[c]
تمر الأمة المسلمة في هذه الأيام بمنعطف تاريخي بالغ الخطورة ، يذكرنا بما كانت عليه أمة الإسلام في القرن السابع الهجري ، حينما اكتسح المغول المشرق الإسلامي ، وقاموا بإسقاط الخلافة العباسية في بغداد سنة (656هـ) بتواطؤ من السياسيين والمنافقين والرافضة ، وبمشاركة من صليبيي المشرق الذين تحالفوا مع المغول.
وعن دور ذلك التحالف الصليبي المغولي في احتلال العراق والشام ، وإسقاط الخلافة العباسية يقول الأسقف ( دي مسنيل) نائب مدير البعثات التبشيرية في روما، في كتابة عن الكنيسة والحملات الصليبية : ( اشتهر الزعيم المغولي (هولاكو) بميله إلى النصارى ، وكانت حاشيته تضم عدداً كبيراً منهم ، من بينهم قائده الأكبر. كذلك كانت زوجة (هولاكو ) نصرانية أيضاً ، وقد أدى نفوذ الأميرة على زوجها دوراً خطيراً تفخر به الكنيسة في تجنب أوربا النصرانية أهوال الغزو المغولي ، وتوجيه غزوهم إلى العرب والمسلمين في الشرق العربي ، حيث ذبحت قوات المغول المسلمين في بغداد. كما لعبت الأميرة دوراً في إقناع زوجها باحتلال سورية الإسلامية).
وقال أيضاً : ( لقد كانت الحملة المغولية على الإسلام والعرب حملة صليبية بالمعنى الكامل لها).
وهنا أيها القارئ الكريم توجب سؤال حول أسباب تسلط عباد الوثن ، وعباد الصليب ، على أمة التوحيد ، هذه الأمة التي قال عنها الله سبحانه وتعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس } ، ولا شك أن الإجابة على هذا السؤال تكمن في الآية نفسها والتي بينت أن خيرية الأمة خيرية مشروطة بإقامتها لشرع الله ، قال تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).
لقد كان الانحراف العقدي ولا يزال أهم أسباب تسلط عبدة الأوثان والصلبان على أمة الإسلام، حيث ابتليت الأمة المسلمة في القرن السابع الهجري بمجموعة من الحكام المغامرين بمصير الأمة ، ممن { نسوا الله فأنساهم أنفسهم } وعنهم يقول ابن الأثير رحمه الله : ( فما نرى في ملوك الإسلام من له رغبة في الجهاد ، ولا في نصرة الدين ، بل كل منهم مقبل على لهوه ، ولعبه ، وظلم رعيته ، وهذا أخوف عندي من العدو ، قال تعالى : { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة }.
لقد كانت عقيدة الولاء والبراء غائبة عن أولئك الحكام ، حيث تركوا الجهاد وراحوا يحبكون المؤامرات ضد بعضهم البعض.
أما النفاق بشقيه الاعتقادي و العملي ، فقد كان له رواج عجيب في ذلك الوقت ، حيث تسابق ضعاف النفوس بالتآمر على أمتهم والتعاون مع المغول والصليبيين ، مختارين بذلك صحبة عبد الله بن سلول ، بدلاً من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما الشعراء النفعيون – وهم وسيلة إعلام ذلك العصر – فقد قاموا بدورهم في تخدير الأمة شر قيام ، حيث أعاشوا الحاكم والمحكوم في عالم من الوهم لم يستفيقوا منه إلا تحت ضربات سيوف قوات التحالف المغولي الصليبي.
وهنا أيها القارئ الكريم تساؤل مشروع ، هل فوجئت الأمة بما حل بها ؟ أم أن الله سبحانه وتعالى قد أنذرها حتى تعود إليه قبل أن يسلط عليها أمم الكفر.
إن الإجابة على هذا التساؤل موجودة في كتاب الله ، قال تعالى : { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} ، من رحمة الله بالناس أنه لا يأخذهم بذنوبهم ابتداء ، بل ينذرهم المرة تلو المرة لعلهم يرجعون.
ومن تلك النذر الربانية ما أجراه الله سبحانه وتعالى على الأمة المسلمة – وهي نذر مستمرة إلى وقتنا الحاضر ! – قبيل الغزو المغولي تنبيهاً لها بسبب ابتعادها عن الله ، وتلبسها بالمعاصي ، وأمنها من عقوبة الله. من ذلك ما وقع في سنة (597هـ) من زلازل عظيمة في الشام ومصر .
وعن ذلك يقول المؤرخ سبط ابن الجوزي رحمه الله : ( وما ظلم الله عباده بإهلاك النسل والناسل ، ولكنهم تعاموا عن الحق ، وتمادوا في الباطل ، وأضاعوا الصلوات ، وعكفوا على الشهوات ، والشواغل ، وارتكبوا الفجور ، وشربوا الخمور ، وأكلوا الربا ، والرشا ، وأموال اليتامى).
أما علماء الأمة الربانيون ، فإن قصة معاناتهم مع الحكام لا تنتهي ، وعن تلك المعاناة يروي المؤرخ أبو شامة المقدسي رحمه الله ، قصة وعظ ابن الجوزي رحمه الله للخليفة العباسي المستضيء رحمه الله ، حيث قال : ( يا أمير المؤمنين : إن تكلمت خفت منك ، وإن سكت خفت عليك ، فأنا أقدم خوفي عليك منك ، لمحبتي لدوام أيامك. إن قول القائل : اتق الله ، خير من قول القائل : إنكم أهل بيت مغفور لكم).
عندما اكتسح المغول المشرق الإسلامي كانت الجفوة بين العلماء والحكام على أشدها، حيث اكتفى الحكام ببطاناتهم الفاسدة التي أضاعت الأمة ، وأضاعت معها عروش أولئك الحكام الذين { نسوا الله فأنساهم أنفسهم} .
لقد كان الطريق إلى معركة عين جالوت التي وقعت في شهر رمضان من سنة (658هـ) طريقاً شاقاً ومليئاً بالأشلاء والدماء ، وهو يشبه الطريق الذي تسير عليه الأمة في هذه الأيام ، ولكن عزاءنا هو قوله تعالى : { وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون}.
فإلى الإصلاح يا أمة الإسلام ، إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو صمام أمان هذه الأمة ، ولنعلم أن الأمة ليس بينها وبين الله حسب أو نسب.
أحبتي في الله إن معركة عين جالوت من معارك العقيدة ، حيث انتصرت فيها الأمة على شهواتها ، وعلى جبنها وخورها ، واكتشفت أن إمبراطورية الشر يمكن أن تهزم ، وأن التنين الذي لا يهزم نحن الذين صنعناه بخوفنا وتعلقنا بالحياة الدنيا.
لقد كانت معركة عين جالوت فاتحة الهزائم للجيوش المغولية الصليبية بعد سلسلة من الانتصار ضد الأنظمة المترهلة في المشرق الإسلامي.
لقد انتصر المسلمون في عين جالوت بعد أن اجتمع العلماء والحكام تحت راية واحده وشعار واحد هو : { إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}.
منقول للفائدة \ اخوكم ابوالحسن
[/c]