ويَرونهُ صَغيراً!
هكذا هو المتكبر كالواقف فوق جبل يرى الناس صغاراً ويرونه صغيراً! يظن دوماً أنه أفضل من فلان، وأرقى من علان، واجب على الناس أن يلقوا عليه السلام، يزوروه، يكرموه، ويعظموه كما تعاظم في نفسه، أن يلتمسوا له الأعذار، بل أن يكون فوق الأعذار فلا ينبغي لهم أن يظنوا أنه قد أخطأ، هكذا يزعم المتكبر ويحدث نفسه.. إن قيل له الصواب في كذا، قال بل في كذا! إذا أقيمت عليه الحجة كالشمس في رابعة النهار، حار ثمّ قال في الأمر شبهة!
هذا الداء الذميم، الذي كان أول معصية لإبليس، حين رفض امتثال أمر الله بالسجود لآدم "إلا إبلس أبى واستكبر"، وقال الله تعالى "أسكتبرت أم كنت من العالين"؛ لذلك لا يجتمع الكبر والاستسلام لله تعالى في قلب أبداً.
حين كنت صغيراً كنت أظن أن الكبر هذا لا يكون إلا من إبليس، أو فيمن هو في درجته في الكفر والطغيان، غير أني ومع الأيام، لمسته في بعض من بدا عليهم الصلاح، ولبسوا ثوب التّقى، الذي ما زال يحتاج لبعض الرقع بسبب الكبر! بل وجدته في بعض طلاب العلم، الذين يقودون الناس، ويعلموهم ويرشدوهم، وكانوا محط أنظارهم!
فترى أن من طلاب العلم من يرى نفسه شيئاً ذا بال، فتجده في مظهره، ومخبره، وحديثه، وأسلوب معاملته للناس مختالاً معرضاً عنهم، لما يرى في نفسه من فضل عليهم!
والكبر لا يأتي من فراغ إنما له أسباب منها العلم، والنسب، والجاه، والسلطان، وغيرها من الأسباب الباعثة إليه. وبعدّ التمحيص والتدقيق وتدبر تعريف الكبر في السنة المطهرة، وجدت أن كل واحد منا عليه أن يراجع نفسه في الكبر مراراً وتكراراً، ويعرض عليها حديث النبي صلى الله عليه وسلم كلما وضع جنبه وأراد النوم وكلما استيقظ، وحين يخالط الناس.. فبماذا عرف النبي عليه الصلاة والسلام الكبر؟.
الكبر بطر الحق وغمط الناس
"الكبر بطر الحق" معناه: ردّه ودفعه وعدم قبوله وهو عالم به، سواءٌ كان من حقوق الله أو من حقوق عباده.
و"غمط الناس": احتقارهم وتنقصهم، وذلك ناشئ عن عجب الإنسان بنفسه وتعاظمه عليهم وتنغصهم بقوله وفعله.
ومن سخط الله للكبر وعلى المتكبرين ربما عجل عقوبتهم في الدنيا، فقد جاء في حديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: "بينما رجل يمشي في بردين قد أعجبته نفسه خسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة"، فينبغي للمؤمن أن يحذر عقوبات الله جل وعزّ، وأن يبتعد عن أسباب الكبر.
ومن عقوباته في الدنيا أن المتكبر يصرف عن الإفادة من العلم الشرعي، ورأس ذلك العلم ولبه وأصله هو القرآن الكريم "سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ".
ومن عقوبته
جاء في الحديث القدسي "يقول الله عز وجل: العز إزاري, والكبرياء ردائي، فمن نازعني شيئاً منهما عذبته"، وفي البخاري ومسلم "ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظٍ مستكبر".
وجاء أيضاً: "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذَّر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يساقون إلى سجنٍ في جهنم يقال له: بُلس, تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال".
ولعل هذه الأحاديث تكفي لزجر المتكبرين، ولمراجعة من لمس في نفسه كبراً، أن يحاسبها، ويوقفها عند حدود الله سبحانه وتعالى، فمن علاج الكبر أن تقرع ذهن المتكبر هذه الأحاديث، وأن يتفكر في حجمه في ملكوت الله سبحانه وتعالى، وأن يسأل نفسه على ماذا يتكبر، إذا كان أوله نطفة مذرة، وأخره جيفة قذرة، وحاله بين ذلك يحمل العذرة! "أليس في جهنم مثوى للمتكبرين"؟
صالح الشنّاط