كان طالوت بن عبد الجبار المعافري أحد علماء الأندلس العاملين الذين همّوا بخلع الحكم بن هشام بن الداخل لانتهاكه للحرمات ، وجرت فتنة عظيمة ، ثمّ إنّه قَبض على جمع منهم فقتلهم ، وحدثت فتنة قتل فيها الكثير من الناس ، ثمّ كتب الحكم كتاب أمان عامّ..
وكان طالوت اختفى سنة عند يهودي، ثمّ خرج وقصد الوزير أبا البسام ليختفي عنده، فأسلمه إلى الحكم ، فقال : ما رأي الأمير في كبش سمين ، وقف على مذوده عاما ، فقال الحكم : لحم ثقيل ، ما الخبر ؟ قال : طالوت عندي ، فأمره بإحضاره ، فأحضر .
فقال : يا طالوت ، أخبرني لو أنّ أباك أو ابنك ملك هذه الدار ، أكنت فيها في الإكرام والبر على ما كنت أفعل معك ؟ ألم أفعل كذا ؟ ألم أمش في جنازة امرأتك ، ورجعت معك إلى دارك ؟ أفما رضيت إلا بسفك دمي ؟.
فقال الفقيه في نفسه : لا أجد أنفع من الصدق ، فقال : إني كنت أبغضك لله فلم يمنعك ما صنعت معي لغير الله ، وإنّي لمعترف بذلك ، أصلحك الله..
فوجم الخليفة وقال : اعلم أنّ الذي أبغضتني له قد صرفني عنك ، فانصرف في حفظ الله ، ولست بتارك برّك ، وليت الذي كان لم يكن ، ولكن أين ظفر بك أبو البسام لا كان.
فقال : أنا أظفرته بنفسي ، وقصدته.
قال : فأين كنت في عامك ؟.
قال : في دار يهودي ، حفظني لله.
فأطرق الخليفة مليا ، ورفع رأسه إلى أبي البسام وقال : حفظه يهودي ، وستر عليه لمكانه من العلم والدّين ، وغدرت به إذ قصدك وخفرت ذمته ، لا أرانا الله في القيامة وجهه إن رأينا لك وجها ، وطرده ، وكتب لليهودي كتاباً بالجزية فيما ملك ، وزاد في إحسانه ، فلما رأى اليهودي ذلك أسلم مكانه.