخشع فليس من أهل الفلاح ولو اعتد له بها ثوابا لكان من المفلحين وأما الاعتداد بها في أحكام الدنيا وسقوط القضاء : فإن غلب عليها الخشوع وتعقلها اعتد بها إجماعا وكانت السنن والأذكار عقيبها جوابر ومكملات لنقصها وإن غلب عليه عدم الخشوع فيها وعدم تعقلها فقد اختلف الفقهاء في وجوب إعادتها ... ) .
قلت: الراجح أنها لا تعاد .
7 ) أن تستحضر أن هذه الصلاة لن تعود ، فإذا ذهبت بلا خشوع فقد ذهب عنك من الأجر الكثير وفاتك من عمرك زمن ليس بيسير ، والعاقل إذا استحضر فوات الامر العزيز عليه بلا رجعةٍ بالغ في العناية به .
8 ) أن تتذكر انك ربما لن تصلي بعدها صلاةً أخرى ، فيصلي العبد صلاة مودع ، لذا جاء عن عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ: أَنَّ سَعِيدَ الْخَيْرِ قَالَ لِابْنِهِ: أَظْهِرِ الْيَأْسَ فَإِنَّهُ الْغِنَى، وَإِيَّاكَ وَطَلَبَ مَا عِنْدَ النَّاسِ فَإِنَّهُ الْفَقْرُ الْحَاضِرُ، وَإِيَّاكَ وَمَا تَعْتَذِرُ مِنْهُ، وَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ كَيْ لَا تُصَلِّيَ صَلَاةً غَيْرَهَا، وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ خَيْرًا مِنْكَ أَمْسِ، وَغَدًا خَيْرًا مِنْكَ الْيَوْمَ فَافْعَلْ.
أخرجه أبو داود في الزهد .
وروي عن معاذ رضي الله عنه أنه قال لابنه : يا بني إذا صليت صلاة فصل صلاة مودع ؛ لاَ تظن أنك تعود إليها أبدا واعلم يا بني أن المؤمن يموت بين حسنتين حسنة قدمها وحسنة أخرها.
رواه أحمد في الزهد .
9 ) قرآءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والسلف في صلاتهم وكيف كان خشوعهم فإن ذلك يحمل على الاقتداء بهم .
10 ) محاسبة النفس على عدم الخشوع والحرقة على فواته ، وأما إذا كان العبد لا يبالي إذا لم يخشع فما يظن به أن يوفق للخشوع .
11 ) اجتناب المعاصي فإنها تضعف الخشوع والتلذذ بالصلاة ، لأنها تقسي القلب وتشتته جاء في سير أعلام النبلاء في ترجمة وهيب بن الورد أن ابْنُ المُبَارَكِ رحمه الله قال : قِيْلَ لِوُهَيْبٍ: يَجِدُ طَعْمَ العِبَادَةِ مَنْ يَعْصِي؟ قَالَ: وَلاَ مَنْ يَهُمُّ بِالمَعْصِيَةِ.
12 ) أن يتذكر عتاب الله لمن لا يخشع قال تعالى : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ )
فهذه عشرة أسباب من حققها لم يتخلف عنه الخشوع .
نسأل الله عز وجل أن يلهمنا الخشوع في الصلاة .
موقع بينات
جزاك الله الفردوس الأعلى عيوني