وقفةشرعية مع مزايين الإبل

مقدمة:
إنّ الله خلق الإنسان وجعل له على وجه الأرض وسائل يرتفق بها في حياته،فتخفّف عنه مشقة الحياة وشظف العيش، وإنّ ممّا سخره الباري للإنسان هذه الحيوانات الأليفة، فجعلها مادة غذائه وشرابه، ومطية حله وترحاله، فأحل لحومها وألبانها، وسهل ركوبها وابتذالها، قال تعالى: ﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [النحل: 5-9]"فهذا الخلق الهائل العظيم المدبر عن علم وتقدير، ملحوظ فيه أن يكون نعمة على البشر، لا تلبي ضروراتهم وحدها، ولكن تلبي أشواقهم كذلك، فتسد الضرورة، وتتخذ للزينة، وترتاح بها أبدانهم وتستروح لها نفوسهم، لعلهم يشكرون في هذه البيئة تبرز نعمة الأنعام، التي لا حياة بدونها لبني الإنسان " [1].

ولقد تجاوز فئام من الناس بطرا ورئاء الناس، حدود الارتفاق بهذه الأنعام إلى الغلو والمبالغة في الافتخار بها، وراحوا يحيون نخوة الجاهلية،وعصبية القبلية،وتنافسوا في الإسراف في أثمانها،وتجاوزوا حدود المعقول في شرائها وبيعها، وإن دلّ ذلك فإنّما يدلّ على غياب ميزان الحقّ والتّحاكم إليه في شؤون حياة الناس ولو كان ذلك في المباحات ولكن دون إسراف وتبذير وخروج عن مقاصد الشّرع الذي أباح امتلاك تلك الدّوّاب والأنعام.

أصل خلق الأنعام:
لندع القرءان الكريم يتكلم عن خلق الأنعام، لأن الخالق جل وعلا هو بارئ المخلوقات وفاطرها وهو القائل في كتابه ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.[2]

قال ابن كثير: يذكر تعالى قدرته التامة وسلطانه العظيم، في خلقه أنواع المخلوقات على اختلاف أشكالها وألوانها، وحركاتها وسكناتها، من ماء واحد، ﴿ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ ﴾ كالحيّة وما شاكلها، ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ ﴾ كالإنسان والطير، ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ [ ﴾ كالأنعام وسائر الحيوانات؛ ولهذا قال: ﴿ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ أي:بقدرته؛ لأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن؛ ولهذا قال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.

والأنعام هي الإبل والبقر والغنم، وقد يطلق اللّفظ على الإبل خاصة كما في قول حسان -رضي الله عنه-:
عفتْ ذاتُ الأصابعِ فالجواءُ
إلى عذراءَ منزلها خلاءُ
دِيَارٌ مِنْ بَني الحَسْحَاسِ قَفْرٌ
تعفيها الروامسُ والسماءُ
وكانت لا يزال بها أنيس
خلال مروجها نَعَمٌ وشاء

فالنَّعَم هنا الإبل خاصة.

وقال الجوهري: والنَّعم واحد الأنعام وهى المال الراعية، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل.

أصل الإبل واختلاف العلماء في ذلك:
إن العلماء اختلفوا في أصل الإبل هل هي من ماء كما هو ظاهر الآية السالفة أم أنها خلقت من الجنّ وسلالة الشياطين كما ورد في بعض ظاهر الأحاديث؟

لقد صح من حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- أنه قال: " سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوضوء من لحوم الإبل؟ فقال: توضّؤوا منها. قال: وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل؟ فقال: لا تصلوا فيها، فإنها من الشياطين، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم؟ فقال: صلوا فيها، فإنها بركة"[3].

قال الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى: اعلم أنّ العلماء اختلفوا في علّة النّهي عن الصلاة في أعطان الإبل.فقيل: لأنها خلقت من الشياطين، كما تقدم في الحديث عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو الصحيح في التعليل "[4].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " إنّ الإمام أحمد و غيره من علماء الحديث زادوا في متابعة السنة على غيرهم بأن أمروا بما أمر الله به ورسوله مما يزيل ضرر بعض المباحات مثل لحوم الإبل فإنها حلال بالكتاب و السنة و الإجماع و لكن فيها من القوة الشيطانية ما أشار إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إنها جن خلقت من جن "[5]، وقال: وروي: « على ذروة كلّ بعير شيطان » [6] فالإبل فيها قوة شيطانية والغاذي شبيه بالمغتذى ".

وقال الشوكاني في نيل الأوطار:" ويرشد إلى صحة هذا حديث ابن مغفل عند أحمد بإسناد صحيح بلفظ:"لا تصلوا في أعطان الإبل، فإنها خلقت من الجنّ، ألا ترون إلى عيونها وهيئاتها إذا نفرت"[7].

وقد تساءَل أبو الوفاء ابن عقيل عن معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( إن الكلب الأسود شيطان )، ومعلوم أنه مولود من كلب، و( أن الإبل خلقت من الشياطين ) [8]مع كونها مولودة من الإبل.

وأجاب: أنّ هذا على طريق التشبيه لها بالشياطين، لأن الكلب الأسود أشرّ الكلاب وأقلعها نفعاً، والإبل تشبه الجن في صعوبتها وصولتها، كما يقال: فلان شيطان ؛ إذا كان صعباً شريراً [9].

ويدل لصحة قول ابن عقيل أن الأحياء في عالمنا الأرضي مخلوقة من الماء، كما قال تعالى: ﴿ وجعلنا من الماء كُلَّ شيٍ حَيٍّ ﴾ [ الأنبياء: 30 ]، والشياطين مخلوقة من النار [10].

والقول الثاني أنها لم تخلق من الشّياطين: ولكن معناه أنّها خلقت من طباع الشّياطين وأنّ البعير إذا نفر كان نفاره من شيطان يعدو خلفه فينفّره، ألا ترى إلى هيئتها وعينها إذا نفرت؟ انتهى[11].

وقد ذهب إلى هذا القول الإمام أبو حاتم ابن حبان رحمه الله تعالى في صحيحه فقال: لو كان الزجر عن الصلاة في أعطان الإبل لأجل أنها خلقت من الشياطين؛ لم يصلّ -صلى الله عليه وسلم- على البعير، إذ محال أن لا تجوز الصّلاة في المواضع التي قد يكون فيها الشيطان، ثم تجوز الصلاة على الشيطان نفسه، بل معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: « إنّها خلقت من الشياطين » أراد به أنّ معها الشياطين على سبيل المجاورة والقرب، اهـ، وقد علّل الفقهاء هذا النّهي لشدّة نفورها كما تقدّم، والله أعلم

الإبل في الجاهلية والإسلام
لقد جاء ذكر الإبل في الكتاب العزيز مما يدل على جلالتها وتعظيمها وكثرة الانتفاع بها، وأنها من أكرم النّعم التي جعلها الله آية تستحقّ التّدبر وعبرة في الخلق تستوجب التفكر فقال جلّ في علاه ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾ [الغاشية:17].

إنّ الإبل عزُّ العرب ومادتها التي تفخر بها حلاًّ وترحالا، ولها عندهم أقدار جليلة، ومنزلة رفيعة نبيلة، وجل أشعارهم في وصفها ومدحها،وهي من أجل أموالهم،وأفضل حلالهم، قامت لأجلها الحروب، وتقاطعت الأرحام، وانفصمت عرى وعهود بين قبائل وما ذلك إلاّ لعزّها لديهم ومكانتها عندهم، وما خبر حرب البسوس عنك ببعيد، وفي إكرمها يقول عبد الله بن الأعرابي: قالت الأعراب: "أكرموا الإبل إلا في ثلاث: بيت يبنى،أو دم يرقى،أو ضيف يقرى".رواه ابن أبي الدنيا [13].

وقال أكثم بن صيفي: "أكرموا الإبل فإنّها مهرُ الكريمة، ورَقُوءُ [14]الدم، وسفن البر". رواه ابن أبي الدنيا[15].

وللإبل عند العرب أنساب معروفة، وأصول عتيقة محفوظة فمما يعرف من جمالها ونوقها ناقتا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " العضباء،والقصواء "، ولهما في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر كثير ويكفيهما شرفا أنّ القصواء هاجر عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة وكان يقول لأصحابه "خلوا سبيلها فإنها مأمورة [16]، ومنها جمل عائشة رضي الله عنها يوم الجمل ويسمى " عسكر".

ومن فحولها: " الجديل "، و"شدقم "، و"غرير "، فحول مشهورة كانت للنعمان بن المنذر، قال الكميت يصف الإبل:
غُرَيْرِيَة الأنسابِ أو شَدْقَمِيَة
يصلن إلى البيد الفدافد فدفدا

وقال أبوفراس الحمداني:
ونَجنب ما أبقى الوجيه ولاحق
على خير ماأبقى الجديل وشدقم

ومن إبل العرب العسجدية وكانت للنعمان بن المنذر يختص بها،و"المهرية "منسوبة إلى مهرة بن حيدان أبي قبيلة من العرب،و"الأرحبية " منسوبة إلى أرحب،قبيلة من همدان.

بعض الأحكام المهمّة التي تتعلق بالإبل:
1- مزايين الإبل والماعز ونحو ذلك وحكم المشاركة فيها:
إنّ مما كثر وشاع في زمننا الحاضر لاسيما في بعض دول الخليج ما يسمى بمهرجانات "المزايين " ويقصدون بذلك التنافس في إبداء أجود الإبل وأجملها وأغلاها في عالم الناس الذين يعشقونها،ومن ثم ابتدع بعض عشاق الإبل قبل أكثر من عقد من الزمان مسابقات مزايين الإبل، ولا حرج لو أنّ النّاس ربطوا الإبل ابتغاء وجه الله ولإعلاء كلمة الله تعالى فهذا عمل تعبدي رائع يحث عليه الشرع ويثيب عليه، ولكنّ الأعمال بمقاصدها، فالذين يربطون الإبل اليوم ليس فيها مناوءة لأهل الكفر،ولكن تفاخرا ومكاثرة على غيرهم من القبائل الأخرى التي هي مسلمة، بل هم يربطونها حمية ومفاخرة على منوال أهل الجاهلية، فتثار بسببها العصبيات المقيتة، ويتطاول الشّعراء والمدّاحون بالقدح في أعراض النّاس ولمزهم وهمزهم، واحتقار القبيلة للأخرى وتصغير شأنها، وتبذير الأموال في غير مصلحة راجحة ولا مرجوحة، ومضيعة للأوقات، وجلبا للعداوات والبغضاء، ولهذه الجملة من الأخلاق المخالفة لتعاليم الإسلام أفتى علماؤنا بحرمة إقامة تلك المهرجانات.

ومن أولئك العلماء الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر البراك،والشيخ صالح الفوزان،والشيخ عبد الله بن منيع،والشيخ عبدالعزيز بن عبد الله الراجحي وغيرهم وقد جاء سؤال لكل واحد منهم مفاده:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد ظهر في الآونة الأخيرة مهرجانات مزايين الإبل بين القبائل علماً أن هذه المهرجانات يدفع فيها مبالغ كبيرة من المغالاة بأسعار الإبل وأعداد ذلك أن أنقذهم من رذائل الجاهلية التي أعظمها الشرك بالله وقتل الأولاد خشية الفقر ووأد السرادقات والإسراف الكبير في الولائم إضافة إلى إلزام أفراد القبيلة بالمشاركة المالية التي لو لم يدفعها لنا له إحراجات كثيرة فما حكم المشاركة في هذه التجمعات وحضورها؟

الجواب الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،،،
أما بعد: فإن بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- أعظم نعمة أنعم الله بها على البشرية ورحمهم بها قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ (الأنبياء107).

فأخرج الله برسالته ودعوته من شاء من الظلمات إلى النور... وقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن جميع أمور الجاهلية وأخلاقها كالفخر بالأحساب، والطعن بالأنساب، والاستسقاء بالنّجوم، والنياحة،وأخبر أنّ هذه الخصال لا تزال موجودة في الأمة وقد دلّت نصوص الكتاب والسنة أن كل ما يضاف للجاهلية مذموم كظن الجاهلية وحكم الجاهلية وحمية الجاهلية وقال –-صلى الله عليه وسلم- - للذي عَيَّرَ غيره بِسَوَاد أمه « إنّك امرؤ فيك جاهلية » [17].

وبعد فما ذكر في السؤال من مهرجانات مزاين الإبل هو من أعمال الجاهلية لما تشتمل عليه من المنكرات.

وقد نشأت فكرته من سنوات ولم يتنبه لما فيه من المفاسد الدينية والدنيوية حتى تفاقم الأمر وفحش وظهرت مفاسده لكل عاقل وإليك ما يشتمل عليه هذا العمل من المنكرات:
أولا: أكل المال وبذله بالباطل وذلك كما في الجوائز التي تبذل لأصحاب الإبل المتفوقة في صفاتها. وفي الحديث:« لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر » "[18].
والمقصود التسابق عليها.

ثانيا: التفاخر بين القبائل أو بين أفخاذ القبيلة الواحدة وذلك مما نهى الله عنه فيما أوحاه إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- ففي صحيح مسلم عن عياض بن حمار رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: « إنّ الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد » [19]. وفي الحديث الآخر عند مسلم قال -صلى الله عليه وسلم-:
«أربع في أمّتي من أمر الجاهلية لا يتركونهنّ: الفخر في الأحساب، الطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنّجوم، والنّياحة »[20].

ثالثا: ظلم الناس في أموالهم بتكليفهم ببذل مالا يجب عليهم ولم تطب به أنفسهم وقد قال –-صلى الله عليه وسلم-: « لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيب نفس منه » [21]وقال –-صلى الله عليه وسلم-: « كلّ المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه »[22]. وهذا من أكل أموال الناس بالباطل الذي نهى الله عنه قال تعالى: ﴿ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾[23].


رابعاً: التبذير وإضاعة المال الذي هو من أعمال السفهاء وإخوان الشياطين قال تعالى: ﴿ ولا تؤتوا السّفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً ﴾، وقال تعالى: ﴿ ولا تبذر تبذيرا إنّ المبذرين كانوا إخوان الشّياطين ﴾[24]، وهو من التخوّض في مال الله بغير حقّ وفي الحديث الصّحيح عن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-: « إنّ رجالاً يتخوّضون في مال الله بغير حقّ لهم النّار يوم القيامة » [25].

وصورة التبذير وإضاعة المال محققة في مسابقة المزايين من وجهين:
الوجه الأول: بذل الملايين من الريالات في شراء بعض الإبل لمجرد الفخر دون قصد لأي منفعة مما خلق الله الإبل لها من أكل أو شرب أو ركوب أو عمل ولو قصد شيء من ذلك لكان ما يبذل من الأثمان فوق ثمن المثل بمئات المرات وهذا ضرب من السَّفه في الشّرع والعقل.

الوجه الثاني: ما يبذل من الأموال لإقامة هذه المهرجانات وما يصنع من الأطعمة التي لا ينتفع بأكثرها وقد قال سبحانه وتعالى: ﴿ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّ الله لا يحبّ المسرفين ﴾ [26]. ويتبع ذلك التسابق في صنع الأطعمة وكثرة الضيوف وهذا هو التباري الذي جاء في الحديث عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- « أنّه نهى عن طعام المتباريين »[27].

وبناء على ما تقدم فلا تجوز المشاركة في هذه المهرجانات لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان ويخشى على من بدأها أن يقع عليه معنى قوله--صلى الله عليه وسلم- -: « من سنّ في الإسلام سنة سيّئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة » [28] إلاّ أن يعذر بجهله.

وعلى الجميع التوبة من هذه الأعمال التي لا خير فيها بل فيها ما ذكر من الشرور ويتوب لله على من تاب ونسأل الله أن يوفقنا جميعاً للبصيرة في الدين وطاعة رب العالمين وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه جواد كريم وهو الغفور الرحيم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين "[29].

وقال فضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان كما بين ذلك في محاضرة صوتية على موقعه حيث قال السائل: فضيلة الشيخ انتشر الآن ما يسمى بالمزاين, مزاين الإبل ويكون فيه تفاخر وإسراف فما حكم المشاركة في ذلك؟

رد ّالشيخ صالح الفوزان: لا يجوز المشاركة في ذلك لما فيه من المنكرات من بذل الأموال الطويلة بغير فائدة والله جل وعلا قال ﴿ يا أيها الذين آمنو لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ﴾[النساء: 29]، ولا يجوز أخذ العوض على المسابقات لأنّه قمار إلا ما استثناه الرّسول -صلى الله عليه وسلم- بقول « لا سبق إلاّ في ثلاث:في نصل أو خف أو حافر » والمراد في ذلك المسابقة على الخيل أو على الإبل أو على الرماية لأجل التدرب على الجهاد في سبيل الله وما عدا ذلك لا يجوز أخذ الجوائز عليه من المسابقات لأنّه أكل المال بالباطل وهو داخل في الميسر وهو القمار ".

وكذلك أفتى بذلك فضيلة الشيخ عبد الله المنيع على أن فعاليات ومسابقات مزاين الإبل من البدع الضالة "ومن ينساق وراءها مشمول بصفات التبذير والإسراف والتّغرير ببسطاء العقول، وأن تفاخر بعض المواطنين بكرائم الإبل والتغالي بأسعارها وبيعها بأثمان باهظة تصل لمليون أو مليونين ريال وأكثر يعبر عما كان لدى الجاهلية من أعراف وتقاليد بالية منافية لمبادئ الإسلام.

واعتبر المنيع في فتواه أن مشايخ القبائل حينما يلزمون أفراد القبيلة بمبالغ ينفقونها للدخول في هذا التفاخر، ظالمون لإخوانهم، وإخوانا للشياطين من حيث الإسراف والتبذير." [30].

ولكم أن تتصوروا مدى البذخ والإسراف وذلك بتكليف كلّ فرد من أفراد القبيلة بدفع مبلغ إجباري لتغطية مراسيم الاحتفالات بمزايين الإبل،وقد بلغ أحدها مائة وخمسون مليون ريالا(150مليون )، وليتساءل المسلم العاقل في مقابل ماذا؟

قال بعضهم مقابل إحياء التلاحم بين أبناء القبيلة،وليس ذلك بصحيح لأنهم لو كانوا يريدون عزّتها ورفعتها لأغنوا فقراء القبيلة بتلك الأموال فبنوا بها البيوت لعشرات الأسر بدل الجمع منهم وتفقيرهم.