لونك المفضل

المنتديات الثقافية - Powered by vBulletin
 

النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: الفقة في الدين عصمة من الفتن

  1. #1
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية السخيلي
    تاريخ التسجيل
    12 2005
    المشاركات
    57

    الفقة في الدين عصمة من الفتن

    محاضرة بعنوان:
    (الفقه في الدين عصمة من الفتن)
    لفضيلة الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان


    الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد, المبعوث رحمةً للعالمين, وعلى آله وأصحابه, ومن تمسك بسنته وسار على نهجه إلى يوم الدين. أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى مَنَّ علينا بالإسلام, قال الله سبحانه وتعالى: (
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ



    وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ



    وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ



    وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران102), وقال سبحانه وتعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا)(المائدة3), وقال تعالى:(إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) (ال عمران19), وقال تعالى:(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (ال عمران85), وقال تعالى:(


    وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ


    ) (الحج78)


    إن نعمة الإسلام نعمة لا يعدلها شيء من النعم الأخرى, وإن كانت نعم الله عظيمة, لا تُحْتَقَر ولا تستصغر, بل يجب أ، تذكر وتشكر, ولكن نعمة الإسلام هي أعظم النعم, الإسلام الذي بعث الله به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم, فبعثه هذا الإسلام, وجاء به, ودعا إليه, قال تعالى:(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) (ال عمران164) , ولكن هناك صوارف وعوارض تعرض للإنسان قد تخرجه من هذا الإسلام- إن كان من أهله - أو تضعفه في قلبه, أو تَصُدُّه عن الدخول فيه, إن كان ليس من أهله .
    هناك فتن عظيمة تعرض للإنسان, فيجب عليه أن يكون على معرفة بها, وعلى حذر منها, كما يجب عليه أن يعرف ماهو المخرج منها إذا ابتلي بها .

    ومن هنا كان الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه يقول: كان النـــــــاس يسألــون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير, وكنت أسأله عن الشر, مخافة أن أقع فيه .
    فمعرفة الإسلام أولاً والتبصر فيه, ومعرفة أحكامه وتفاصيله أمر واجب, ثم أيضاً معرفة ما يَصْرف عنه ويحول بين العبد وبينه, أو ما يُضَعِّفُه في قلبه من الآفات, فيعرف المانع ويعرف المضار, من أجل أن يأخذ بالمنافع ويتجنب المضار, فإنه إذا لم يعرف الأمور الضارة والأمور المضللة, ربما أنها تُهْلِكُه وهو لا يدري, والله جل وعلا أمرنا أن نتمسك بهذا الدين إلى الوفاة, قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) (ال عمران102), ولا شك أن البقاء على الإسلام بيد الله سبحانه وتعالى, فنحن لا نملك أن نبقى على الإسلام إلى أن نموت, وإنما هذا بيد الله سبحانه وتعالى, ولكن معنى هذا: أننا نأخذ بالأسباب التي تسبب البقاء على هذا الإسلام إلى الموت: الأسباب الواقية, فإذا أخذنا بالأسباب فإن الله سبحانه وتعالى بمنه وفضله يتمم علينا نعمته, وتوفانا على الإسلام ؛ لأننا بذلنا الأسباب, وسعينا في النجاة, والله جل وعلا حليم كريم, إذا رأى من عبده حرصاً على الخير ورغبةً فيه, وبغضاً للشر وخوفاً منه, فإن الله سبحانه وتعالى يسدده, ويقيه, ويحميه, ويُسَلِّمُ له دينه, ويتمم له بخير .
    أما إذا رأى من عبده إعراضاً, وعدم رغبة في الخير, وعدم كراهية الشر, فإن الله سبحانه وتعالى يولِّهِ ما تولى ؛ عقوبةً له, وعدلاً منه سبحانه وتعالى, قال تعالى:(وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) (النساء115), فصار السبب من قبل العبد, يشاقق الرسول, ويتبع غير سبيل المؤمنين, السبب من قِبَلِهِ, والعقوبة من الله سبحانه وتعالى: (نوله ماتولى ونصله جهنم وساءت مصيرا).
    والفتن جمع فتنة, والفتنة معناها: الامتحان والابتلاء ؛ ليظهر بذلك صدق الإيمان أو النفاق, قال الله تعالى:(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ) (العنكبوت10), فلا يصبر عند الفتن ليثبت على الحق, وإنما يفر من دينه ويطاوع للصوارف, يظن أنه بذلك ينجو, وإنما خرج من شر إلى ما هو شر منه - كالمستجير من الرمضاء بالنار - جعل فتنة الناس كعذاب الله, وهل فتنة الناس تعادل عذاب الله ؟ ! إنه إذا ترك دينه, وتجاوب مع الفاتنين وطاوعهم خرج إلى عذاب الله, ولو أنه صبر على أذى الناس, وصبر على أذى العباد, وتمسك بدينه, لكان هذا الألـــم الــذي يلاقيه مؤقتاً, والفرج قريب, والعاقبة حميدة, ولكنه بالعكس لم يصبر على أذى الناس وفتنة الناس, بل أطاعهم في معصية الله, وأجابهم إلى ما سألوا من الكفر بالله, فصار إلى عذاب الله المؤلم.
    فالفتنة: هي الابتلاء والامتحان ؛ ليظهر بذلك الصادق في إيمانه, الثابت على عقيدته, من المذبذب المزعزع, الذي تعصف به أول عاصفة من الفتن.
    وأما الفقه في الدين, فالفقه لغة: الفهم, وشرعاً: الفهم في أحكام الله عز وجل, الواردة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله أنزل هذا القرآن وأنزل السنة النبوية هدىً للناس, فيها الهدى, وفيها بيان كل شيء مما يحتاجه العباد في أمور دينهم, وما يسعدهم في الدنيا والآخرة, ضَمَّنَ الله هذا الكتاب كل ما يحتاجه البشر, فيه الكفاية, وإلى جانبه بيان الرسول صلى الله عليه وسلم, وسنة الرسول المبينة للقرآن, المفسرة للقرآن, قال تعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (النحل44) .

    فالرسول مبين ومبلغ, ومفسر لهذا الكتاب العظيم. فالكتاب والسنة فيهما الهداية من الضلال, وبيان طريق الخير وطريق الشر.
    فالفقه في الدين: هو أن نعقل ونفهم من كتاب الله, وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حكم ما يَعْرِضُ لنا من المشكلات, وما يُعْرَضُ علينا من الفتن, حتى نتجنبها ونأخذ طريق النجاة, هذا هو الفقه في الدين.
    والله تعالى أمر بالفقه في الدين, وذم الذين لا يفقهون, قال سبحانه وتعالى:(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة122).
    ووصف المنافقين بأنهم لا يفقهون, يعني: لا يفهمون أحكام الله سبحانه وتعالى ؛ لأنهم لم يردوا ذلك, ولم يلتفتوا إليه ولم يهتموا به, فصاروا لا يفقهون.
    والفتن كثيرة, وتكثر وتعظم وتجدد في آخر الزمان.
    الفتن كثيرة, والإنسان يعايش الفتن كل حياته, ولكن مُقِل ومُسْتكْثِر, والله سبحانه وتعالى أخبر أن المال والأولاد فتنة
    قال تعالى:(إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التغابن15), وقال تعالى:(إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (المنافقون9) .

    فالأموال والأولاد فتنة, من آثر حب المال, وحب الولد, وحب البلد, وحب العشيرة, وحب التجارة, وحب المساكن على محبة الله ورسوله ؛ فليرقب أسوأ النتائج, قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إِنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (التوبة24) .


    فالأموال والأولاد فتنة, والزوجة فتنة, قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (التغابن14), لا تؤثروا محبتهم على محبة الله ورسوله, لا تؤثروا طاعتهم على طاعة الله ورسوله, لا تنشغلوا بهم عما يقربكم إلى سبحانه وتعالى, احذروا, قال الله تعــالــى: (ياأيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولدكم عدواً لكم فآحذروهم) ليس معنى احذروهم: أنكم تعادونهم, وتبتعدون عنهم, وتقاطعونهم, لا , معناه: أنكم تحذرون فتنتهــم, وتحذرون الانحياز معهم؛ إذا تعارضت محبتهم مع محبة الله ورسوله, بل قدموا محبة الله ورسوله على محبة الأموال والأولاد, وحينئذ يُصْلِح الله لكم الأموال ويصلح لكم الأولاد. قال تعالى: (
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ



    إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التغابن14-16) .


    الواجب على المسلم في هذا الموقف: يتقي الله ما استطاع, وألا يقدم محبة زوجتع إذا تعارضت مع محبة الله, أو محبة ولده, أو محبة ماله ؛ إذا تعارض ذلك مع ما يحبه الله عز وجل, بل يقدم ما يحبه الله عز وجل, وبذلك يصلح الله له ماله, ويصلح له زوجته, ويصلح له أولاده .
    الخير والشر فتنة, قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)(الانبياء35), والخير الذي هو المال والغيث والخصب والنِّعَم, والشر الذي منه الابتلاء والامتحان, والقحط والجوع والمرض, هذا كله فتن تعرض على الإنسان, قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)(الانبياء35) , وكذلك الطاعة والمعصية فتنة, والإنسان يؤمر بالطاعة, وينهى عن المعصية, تَعْرِض له الطاعة, يأتي وقت الصلاة والعبادة, ويأتي وقت اللذة والأكل والشرب والاستمتاع وغير ذلك, فأيهما يقدم؟ هذا ابتلاء وامتحان, ابتلاء وامتحان من الله سبحانه وتعالى. الناس بعضهم لبعض فتنة, قال تعالى: (وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا )(الفرقان20) .
    فالناس يبتلي الله سبحانه وتعالى بعضهم ببعض, يبتلي المؤمن بالكافر, ويبتلي المؤمن بالمنافق, يبتلي عباده بعضهم ببعض, قال تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ)(محمد4) , وقال تعالى: (وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا )(الفرقان20)
    فالمؤمن والمسلم يبتلى بأعدائه من الكفار والمنافقين والعصاة؛ ليتجَلَّى موقفه منهم بالدعوة إلى الله, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والجهاد, أو الاستسلام والإخلاد إلى الراحة, فإن كانت الأولى - وهي: الدعوة إلى الله, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والجهاد- كان على خير, ونجح في الامتحان, وإن كانت الثانية - وهي: الاستسلام والإخلاد إلى الراحة, وعدم التعرض للناس وهم على شرهم, وعدم دعوتهم إلى الله, وعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وعدم الجهاد في سبيل الله, إنما استسلم وأخلد إلى الراحة- كانت الخسارة والإخفاق في الامتحان, قال تعالى: (وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا )(الفرقان20), كذلك يبتلي الغني بالفقير, قال تعالى: وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَـؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ(الانعام53).

    الكفار يحتقرون فقراء المسلمين, ويقولون: أهؤلاء مَنَّ الله عليهم من بيننا؟! هؤلاء ناس فقراء, ليس بأيديهم شيء, كيف يكونون هم على الهدى ونحن على الضلال؟! نحن أهل المال, ونحن أهل الثروة, ونحن أهل الرئاسة وأهل الرأي, وأهل الحل والعقد, وهؤلاء فقراء مساكين, ومع هذا يزعمون أنهم خير منا, وأنهم. . .(أهؤلاء من الله عليهم مم بيننا), يقول الله تعالى: (أليس الله بأعلم بالشاكرين), الله جــل وعــلا لا ينظــر إلى قلوبكم وأعمالكم. فالفقير الشاكر, المؤمن بالله, الراغب في الخير, هذا هو ولي الله عز وجل, أما المستكبر والمتعالى على الحق, الذي أُعْجِبَ بماله ونفسه وجاهه, ولم يقبل الحق, فهذا لا يساوي عند الله شيئاً, وإن كان يساوي عند نفسه شيئاً كبيراً, فإنه لا يساوي عند الله شيئاً, قال تعالى: (أهؤلاء من الله عليهم مم بيننا) يعني: هؤلاء حصلوا على الهداية دوننا؛ وهم بهذه الحالة من الفقر والفاقة والحاجة, نحن أعز منهم, ونحن أكبر منهم, هذا بزعمهم ؛ لأن المقاييس عندهم مقاييس
    الغنى والثروة والجاه, وليست مقاييس القلوب والأعمال, أما المقاييس عند الله جلا وعلا فهي بالقلوب والأعمال ((ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)), والله جل وعلا يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب, ولكنه لا يعطي هذا الدين إلا لمن يحب, قال تعالى: (وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم مم بيننا).

    كذلك من أعظم الفتن فتنة التفرق والاختلاف, وظهور الفرق والجماعات, هذا من أعظم الفتن, وهذا شيء أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم, فإنه صلى الله عليه وسلم كما في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغةً, وجلت منها القلوب, وذرفت منها العيون, فقلنا: يا رسول الله, كأنها موعظة مودع, فأوصنا, قال: ((أوصيكم بتقوى الله, والسمع والطاعة)) السمع والطاعة, يعني: لولاة أمور المسلمين؛ لما في ذلك من اجتماع الكلمة, وقوة الأمة, وهيبة الأمة أمام أعدائها, إذا اجتمعت تحت قيادتها, وتحت ولايتها المؤمنة, فإن ذلك يجعل للأمة هيبة وقوة ((والسمع والطاعة, وإن تأمر عليكم عبد)), يعني: لا تحتقروا ولي الأمر مهما كان, بل اسمعوا وأطيعوا, ما دام أنه يأمر بطاعة الله ((فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً)), هذا خبر منه صلى الله عليه وسلم بوقوع الاختلاف بين المسلمين, وهو صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى, فلابد أن يقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم إن عاجلاً وإن آجلاً, ((فسيرى اختلافاً كثيراً)), ما قال: سيرى اختلافاً, فقط, بل قال: كثيراً, ثم أرشد صلى الله عليه وسلم إلى ما ينجي من شر هذا الاختلاف, فقال: <فعليكم بسنتي, وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي, تمسكوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجذ, وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة>, هكذا أخبر صلى الله عليه وسلم عن وقوع الاختلاف في الآراء والأفكار, والمذاهب والجماعات والفرق, لكنه أوصى عند ذلك بالتمسك بكتاب الله وسنته صلى الله عليه وسلم, وما كان عليه خلفاؤه الراشدون؛ فإن ذلك ضمانه النجاة لمن عمل به, أما من أفلتت يده من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهج الخلفاء الراشدين, فإنه سيضيع مع هذه الفرق المختلفة .
    وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبه ومحادثاته: <<إن خير الحديث كتاب الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل بدعة ضلالة, وعليكم بالجماعة, فإن يد الله على الجماعة, ومن شذ شذ في النار>>, فبين صلى الله عليه وسلم أسباب النجاة من الفتن وهي: التمسك بكتاب الله, والتمسك بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم, والحذر من محدثات الأمور, <إن خير الحديث كتاب الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها>, ثم قال: <<وعليكم بالجماعة>>.
    هذا أيضاً من أسباب النجاة, أن المسلم عند ظهور الافتراق والاختلاف, والجماعات المتنوعة, يكون مع جماعة المسلمين, الجماعة التي كانت تسير على خطى الرسول صلى الله عليه وسلم, وعلى منهج الرسول صلى الله عليه وسلم, لا يسير على منهج المتكلميــن, أو الجــدلييــن, أو المبتــدعيـن, وإن تَسَمَّوا بأسماء براقة خداعة, إلا أنها لا تغر أهل الإيمان, فأهل الإيمان يأخذون بما أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم: <وعليكم بالجماعة> جماعة المسلمين, وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث افتراق الأمة, قال: {افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة, وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة, وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة, كلها في النار إلا واحدة} قيل: من هي يارسول الله؟ قال (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي), هذا مثل قوله: (وعليكم بالجماعة, فإن يد الله على الجماعة), فالجماعة: هي التي تكون على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه, ولو كانت قليلة, ليس من شرط الجماعة أن تكون كثيرة, بل من شرطها أن تكون على الحق, قال تعالى: (مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ)(الانعام16) .
    ماداموا يتبعون الظن فإنهم يضلون عن سبيل الله, ولو كانوا آلاف الألوف, أو مئات الألوف, وأما من كان على الحق فإنه هو الجماعة, وهو الفرقة الناجية المنصورة, وهو الطائفة المنصورة, مادام أنه على الحق ولو كان واحداً أو عدداً قليلاً, هم الفرقة الناجية, وهم الطائفة المنصورة, وهم أهل السنة والجماعة, كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين, لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم, حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى) ولكن هذا يحتاج إلى صبر. فالتمسك بما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ والتمسك بما عليه الجماعة, الفرقة الناجية, أهل السنة والجماعة, يحتاج إلى صبر, خصوصاً في آخر الزمان ؛ لأنه في آخر الزمان المتمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم, الملازم لجماعة المسلمين, يلقى مشقة عظيمة, كما جاء في الحديث (أنه يحصل في آخر الزمان فتن, يكون القابض على دينه كالقابض على الجمر, أو على خبط الشوك), يحتاج إلى صبر, وقال صلى الله عليه وسلم: ((المتمسك بسنتي, عند فساد أمتي, له أجر خمسين)), قالوا: منا أو منهم يارسول الله؟ قال: ((بل منكم)) يعني من الصحابة ؛ لأن الصحابة كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم, وكان المناصر لهم كثيراً, لكن المتمسك بالسنة آخر الزمان, وعند ظهور الفتن, ليس له أنصار, بل أكثر الناس أضداد له, حتى من الذين يَدَّعُون أنهم على الإسلام يكونون أضداداً له, يخجلونه ويوبخونه ويخطئونه, فيحتاج إلى صبر ؛ فلذلك صار له هذا الأجر العظيم؛ بسبب ثباته على الحق عند ظهور الفتن وكثرة العوارض, ووصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ:الغرباء, قال: ((طوبى للغرباء)), قالوا: من هم يارسول الله؟ قال: <الذين يُصْلِحُون إذا فسد الناس>, وفي رواية: <يُصْلِحُون ما أفسد الناس>, فهذا يطلعنا على أمر عظيم سيحصل في آخر الزمان, فعلينا أن نسأل الله سبحانه وتعالى الثبات, والوفاة على الإسلام, وعلينا مع ذلك أن نَجِدّ في معرفة الحق وأهله, ومعرفة الباطل وأهله ؛ حتى نكون مع الحق وأهله, ونحذر من الباطل وأهله, وذلك إنما يحتاج إلى الفقه في الدين .
    هذا لا يتأتى من جاهل, إنما يتأتى ممن رزقه الله الفقه في الدين, والبصيرة بالعلم النافع, الذي يميز به بين الهدى والضلال, وبين الغي والرشد, وبين الحق والباطل.
    فالنجاة من هذه الفتن العظيمة عزيزة ؛ وأنتم ترون الآن ما يموج به العالم من فتن عظيمة .
    من الفتن: أن العالم الآن تقارب, فصار ما يحدث في أقصاه يصل إلى أقصاه بسرعة, ينتقل بواسطة الوسائل الحادثة الآن, حتى يدخل في البيوت المغلقة, وحتى يصل إلى البادية في البر, في بيوت الشعر, بواسطة هذه الوسائل ؛ وينظرونه كأنهم حاضرون في المكان الذي حدث فيه هذا الشر .
    هذا من الابتلاء والامتحان, يموج العالم الآن بالفتن فتن الشهوات, ومــا أكثـرهــا, وفتن الشبهــات والضــلالات الإلحاد, وما أكثر ذلك !
    وكل هذا يصدَّر إلى العالم, أقصاه وشرقه وغربه, جنوبه وشماله, إلا من رحم الله سبحانه وتعالى. هذا يحتاج من الإنسان إلى بصيرة, يحتاج إلى أخذ الحيطة, يحتاج إلى معرفة هذه الأضرار الوافدة ؛ حتى يتجنبها, أما الإنسان الذي ليس عنده بصيرة, وليس عنده علم, وليس عنده فقه, ربما يعتبر هذا الرقي ومن التقدم. بعضهم يعتبر هذا من النعم, وأن هذه وسائل ثقافه, ووسائل رفاهيه, وما يدري ما ينطوي عليه هذا الأمر من الخطورة, وما يحمله من الشر .
    فالأمر عظيم جداً, والفتن الآن - كما تنرونها - تعرض على الناس, تعرض على القلوب, كما قال صلى الله عليه وسلم: <<تعرض الفتن على القلوب عوداً عوداً, فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء, حتى يصبح قلباً مجخياً, لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً, إلا ما وافق هواه -أو - وما أشرب من هواه, وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء, فهو قلب لا تضره فتنة مادامت السماوات والأرض>>.
    الفتن هذه تعرض على قلوب الناس, فأي قلب أنكرها؟ ولكن القلب الذي ينكرها هو القلب الفقيه المتفقه في كتاب الله عز وجل, الذي يعرف حكم الله في هذه الأمور, أما الجاهل فقد تنطلي عليه, وقد يعجب بها, ويعتبرها من الحضارة والرقي, وأن الابتعاد عنها يعتبر من الجفاء والجلافة كما يقولون .


    والحق: إنه لا عاصم من هذه الفتن إلا ما جعله الله سبحانه وتعالى عاصماً منها, وهو كتاب الله, وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, قال الله تعالى: (الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(ابراهيم1), وقال سبحانه وتعالى: (اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ)(الاعراف3), وقال سبحانه وتعالى: (
    إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا



    وَأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)(الاسراء10:9) .


    وقال سبحانه وتعالى في أول سورة البقرة - التي هي ثانية سورة في المصحف الشريف - قال تعالى: (



    الم



    ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ



    الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ



    وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ



    أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(البقرة5:1), ذكر الله في مطلع هذه السورة أن هذا القرآن هدىً للمتقين, للمتقين خاصة, ثم بّيَّنَهُم, بيَّن من هم المتقون؟ (



    الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ



    وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ) (البقرة4:3) ثم حكم لهم بالفلاح والهداية, (أؤلئك على هدى من ربهم وأؤلئك هم المفلحون), ثم ذكر الصنف الثاني: وهم الكفار, والصنف الثالث: وهم المنافقون .


    ذكر الله سبحانه وتعالى: أن البشر عنده هذا القرآن ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
    القسم الأول: الذين آمنـــوا بـه ظاهــراً وباطناً, وهم: المتقون, وذكر الله من أوصافهم ما ذكر .

    ثم القسم الثاني: وهم الذين كفروا بهذا الكتاب ظاهراً وباطناً, وهم الكفار, قال تعالى: (
    إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ



    خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )(البقرة7:6), هؤلاء كفروا بالقرآن باطناً وظاهراً ؛ فختم الله على قلوبهم؛ عقوبةً لهم, فأصبحت لا تقبل الحق بعد ذلك .



    والقسم الثالث: الذين آمنوا بالقرآن ظاهراً وكفروا به باطناً, وهم المنافقون, وذكر الله فيهم بضع عشرة آية: من قوله تعالى: (
    وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ



    يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ



    فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ



    وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ



    أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ



    وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ



    وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ



    اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ



    أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ



    مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ



    صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ



    أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ



    يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(البقرة20:8)إلى قوله تعالى: (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير) .


    الحاصل : أن كتاب الله فيه الهدى والنور, يحتاج منا إلى تدبر, قال تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)(ص:29), فمن يريد النجاة من هذه الفتن فعليه بكتاب الله عز وجل, عليه بكتاب الله, ماذا؟ يجعله عنده؟ يشتري المصحف يجعله عنده !!؟
    عليه أن يقرأه ويعمل بما فيه ؛ فهو المصدر الأول للهداية والنجاة من الشرور في الدنيا والآخرة, في هذا القرآن العظيم تدبره, الإكثار من تلاوته, الإكثار من العمل به؛ من أجل أن يكون واقياً لك من هذه الفتن والشرور .


    وكذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنها تفسر هذا القرآن, وتبينه, وتوضحه, وتدل عليه, كما قال تعالى: (
    وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى



    إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى )(النجم4:3), والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: <<إني تارك فيكم ما إن تمسكم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله, وسنتي>>, هذا الأمانة والضمانة من الفتن لمن تمسك بهما .


    وأخبر صلى الله عليه وسلم في أحاديث: <<إنها ستكون فتن كقطع الليل المظلم, يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً, ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً, يبيع دينه بِعَرَض من الدنيا>>, يبيع دينه بعرض من الدنيا: يؤثر الدنيا على الآخرة ؛ فينساق مع الدنيا: يترك الصلاة, يمنع الزكاة, يعصي الله ورسوله, ويطيع الشيطان وأعوان الشيطان ؛ فيبيع دينه بعرض من الدنيا . نسأل الله العافية من هذه الفتن العظيمة .
    والفتن تشتد, كلما تأخر الزمان تشتد الفتن, إلى أن تأتي الفتـــن الكبار المتتابعة إلى أن تقـوم الساعة . فالإنسان يعايش الفتن في هذه الدنيا, يعايشها خصوصاً أهل آخر الزمان أكثر معايشةً للفتن, وتكون الفتن في عهدهم أكثر ؛ لقرب قيام الساعة ونهاية الدنيا .
    فالإنسان يعايش الفتن حتى عند الموت . الإنسان يفتتن حتى عند الموت, وقد يختم لخ بخاتمة طيبة, وقد يختم له بخاتمة سيئة والعياذ بالله, وكذلك يفتتن حتى في القبر, إذا وضع في قبره يفتتن: يأتيه ملكان فيقعدانه, ويسألانه: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ والسعادة والشقاوة تتوقف على الجواب . فإن قال: ربي الله, والإسلام ديني, ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم, فإنه ينادي منادٍ: أن صدق عبدي فافرشوا له من الجنة, وافتحوا له باباً إلى الجنة, فيفتح له من الجنة, ويأتيه من روحها وطيبها, وينظر إلى مساكنه في الجنة, ويقول: يارب, أقم الساعة ؛ حتى أرجع إلى أهلي ومالي, وأما إذا لم يستطع الجواب فإنه يقول: هاه, عند كل سؤال يقول: هاه, لا أدري, سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته, ما كان يعمل عن اقتناع وعن إيمان, وإنما كان يوافق الناس تقليداً فقط, أو من أجل طمع الدنيا, منافق: يظهر الإيمان, ويبطن الكفر, سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته, وهو ما يدري . فينادي مناد: أن كذب عبدي, فافرشوا له من النار أضلاعه, والأول يوسع له في قبره مد بصره, ويَنْظُرُ إلى مكانه في النار, ويقول: يارب, لا تقم الساعة ؛ ابتلاء وامتحان حتى في القبر .

    فالعبد ابن آدم معرض للفتن ؛ في حياته, وعند موته, وفي قبره, ولكن كما قال الله سبحانه وتعالى: (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء)(ابراهيم27) , وقال تعالى: (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء)(فصلت32:30), وقال تعالى: (
    جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ



    سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)(الرعد24:23), يعني: بسبب صبركم على دينكم, وثباتكم على الحق في الحياة الدنيا, نلتم هذه الكرامة (سلام عليكم بما صبرتم), ما حَصَّلوا هذا الشيء عفــواً, وإنمـا حَصَّلُــوه نتيجــة صبــر وثبــات, وإيمــان بالله ورسوله, قال تعالى: (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) .



    وأما الكافر - والعياذ بالله - فيقول الله تبارك وتعالى عنه:
    جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ



    سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ(الرعد24:23), وقوله تعالى: (



    وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ



    ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ)(الأنفال51:50) .


    فالإنسان يعايش الفتن إلى آخر لحظة من حياته, بل وعند وضعه في قبره, فالأمر يحتاج إلى اهتمام, الفتن عظيمة, والنجاة أولاً بالتمسك بكتاب الله وسنة رسوله, لكن لا يحصل التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلا بالتفقه في دين الله عز وجل, فالتفقه في دين الله لا يحصل عفواً وأمانيَّ, كما قال تعالى: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ)(البقرة78) .
    العلم لا يحصل بكثرة القراءة أو كثرة الكتب, أو كثرة المطالعة, لا يحصل العلم بهذا . إنما يحصل العلم بالتعلم على أهل العلم, وتلقي العلم عن العلماء .
    فالعلم بالتلقي لا تلقائيا, كما يظن بعض الناس اليوم, بعض الناس اليوم يقتنون كتباً, ويقرأون في كتب الحديث, والجرح والتعديل, والتفسير, وكذا وكذا, ويزعمون أنهم بذلك حصلوا على علم . لا , هذا علم لم يُبْنَ على أساس ولا على قواعد ؛ لأنه لم يتلق عن أهل العلم, فلابد من الجلوس في حلق الذكر وفي فصول الدراسة عند المعلمين الفقهاء العلماء, ولابد من الصبر على طلب العلم .
    ومــن لـم يــذق ذل التعلــم ســاعـــة *** تجـــرع كـــأس الجهــل طول حيــاتــه
    لابد من الصبر, والعلم لا يحصل بالقراءة, ولا يحصل تلقائياً, وإنما يحصل تَلَقِّياً على أيدي العلماء الصالحين, الفقهاء العارفين, الذين يبصرون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
    فلابد من الانتظام في سلك التعلم, ولابد من أخذ العلم من أبوابه والدخول من الأبواب, كما قال تعالى: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ)(البقرة189) . فالعلم له أبواب, وله حَمَلَة, وله معلمون, فلابد - أيها الإخوان - من انضمامكم لحلق التدريس, سواء كانت في المساجد, أو في المدارس, أو في المعاهد, أو في الكليات . المهم أن نأخذ العلم عن العلماء, ماداموا موجودين ومادامت الفرصة ممكنة .
    أما أن نتفرق وكل واحد يجلس في غرفة, ويجعل مكتبة ويطالع فيها ؛ وهو لم يبن على أساس, ولم يتعلم قواعد العلم, فهذا يضيع, فلابد من التفقه في دين الله على أيدي الفقهاء .
    كذلك - كما أشرنا - من أسباب النجاة: لزوم جماعة المسلمين, والابتعاد عن الانتماء إلى الفرق والجماعات المخالفة لما كان عليه سلف الأمة ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الفرقة الناجية: ((هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)), الله تعالى يقول: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ)(التوبة100), الذين اتبعوهم بإحسان: اتبعوا السابقين الأولين, يقول جلا وعلا: (والذين جاءو مم بعدهم) يعني: بعد المهاجرين والأنصار (والذين جاءو مم بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم) .

    أما إذا افترق الإنسان مع الفرق المخالفة, وصار يسب الصحابة, أو يُجَهِّل العلماء, أو يجهل الأئمة أو يغلطهم, فهذا لن يصل إلا إلى الضلال إلا إن تداركه الله برحمته, وتاب إلى الله, وعاد إلى جماعة المسلمين والفرقة الناجية, ليس هناك إلا فرقة واحدة هي الناجية, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفرق الثلاث والسبعين: <<كلها في النار>> وكونها في النار يختلف باختلاف ابتعادها عن الحق, فمنهم من هو كافر, ومنهم من هو ضال, ومنهم من هو فاسق, المهم أن الكل منهم متوعد بالنار إلا فرقة واحدة, قالوا: من هي يارسول الله؟ قال <من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي>, الطريق واحد والجماعة واحدة, قال تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيما) صراط واحد فقط, قال تعالى: (وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم), السبل الضالة كثيرة ليس لها عدد, والآن ترى الفرق والجماعات كثيرة ليس لها عدد, لكن الجماعة واحدة, من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة, كما قال صلى الله عليه وسلم <<لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين, لا يضرهم من خذلهم ولا من خالهم حتى يأتي أمر الله>> نعم , سيكون هناك من يُهَوِّن من شأنهم, من يُجَهِّلهم, من يستغفلهم, من يقول: هؤلاء ناس صالحون, ولكن يعرفون الواقع ولا يعرفون كذا . كل هذا يجب على المسلم أن لا يلتفت إليه <هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي>, لا نجاة إلا بهذا: لزوم جماعة المسلمين .
    ((وعليكم بالجماعة, فإن يد الله على الجماعة)), والنبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث حثنا على أن نكون مع الجماعة المتمسكة بطريقة النبي صلى الله عليه وسلم وطريقة أصحابه, وطريقة سلف هذه الأمة, لأن سلف هذه الأمة هم أدرى وأقرب إلى الحق ممن جاء بعدهم ؛ ولهذا أثنى صلى الله عليه وسلم على القرون الثلاثة أو الأربعة. قال <<خيركم قرني, ثم الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم>>, قال الراوي: لا أدري ذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة. ثم أخبر صلى الله عليه وسلم أن الأمر سيتغير بعد هذه القرون, وأن الأمر سيحدث فيه ما يحدث, وقد وقه ما أخبر به صلى الله عليه وسلم, فبعد انتهاء عهد القرون المفضلة حصل في الأمة ما حصل من الفتن, ومن الدخيل, ومن المذاهب المختلفة, ولم يبق على الحق إلا جماعة المسلمين الذين تمسكوا بما كان عليه السلف الصالح, ودعاة التجديد الذين يجددون هذا الدين لهذه الأمة, ومن تبعهم وسار على نهجهم, وهذا من نعم الله أن الخير إليه من أراده, ولأجل أن تقوم حجة الله جل وعلا على خلقه, فمهما كثرت الفتن ومهما كثرت الشرور, إلا أن الحق موجود والحمد لله .
    لا نقول: إن الأمة الإسلامية غائبة, كما يقول بعض الكتاب, أو بعض الخطباء, الأمة الإسلامية موجودة ولله الحمد <<لاتزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين>> لكن الشأن بالرجوع إليها والانضمام لها .
    نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يعرفون الحق ويعملون به ويتمسكون به .
    بقيت نقطة أخيرة في الموضوع: وهي أن من أسباب النجاة من الفتن -أيضاً- كثرة الدعاء, وأن المسلم يكثر من الدعاء, بأن يحميه الله من الفتن, فقد قال صلى الله عليه وسلم <استعيذوا بالله من أربع: من عذاب جهنم, ومن عذاب القبر, ومن فتنة المحيا والممات, ومن فتنة المسيح الدجال>.
    فعلى المسلم أن يكثر من الدعاء: أن يقيه الله من شر الفتن, ما ظهر منها وما بطن, وأن يُلِحّ على الله سبحانه وتعالى ويكثر من الدعاء, فإن الله سبحانه وتعالى قريب مجيب, من لجأ إليه حماه, ومن استعاذه به أعاذه, ومن دعاه استجاب له, وهو ينزل -سبحانه وتعالى- كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر, ويقول: هل من سائل فأعطيه, هل من داع, فأستجيب له, هل من مستغفر فأغفر له, وقد فتح بابه -سبحانه وتعالى- للسائلين, الليل والنهار, لكن هذه زيادة, زيادة فرصة يعطيها الله لعباده ؛ رحمةً بهم .
    فالمسلم يكثر من دعاء الله عز وجل في كل وقت , ولاسيمــا في الحالات الفاضـلـة, والأوقات الفاضـلـة.
    الحالات الفاضلة؛ كالسجود. قال صلى الله عليه وسلم: (وأما السجود فأكثروا فيه الدعاء, فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم), وقال صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد, فأكثروا الدعاء),
    أو كما قال صلى الله عليه وسلم, وفي الأوقات الفاضلة مثل: آخر الليل -ثلث الليل الآخر- وآخر ساعة من يوم الجمعة, وأدبار الصلوات .
    الإنسان يلح على الله ولا يغفل, لا يغفل عن الدعاء, خصوصاً طلب النجاة من الفتن ؛ لأنه إذا سلم من الفتن فإنه سَلِمَ من كل شر, إذا سلم من الفتن سلم دينه, وإذا سلم دينه سلمت عاقبته .
    وعلى كل حال: الفتن كثيرة وتتنوع, والدعاة إلى الفتن أيضاً يكثرون, ويتَدرَّبون ويُدَرَّبون, كما قال صلى الله عليه وسلم: <<قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا>>, دعاة الفتن يتكلمون بألسنتنا, وهم من جلدتنا من العرب وأكثرهم, أو من أقاربنا أيضاً . .
    فعلى الإنسان أن يحذر ولا يغتر . كل من دعا إلى ضلالة أو مخالفة الكتاب والسنة فاحذره, ولو كان أقرب الناس إليك, وأخبر صلى الله عليه وسلم أن السبل المخالفة لصراط الله على كل سبيل منها شيطان يدعو الناس إليه, شياطين الإنس, وشياطين الجن يدعون إلى الضلالة, قال تعالى: (أؤلئك يدعون إلى النار والله يدعوا إلى الجنة). والشيطان يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير, فهناك دعاة علينا أن نحذر منهم, وأن نحذر من شبههم, وعلينا أن نلجأ إلى كتاب الله وسنة رسوله, وإلى أهل العلم ؛ نسأل الله عما أشكل علينا, قال تعالى: (فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون), ونحن نسأل الله في كل ركعة من صلاتنا حينما نقرأ فاتحة الكتاب التي هي ركن من أركان الصلاة, قراءتها ركن من أركان الصلاة, قال الله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم*صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) .
    نسأله أن يهدينا الصراط المستقيم, وأن يجنبنا طريق المغضوب عليه, وطريق أهل الضلال, المغضوب عليهم: هم العلماء الذين لا يعلمون بعلمهم, والضالون: هم الذين يعملون بدون علم . والمنعم عليهم: هم أهل العلم والعمل, وهم الذين قال الله فيهم: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا )(النساء69).
    فمن وفق لصراط الله صارت رفقته هؤلاء الأخيار, ومن حاد عن صراط الله صارت رفقتــه المغضـــوب عليهــم والضالين. نسأل الله العافية.

    هناك كلمة قالها إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله, وهي كلمة عظيمة ينبغي للمسلـــم أن يتبصــر بهــا ويتأملها, قال رحمه الله: (لا يُصْلِح آخر هذه الأمة إلا ما أَصْلَح أولها).
    ماهو الذي أصلح أولها؟ هو الكتاب والسنة, واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم, كذلك آخر هذه الأمة حينما يكثر الشر والضلال والفرق والجماعات, لا يصلحها إلا ما أصلح الجيل الأول, وهو موجود ولله الحمد, الذي أصلح الجيل الأول موجود بين أيدينا, وهو كتاب الله, وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, والرجوع إلى العلماء المختصين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ليبينوا لنا ما أشكل علينا .
    أقول قولي هذا, وأستغفر الله لي ولكم, وأسأل الله أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم, وأن يجنبنا وإياكم طريق المغضوب عليهم والضالين من أصحاب الجحيم.
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد, وعلى آله وأصحابه أجمعين.

  2. #2
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية أعشق الليل

    -

    القلم الثائر
    تاريخ التسجيل
    12 2009
    الدولة
    دُرُة المدائن
    المشاركات
    48,109

    رد: الفقة في الدين عصمة من الفتن

    جزاك الله خير

  3. #3
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية أبوإسماعيل
    المشرف العام
    تاريخ التسجيل
    06 2003
    الدولة
    صامطة
    المشاركات
    28,312

    رد: الفقة في الدين عصمة من الفتن

    محاضرة مفيدة جدا
    وأثرها كبير

    نسأل الله أن يفقهنا في الدين

    الله يجزيك خير
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية نسايم ليل

    المنتديات الإسلامية
    تاريخ التسجيل
    10 2010
    المشاركات
    15,462

    رد: الفقة في الدين عصمة من الفتن

    نسأله أن يهدينا الصراط المستقيم, وأن يجنبنا طريق المغضوب عليه, وطريق أهل الضلال


    اللهم آمين


    جزاك الله خيــــــــر

    ورزقك الفردوس الأعلى
    أحب الصالحين ولست منهم ....لعلي أن أنال بهم شفاعة
    وأكره من تجارته المعاصي ...ولو كنا سواء في البضاعة







  5. #5
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية أبو ربيع
    تاريخ التسجيل
    06 2007
    المشاركات
    1,151

    رد: الفقة في الدين عصمة من الفتن

    جعلها الله في موازين حسناتك..

    وجعل مثواك الجنة يا رب..
    برمجتي : أكبر مصحف إلكتروني في العالم
    اللهم إني أسألك أن يكون خالصاً لوجهك الكريم..

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    الشكر موصول للغالي STYLER على الوسام الرائع..

  6. #6
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية المهاجر الشمالي
    تاريخ التسجيل
    01 2013
    المشاركات
    410

    رد: الفقة في الدين عصمة من الفتن

    تقديم رائع يحمل الافاده للجميع
    نفعنا الله واياكم بما تقدمون
    تسلم الأيادي علي هذا التقديم المتميز

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •